الموضوع: التّيمّم
عرض مشاركة واحدة
قديم 06-27-2009
  #5
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,194
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: التّيمّم

ثمرة هذا الخلاف :

37 - يترتّب على خلاف الفقهاء في نوع بدليّة التّيمّم ما يلي :

أ - وقت التّيمّم :

ذهب الجمهور إلى عدم صحّة التّيمّم إلّا بعد دخول وقت ما يتيمّم له من فرض أو نفل له وقت مخصوص . واستدلّوا للفرض بقوله تعالى : { إذا قُمْتُمْ إلى الصَّلاةِ } والقيام إلى الصّلاة بعد دخول الوقت لا قبله . كما استدلّوا للنّفل بقوله صلى الله عليه وسلم : « جعلت الأرض كلّها لي ولأمّتي مسجدا وطهورا ، فأينما أدركت رجلاً من أمّتي الصّلاة فعنده مسجده وعنده طهوره » . وإنّما جاز قبل الوقت لكونه رافعا للحدث بخلاف التّيمّم ، فإنّه طهارة ضروريّة فلذلك لم يجز قبل الوقت . أمّا صلاة الجنازة أو النّفل الّذي لا وقت له ، أو الفوائت الّتي أراد قضاءها ،فإنّه لا وقت لهذا التّيمّم ما لم يكن في وقت منهيّ عن الصّلاة فيه شرعاً. وذهب الحنفيّة إلى جواز التّيمّم قبل الوقت ولأكثر من فرض ولغير الفرض أيضا لأنّ التّيمّم يرتفع به الحدث إلى وجود الماء ، وليس بمبيح فقط ، وقاسوا ذلك على الوضوء ، ولأنّ التّوقيت لا يكون إلا بدليل سمعيّ ، ولا دليل فيه .

تأخير الصّلاة بالتّيمّم إلى آخر الوقت :

38 - اتّفق الفقهاء في الجملة على أنّ تأخير الصّلاة بالتّيمّم لآخر الوقت أفضل من تقديمه لمن كان يرجو الماء آخر الوقت ، أمّا إذا يئس من وجوده فيستحبّ له تقديمه أوّل الوقت عند الجمهور - الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة وأبي الخطّاب من الحنابلة - .

وقيّد الحنفيّة أفضليّة التّأخير إلى آخر الوقت أن لا يخرج وقت الفضيلة لا مطلقاً ، حتّى لا يقع المصلّي في كراهة الصّلاة بعد وقت الفضيلة .

واختلفوا في صلاة المغرب هل يؤخّر أم لا ؟ ذهب إلى كلّ فريق من الحنفيّة .

وأمّا المالكيّة فقد فصّلوا في هذه المسألة ، فقالوا : استحباب التّأخير لمن كان يرجو وجود الماء ظنّا أو يقينا ، أمّا إذا كان متردّداً أو راجياً له فيتوسّط في فعل الصّلاة .

والقول باستحباب التّأخير هو قول ابن القاسم وهو المعتمد في المذهب ، لأنّ مريد الصّلاة حين حلّت الصّلاة ووجب عليه القيام لها غير واجد للماء فدخل في قوله تعالى : { فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدَاً طَيِّبَاً } . فكان مقتضى الأمر وجوب التّيمّم أوّل الوقت لكنّه أخّر نظرا لرجائه ، فجعل له حالة وسطى وهي الاستحباب .

وذهب ابن حبيب من المالكيّة إلى أنّ التّيمّم في أوّل الوقت إنّما هو لحوز فضيلته ، وإذا كان موقنا بوجود الماء في الوقت وجب عليه التّأخير ليصلّي بالطّهارة الكاملة ، فإن خالف وتيمّم وصلّى كانت صلاته باطلة ويعيدها أبدا .

والشّافعيّة خصّوا أفضليّته تأخير الصّلاة بالتّيمّم بحالة تيقّن وجود الماء آخر الوقت - مع جوازه في أثنائه - لأنّ الوضوء هو الأصل والأكمل ، فإنّ الصّلاة به - ولو آخر الوقت - أفضل منها بالتّيمّم أوّله . أمّا إذا ظنّ وجود الماء في آخره ، فتعجيل الصّلاة بالتّيمّم أفضل في الأظهر ، لأنّ فضيلة التّقديم محقّقة بخلاف فضيلة الوضوء .

والقول الثّاني : التّأخير أفضل . أمّا إذا شكّ فالمذهب تعجيل الصّلاة بالتّيمّم .

ومحلّ الخلاف إذا اقتصر على صلاة واحدة ، فإن صلّى أوّل الوقت بالتّيمّم وبالوضوء في أثنائه فهو النّهاية في إحراز الفضيلة .

وذهب الحنابلة إلى أنّ تأخير الصّلاة بالتّيمّم أولى بكلّ حال وهو المنصوص عن أحمد ، لقول عليّ - رضي الله عنه - في الجنب : يتلوّم ما بينه وبين آخر الوقت ، فإن وجد الماء وإلّا تيمّم ولأنّه يستحبّ التّأخير للصّلاة إلى ما بعد العشاء وقضاء الحاجة كي لا يذهب خشوعها ، وحضور القلب فيها ، ويستحبّ تأخيرها لإدراك الجماعة ، فتأخيرها لإدراك الطّهارة المشترطة أولى .

ما يجوز فعله بالتّيمّم الواحد :

39 - لمّا كان التّيمّم بدلا عن الوضوء والغسل يصحّ به ما يصحّ بهما كما سبق ، لكن على خلاف بين الفقهاء فيما يصحّ بالتّيمّم الواحد . فذهب الحنفيّة إلى أنّ المتيمّم يصلّي بتيمّمه ما شاء من الفرائض والنّوافل ، لأنّه طهور عند عدم الماء كما سبق .

واستدلّوا بحديث : « الصّعيد الطّيّب وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين » وبالقياس على الوضوء ، وعلى مسح الخفّ ، ولأنّ الحدث الواحد لا يجب له طهران .

وذهب المالكيّة والشّافعيّة إلى أنّه لا يصلّي بتيمّم واحد فرضين ، فلا يجوز للمتيمّم أن يصلّي أكثر من فرض بتيمّم واحد ، ويجوز له أن يجمع بين نوافل ، وبين فريضة ونافلة إن قدّم الفريضة عند المالكيّة . أمّا عند الشّافعيّة فيتنفّل ما شاء قبل المكتوبة وبعدها لأنّها غير محصورة ، واستدلّوا بقول ابن عبّاس رضي الله عنه من السّنّة أن لا يصلّي الرّجل بالتّيمّم إلا صلاة واحدة ثمّ يتيمّم للصّلاة الأخرى .

وهذا مقتضى سنّة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ولأنّه طهارة ضرورة ، فلا يصلّي بها فريضتين ، كما استدلّوا بأنّ الوضوء كان لكلّ فرض لقوله تعالى : { إذا قُمْتُمْ إلى الصَّلاةِ } والتّيمّم بدل عنه ، ثمّ نسخ ذلك في الوضوء ، فبقي التّيمّم على ما كان عليه ، ولقول ابن عمر يتيمّم لكلّ صلاة وإن لم يحدث .

وذهب الحنابلة إلى أنّه إذا تيمّم صلّى الصّلاة الّتي حضر وقتها ، وصلّى به فوائت ويجمع بين صلاتين ، ويتطوّع بما شاء ما دام في الوقت ، فإذا دخل وقت صلاة أخرى بطل تيمّمه وتيمّم ، واستدلّ الحنابلة بأنّه كوضوء المستحاضة يبطل بدخول الوقت .

ويجوز عند المالكيّة والشّافعيّة في الأصحّ . صلاة الجنازة مع الفرض بتيمّم واحد ، لأنّ صلاة الجنازة لمّا كانت فرض كفاية سلك بها مسلك النّفل في جواز التّرك في الجملة . ويجوز بالتّيمّم أيضا قراءة القرآن إن كان جنبا ومسّ المصحف ، ودخول المسجد للجنب ، أمّا المرور فيجوز بلا تيمّم .

وعند الشّافعيّة يجدّد التّيمّم للنّذر لأنّه كالفرض في الأظهر ، ولا يجمعه في فرض آخر . ويصحّ عند الشّافعيّة لمن نسي صلاة من الصّلوات الخمس أن يصلّيها جميعا بتيمّم واحد ، لأنّه لمّا نسي صلاة ولم يعلم عينها وجب عليه أن يصلّي الخمس لتبرأ ذمّته بيقين .

وإنّما جاز تيمّم واحد لهنّ لأنّ المقصود بهنّ واحدة والباقي وسيلة .

وعند المالكيّة يتيمّم خمسا لكلّ صلاة تيمّم خاصّ بها ، ولا يجمع بين فرضين بتيمّم واحد .

ما يصحّ فعله بالتّيمّم مع وجود الماء :

40 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه لا يصحّ فعل عبادة مبنيّة على الطّهارة بالتّيمّم عند وجود الماء إلّا لمريض ، أو مسافر وجد الماء لكنّه محتاج إليه ، أو عند خوف البرد كما سيأتي . وعلى هذا فمن فعل شيئا من العبادات المبنيّة على الطّهارة بالتّيمّم مع وجود الماء في غير الأحوال المذكورة بطلت عبادته ولم تبرأ ذمّته منها .

وذهب الحنفيّة - في المفتى به عندهم - إلى جواز التّيمّم لخوف فوت صلاة جنازة - أي : فوت جميع تكبيراتها - أمّا إذا كان يرجو أن يدرك بعض تكبيراتها فلا يتيمّم لأنّه يمكنه أداء الباقي وحده ، سواء كان بلا وضوء ، أو كان جنبا ، أو حائضا ، أو نفساء إذا انقطع دمها على العادة . لكنّهم اشترطوا في الحائض أن يكون انقطاع دمها لأكثر الحيض .

أمّا إذا كان الانقطاع لتمام العادة فلا بدّ أن تصير الصّلاة دينا في ذمّتها ، أو تغتسل ، أو يكون تيمّمها كاملا بأن يكون عند فقد الماء .

ولو جيء بجنازة أخرى إن أمكنه التّوضّؤ بينهما ، ثمّ زال تمكّنه أعاد التّيمّم وإلّا لا يعيد ، وعند محمّد يعيد على كلّ حال . واختلفوا في وليّ الميّت ، هل يجوز له التّيمّم لأنّ له حقّ التّقدّم ، أو ينتظر لأنّ له حقّ الإعادة ولو صلّوا ؟ فيه خلاف في النّقل عن أبي حنيفة . ويجوز التّيمّم عند وجود الماء أيضا لخوف فوت صلاة العيد بفراغ إمام ، أو زوال شمس ولو بناء على صلاته بعد شروعه متوضّئا وسبق حدثه فيتيمّم لإكمال صلاته ، بلا فرق بين كونه إماما أو مأموما في الأصحّ ، لأنّ المناط خوف الفوت لا إلى بدل .

وكذا كلّ صلاة غير مفروضة خاف فوتها ككسوف وخسوف ، وسنن رواتب ولو سنّة فجر خاف فوتها وحدها ، لأنّها تفوت لا إلى بدل ، وهذا على قياس أبي حنيفة وأبي يوسف ، أمّا على قياس محمّد فلا يتيمّم لها ، لأنّها إذا فاتته لاشتغاله بالفريضة مع الجماعة يقضيها بعد ارتفاع الشّمس عنده ، وعندهما لا يقضيها ، ويجوز التّيمّم عند الحنفيّة أيضا عند وجود الماء لكلّ ما يستحبّ له الطّهارة ، ولا تشترط كنوم وسلام وردّ سلام ، ولدخول مسجد والنّوم فيه ، وإن لم تجز به الصّلاة .

وقال ابن عابدين : إنّ التّيمّم لما لا تشترط له الطّهارة غير معتبر أصلا مع وجود الماء إلّا إذا كان ممّا يخاف فوته لا إلى بدل ، فلو تيمّم المحدث للنّوم ، أو لدخول المسجد مع قدرته على الماء فهو لغو ، بخلاف تيمّمه لردّ السّلام مثلا لأنّه يخاف فوته لأنّه على الفور ، ولذا فعله النّبيّ صلى الله عليه وسلم . قال ابن عابدين : وهو الّذي ينبغي التّعويل عليه .

ولم نجد لهذه المسألة ذكرا عند بقيّة المذاهب .

ولا يجوز التّيمّم عند الحنفيّة مع وجود الماء لخوف فوت جمعة ووقت ، ولو وترا ، لفواتها إلى بدل . وقال زفر : يتيمّم لفوات الوقت . قال الحلبيّ : فالأحوط أن يتيمّم ويصلّي ثمّ يعيد. قال ابن عابدين : وهذا - قول الحلبيّ - قول متوسّط بين القولين وفيه الخروج عن العهدة بيقين ، ثمّ رأيته منقولا في التتارخانية عن أبي نصر بن سلّام وهو من كبار الأئمّة الحنفيّة ، فينبغي العمل به احتياطا ، ولا سيّما وكلام ابن الهمام يميل إلى ترجيح قول زفر .

حكم فاقد الطّهورين :

41 - فاقد الطّهورين هو الّذي لم يجد ماء ولا صعيدا يتيمّم به ، كأن حبس في مكان ليس فيه واحد منهما ، أو في موضع نجس ليس فيه ما يتيمّم به ، وكان محتاجاً للماء الّذي معه لعطش ، وكالمصلوب وراكب سفينة لا يصل إلى الماء ، وكمن لا يستطيع الوضوء ولا التّيمّم لمرض ونحوه . فذهب جمهور العلماء إلى أنّ صلاة فاقد الطّهورين واجبة لحرمة الوقت ولا تسقط عنه مع وجوب إعادتها عند الحنفيّة والشّافعيّة ، ولا تجب إعادتها عند الحنابلة ، أمّا عند المالكيّة فإنّ الصّلاة عنه ساقطة على المعتمد من المذهب أداء وقضاء . وفي مسألة صلاة فاقد الطّهورين تفصيلات يرجع إليها في مصطلح : ( صلاة ) .

التّيمّم للجبيرة والجرح وغيرهما :

42 - اتّفق الفقهاء على أنّ من كان في جسده كسور أو جروح أو قروح ونحو ذلك ، فإن لم يخف ضررا أو شيئا وجب غسلها في الوضوء والغسل ، فإن خاف شيئاً من ذلك فيجوز المسح على الجرح ونحوه ، ويجوز التّيمّم وذلك في أحوال خاصّة يذكر تفصيلها والخلاف فيها في مصطلح : ( جبيرة ) .
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس