الموضوع: الشاعر العشاري
عرض مشاركة واحدة
قديم 08-31-2008
  #2
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,194
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي

و يبلغ التأثر ذروته عندما يعلم العشاري بمقتل الأمير
(( عبد الله الشاوي )) على يد عمر باشا غدراً أثناء عودته من البصرة في 1769 م و خروج أولاد الشاوي على الوالي العثماني ثائرين ناقمين على غدره بوالدهم و مطالبين بالثأر فينظم العشاري قصيدة دالية تعتبر من أشهر قصائده يرفع صوته فيها عالياً بوجه الظلم و الظالمين و يضمنها أساه و لوعته على فقد الأمير منوهاً بشجاعة آل الشاوي و كرمهم :
لقد أظلمت دار السلام لفقده
..................................... وأصبــح منها الشمل منتثر العقد
فلا قدّس الرحمن دهراً أصابه
....................................... و سهما ً رمـــاه بالمنية عن عمد
و حقّكم لو يلتقي البين بالظبا
.................................. و سمر القنا الخطّي و الصارم الهندي
شددنا عليــه شدّة حِمْيريّة
................................ تذوب لها صم الجنــــادل بالوقد

و واضح أن هذه القصيدة تشكل نموذجاً جيداً للشعر السياسي لتلك المرحلة .
و لم يكتف العشاري بذلك بل صب نقمته على والي بغداد في قصيدة تعد من أعنف شعره و أقواه جرأة ، يُقارن فيها بين الأمير المقتول (( عبد الله الشاوي وبين الوالي الغادر " الكلب " :
إذا الأسد الوردي أصبح هالكاً
..................................... لعمــرك فليحكم بما شاءه الكلب
نعم كان ليثاً كلمـــا هر نابح
................................... هوت كفّه فاغتاله الخوف و الرعب
و قد كان بدراً يستضاء بنوره
..................................... إذا اشتدّت الظلماء أو نزل الكرب


الريادة والتجديد في الشعر العربي " عند العشاري "

((في زحمةِ اشتغالِنا بتجربةِ الشعرِ الجديدِ والتجديدِ بعامَّةٍ تحتدُّ بعضُ عباراتِنا أحياناً حتى يُخيَّلَ للإنسانِ أنَّ هذه التجربةَ إنما بزغَتْ إلى الوجودِ لكي تعبِّرَ عن موقفٍ عدائيٍّ مباشرٍ أو غيرِ مباشرٍ للتراثِ الأدبيِّ العربيِّ بعامّةٍ وللشعرِ القديمِ بخاصّةٍ أو هكذا يُخيّلُ لفئةٍ من الناسِ تنسبُ لنفسِها الغيرةَ على ذلِكَ التراثِ وهي في الوقتِ نفسِهِ لا تدري من قيمةِ هذا التراثِ الحقيقيةِ شيئاً ومن هنا تنشأُ معاركُ جوفاءُ حولَ هذه التجربةِ الجديدةِ لا تمسُّ جوهرَ القضيةِ في شيءٍ وإنّما هي تعبرُ في أقصى صورِها عن موقفٍ شخصيٍّ صرفٍ لفئاتِ المتحاورينَ وقد لَقِيَتْ حياتُنا الأدبيّةُ المعاصرةُ من ذلك اللجاجِ عنتاً غيرَ يسيرٍ لأنَّ الجدلَ والحوارَ لمْ يكنْ مخلصاً للقضيةِ ذاتِها بقدرِ ما كانَ وسيلةً لتأكيدِ موقفٍ شخصيٍّ))
هذا ما كتَبَهُ الدكتورُ عزُّ الدينِ إسماعيلُ في بحثِه الأولِ في كتابِهِ القيِّمِ (الشعرُ العربيُّ المعاصرُ) ولكنَّ مشكلةَ الدكتورِ عزِّ الدينِ ومعظمِ مَنْ بحثوا نشوءَ القصيدةِ الحديثةِ تكمنُ في أنَّهمْ يسلِّمونَ سلفاً بأنَّ بداياتِ الشعرِ الحديثِ (الحقيقيةِ) لمْ تكنْ إلاَّ في القرنِ العشرينِ أمَّا نحنُ فإنَّنا نزعمُ أنَّ البداياتِ الحقيقيةَ للقصيدةِ الحديثةِ كانتْ مع كتابةِ ما سُمّيَ بـ ((البندِ)) في العراق وقد كان ذلك قبل تجربة نازك الملائكة (التي تنكر اطلاعها على البند قبل كتابة القصيدة الحديثة) وقبل جميع منافسيها على الريادة بما لا يقل عن مائة وخمسين سنة.
لقد زعمت السيدة نازك الملائكة في كتابها (قضايا الشعر المعاصر) أن ولادة الشعر الحر- وهي تعني هنا شعر التفعيلة- كانت على يديها وتدعي أن إعلان الولادة تم عندما نشرت قصيدتها (الكوليرا) سنة 1947م.
ثم تعود في مقدمة الطبعة الخامسة من نفس الكتاب لتعترف أن بعض قصائد الشعر الحر قد نشرت قبل قصيدتها وتذكر بعض الشعراء مثل: بديع حقي، وأحمد علي باكثير، ومحمد فريد أبو حديد، ومحمود حسن إسماعيل، وعرار شاعر الأردن، ولويس عوض، وسواهم.
ولتحتفظ بالريادة لنفسها تضع شروطاً أربعة ترى أنه من الواجب توفرها في القصيدة أو في كاتبها لتكون رائدة:
-ا - أن يكون ناظم القصيدة واعياً إلى أنه قد استحدث بقصيدته أسلوباً وزنياً جديداً سيكون مثيراً أشد الإثارة حين يظهر للجمهور.
2 - أن يقدم الشاعر قصيدته تلك (أو قصائده) مصحوبة بدعوة إلى الشعراء يدعوهم فيها إلى استعمال هذا اللون بجرأة وثقة. شارحاً الأساس العروضي لما يدعو إليه.
3 - أن تستثير دعوته صدى بعيداً لدى النقاد والقراء فيضجون فوراً سواء كان ضجيج إعجاب أم استنكار ويكتبون مقالات كثيرة يناقشون بها الدعوة.
4 - أن يستجيب الشعراء للدعوة ويبدؤوا فوراً باستعمال اللون الجديد وتكون الاستجابة على نطاق واسع يشمل العالم العربي كله.
هكذا فصلت السيدة نازك الملائكة جبة الريادة (للشعر الحر) لتكون لها دون سواها..
وما أكثر الذين تصدوا لهذه القضية ومنهم من حاول شد الريادة إليه ومنهم من حاول شدها إلى شاعره منهم من أسند الريادة إلى صلاح عبد الصبور وآخرون أسندوها إلى نسيب عريضة واعتبروا قصيدته (النهاية) بداية الشعر العربي الحديث.
أمام هذا التدافع المشروع لا يجد المرء مهرباً من الوقوع بشيء من الحيرة.
إلا أن السيدة نازك الملائكة تخرجنا من تلك الحيرة وتفتح لنا باباً مهماً عندما تتحدث عن البند و تقول:
(أعظم إرهاص بالشعر الحر هو ما يعرف بالبند لا بل إن هذا البند هو نفسه شعر حر للأسباب التالية:
لأنه شعر تفعيلة لا شعر شطرين.
2.لأن الأشطر فيه غير متساوية الطول.
3.لأن القافية فيه غير موحدة وإنما ينتقل الشاعر من قافية إلى قافية دون نظام أو نموذج محدد).
هذا عظيم جداً. بقي على السيدة نازك الملائكة أن تطلعنا على:
من أسس البند ومن هم رواده ما دامت قد أفردت للبند بحثاً كاملاً في كتابها (قضايا الشعر المعاصر).
ولكن يبدو لنا أن السيدة الملائكة – برغم اجتهادها في البحث- لم تنجح في إضاءة الطريق أمامنا. لا بل إنها قد أطلقت حكماً بالإعدام على رائد من أهم رواد البند (إن لم يكن الأهم إطلاقاً).
نعم لقد أطلقت السيدة الملائكة حكماً جائراً بحق الشاعر الشيخ حسين العشاري (ربما لأنها كانت تجهل الرجل) عندما قالت:
(( ومن هؤلاء الشعراء طائفة لم تلاحظ على الإطلاق أن البند يقوم على أساس التفعيلة وأن ذلك فيه هو الذي يبرر تنوع أطوال الأشطر وهي الميزة التي اختص بها دون الشعر العربي السابق كله، وكان من هؤلاء ناظمون ينظمون بنداً ذا أشطر متساوية الطول تمام التساوي تكسبه أشطره الرتيبة إملالاً وثقلاً:
هذا نموذج لناظم اسمه الشيخ حسين العشاري:
فـغدا في رمضان ............الخير كالغيث المريع
فرعينا في شتاء .............الجدب أزهار الربيع
كم أيــاد وعطايا ........... رشف النـاس لماها
ومــزايا و سجايا ........... حسد العرش سماها
فـأدام الله ذخره ........... وأعــز الله سعده
وأطـال الرب عمره ........... وأدام الحـق مجده
مدى الأيـام والدهر ........... وما در لــا الرزق
و ما انهل لنا القطر ........... وما بـان سنا الفجر
ومــا عاد لنا العيد ........... وعنا رحل الصوم
ومــا أشرقت البيد ........... بنور السادة القـوم

***
إنما هذا شعر ذو شطرين متساويين تساهل الشاعر في قوافيه))
نجيب على تساؤل السيدة الملائكة: نعم إنه شعر ذو شطرين متساويين.
ولكنا نسأل بدورنا:
لماذا اقتطعت السيدة مقطعاً من البند ولم تورده كاملاً؟..
ألا يمكننا اليوم وبعد كل التطور الذي أصابته قصيدة التفعيلة أن نقتطع مقطعاً من قصيدة معاصرة ونعيد كتابته في شطرين متساويين؟
لا أظن ذلك صعباً وقد فعل البعض مع بعض قصائد التفعيلة لنزار قباني رحمه الله ليقولوا إنه شاعر (كلاسيكي)
كما أن نازك الملائكة نفسها فعلت ذلك مع مقطع من قصيدة لمحمود درويش لتثبت أن الشعر الجديد مستمد من عروض الخليل بن أحمد:
((وفوق سطوح الزوابع كل كلام جميل
وكل لقاء وداع
وما بيننا غير هذا اللقاء
وما بيننا غير هذا الوداع))
فتعيد كتابة المقطع بعد أن تسقط منه كلمة واحدة هي ((وداع)) ليبدو ذا شطرين:
وفوق سطوح الزوابع كلُ ........... كلام جميــل وكل لقاء
وما بيننا غير هذا اللقاء ........... وما بيننا غير هذا الوداع
وتقول:
((إن الشعر الحر يمكن أن يعد شعر شطرين اعتيادياً ما عدا أنه أوسع من أسلوب الشطرين وأرحب أفقاً)).
والبند الذي اقتطعت منه السيدة نازك الملائكة حجتها موجود في ديوان العشاري الذي حققه الدكتور عماد عبد السلام رؤوف والأستاذ وليد عبد الكريم الأعظمي حيث صدر عن مطبعة الأمة في بغداد عام 1977م.
يقول محققاً ديوان العشاري في المقدمة:
(وقال عنه محمود شكري الآلوسي في المسك الأذفر:
(ولـه ديوان شعر أرق من دمعة الصب وألطف من وابل غب جدب وفيه أنواع كثيرة من الشعر وقد فاق أصحابه في ذلك)
وللعشاري فوق ما تقدم محاولات موفقة في نظم البند والذي يظهر من بنوده أن أكثر من جاء متأخراً عنه عيال عليه وأخذ منه.
وقال عبد الحميد الدجيلي:
(ولـه: جملة بنود تشهد له أنه ابن عذرتها وأن لـه النصيب الأوفر في سبك عباراتها وصوغ جملها المحبوكة البليغة ولا يخفى أنه يكاد يكون أقدم من نظم في هذا الباب بهذه الصورة المتقنة..)
توفي في بغداد بحدود 1195هـ/ 1781م. خلف لنا العديد من المؤلفات من بينها ديوانه (ديوان العشاري) الذي ضم إضافة إلى قصائده العمودية الرائعة سبعة بنود نرى فيها البداية الحقيقية لشعر التفعيلة الذي ما زلنا نكتبه ونتجادل في حق ريادته.
يقول الأستاذ حنا عبود في كتابه (النحل البري والعسل المر)
((إن الشكل مهما كان جديداً يظل محتفظاً برواسب وإرهاصات قديمة تستمر في الوجود مهما حاول المبدع التخلص منها.. هذا على افتراض أن المضمون جديد كل الجدة وإن ذهب بعضهم إلى أنه لا جديد تحت الشمس)).
ها هي ((بنود)) العشاري ترفرف في ديوانه لتثبت أنه فارس فذ في ميدانها ومعلم في إتقانها.
البند الأول:

لك النعمة والمجد
وأنت الصمد الفرد
خلقت الحر والعبد
لك الأمر بلا رد
تعاليت عن الرسم
تجاوزت عن الحد
فلا أين ولا كيف
ولا ظلم ولا حيف
ولا شين ولا عيب
ولا شك ولا ريب
فكم أودعت من سر
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس