عرض مشاركة واحدة
قديم 04-06-2011
  #2
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,194
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: الشعاعات - الشعاع الرابع عشر


الشعاع الرابع عشر - ص: 414
اسكي شهر" بعد اجراء التدقيق عليها لمدة اربعة اشهر. ولم تجد هيئة الوكلاء في مجموعة "ذوالفقار" البالغة اربعمائة صفحة ما يخالف القانون الحالي سوى صفحتين فقط، لا تلائمان القوانين الحاضرة. علماً ان الصفحتين لم تتعرضا الاّ لتفسير آيتين كريمتين كتب قبل ثلاثين سنة، وان خبراء "دنيزلي" و "آنقرة" لم يجدوا الاّ خمسة عشر سهواً في رسائل النور، التي اصبحت وسيلة لاصلاح مئات الالوف من الناس الى الآن، وحققت للبلاد والامة الفاً من المنافع..
ثم ان اخذ عائلة "جالشقان" الى التوقيف في موسم العمل هذا وفي عز الشتاء القارس مع ايّ مبدأ يتلائم من مبادئ الجمهورية؟ وايّ قانون من قوانينها يجيزه؟ علماً بان كل ما قامت به هذه العائلة هى انها قدمت خدمات بسيطة للرسائل واستنسخوها لانقاذ ايمانهم وعاونونى في غربتى في "امير داغ" اشفاقاً على شيخوختى وابتغاء لوجه الله.
وما دامت مبادئ الجمهورية لا تتعرض للملاحدة، وفقاً لمبدأ حرية الضمير والوجدان، فمن الأولى والأحق ان لاتتعرض لأولئك الذين لا علاقة لهم بالدنيا، ولا يجادلون مع اهلها، ويعملون لآخرتهم وايمانهم ووطنهم بشكل نافع. كما لا ينبغي ولا يحق لأرباب السياسة الذين بيدهم السلطة في آسيا التي تشرفت بالانبياء ان يحملوا الشعب على التخلي عن الصلاح والتقوى اللذين هما بمثابة الغذاء والعلاج من الحاجات الضرورية لهذه الامة منذ الف عام.
انه من مقتضى الانسانية الصفح عن تقصيرات ترد ضمن اسئلة من قضى عشرين سنة من عمره معتكفاً منزوياً عن الناس تلك التي يسألها بعقل سعيد القديم قبل عشرين سنة.
اننى اذكركم بالآتي لمنفعة الامة والأمن وكواجب من واجباتي الوطنية:
ان اعتقال او محاولة الاساءة الى اولئك الذين لهم علاقة واهية بنا وبرسائل النور، قد يدفع بالكثيرين ممن لهم منافع ايجابية للوطن والنظام ان يتحولوا الى أناس معادين للادارة، ويفسح المجال للفوضى والارهاب.
الشعاع الرابع عشر - ص: 415
نعم، ان عدد الذين انقذوا ايمانهم برسائل النور، واندفع بها خطرهم عن المجتمع، بل اصبحوا اعضاء نافعين ايجابيين يزيد كثيراً على مائة الف شخص. وهم يشغلون مناصب رفيعة في كل دائرة من دوائر الحكومة الجمهورية، ويمثلون مختلف طبقات الناس، وهم يعملون بتفانٍ واخلاص كاملين وعلى اتم وجه من الصدق والنفع والاستقامة.. فالانصاف يقتضي اذاً حماية هؤلاء ومساندتهم لا محاولة الاساءة إليهم.
ان فريقاً من الموظفين الرسميين الذين ضربوا صفحاً عن الانصات الى شكوانا ولم يسمحوا لنا بالكلام ويتذرعون بمختلف الحجج والادعاءات الزائفة في مضايقتنا ليحملوننا على الاعتقاد، اعتقاداً قوياً، بأنهم بتصرفهم هذا انما يفسحون المجال للفوضى في البلاد.
ثم اني اقول باسم مصلحة الحكومة:
ما دامت محكمتا "دنيزلي وانقرة" لم يتعرضا "للشعاع الخامس" بعد اجراء التدقيق عليه واعيد الينا. فمن الضروري للادارة الاّ تقحمه في امور رسمية ثانية فتجعل منه موضع نقاش.
فكما اننا قد اخفينا تلك الرسالة قبل ان تحصل عليها المحكمة وتعلن عنها. فعلى محكمة "آفيون" الاّ تجعل منها مدار سؤال وجواب. لأن تلك الرسالة قوية، لا تردّ. وقد اخبرت عن حوادث قبل وقوعها، ووقعت كما اخبرت. فضلاً عن انها لا تستهدف امور الدنيا. وكل ما في الامر أن احد معانيها الكثيرة توافق رجلاً مات وانتهى امره 1. فلقد حملني وجداني أن اذكركم لمصلحة البلاد والامة ولأجل صيانة الامن والنظام والادارة بالآتي:
لا يدفعنكم التعصب لذلك الرجل الميت الى اقحام ذلك الخبر الغيبى والمعنى الوارد في تلك الرسالة في امور رسمية فانها تفسح المجال لزيادة الاعلان عنها
* * *
_____________________
1 المقصود مصطفى كمال:- المترجم.

الشعاع الرابع عشر - ص: 416
الى السادة رئيس محكمة افيون والمدعي العام والاعضاء
اقدم لكم هنا نص الدفاع الذي كنت قد قدمته الى المراجع العدلية في "دنيزلي" والذي اشتمل على تسعة اسس.
انني - كما تعلمون - شخص قد ترك الحياة الاجتماعية ولاسيما الحياة الرسمية والسياسية التي لها نواح دقيقة. لذا فانني لا اعلم ما يجب عليّ عمله حيالها، ولا افكر في ذلك، اذ ان التفكير فيه يؤلمني ألماً شديداً، ولكني مضطر الى ان ادرج دفاعي هذا لانني تعرضت في محكمة سابقة الى اسئلة متكررة عديدة لا داعي لها من شخص لايتصف بالانصاف، وهذا الدفاع (الذي يعد بمثابة خاتمة للاجوبة التي قدمتها آنذاك) قد يخرج احياناً عن الصدد، وقد يكون فيه تكرار لالزوم له، وقد يخلو من النظام والاتساق، وقد يحوي على عبارات عنيفة يمكن ان تستغل ضدي، او جملاً تخالف بعض القوانين الجديدة التي لااعرفها، ولكن مادام هذا الدفاع يتوجه نحو الحقيقة ويستهدفها لذا يمكن التجاوز عن جوانب القصور هذه من اجل الحقيقة. ان دفاعي كان يستند الى تسعة اسس:
الاول:
مادامت حكومة الجمهورية لاتتعرض لاهل الالحاد ولاهل السفاهة وذلك تحت شعار حرية الوجدان السارية في الجمهورية، لذا فان عليها - من باب اولى - الاّ تتعرض لأهل الدين ولاهل التقوى.. ومادامت أية امة لاتستطيع العيش دون دين، خاصة اذا اخذنا بنظر الاعتبار ان امم قارة اسيا لاتشبه امم اوروبا من ناحية الدين، وان الاسلام لايشبه النصرانية من زاوية الحياة الشخصية والحياة الاخروية فالمسلم الملحد لايشبه الملاحدة الآخرين. لذا اصبح هذا الدين حاجة فطرية في اعماق هذه الامة التي نورت ارجاء الدنيا منذ الف عام بدينها وبدفاعها البطولي عن تمسكها بهذا الدين تجاه جميع غارات العالم وهجومه عليه. وليس هناك اي تقدم واية مدنية تستطيع الحلول محل تعلم الصلاح والدين وحقائق الايمان في نفس هذه الامة.. لاتستطيع ان تحل محله ولا ان تنسيها اياه: اذن فان على اية حكومة تحكم امة هذا
الشعاع الرابع عشر - ص: 417
الوطن وتأخذ العدالة والأمن بنظر الاعتبار ألا تتعرض لرسائل النور، ويجب الاّ يسوقها احد الى ذلك.
الاساس الثاني:
هناك فرق كبير بين ان ترفض وترد شيئاً ما وبين الاّ تعمل بذلك الشئ. ففي كل حكومة هناك جماعة معارضة لها بشدة، فقد يكون هناك جماعة مسلمون تحت حكم مجوسي، وقد يكون هناك يهود او نصارى تحت حكم اسلامي كما في عهد عمر بن الخطاب رضى الله عنه ومع ذلك تصان الحرية الشخصية لمن لايخل بالامن ولايتعرض لادارة الحكومة، فالحكومات يهمها الظاهر ولاتنقب ما في داخل القلوب. علماً بان اي شخص يروم التعرض للامن وللسياسة ولادارة الدولة لابد ان يطالع الجرائد ويتتبع ما يجري في الدنيا من احداث لكي يحيط علماً بالتيارات وبالاوضاع المساعدة لها، لكي لايخطأ في تصرفه ولاتزل قدمه. اما رسائل النور فقد منعت طلابها عن هذا منعاً باتاً، حتى ان اصدقائي المقربين يعلمون بانني ومنذ خمس وعشرين سنة تركت الجرائد ولم اسأل ولم استفسر عن اية جريدة ولم يكن لدي فضول او رغبة فيها فضلا عن قراءتها. واما الآن فلا اعرف (ومنذ عشر سنوات) اي شئ عن اخبار العالم واوضاعها سوى عن هزيمة الالمان وانتصار البلاشفة.. الى هذه الدرجة منعتنى رسائل النور وابعدتني عن الحياة الاجتماعية. اذن فمن المفروض ومن الواجب ان تمنع حكمة الحكومة وقانون السياسة ودستور العدالة التعرض لي او لاخواني من امثالي، وكل من يتعرض لايفعل ذلك الاّ تحت تأثير اوهامه او احقاده او عناده.
الاساس الثالث:
لقد اضطررت الى تقديم الشرح الطويل التالي جواباً على اعتراضات خاطئة لامعنى لها ولا ضرورة لها، التي قدمها المدعي العام في المحكمة السابقة حول ماجاء في "الشعاع الخامس". ولم يكن هذا المدعي يستند الى مادة في القانون، بل الى حب وتعصب لشخص ميت.
اولاً: لقد كنا نحتفظ بـ"الشعاع الخامس" بشكل سري قبل ان تقع هذه الرسالة في يد الحكومة، ورغم التحريات التي اجريت لم تعثر الحكومة عندي على نسخة
الشعاع الرابع عشر - ص: 418
منها. ولم تكن غاية هذه الرسالة الاّ انقاذ ايمان العوام وازالة شبههم وانقاذهم من رد وانكار بعض الاحاديث المتشابهة. ولم تلتفت هذه الرسالة الى شؤون الدنيا الاّ بالدرجة الثالثة او الرابعة وكشئ عرضي. علماً بان ما اخبرته كان صحيحاً ولم تتعرض لاهل السياسة ولاهل الدنيا ولم تخاصمهم او تبارزهم، بل اكتفت بسوق الاخبار دون ان تعيّن الاشخاص او ان تسمي المسميات، بل تبين حقيقة حديث نبوي بشكل كلي وعام. ولكنهم قاموا بتطبيق هذه الحقيقة على شخص مدهش عاش في هذا العصر فانطبقت عليه تماماً، لذا فقد اظهروا اعتراضهم لانهم حسبوا ان هذه الرسالة أُلفت في هذه السنوات، علماً بان تاريخ هذه الرسالة اقدم من تاريخ انتسابي الى "دار الحكمة الاسلامية" ولكنها نسّقت فيما بعد ودخلت ضمن رسائل النور، واليكم التفاصيل:
قدمت الى استانبول قبل اربعين سنة، اي قبل عام واحد فقط من اعلان الحرية 1، وكان القائد الياباني العام آنذاك قد وجّه الى علماء الاسلام بعض الاسئلة الدينية، فتوجه علماء استانبول بهذه الاسئلة اليّ كما طرحوا عليّ اسئلة اخرى عديدة بهذه المناسبة، ومن ضمن هذه الاسئلة ماورد في احد الاحاديث الشريفة انه:
(يصبح شخص رهيب في آخر الزمان وقد كتب على جبينه: هذا كافر) فقلت:
سيتولى امر هذه الامة شخص عجيب، ويصبح وقد لبس قبعة على رأسه، ويكره الناس على لبسها. فسألوني بعد هذا الجواب:
ألا يكون من يلبسها آنذاك كافراً؟ قلت:
عندما تستقر القبعة على الرأس ستقول: لاتسجد، ولكن الايمان الموجود في الرأس سيرغم تلك القبعة على السجود ان شاء الله، وسيدخلها الاسلام.
ثم قالوا:
وسيشرب هذا الشخص ماءً وستنثقب يده، وعند ذلك سيعلم الجميع انه "السفياني"
_____________________
1 اعلان الحرية: المقصود منه الاعلان الثانى للدستور، اى المشروطية الثانية وتم ذلك سنة 1908 من قبل السلطان عبد الحميد الثانى. - المترجم.

الشعاع الرابع عشر - ص: 419
فاجبتهم:
هناك مثل يضرب للمسرف فيقال عنه: ان يده مثقوبة وكفه منخرقة، اي ان المال لايبقى في يده، بل يسيل ويضيع.
وهكذا فان ذلك الشخص المدهش والعجيب سيبتلى بالادمان على الخمر (وهو سائل) وسيمرض جراء هذا الادمان مما سيقوده الى اسرافات لاحدود لها، وسيعوّد غيره ايضاً على الاسراف.
فسأل احدهم:
عندما يموت هذا الشخص سيهتف الشيطان في منطقة "ديكيلي طاش" في استانبول للدنيا ان فلاناً قد مات.
فقلت له آنذاك:
"سيعلن هذا النبأ عن طريق البرقيات". ولكني عندما سمعت فيما بعد باختراع الراديو علمت ان جوابي القديم لم يكن تاماً.. وقلت بعد ثماني سنوات عندما كنت في دار الحكمة:
"سيتم اعلان النبأ الى العالم اجمع بوساطة الراديو".
ثم سألوا اسئلة عديدة حول سد ذي القرنين ويأجوج ومأجوج وحول دابة الارض والدجال وعن نزول عيسى عليه السلام، فاجبت عنها، حتى ان قسماً من هذه الاجوبة ادرج في بعض مؤلفاتي القديمة.
بعد مدة ارسل مصطفى كمال رسالتين بالشفرة الى صديقي تحسين بك الذي كان آنذاك والياً على مدينة "وان" يستدعيني الى "انقرة" لكي يكافئني على قيامي بنشر رسالة "الخطوات الست" 1 فذهبت اليها. فعرض عليّ تعييني في وظيفة الواعظ العام في الولايات الشرقية براتب قدره ثلاثمائة ليرة في محل الشيخ السنوسي وذلك لعدم معرفة الشيخ اللغة الكردية، وكذلك تعييني نائباً في مجلس المبعوثان
_____________________
1 في تلك الفترة كانت هناك حكومتان: حكومة الخلافة في استانبول تحت الاحتلال الانكليزي. وحكومة منشقة في انقرة برئاسة مصطفى كمال تقاتل دول الاحتلال. وكان الاستاذ النورسي في استانبول آنذاك فنشر هناك هذه الرسالة الموجهة ضد احتلال الانكليز ودحض سياستهم، وكان لها وقع كبير آنذاك. - المترجم.

الشعاع الرابع عشر - ص: 420
(المجلس النيابى) وفي رئاسة الشؤون الدينية مع عضوية في "دار الحكمة"، وكان يريد بذلك ارضائي وتعويضي عن وظيفتي السابقة، وكان السلطان رشاد قد خصص تسعة آلاف ليرة ذهبية لانشاء مدرسة الزهراء - التي كنت قد وضعت اسسها - ودار الفنون في مدينة "وان" فقرر مجلس المبعوثان زيادة هذا المبلغ الى مائة وخمسين الف ليرة ورقية حيث وقّع ثلاث وستون ومائة نائباً من بين اعضاء المجلس البالغ عددهم مائتي نائب بالموافقة على ذلك.
ولكني عندما لاحظت ان قسماً مما جاء من الاخبار في المتن الاصلي لرسالة "الشعاع الخامس" ينطبق على شخص شاهدته هناك، فقد اضطررت الى ترك تلك الوظائف المهمة، اذ اقتنعت بان من المستحيل التفاهم مع هذا الشخص او التعامل معه او الوقوف امامه، فنبذت امور الدنيا وامور السياسة والحياة الاجتماعية، وحصرت وقتي في سبيل انقاذ الايمان فقط. ولكن بعض الموظفين الطاغين والبعيدين عن الانصاف استكتبوني رسالتين او ثلاثاً من الرسائل المتوجهة الى الدنيا ثم قمت - نزولاً عند رغبة بعض الذوات - بجمع وتنظيم اصول تلك الرسائل القديمة بمناسبة الاسئلة المتعلقة بالاحاديث النبوية المتشابهة حول علامات يوم القيامة حيث اخذت هذه الرسالة اسم "الشعاع الخامس" من رسائل النور. وان ارقام رسائل النور ليست مطردة مع ترتيب او تسلسل تأليفها، فالمكتوب الثالث والثلاثون مثلاً ألّف قبل المكتوب الاول، كما ان اصل "الشعاع الخامس" هذا مع بعض اجزاء رسائل النور تم تأليفها قبل رسائل النور. على اية حال فان تعصب المدعي العام لمصطفى كمال وصداقته له - وهو يشغل مثل هذا المقام - ادّى الى اسئلة واعتراضات غير قانونية وغير ضرورية وخاطئة مما ساقني الى تقديم هذه الايضاحات الخارجة عن الصدد، وانا ابين هنا احد اقواله كمثال على كلامه المشوب بالمزاج الشخصي الخارج عن القانون.
قال: ألم تندم من قلبك بما اوردته في "الشعاع الخامس"؟ ذلك لانك قمت باهانته وتحقيره عندما قلت عنه: انه اصبح مثل قربة الماء من كثرة شربه الخمر والشراب.
وانا اقول جواباً لتعصبه الذميم والخاطئ تماماً الناشئ من صداقته له:
الشعاع الرابع عشر - ص: 421
لايمكن اسناد شرف انتصار الجيش البطل اليه وحده، ولكن تكون له حصة معينة فقط من هذا الانتصار. فمن الظلم ومن الخروج على العدالة بشكل صارخ اعطاء غنائم الجيش وامواله وارزاقه الى قائد واحد.
وكما قام ذلك المدعي العام البعيد عن الانصاف باتهامي لكوني لا احب ذلك الشخص ذا العيوب الكثيرة، الى درجة انه وضعني موضع الخائن للوطن، فانني اتهمه ايضاً بعدم حبه للجيش، ذلك لانه عندما يعطي الى صديقه ذاك كل الشرف وكل المغانم المعنوية فانه يكون بذلك قد جرد الجيش من الشرف، بينما الحقيقة هي وجوب توزيع الامور الايجابية والحسنات والافضال على الجماعة وعلى الجيش، اما الامور السلبية والتقصيرات والتخريبات فيجب توجيهها الى القيادة والى الرأس المدبر والى الممسك بزمام الامور. ذلك لان وجود اي شئ لايتحقق الا بتحقق جميع شرائط واركان الوجود، والقائد هنا شرط واحد فقط من هذه الشروط. اما انتفاء اي شئ وفساده فيكفي له عدم وجود شرط واحد او فساد ركن واحد فقط. لذا يمكن عزو ذلك الفساد الى الرأس المدبر والى الرئيس لان الحسنات والامور الجيدة تكون عادة ايجابية ووجودية. فلايمكن حصرها على من هم في رأس الدولة. بينما السيئات والتقصيرات عدمية وتخريبية ويكون الرؤساء هم المسؤولون عنها. ومادام هذا هو الحق وهو الحقيقة فكيف يمكن ان يقال لرئيس عشيرة قامت بفتوحات: "احسنت ياحسن آغا"؟ واذا غُلبت تلك العشيرة وجهت الى افرادها الاهانة والتحقير؟.. ان مثل هذا التصرف يكون مجانباً للحق تماماً ومعاكساً له.
وهكذا فان ذلك المدعي العام الذي قام باتهامي قد جانب الحق والحقيقة وجانب الصواب، ومع ذلك فهو بزعمه قد حكم باسم العدالة.
وعلى مثال خطأ هذا الشخص فقد جاءني قبيل الحرب العالمية السابقة في مدينة "وان" بعض الاشخاص المتدينين والمتقين وقالوا لي:
"هناك بعض القواد تصدر منهم اعمال ضد الدين. فاشترك معنا لاننا سنعلن العصيان عليهم".
الشعاع الرابع عشر - ص: 422
قلت لهم:
"ان تلك الاعمال اللادينية وتلك السيئات تعود الى أمثال اولئك القواد. ولايمكن ان نحمّل الجيش مسؤوليتها، ففي هذا الجيش العثماني قد يوجد مائة الفٍ من اولياء الله. وانا لا استطيع ان امتشق سيفي ضد هذا الجيش، لذا لا استطيع ان اشترك معكم". فتركني هؤلاء، وشهروا اسلحتهم، وكانت النتيجة حدوث واقعة "بتليس" 1 التي لم تحقق اي هدف. وبعد قليل اندلعت الحرب العالمية، واشترك ذلك الجيش في تلك الحرب تحت راية الدين ودخل حومة الجهاد، فارتقت منه مئات الالاف من الشهداء الى مرتبة الاولياء، فقد وقعوا بدمائهم على شهادات الولاية. وكان هذا برهاناً وتصديقاً على صحة سلوكي وصواب تصرفي في تلك الدعوى.
على اية حال.. لقد اضطررت الى الاطالة قليلاً وقد ساقتني اليها تصرفات المدعي العام العجيبة والمتسمة بالاهانة تجاهي وتجاه رسائل النور، مع ان من الواجب عند من يتكلم باسم العدالة الاّ يسمح لأية عواطف شخصية ولا لأية مؤثرات خارجية بالتأثير عليه وجرّه الى الخطأ وان كان جزئياً او الى عدم الحياد والى الحكم بانفعالات شخصية ونفسية.
الاساس الرابع:
بعد ان قامت محكمة "اسكي شهر" بتدقيق مئات الرسائل والخطابات طوال اربعة اشهر، اعطت حكماً بالسجن ستة اشهر لخمسة عشر شخصاً فقط من بين مائة وعشرين متهماً. اما بالنسبة لي فقد حكم عليّ بالسجن سنة واحدة. فمع انهم دققوا مائة رسالة (من رسائلي) فلم يجدوا فيها شيئاً سوى خمس عشرة كلمة في رسالة او في رسالتين. وصدر القرار ببراءتي في مسائل تشكيل الطرق الصوفية والجمعيات السياسية وفي موضوع القبعة، وقد قضينا مدة الحكم في السجن. وبعد ذلك وفي "قسطموني" لم يجدوا شيئاً لادانتي مع انهم تحروا وبحثوا وفتشوا كثيراً ولعدة مرات. وقبل سنوات وضعت الحكومة يدها في "اسبارطة" على جميع اجزاء رسائل
_____________________
1 عصيان قامت به العشائر الكردية المحيطة بمدينة بتليس ضد حكم الاتحاد والترقي قبيل الحرب العالمية الاولى. - المترجم.

الشعاع الرابع عشر - ص: 423
النور بلا استثناء، العلنية منها والسرية الخاصة، وبعد تدقيق هذه الرسائل لمدة ثلاثة اشهر اعادتها الى اصحابها. وبعد عدة سنوات بقيت جميع الرسائل تحت تدقيق محكمة "دنيزلي" ومحكمة "انقرة" لمدة سنتين، ثم اعيدت جميعها الينا. اذن فما دامت هذه هي الحقيقة فان القيام باتهامي واتهام رسائل النور وطلبة رسائل النور من قبل اناس يتكلمون باسم القانون ولكنهم يتصرفون بحقد ويلوموننا تحت تأثير اهواء ومشاعر شخصية وبشكل غير قانوني، لايعني اتهامنا فقط بل يعني قبل ذلك اتهام محكمة "اسكي شهر" وكذلك اتهام محكمة "قسطموني" واتهام موظفي الامن في تلك الولاية، ويعني ايضاً اتهام جهاز العدالة في "اسبارطة" وكذلك محكمة "دنيزلي" ومحكمة الجنايات الكبرى في انقرة، اي انهم يقومون باشراك كل هذه المؤسسات معنا في الذنب (ان كان لنا اي ذنب). لانه لو كان لنا اي ذنب فمعنى ذلك ان الجهات الامنية في تلك الولايات الثلاثة او الاربعة لم تستطع ان ترى شيئاً رغم مراقبتها الدقيقة، او انها رأت ولكنها اغمضت عيونها، كما ان تلك المحكمتين لم تستطيعا معرفة ذلك مع قيامهما بالفحص الدقيق طوال سنتين او انهما لم يقرآ باهتمام. اذن فان هذه الجهات تكون هي المتهمة اكثر مما نكون نحن. هذا علماً بانه لو كانت لدينا رغبة في التوجه الى الامور الدنيوية، لما كان الصوت الصادر منا مثل طنين الذباب، بل لكان صوتاً هادراً كدويّ المدافع.
اجل ان رجلاً دافع بكل شدة وصلابة دفاعاً مؤثراً ودون خوف او وجل امام المحكمة العرفية العسكرية التي انعقدت بسبب احداث 31 مارت 1، وفي مجلس المبعوثان دون ان يبالي بغضب مصطفى كمال وحدّته.. كيف يتهم هذا الشخص بانه يدير سراً خلال ثمانى عشرة سنة ودون ان يشعر به احد مؤامرات سياسية؟ ان من يقوم بمثل هذا الاتهام لاشك انه شخص مغرض. وكما امّلنا من المدعي العام لمحكمة "دنيزلي" فاننا نأمل من المدعي العام لمحكمة "افيون" ان ينقذنا من اعتراضات هؤلاء المغرضين ومن احقادهم، وان يُظهر وجه العدالة وحقيقتها.
_____________________
1 حوادث 31مارت: هي حركة تمرد في الجيش عام 1909م تسببت في اندلاعها جماعة الاتحاد والترقي واتهموا السلطان عبد الحميد باثارتها كمبرر لعزله، مع ان السلطان نفى هذا الاتهام وطلب تشكيل لجنة تتقصى الحقائق الا ان الاتحاديين رفضوا ذلك وعزلوا السلطان(المترجم).

الشعاع الرابع عشر - ص: 424
الاساس الخامس:
ان من الدساتير الاساسية لطلبة النور هو عدم التعرض قدر الامكان للسياسة ولأمور الحكومة وشؤونها واجراءاتها، ذلك لان القيام بخدمة القرآن باخلاص يكفيهم ويغنيهم عن اي شئ آخر. ثم ان الداخلين الآن ساحة السياسة مع وجود تيارات قوية سائدة لايستطيع احد منهم ان يحافظ على استقلاليته وعلى اخلاصه، لان تياراً من هذه التيارات سيجره اليه ويجعله يعمل لحسابه ويستغله في مقاصده الدنيوية، مما يؤدي الى الاخلال بقدسية عمله وخدمته. ثم ان اشد انواع الظلم مع اشد انواع الاستبداد قد اصبحا دستوراً وقانوناً من قوانين الصراع والنزاع المادي في هذا العصر، وهذا يعني ان كثيراً من الابرياء يذهبون ضحية خطأ فرد واحد، او يقع هذا الفرد مغلوباً على امره. عند ذلك يتوهم من هجر دينه من اجل دنياه او جعل دينه وسيلة لدنياه ان حقائق القرآن المقدسة - التي لاينبغي ان تستغل لاي شئ - قد تم استغلالها في ساحة الدعاية السياسية. ثم ان افراد الامة بجميع طبقاتها.. المعارضين منهم او المؤيدين، الموظفين منهم او العامة.. جميعهم لهم حصة في تلك الحقائق القرآنية وهم بحاجة اليها، لذا كان على طلبة النور ان يبقوا محايدين تماماً، وكان من الضروري لهم عدم الخوض في السياسة وفي الصراع المادي وعدم الاشتراك فيه.
الاساس السادس:
لايجوز التهجم على رسائل النور بحجة وجود قصور في شخصي او في اشخاص بعض اخواني، ذلك لان رسائل النور مرتبطة بالقرآن مباشرة، والقران مرتبط بالعرش الاعظم. اذن فمن ذا يجرأ ان يمد يده الى هناك، وان يحل تلك الحبال القوية؟ ثم ان رسائل النور لايمكن ان تكون مسؤولة عن عيوبنا وعن قصورنا الشخصي، لايمكن هذا ولايجوز ان يكون ابداً، حيث ان بركتها المادية والمعنوية وخدماتها الجليلة لهذه البلاد قد تحققت باشارات ثلاث وثلاثين آية قرآنية وبثلاث كرامات غيبية للامام علي رضى الله عنه وبالاخبار الغيبي للشيخ الكيلاني قدس سره. والا فان هذا البلد سيواجه خسائر واضراراً مادية ومعنوية لايمكن تلافيها.
وسيرتد كيد الاعداء الخفيين لرسائل النور من الملاحدة الى نحورهم وستفشل باذن الله الخطط الشيطانية التي يحوكونها والحملات التي يشنونها عليها. ذلك لان طلبة النور ليسوا مثل الآخرين، فبعون الله تعالى وعنايته لايمكن تشتيتهم ولاحملهم
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس