عرض مشاركة واحدة
قديم 02-14-2009
  #3
هيثم السليمان
عضو شرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: دير الزور _ العشارة
المشاركات: 1,367
معدل تقييم المستوى: 17
هيثم السليمان is on a distinguished road
افتراضي رد: الفيلسوف الفرنسي العالمي الإسلامي الصوفي الشاذلي ( رينيه جينو ) عبد الواحد يحيى

عودة إلى حياة جينو

وفي السنة التي اعتنق جينو فيها الإسلام وتسمّى باسم الشيخ عبد الواحد يحيى ؛ أعني سنة 1912م تزوّج من فتاة فرنسيّة من إقليمه .
وفي هذه السنة نفسها توقفت مجلّة المعرفة عن الصدور , فأخذ الشيخ عبد الواحد يكتب في مختلف المجلّات ؛ أخذ يكتب عن انحراف الماسونيّة فأثار سخط الماسونيّين , وأخذ يكتب عن انحراف البروتستانتيّة فأثار سخط البروتستانتيّين , وانتقد الروحانيّة المزيّفة أنّى وجدت فغضب منه الذين ينتسبون إلى الروحانيّة الحديثة .
وفي سبتمبر سنة 1917م عُيّنَ الشيخ أستاذاً للفلسفة في الجزائر , فقضى فيها عاماً عاد بعده إلى فرنسا , وعُيّنَ في مدرسة بلدته , ولكنّه استقال بعد عام قضاه في التدريس ليتفرّغ لأبحاثه , وكان من ثمرة هذا التفرّغ أن نشر في سنة 1921م كتابين هما : ( مدخل لدراسة العقائد الهنديّة , و التيوزوفيّة تاريخ دين مزيّف ) . وتوالى نشر كتبه , وتوالت مقالاته في مختلف الجرائد .
وفي سنة 1925م فتحت له مجلّة (( قناع إيزيس )) صدرها فأخذ يكتب فيها , وانتهى به الأمر في سنة 1929م أن أصبح أهم محرّر بها ؛ ذلك أنّه رفض ما عرضته عليه المجلّة من رئاسة التحرير .
ومن بين من التفّوا حوله في تحرير المجلّة العالم الضليع الأستاذ (( شون )) الذي ألّف كتباً بالفرنسيّة من بينها كتاب (( عين القلب )) , وقد اعتنق هذا العالم الإسلام أيضاً , وهو يدين ـ رغم أصالته وعبقريّته ـ إلى جينو بكثير من اتجاهاته .
ثمّ عرض بيتٌ من بيوت النشر في باريس على الشيخ عبد الواحد أن يسافر إلى مصر ليتّصل بالثقافة الصوفيّة فينقل نصوصاً منها , ويترجم بعضها فقبل العرض .
وفي 20 فبراير سنة 1930م سافر إلى مصر لهذا الغرض , وكان من المفروض أن يقضي فيها بضعة أشهر فقط , ولكنّ هذا العمل اقتضاه مدّة طويلة , ثمّ عدل بيت النشر عن مشروعه , فاستمرّ الشيخ عبد الواحد يحيى في القاهر يعيش في حيّ الأزهر ؛ متواضعاً ... مستخفياً لا يتّصل بالأوربيّين , ولا ينغمس في الحياة العامّة , وإنّما يشغل كلّ وقته بدراسته .
كانت والدته وزوجه ووالده قد توفّاهم الله قبل حضوره إلى القاهرة , فحضر إليها وحيداً , ووجد الكثير من المشاقّ في معيشته منفرداً , فتزوج سنة 1934م كريمة الشيخ محمد إبراهيم , فمهّدت له حياة من الطمأنينة والهدوء , وانتقل بها من حيّ الأزهر إلى حيّ الدقي , واستمر يرسل المقالات إلى فرنسا , وينشر الكتب مستريحاً إلى عطف زوجته ورعايتها .
ورزقه الله بفتاتين ؛ سمّى إحداهما خديجة , والأخرى ليلى , ورزقه بولد سمّاه أحمد ؛ كان له قرّة عين , وبعد وفاته بأربعة أشهر أتت زوجه بولد سمّته عبد الواحد .
ولقد حاول الشيخ عبد الواحد بمجرّد وصوله إلى القاهرة أن ينشر فيها الثقافة الصوفيّة , فساهم ماليّاً وأدبيّاً في إخراج مجلّة (( المعرفة )) , وقد بدأت المجلّة وعليها طابع التصوّف , ولكنّها ـ فيما يبدو ـ لم تجد الإقبال المنتظر , فأخذت تتّسم شيئاً فشيئاً بالطابع الأدبي , ثمّ توقّفت عن الصدور بعد ثلاث سنوات من حياتها .
ومكث الشيخ عبد الواحد في القاهرة يؤلّف الكتب , ويكتب المقالات , ويرسل الخطابات إلى جميع أنحاء العالم .
كان حركة دائمة ؛ حركة فكريّة وروحانيّة ترسل بسنائها إلى كلّ من يطلب الهداية والرشاد .

وفــاته :
واستمرّ هكذا إلى أن أتاه المصير المحتوم في 7 يناير سنة 1951م تحيط به أسرته الكريمة , وبجواره السيّدة (( فلنتين دي سان بوان )) ؛ تلك السيّدة العظيمة التي أقامت في القاهرة منذ سنة 1924م , واستقبلت الشيخ عند حضوره , واستمرّت صديقة له طيلة إقامته بالقاهرة , ثمّ ودّعته الوداع الأخير .
كانت هذه السيّدة أديبة مشهورة , وصحفيّة لامعة , ولا عجب في ذلك فقد كانت من أسرة (( لامرتين )) , وقد اعتنقت الإسلام , وناضلت عنه جزاها الله خير الجزاء .
ولقد وصف الكاتب المشهور (( أندريه روسو )) ـ حيث كان في القاهرة إذ ذاك ـ جنازة الشيخ عبد الواحد فكتب في جريدة ((الفيجارو)) الفرنسيّة يقول : " شُيّعتْ جنازته في اليوم التالي لوفاته , فذبح تحت نعشه ـ كما هي العادة ـ كبش وأسيل دمه على عتبة المنزل , وسار في الجنازة زوجه وأطفاله الثلاث , واخترقت الجنازة البلدة إلى أن وصلت إلى مسجد سيّدنا الحسين حيث صُلّيَ عليه , ثمّ سارت الجنازة إلى مقبرة الدراسة . لقد كانت جنازة متواضعة مكوّنة من الأسرة , ومن بعض الأصدقاء , ولم يكن فيها أيّ شيخ من مشايخ الأزهر , ودفن الشيخ عبد الواحد في مقبرة أسرة الشيخ محمد إبراهيم " .وكان آخر ما قال لزوجه : (( كوني مطّمئنة ؛ سوف لا أتركك قطّ , حقيقة أنّك لا ترينني , ولكنّني سأكون هنا وسأراك )) .ويضيف روسو : " والآن حينما لا يلتزم أحد أطفالها الهدوء فإنّها تقول له : كيف تجرؤ على ذلك مع أنّ والدك ينظر إليك , فيلتزم الطفل السكون في حضرة والده اللامرئي " .
وفي 9 يناير وصلت إلى باريس برقيّة تعلن : (( وفاة رينيه جينو الفيلسوف والمستشرق الفرنسي )) ؛ وما أن وصلت هذه البرقيّة حتّى أخذت الصحف والمجلّات تنشر مختلف المقالات عن الشيخ تحت عناوين مختلفة منها ؛ (( حكيم كان يعيش في ظلّ الأهرامات )) , ((فيلسوف القاهرة )) , (( أكبر الروحانيّين في العصر الحديث )) .
ووصفوه (( بالبوصلة المعصومة )) , و (( بالدرع الحصين )) , ثمّ خصّصت له مجلّة (( إتيد تراد سيونل )) عدداً ضخماً كتب فيه الكثيرون من كتّاب فرنسا أروع المقالات .
وكذلك خصّصتْ له مجلّة (( فرنسا ـ أسيا )) عدداً ضخماً كتب فيه كذلك كثير من الكتّاب الفرنسيّين , ولكنّ جينو كان عالميّاً , ولذلك أوسعت المجلّتان صدرهما للكتّاب الألمان والإنجليز , وغيرهم من غربيّين وشرقيّين , فكتبوا المقالات المستفيضة التي تناولت آثاره بالتحليل والتقدير , وأخيراً خصّه الكاتب الفرنسي الشهير (( بول سران )) بكتاب خاص تناول فيه نواحيه المتعدّدة مُبدياً إعجابه العظيم , وتقديره السامي .
ولكن ما كتب عنه لم يكن كلّه من هذا النمط , فقد كان هناك أعداؤه ؛ كان هناك الماسونيّون المنحرفون , كان هناك المسيحيّون الحانقون , وكان هناك المشايعون لهذه الحضارة الماديّة التي هاجمها جينو ولعنها في غير ما رأفة أو رحمة .
وقد كتب هؤلاء كلّهم ضدّ جينو , واحتدّ الخلاف بين أنصاره وأعدائه , وكانت النتيجة من ذلك كلّه خيراً وبركة , فقد حثَّ ذلك الكثيرين على قراءة كتب جينو ؛ وفي قراءته الخير كلّ الخير , وكانت النتيجة المباشرة لذلك كلّه أن اضطرّبت وتهافتت حجج المبشّرين ضدّ الإسلام , وأخذ الإسلام يغزو أوربا في بعض أفراد من طبقتها المثقّفة , وتكونت الجمعيّات في فرنسا وسويسرا تريد أن تنهج نهج الشيخ عبد الواحد وتسير على منواله .
هيثم السليمان غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس