عرض مشاركة واحدة
قديم 11-01-2011
  #18
عمرأبوحسام
محب فعال
 الصورة الرمزية عمرأبوحسام
 
تاريخ التسجيل: Oct 2011
المشاركات: 47
معدل تقييم المستوى: 0
عمرأبوحسام is on a distinguished road
افتراضي رد: دراسات في القرآن والنبوة:

حكمة
عالمنا المعاصر يَلفه ظلام الجاهلية وتعتصره يدها الأثيمة. شجرة البِرِّ ذبلت من وَهَج الكفر، فـ"الدنيا كاسفة النور ظاهرة الغرور. على حين اصفرار من ورقها، وإياس من ثمرها، واغورار من مائها. قد درست منار الهدى وظهرت أعلام الردى(...) شعارها الخوف ودِثارها السيف"[1]. هكذا يصف الإمام علي كرم الله وجهه جفاف الجاهلية الأولى. يقول رضي الله عنه: "بعثه والناس ضُلاَّلٌ في حيرة، وخابطون في فتنة. قد استهوتهم الأهواء، واستذلتهم الكبرياء، واستزلتهم الجاهلية الجهلاء. حُيارَى في زَلْزَلٍ مِن الأمر، وبلاء من الجهل"[2]. ويقول: "فإن الله سبحانه بعث محمداً صلى الله عليه وسلم وآله وليس أحد من العرب يقرأ كتابا(...) فقاتل بمن أطاعه من عصاه. يقودهم إلى منجاتهم".
كانت العرب قبائل أمية. وهذا يميزها عن الوسط الاجتماعي الموجهة إليه الدعوة في عصرنا. مجتمعاتنا موبوءة بالثقافة المغربة في طائفة المثقفين، موبوءة بالخرافية والشرك والبدع على المستوى الشعبي. وعند حكامنا تمتزج ردة المغربين بشعوذة الحثالة. واسأل عرافي باريس ولندن وساحرات الأكواخ الشعبية عن زبنائهم من الحكام على رقاب المسلمين.
كانت القبائل دويلات متناحرة، لُحمتها العصبية العشائرية. فكانت معالجة هذه العصبية لفتح ذريعة فيها تتسرب منها الدعوة قضية فهم للواقع الاجتماعي إذ ذاك. لذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمد إلى وجهاء كل قوم ورؤسائهم آملا أن يكون إسلامهم مفتاحا لإسلام القبيلة. كان يحدث ذلك أحيانا قليلة في الفترة الأولى، ولم تبدأ وفود العرب تجيء خاضعة لله ورسوله إلا بعد الانتصارات الحاسمة لجند الله بحد السلاح. كان المستضعفون هم أنصار الدعوة وعمادها الذي لا يكذب من أول يوم. واقرأ التعليم القرآني في قوله تعالى عن رسوله الحريص على إسلام الناس: ﴿ عَبَسَ وَتَوَلَّى، أَن جَاءهُ الْأَعْمَى، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى، أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى، أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى، فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى﴾ [3].
كان قانونُ الصحراء يقضي أن الغَلَبَ للأقوى. فكان هناك سُلَّمٌ سلطوي بمقتضاه تنضوي قبيلة تحت جناح أخرى، ويحتمي شخص بشخص، على أن تصل السلطة العربية قمتها في محميتي الفرس والروم، محمية المناذرة وسلطنة آل غسان. ومن خلال شبكة القوة والأحلاف هذه نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم مستعملا في مراحل جهاده عُرف الجاهلية بما لا يشكل تنازلا عن أهدافه. واعتمد على ما في العرب من مروآت، فصادَقَ، وحالَفَ، واستعار السلاح من المشركين، وبعث أصحابه يتعلمون "التكنولوجيا" في الشام حتى صنعوا له المنجنيق في حصار الطائف. لم تلوثه الجاهلية ولا لوثت حزب الله تحت قيادته لما كانت القلوب طاهرة بلا إله إلا الله من كل شرك.
[1] نهج البلاغة ج1 ص157
[2] نهج البلاغة ج1 ص186
[3] عبس :1-6
عمرأبوحسام غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس