قول أهل السنة والجماعة في الآيات المتشابهة
"نقول في الصفات المشكلة إنها حق وصدق على المعنى الذي أراده الله ومن تأولها نظرنا فإن كان تأويله قريبًا على مقتضى لسان العرب لم ننكر عليه، وإن كان بعيدًا توقفنا عنه ورجعنا الى التصديق مع التنزيه" نقله الحافظ في الفتح (13 / 183).
وهذا هو عين مذهب جماهير الأمة من أهل السنة والجماعة أي (مذهب الأشاعرة والماتريدية) ومما نحب أن نلفت نظر القارىء الكريم إليه مما حصل فيه اللبس والخلط عند من ينتحل السلفية أن هؤلاء يثبتون الكيفية لله تعالى ويزيدون بقولهم: له كيف لا ندركه، وأن الكيف مجهول لدينا فقط لكن للصفة كيفًا !!!.
وقد غايروا بمقولتهم الفاسدة المذهب الصحيح الثابت عن أهل السنة والجماعة روى الذهبي بإسناده في مختصر العلو عن الوليد قال: سألت الأوزاعي والليث بن سعد ومالكًا والثوري عن هذه الأحاديث التي فيها الرؤية وغير ذلك فقالوا: امضها بلا كيف (مختصر العلو ص 143).
بيان من هم السلف رضوان الله عليهم
والسلف أهل القرون الثلاثة الذين ذكرهم الرسول بقوله: "خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم" - رواه البخاري - فعلى تفسير القرن بمائة سنة فالسلف هم من كانوا ضمن الثلاثمائة، ومنهم أي من العلماء من جعل منتهى السلف سنة مائتين وعشرين، والأول هو المشهور، ويقوي ذلك رواية ابن حبان لحديث: "خير الناس" اتي فيها ذكر "ثم الذين يلونهم" ثلاث مرات، واختار ذلك الحافظ ابن عساكر في رسالته التي ألفها في الدفاع عن أبي الحسن الأشعري.
الجماعة
وليعلم أن أهل السنة هم جمهور الأمة المحمدية وهم الصحابة ومن تبعهم في المعتقد أي أصول الاعتقاد، وهي الأمور الستة المذكورة في حديث جبريل الذي قال فيه الرسول: "الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره". وأفضل هؤلاء أهل القرون الثلاثة المرادون بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم" والقرن معناه مائة سنة كما رجح ذلك الحافظ أبو القاسم بن عساكر وغيره، وهم المرادون أيضًا بحديث الترمذي وغيره: "أوصيكم بأصحابي ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم" وفيه قوله: "عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد، فمن أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة" صححه الحاكم وقال الترمذي: حسن صحيح، وهم المرادون أيضًا بالجماعة الواردة فيما رواه أبو داود من حديث معاوية: "وإن هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين، ثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة وهي الجماعة". والجماعة هم السواد الأعظم ليس معناه صلاة الجماعة، كما يوضح ذلك حديث زيد بن ثابت ان الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاث لا يغل عليهن قلب المؤمن: إخلاص العمل، والنصيحة لولي الأمر، ولزوم الجماعة، فإن دعوتهم تكون من وراءهم". قال الحافظ ابن حجر: حديث حسن.
الفرقة
ثم حدث بعد مائتين وستين سنة انتشار بدعة المعتزلة وغيرهم فقيض الله تعالى إمامين جليلين أبا الحسن الأشعري وأبا منصور الماتريدي رضي الله عنهما فقاما بإيضاح عقيدة أهل السنة التي كان عليها الصحابة ومن تبعهم بإيراد أدلة نقلية وعقلية مع رد شبه المعتزلة وهم فرق عديدة بلغ عددهم عشرين فرقة، فقاما بالرد على كل هذه الفرق أتم القيام برد شبههم وإبطالها فنسب إليهما أهل السنة، فصار يقال لأهل السنة أشعريون وماتريديون.
فإن قيل إن بين الأشاعرة والماتريدية اختلافاً في مسائل العقيدة فكيف يكون كل منهما الفرقة التي قال الرسول: "فمن أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة" . فالجواب: أنه ليس بينهما اختلاف في أصول العقيدة إنما الخلاف بينهما في بعض فصول العقيدة وفروعها، وهذا لا يقدح في كونهما الفرقة الناجية، فإن هذا الخلاف كالخلاف الذي حصل بين الصحابة في رؤية النبي ربه ليلة المعراج، فقد نفتها عائشة وابن مسعود وأثبتها عبد الله بن عباس وأصحابه من التابعين وأبو ذر الغفاري، مع أن الصحابة متفقون في أصول العقيدة. ومن هذه الفرقة يكون المجدد الذي أخبر الرسول أنه يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة وهو من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم "إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها". رواه أبو داود وغيره.
فيجب الاعتناء بمعرفة عقيدة الفرقة الناجية الذين هم السواد الأعظم، وأفضل العلوم علم العقيدة لأنه يبين أصل العقيدة التي هي أصل الدين، وهذا العلم سماه أبو حنيفة الفقه الأكبر. فيا طلاب الحق لا يهولنكم قدح المشبهة المجسمة في هذا العلم بقولهم إنه علم الكلام المذموم لدى السلف، ولم يدروا أن علم الكلام المذموم هو ما ألفه المعتزلة على اختلاف فرقهم والمشبهة على اختلاف فرقهم من كرامية وغيرها فإنهم قد افترقوا الى عدة فرق بينها من ألفوا في بيان الفرق كالإمام أبي منصور عبد القاهر بن طاهر البغدادي
ومن أشهر ما ألف في هذا العلم هذه العقيدة المشهوة بالعقيدة الطحاوية التي مؤلفها من السلف، وقد نص على أن ما يذكره في هذه العقيدة هو ما عليه أهل السنة يعني الصحابة ومن بعدهم إلى عصره عامةً، وخص ذكر الإمام أبي حنيفة وصاحبيه القاضي أبي يوسف ومحمد ابن الحسن بتسميتهم بأسمائهم.
ثم بعد ان بينا أن الأشاعرة والماتريدية فرقة واحدة في العقيدة يصح لنا أن نقول: الأشعري ماتريدي والماتريدي أشعري.
وكان الشافعي أتقن هذا العلم علم الكلام الذي لأهل السنة قبل أن يتقن علم الفقه، والدليل على ذلك ما ثبت عنه أنه جاءه حفص الفرد المعتزلي فناظره فقطعه الشافعي بالحجة في مسئلة خلق الكلام، فلما أصرً حفص على قوله القرءان مخلوق قال الشافعي: "لقد كفرت بالله العظيم".
وما قيل في الإمام الجليل أبي الحسن الأشعري يقال في الإمام أبي منصور الماتريدي لأنه مثله قام بتقرير عقيدة السلف بالأدلة النقلية والعقلية بإيضاح واسع، فقد جمع هذان الإمامان الإثبات مع التنزيه فليسا على التشبيه ولا التعطيل ولعن الله من يسمي الأشعري أو الماتريدي معطلاً، فهل خالفا التنزيه الذي ذكره الله بقوله {ليس كمثله شىء} فإنهما نفيا عن الله الجسمية وما ينبني عليها، وهذا ذنبهما عند المشبهة كالوهابية ومن سبقهم من المشبهة. فإن المشبهة قاست الخالق بالمخلوق فنفت موجودًا ليس جسمًا، والإمامان ومن تبعهما وهم الأمة المحمدية قالوا إن الله لو كان جسمًا لكان له أمثال لا تحصى.
يتبع مع الجماعة
وهذا هو دين الله الذي كان عليه السلف الصالح وتلقاه عنهم الخلف الصالح، وطريقة الأشعري والماتريدي في أصول العقائد متحدة.
فالمذهب الحق الذي كان عليه السلف الصالح هو ما عليه الأشعرية والماتريدية وهم مئات الملايين من المسلمين فكيف يكون هؤلاء السواد الأعظم على ضلال، وتكون شرذمة هي نحو ثلاثة ملايين على الحق، والصواب أن الرسول عليه السلام أخبر بأن جمهور أمته لا يضلون وذلك من خصائص هذه الأمة، ويدل على ذلك ما رواه الترمذي وابن ماجة وغيرهما: "إن الله لا يجمع أمتي على ضلالة" وعند ابن ماجة زيادة: "فإذا رأيتم اختلافًا فعليكم بالسواد الأعظم".
ويقوي هذا الحديث الحديث الموقوف على أبي مسعود البدري: "وعليكم بالجماعة فإن الله لا يجمع هذه الأمة على ضلالة" قال الحافظ ابن حجر: "وإسناده حسن"، والحديث الموقوف على عبد الله بن مسعود وهو أيضًا ثابت عنه: "ما رءاه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن، وما رءاه المسلمون قبيحًا فهو عند الله قبيح"، قال الحافظ ابن حجر: "هذا موقوف حسن".
ولا ينافي ما قررناه من أن الجمهور معصومون من الضلالة ما صح مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه سلم من قوله: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة". فإن هذا أريد به طائفة متمسكة من بينهم بالدين على الكمال ولا شك أن المتمسكين بالدين على الكمال هم أقل الأمة، وليس معنى ذلك أن أكثر المنتسبين إلى الإسلام يكونون ضالين من حيث العقيدة خارجين عن الإسلام كما صرحت بذلك الوهابية ووافقهم أبو الأعلى المودودي، فعندهم جمهور المنتسبين للإسلام ليسوا على الهدى بل على الشرك، وقد صح أن أهل الجنة مائة وعشرون صفًا ثمانون من هذه الأمة، فلا يمكن أن يكون هؤلاء الثمانون هذه الشرذمة الوهابية، وهل كانت الوهابية قبل قرنين، فإن معتقدها منبثق من محمد بن عبد الوهاب المتوفى سنة مائتين وألف وست للهجرة وبعض معتقداتها مأخوذ من أحمد بن تيمية المتوفى سنة سبعمائة وثمان وعشرين للهجرة وهو شذ عن ما كان عليه من قبله من أهل الحق بقوله: إن جنس العالم ليس حادثًا إنما الحادث الأفراد أي الأشخاص المعينة فكل شخص وفرد عنده حادث ولكن إلى ما لا نهاية له ولا ابتداء، فجعل العرش أزليًا بنوعه وجنسه بمعنى أن العرش لم يزل مع الله ولكن عينه ليس دائمًا بل يتجدد كل ءان بعد عدم، وقد نقل ذلك عنه الإمام جلال الدين الدواني وهو من ثقات العلماء كما وثقه الحافظ السخاوي في البدر اللامع في تراجم أهل القرن التاسع، ونسب إلى ابن تيمية ذلك الحافظان الجليلان المعاصران له وهما الحافظ المجتهد تقي الدين السبكي والحافظ أبو سعيد العلائي.
من الذين بشر بهم النبي