عرض مشاركة واحدة
قديم 04-06-2011
  #6
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,194
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: الشعاعات - الشعاع الرابع عشر


الشعاع الرابع عشر - ص: 455
"الشعاع الخامس". ثم ان قيامي باظهار سيئاته ليس الا من اجل صيانة كرامة الجيش. اي ان عدم محبة شخص فرد ليس إلاّ من أجل كيل الثناء الى الجيش بكل حب.
الاساس الثالث:
على الرغم من وجود مائة ألف طالب من طلاب النور واحالة مائة الف نسخة من رسائل النور الى ست محاكم في ظرف عشرين سنة، فلم تسجل لدى موظفي أمن عشر ولايات اي شئ يخل بالامن او يقلق هدوء البلد. وان عدم وجود اية مادة تشير الى هذا الاخلال لا في هذه المحاكم الست ولا عند موظفي هذه الولايات العشر لهو اكبر دليل وافضل رد على التهمة العجيبة القائلة باننا نحرض على الاخلال بالأمن.
اما بخصوص لائحة الاتهام الجديدة هذه فمن العبث القيام بالرد عليها، لانه ليس الا تكراراً لتهم سابقة سبق وان تمت الاجابة عليها عدة مرات، وسبق لثلاث محاكم اصدار قراراتها بتبرئتنا منها، وهي مسائل لا أهمية لها. ولما كان اتهامنا في هذه المسائل يُعد في الحقيقة اتهاماً لمحكمة الجنايات الكبرى في "انقرة" ولمحكمة "دنيزلي" ولمحكمة " اسكي شهر" (لان هذه المحاكم برأتنا في هذه المسائل) لذا فانني أدع الاجابة عنها لهذه المحاكم.
زد على هذا فهناك مسألتان او ثلاث مسائل اخرى:
المسألة الاولى:
مع انهم اصدروا قراراً ببراءتنا وباعادة ذلك الكتاب الينا بعد تدقيق وتمحيص تامين دام سنتين في محكمة "دنيزلي" و"محكمة الجنايات الكبرى في انقرة" فانهم يلوحون بمسالة او مسألتين واردتين في رسالة "الشعاع الخامس" بخصوص قائد 1 مات وانتهى امره كمادة اتهام ضدنا. اما نحن فنقول: ان توجيه نقد صائب كلي بحق شخص مات وانتهى امره وانقطعت صلته بالحكومة لايعد في نظر القانون ذنباً.
ثم قام مقام الادعاء باستخراج تأويل متحذلق من معنى عام وكلي، وطبق هذا في حق ذلك القائد. علماً بانه مامن قانون يعد وجود معنى في رسالة خاصة وسرية يدق على افهام العامة ولايدركها سوى واحد في المائة... ما من قانون يعد ذلك ذنباً، ثم
_____________________
1 المقصود هو مصطفى كمال (المترجم)

الشعاع الرابع عشر - ص: 456
ان تلك الرسالة شرحت تأويل الاحاديث المتشابهة بشكل رائع . وعندما نكون بصدد بيان المعنى الحقيقي لحديث وانطبق هذا المعنى بحق شخص مقصر فما من قانون يعد هذا ذنباً، خاصة وان هذا البيان موجود منذ حوالي اربعين عاماً وتم تقديمه لثلاث محاكم ولمحكمتكم، وقدم مرتين خلال ثلاث سنوات الى ستة مراجع رسمية في "انقرة" ولم يتم الاعتراض على دفاعي وعلى اعتراضاتي التي قدمت فيها اجابات قطعية.
ثم ان نقد ذلك الشخص الذي كان ضمن انقلاب ادىالى مساوئ عديدة، لا ترجع اليه وحده حسنات ذلك الانقلاب، بل ترجع الى الجيش والى الحكومة، اما هو فقد تكون له حصة واحدة منها 1 فكما ان قيامنا بنقده من زاوية سيئاته لايعد ذنباً، لايجوز القول ان ذلك يعني الهجوم على حركة الانقلاب. ويا ترى اىّ ذنب واي جريرة في ان تنتقد او تضمر عدم المحبة لرجل حوّل جامع اياصوفيا الذي هو مبعث الشرف الابدي لامة بطلة، والدرة الساطعة لخدماتها وجهادها فى سبيل القرآن، وهدية تذكارية نفيسة من هدايا سيوف اجدادها البسلاء.. حوّله الى دار للاصنام وبيت للاوثان وجعل مقر المشيخة العامة ثانوية للبنات؟
المسألة الثانية حول موجبات الاتهام في لائحة الادعاء العام:
بعدما كسبنا البراءة في ثلاث محاكم، فان بياناً رائعاً لتأويل حديث شريف (في الشعاع الخامس) قبل اربعين سنة انقذ الامة. حيث ان شيخ الاسلام - للجن والانس - "زنبللي علي افندي" قد قال: "ليس هناك اي جواز في لبس القبعة، حتى لو لبست مزاحاً". كما لم يجوّز لبسها شيوخ الاسلام وعلماؤه، مماجعل عوام اهل الايمان امام خطر حين اضطروا الى لبسها 2 إذ أصبحوا امام خيارين: إما ان يتركوا دينهم، او يقوموا بحركة عصيان

_____________________
1 بعد ان استولى مصطفى كمال على مقاليد الحكم قام بسن قوانين عديدة ضد الاسلام فالغى الخلافة والغى المدارس الدينية وقلب احرف الكتابة من الاحرف العربية الى الاحرف اللاتينية، ومنع الأذان الشرعي (اذ امر ان يكون الاذان باللغة التركية) واصدر قانون الازياء واستورد القوانين السويسرية والفرنسية. . . إلخ. وهذه تعد من مساوئ نظامه، الا ان حروب الاستقلال التي شارك فيها وقاد بعضها وانتهت بالانتصار وطرد القوات الاجنبية تعد من المحاسن، ولكن هذه المحاسن شارك فيها قواد آخرون وكانت الحصة الكبيرة فيها للقواد وللضباط الصغار وللجنود البسلاء، بينما حاولت صحفه ومصادر اعلامه ان تنسب جميع هذه المحاسن اليه واهملت الاشارة الى القواد الآخرين والجيش.- المترجم.
2 وذلك بموجب قانون الازياء الذي سنّه مصطفى كمال وأجبر الناس على لبس القبعات. - المترجم.

الشعاع الرابع عشر - ص: 457
ولكن احدى فقرات رسالة "الشعاع الخامس" ذكرت انه "ستعلو القبعةُ الرؤوس وستقول: لاتسجد، ولكن الايمان الموجود في ذلك الرأس سيجبر تلك القبعة أيضاً على السجود ويجعلها ان شاء الله مسلمة" أنقذت عوام أهل الايمان من التمرد والعصيان كما انقذتهم من التخلي عن دينهم باختيارهم. فضلاً عن انه ليس هناك قانون يطالب الاشخاص المنزوين بمثل هذه الاشياء، ان ست حكومات في ظرف عشرين سنة لم تجبرني على لبس القبعة. كما ان النساء والاطفال وائمة المساجد والموظفين في دوائرهم ومعظم القرويين غير مجبرين على لبسها، وفي الآونة الاخيرة رفعت عن رؤوس الجنود. كما ان لبس الطاقية واغطية الرأس غير ممنوع في كثير من الولايات، ورغم كل هذا فقد اصبح هذا 1 عنصر اتهام ضدي وضد اخواني. فهل يوجد في العالم كله قانون او مصلحة او اصل يعد مثل هذا الاتهام (الخالي من اي معنى) ذنباً؟
الاساس الثالث المتخذ مداراً للاتهام:
وهو زعم التحريض للاخلال بالأمن في "اميرداغ". وانا اقول رداً على هذا:
اولاً:
نشير الى الاعتراض الذي قدمتُه الى هذه المحكمة والى ست مراجع رسمية في "انقرة" بعلم هذه المحكمة واذنها، وهو اعتراض لم يرد عليه، لذا فانني أقدم الاعتراض نفسه كجواب للائحة الاتهام.
ثانياً:
يشهد كل من تكلم معي في "اميرداغ" ويشهد الاهالي وموظفو الأمن بانني بعد صدور القرار ببراءتي ابتعدت بكل قوتي - وانا قابع في انزوائي - عن المشاركة في اية سياسة دنيوية، حتى انني تركت التأليف والتراسل، فلم اكتب الا فقرتين صغيرتين حول الملائكة وحول حكمة التكرار في القرآن، ولم اكن اكتب سوى مكتوب واحد فقط في الاسبوع أحث فيه على قراءة رسائل النور، حتى انني لم ابعث لاخي المفتي - الذي كان من طلابي طوال عشرين عاماً - سوى ثلاث او اربع رسائل في ظرف ثلاث سنوات، وكان يبعث اليّ ببطاقات تهنئة العيد على الدوام، وكان يقلق علي قلقاً كبيراً. اما اخي الآخر الساكن في بلدتي فلم ابعث له طوال عشرين عاماً اية
_____________________
1 اي عدم لبس القبعة - (المترجم).

الشعاع الرابع عشر - ص: 458
رسالة ابداً، ومع ذلك نرى ان لائحة الاتهام تقوم بحذلقة لامثيل لها بتكرار الاسطوانة القديمة واتهامي بالاخلال بالامن، وبالوقوف ضد الحركة الانقلابية. ونحن نقول رداً على هذا:
ان مايزيد عن عشرين الف نسخة من رسائل النور، طوال عشرين عاماً، طالعها عشرون الفا، بل مائة الف من الناس بكل شوق وبكل قبول، ومع ذلك لم تجد ست محاكم ولم يجد رجال الأمن في عشر ولايات معنية اي شئ ضدهم. وهذا يبين بانه لو كان هناك احتمال واحد فقط من ألوف الاحتمالات ضدنا فانهم يأخذون به ويتخذون هذا الاحتمال وكأنه امر واقع لامحالة، مع انه لو كان هناك احتمال واحد ضمن احتمالين او ثلاثة، ولم يظهر اي اثر له فلا يعد ذلك الاحتمال ذنباً. حتى ان واحداً بالالف من الاحتمال غير وارد، وهناك احتمال وارد لكل شخص - ومنهم المدعي العام - وهو احتمال قيامه بقتل اشخاص عديدين، او القيام بالاخلال بالأمن خدمة للشيوعيين وللفوضويين. اذن فان النظر الى مثل هذه المبالغة في الاحتمالات وكأنها اصبحت حقيقة وواقعة واستعمالها على هذا الاساس خيانة للعدالة وللقانون. ثم ان من الطبيعي وجود معارضة لكل حكومة، وان المعارضة الفكرية لاتعد جناية. فالحكومة تأخذ بالظاهر ولاتحاسب على مافي القلوب. ونحن نخشى ان يكون الاشخاص الذين يوجهون مثل هذه التهم الباطلة في حق شخص لم يصدر منه اي ضرر ضد الوطن وضد الامة، بل كانت له فوائد وخدمات كثيرة، ولم يتدخل في شؤون الحياة الاجتماعية بل واجبروه على العيش في عزلة تامة، والذي قوبلت مؤلفاته بكل تقدير في اهم المراكز الاسلامية 1 نخشى ان يكون هؤلاء الاشخاص اداة في خدمة الشيوعية وفي خدمة الفوضوية دون ان يشعروا.
_____________________
1 في الخطأ الثمانين من الأخطاء المائة التي وقع فيها المدعي العام، نراه يقول: "ان التأويل الوارد في الشعاع الخامس يُعد خطأً " وجوابي على ذلك هو: وردت في "الشعاع الخامس " الجملة التالية: "احد التأويلات -والله أعلم - هو هذا التأويل " ومعنى هذه الجملة: "ان من الممكن ان يكون هذا هو معنى هذا الحديث الشريف ". لذا فلا يمكن من الناحية المنطقية تكذيب هذه الجملة، إلاّ عند اثبات استحالتها.
ثانياً: منذ عشرين عاماً، بل منذ اربعين عاماً لم يقم أحد برد التأويلات التي اوردناها رداً منطقياً وعلمياً سواء اكانوا من معارضي أو ممن يحاولون معارضة رسائل النور، ولم يقل احد من اولئك العلماء المعارضين "ان هذه التأويلات فيها نظر "، بل صدّقوها مع الوف من علماء طلاب النور، لذا فانني احيل الى مقامكم تقدير مدى البعد عن الانصاف عندما يرد ّهذا التأويل شخص لايعرف حتى عدد السور الموجودة في القرآن الكريم.
والخلاصة: ان معنى التأويل لحديث شريف او لآية كريمة هو: انه معنى واحد محتمل من عدة معاني محتملة وممكنة. - المؤلف

الشعاع الرابع عشر - ص: 459
هناك امارات اعلم منها ان اعداءنا الخفيين يحاولون النيل من رسائل النور والتقليل من قيمتها، فينشرون وَهْم وجود فكرة المهدية - من الناحية السياسية - فيها ويدّعون ان رسائل النور وسيلة لهذه الفكرة، ويبحثون ويدققون عسى ان يعثروا على سند لهم لهذه الاوهام الباطلة. ولعل العذاب الذي اتعرض له نابع من هذه الاوهام. وانا اقول لهؤلاء الظالمين المتسترين وللذين يسمعون لهم ويعادوننا:
حاش!... ثم حاش!... انني لم اقم بمثل هذا الادعاء، ولم اتجاوز حدي ولم اجعل الحقائق الايمانية وسيلة شخصية او اداة لنيل الشهرة والمجد، وان السنوات الثلاثين الاخيرة خاصة من عمري البالغ خمسة وسبعين عاماً تشهد وتشهد رسائل النور البالغة مائة وثلاثين رسالة، ويشهد الالاف من الاشخاص الذين صادقوني حق الصداقة بهذا.
أجل!. . . ان طلاب النور يعرفون هذا كما انني سردت الحجج التي اظهرت في المحاكم انني لم أسْعَ من اجل مقام او مرتبة لشخصي او من اجل الحصول على مرتبة او مقام او شهرة معنوية او اخروية، بل سعيت بكل ما أملك من وقوة لتوفير خدمة ايمانية لاهل الايمان، وربما كنت مستعداً لا للتضحية بالمراتب الدنيوية الفانية وحدها بل - ان لزم الأمر - بالتضحية حتى بالمراتب الاخروية الباقية لحياتي في الآخرة، مع ان الجميع يسعون للحصول على هذه المراتب، ويعلم اصدقائي المقربون بانني - ان لزم الأمر - اقبل ترك الجنة والدخول الى جهنم من اجل ان اكون وسيلة لإنقاذ بعض المساكين من أهل الايمان. وقد ذكرت هذا وبرهنت عليه في المحاكم من بعض الوجوه، ولكنهم يرومون بهذا الاتهام اسناد عدم الاخلاص لخدمتي الايمانية والنورية، ويرومون كذلك التقليل من قيمة رسائل النور وحرمان الامة من حقائقها.
أيتوهم هؤلاء التعساء ان الدنيا باقية وابدية؟ ام يتوهمون ان الجميع مثلهم يستغلون الدين والايمان في مصالح دنيوية؟ ان هذا التوهم يقودهم الى الهجوم على شخص تحدى اهل الضلالة في الدنيا وضحى في سبيل خدمة الايمان بحياته الدنيوية، وهو مستعد للتضحية بحياته الاخروية ان لزم الامر في سبيل هذه الخدمة. وانه غير مستعد لان يستبدل ملك الدنيا كلها بحقيقة ايمانية واحدة، كما صرح في المحاكم، ويقودهم الى الهجوم على شخص هرب بكل قوته من السياسة ومن جميع
الشعاع الرابع عشر - ص: 460
مراتبها المادية منها وما يشمّ منها معنى السياسة سواءً أكانت من قريب او بعيد وذلك بسر الاخلاص، وتحمّل عذاباً لامثيل له طوال عشرين عاماً، ومع ذلك لم يتنزل - حسب المسلك الايماني - الى السياسة. ثم انه يعد شخصه - من جهة النفس- اقل مرتبة بكثير من طلابه، لذا فهو ينتظر دوماً دعاءهم واستغفارهم له، ومع انه يعد نفسه ضعيفاً وغير ذي أهمية، الا أن بعض اخوانه الخلص اسندوا اليه في رسائلهم الخاصة بعضاً من فضائل النور، وذلك لكونه ترجماناً للفيوضات الايمانية القوية التي استمدوها من رسائل النور، ولم يخطر ببالهم في ذلك اي معنى سياسي، بل على مجرى العادة، ذلك لان الانسان قد يخاطب شخصاً عادياً ويقول له: "انت ولي نعمتي... انت سلطاني". اي يعطون له - من زاوية حسن الظن - رتباً عالية لايستحقها، وهي اكثر الف مرة من رتبته ومن قيمته. وكما هو معلوم فان هناك عادة قديمة جارية مقبولة - لم يعترض عليها احد - فيما بين الطلاب وبين اساتذتهم وهي قيام الطلاب بمدح مبالغ فيه لاساتذتهم قياماً منهم بحق الشكر، ووجود بعض التقاريظ والمدح المبالغ فيه في خاتمة الكتب المقبولة.. فهل يعد هذا ذنباً باي وجه من الوجوه؟ صحيح ان المبالغة تعد في جانب منها مخالفة للحقيقة، ولكن شخصاً مثلي ليس له أحد، ويعاني من الغربة ما يعاني، وله اعداء كثيرون، وهناك أسباب عديدة لكي يبتعد عنه معاونوه ومساعدوه... أفيستكثر علىّ هؤلاء البعيدون عن الإنصاف ان اشدّ من الروح المعنوية لهؤلاء المساعدين والمعاونين ضد المعارضين العديدين، وان انقذهم من الابتعاد والهرب واحول دون كسر حماستهم المتجلية في مديحهم المبالغ فيه، وان احوّل هذا المديح الى رسائل النور ولا أردهم رداً كاملاً وقاطعاً؟ وهكذا يظهر مدى ابتعاد بعض الموظفين الرسميين عن الحق او عن القانون وعن الانصاف عندما يحاولون ان ينالوا من الخدمة الايمانية التي يؤديها شخص بلغ من العمر عتياً وهو على ابواب القبر، وكأن هذه الخدمة مسخرة لغرض من اعراض الدنيا.
ان آخر ما نقول : لكل مصيبة (انا لله وانا اليه راجعون).
سعيد النورسي
* * *
الشعاع الرابع عشر - ص: 461
ملحق
لقد ورد في ختام قرار التحقيقات الاخيرة التي أجريت من قبل محكمة التحقيقات ما يأتي:
"لقد قرر مجلس الوزراء قبل اربعة أشهر منع نشر رسالة "المعجزات القرآنية" اي "الكلمة الخامسة والعشرين" ومصادرة اعدادها من السوق نظراً لورود شرح لثلاث آيات قرآنية، وهذا الشرح يعارض القانون المدني الحالي ويصادم المدنية".
وجواباً على هذا نقول:
ان رسالة "المعجزات القرآنية" موجودة الآن ضمن رسالة "ذو الفقار" هذه الرسالة يقارب عدد صفحاتها الاربعمائة صفحة، كنت قد نشرتها رداً على انتقادات المدنية الغربية للقرآن الكريم رداً قاطعاً لايمكن جرحه او الاعتراض عليه. ويشغل هذا صفحتين منها في معرض تفسير لثلاث ايات قرآنية وموجود بصورة متفرقة في ثلاث رسائل قديمة لي. الآية الاولى كانت آية الحجاب، والآية الثانية كانت حول الإرث وهي آية (فلأمّه السدس) (النساء: 11) اما الآية الثالثة فكانت ايضاً حول الإرث وهي آية (فللذكر مثل حظ الانثيين) (النساء: 176) ومع انني قمت بشرح حِكم حقائق هذه الآيات في صفحتين اثنتين وقبل عشرين عاماً (بعضها قبل ثلاثين عاماً) شرحاً ألزم الفلاسفة، إلاّ انهم توهموا وكأنها كُتبت اليوم. وبدلاً من منع رسالة"ذو الفقار" البالغة اربعمائة صفحة فقد كان في الامكان اخراج هاتين الصفحتين فقط منها، ثم اعادتها الينا، وهذا حق قانوني لنا؛ اذ لو وجدت كلمة واحدة او كلمتان ضارتان في خطاب ما، حذفت هاتان الكلمتان وسمح بنشر ذلك الخطاب، وقياساً على هذا فاننا نطالب بحقنا هذا من محكمتكم العادلة.
ولعدم وجود إمكانية مجئ احدهم عندي ليقرأ لي لائحة الاتهام البالغة اربعين صفحة والصادرة قبل شهر فقد قرأوا هذه اللائحة لي اليوم (المصادف لليوم الحادي عشر من حزيران)... قرأوا اللائحة واستمعت انا فوجدت ان الدفاع الذي كتبته قبل
الشعاع الرابع عشر - ص: 462
شهرين وكذلك تتمة هذا الدفاع وملحقه الذي كتبته قبل شهر والذي ارسلته الى مقامكم والى ست مراجع في انقرة يرد لائحة الاتهام هذه رداً قاطعاً، لذا لا اجد اي مسوغ لكتابة دفاع جديد. ولكني احب تذكير مقام الادعاء عندكم بنقطتين او ثلاث فاقول:
ان السبب الذي حدا بي الى عدم الاجابة على هذه اللائحة يعود الى انني لم أشأ ان اطعن في كرامة ثلاث محاكم عادلة اصدرت قراراتها ببراءتنا ولم أشأ ان أخونها. ذلك لان تلك المحاكم حققت بشكل دقيق جميع الاسس الواردة في لائحة الاتهام هذه ثم اصدرت قراراتها بالبراءة. ان عدم احترام هذه القرارات وعدّها وكأنها لاشئ يُعدّ تجاوزاً واعتداءً على شرف جهاز العدالة.
النقطة الثانية:
لقد حاول مقام الادعاء بحذلقة اعطاء معاني لم تخطر على بالنا لمسألتين او ثلاث من بين آلاف المسائل لاتهامنا، بينما توجد هذه المسائل في امهات رسائل النور وحازت على رضى وقبول المحققين من علماء الازهر في مصر وعلماء الشام وحلب وعلماء مكة المكرمة والمدينة المنورة وخاصة على رضى وقبول العلماء المحققين لرئاسة الشؤون الدينية، لذا فقد دهشت واستغربت عندما رأيت المدعي العام يورد بعض الردود وبعض الاعتراضات العلمية في لائحة الاتهام وكأنه عالم من علماء الدين وشيخ من شيوخه. ولنفرض جدلاً ان لي بعض الاخطاء فلا يمكن ان تعد ذنباً يحاسب عليه القانون بل مجرد خطأ علمي، هذا مع العلم ان اي عالم من الاف العلماء لم ير هذه الاخطاء التي يشير اليها المدعي العام ولم يعترض عليها. ثم ان ثلاث محاكم برأتنا وبرأت رسائل النور كلها سوى خمس عشرة كلمة واردة في "اللمعة الرابعة والعشرين" حول (الحجاب) حيث اصدرت محكمة "اسكي شهر" عقوبات خفيفة بحقي وبحق خمسة عشر بالمائة من اصدقائي. وكنت قد ذكرت في تتمة دفاعي التي قدمتها اليكم بانه لو كانت هناك عدالة على سطح الارض لما قبلت ذلك الحكم ضدي بسبب تفسيري ذاك، الذي اتبعت فيه حكم ثلاثمائة وخمسين الف تفسير. وقد حاول المدعي العام بذكائه وبمعاذير شتى اختيار بعض الجمل لكتاب ولخطابات تعود الى عشرين سنة مضت وتحويرها ضدنا. بينما اصبحت خمس او
الشعاع الرابع عشر - ص: 463
ست محاكم - وليست ثلاث محاكم فقط - من المحاكم التي برأتنا شريكة لنا في هذا الذنب او الجرم المزعوم. وانا أذَكّر مقام الادعاء العام بضرورة عدم التعرض الى كرامة تلك المحاكم العادلة.
النقطة الثالثة:
ان نقد ومعارضة رئيس مات وانتهى امره وانقطعت صلته بالحكومة لكونه سبباً في بعض السلبيات في الانقلاب لايعد ذنباً او جرماً في نظر القانون. ولم يكن انتقادنا له صريحاً، بل قام المدعي العام بحذلقته بتطبيق ما جاء في بياننا بشكل عام وكلي، على ذلك الرئيس. فما كان سراً من المعاني التي لم نوضحها اظهره هذا المدعي العام على الجميع وفضحه وركز عليه انظار الناس جميعاً. فان كان هناك ذنب في هذه المعاني فمن المفروض ان يكون المدعي العام شريكاً فيه، ذلك لانه جلب انظار الجماهير لهذه المعاني وحرضهم.
النقطة الرابعة:
على الرغم من قيام ثلاث محاكم باصدار قراراتها بتبرئتنا بشكل قاطع من تهمة تشكيل جمعية الا ان المدعي العام يحاول تكرار الاسطوانة القديمة حول الاوهام والمزاعم الخاصة بتشكيل جمعية سرية ويجهد نفسه في البحث عن اي معاذير غير حقيقية في هذا المجال. ومع ان هناك عدة جمعيات سياسية ضارة لهذه الامة ولهذا الوطن، فانه يؤذن لها ويسمح لها باداء نشاطها بينما يتم إلصاق تهمة "استغلال الدين لتحريض الناس على الاخلال بالامن" بنا، مع ان هناك الاف الشهود والاف الشواهد وقرارات ست ولايات بعدم التعرض لنا، تثبت بان الصداقة الموجودة بين طلاب النور وهى صداقة دراسة هي في صالح الامة وفي صالح الدين وهي في سبيل تأمين السعادة الدنيوية والسعادة الاخروية، وان هؤلاء الطلاب وقفوا وجاهدوا متساندين ضد جميع تيارات الإفساد سواءً أكانت من الخارج ام من الداخل، لذا فان إلصاق تهمة تشكيل جمعية سرية والاخلال بالامن مع انه لم يسجل في ظرف عشرين عاماً اي حادثة اخلال للأمن ضد اي طالب من طلاب النور الذين يتجاوز عددهم مئات الآلاف.. ان مثل هذه التهم لايحتد لها النوع الانساني وحده بل يحق
الشعاع الرابع عشر - ص: 464
لهذه الارض ايضاً ان تحتد وترد هذه التهمة... على اي حال فانني لا اجد مبرراً لإطالة الكلام، اذ ان دفاعي (الذي كتبته قبل لائحة الاتهام هذه) وتتمة دفاعي كافيتان للرد وللاجابة على المدعي العام.
الموقوف في سجن أفيون
سعيد النورسي
* * *

باسمه سبحانه
اوضح لمحكمة افيون ولرئيس محكمة الجنايات الكبرى انه:
لقد قطعت علاقتي بالدنيا لانني مفطور منذ البداية على عدم تحمل التحكم. وتبدو الحياة الآن امام عيني ثقيلة جداً الى درجة انني ارى بانني لا استطيع العيش في مثل هذه الحياة المليئة بتحكمات لامعنى ولا ضرورة لها اذ لا استطيع تحمل تحكمات ونوازع السيطرة لدى المئات من الاشخاص الرسميين خارج السجن، فقد مللت من مثل هذه الحياة. وانا اطالبكم بكل ما املك من قوة ان تعاقبوني. وبما انني لا استطيع نيل الموت فان من الضروري لي البقاء في السجن. وانتم تعلمون جيداً ان الاتهامات الباطلة التي اسندها لي مقام الادعاء غير موجودة وغير واردة اصلاً. لذا فهي لاتكفي لايقاع العقوبة بي. ولكن وجود تقصيرات كبيرة عندي تجاه الوظيفة الحقيقية هو الذى يسبب لي عقاباً معنوياً. ولو كان الاستفسار مناسباً فانني مستعد للاجابة على استفساراتكم. اجل ان ذنبي الوحيد المتأتي من تقصيراتي الكبيرة والذي لايغتفر من حيث الحقيقة، هو اننى بسبب عدم التفاتى الى الدنيا لم اعمل ما انا مكلف به من ايفاء وظيفة جليلة الشأن في سبيل الوطن والامة وفي سبيل الدين، وان عدم استطاعتي ذلك لا يشكل عذراً بالنسبة الي، وقد توصلت الآن الى هذه القناعة في سجن "آفيون" هذا.
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس