عرض مشاركة واحدة
قديم 03-23-2011
  #2
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,194
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: المثنوي العربي النوري - لمعات


المثنوي العربي النوري - ص: 43
اذ إنَّ كل ذرة - لاسيما اذا كانت من البذرة والنواة - لها وضعية منتظمة عجيبة، ولها مناسبة مع اجزاء الحي الذي هي جزءٌ منه، بل لها مناسبات مع نوعه، بل مع الموجودات، ولها وظائف في نِسَبِها كالنفر 1 في الدوائر العسكرية. فلو قطعتَ نسبة الذرة عن القدير المطلق، لزِمكَ ان تقبل في الذرة عيناً ترى كل شئ وشعوراً يحيط بكل شئ.
الحاصل: كما انه لو لم تُسنِد الشُّمَيسَاتِ المشهودة في القطرات الى جلوة الشمس في ضيائها، لزمك قبول شموس غير محصورة في اشياء صغيرة تضيق عن نُجيمة الذبيبة التي تطير في الليل 2...
كذلك لو لم تُسنِد كل شئ الى القدير المطلق الذي تتساوى بالنسبة الى قدرته الذراتُ والشموس، والجزء والكل، والجزئي والكلي 3، والصغير والكبير.. لزمك قبول آلهاتٍ 4 غير متناهية وسقطتَ في بلاهة من اشنع البلاهات.
اللمعة الرابعة:
فكما ان الكتاب لو كان مكتوباً، يكفي له قلمٌ واحدٌ لواحدٍ. ولو كان مطبوعاً، يلزم لطبعه اقلام بعدد حروفه - على شكل حروفه - واشتراك كثيرين لتصنيع تلك الاقلام، اي الحروف الحديد. ولو كتب بخط دقيق اكثر الكتاب في بعض الكلمات - كما قد تُكتب سورة (يس) في كلمة (يس) 5 - فحينئذ لابد لطبع تلك الكلمة الواحدة اقلامٌ حديدية بعددحروف أكثر الكتاب..
كذلك هذه الكائنات اذا قلتَ أنها مكتوبة بقلم الواحد الاحد، سلكت طريقاً سهلاً معقولاً في نهاية السهولة بدرجة الوجوب، واذا اسنَدتَها الى الطبيعة والى الاسباب، سلكت طريقاً في نهاية الصعوبة بدرجة الامتناع وفينهاية عدم المعقولية

_____________________
1 الجندي الفرد.
2 اليراعة : وهي حشرة تطير ليلاً كانها نار.
3 من الاصطلاحات المستعملة في علم المنطق والكلام ، وللتوضيح نقول : ان اليد والعين كلاً منهما »جزء« من الجسم الذي هو »كل «. اما الانسان الذي هو اسم للنوع او للجنس الشامل لأفراد كثيرة فهو »كلي « ، وكل فرد من الناس »جزئي« . وكذا »الكائن الحي« الذي يندرج تحته كل ذي حياة هو »كلي« بينما نملة او نحلة مثلاً »جزئي «.
4 جمع آلهة التي هي جمع قلة .
5 كما كتب خطاطون بارعون لوحات فنية فيها سورة »يس« كاملة في كلمة »يس«.



المثنوي العربي النوري - ص: 44
بدرجة المحالية؛ لانه يلزم على الطبيعة ان تُحضِر لطبع كل حي كلَّ ما يلزم لأكثر الكائنات. فهذه من الخرافات التي تمجّها الاوهام. بل لابد ان تُوجِد في كل جزء من التراب والماء والهواء؛ إمّا ملايين مطبعات معنوية وماكينات مستترة فيه حتى بعدد الازهار والاثمار، ليُمكن تَشكّل هاتيك الازاهير والثمرات المتخالفة الجهازات والماهيات.. وإمّا فَرضُ وجودِ قدرةٍ قادرةٍ على تصنيع جميع النباتات، ووجودِ علمٍ بلا نهاية محيطٍ بتفاصيل جميع خواص جميع الاشجار والمتزهرات وجهازاتها وموازينها، في كل جزء من التراب والماء والهواء؛ اذ كل جزء من هذه الثلاثة يَصلَح انْ يصير منشأ لتشكل كل النباتات او اكثرها.
فافرض قصعة تراب، ثم افرض دخول كل بذر ونواة فيها على التعاقب، ثم افرغ القصعة واملأها من صُبْرَةِ 1 التراب حتى تكيل كل التراب، ترى النتيجة واحدة. على ان المشهود يكفيك؛ اذ تُشاهد في سيرك في الارض منشأية اكثر اجزاء التراب لأكثر النباتات، مع ان تشكل كل واحدٍ واحدٍ من النباتات المزهرة والمثمرة، مخالف لكل واحدٍ واحدٍ منها؛ وكل واحد منها له من الانتظام والاتزان والامتياز طرز خاص وخصوصية تستلزم جهازات مخصوصة، وماكينة خاصة، ومطبعة تخصه، بل تستلزم وجود كل جهازات تشكيل تمام الشجرة والنبات في كل واحد من نواته وبذره، مع بساطة البذور والنواتات 2 وتشابهها. فيلزم على الطبيعة ان تُحضر معنىً جهازات تشكل كل الاشياء وماكيناتها المعنوية واسبابها في كل شئٍ شئٍ. فهذه سفسطة يتنفّر منها السوفسطائي ايضاً، وخرافة يخجل منها من يُضحِكُ الناس بنقل الخرافات.
اللمعة الخامسة:
انظر! كما ان كل حرف من كتاب يدل على نفسه بمقدار حرف وبوجه واحد، لكن يَدُل على كاتبه بوجوه ويعرّفُ نقّاشه بمقدار سطر 3..
كذلك كلُّ حرف مجسمٍ من كتاب الكائنات يدل على نفسه بمقدار جِرمه ويُظهر ذاته بمقدار صورته، لكن يدل على صانعه بوجوه كثيرة، افراداً وتركيبا

_____________________
1 صُبْرة : ما جمع من الطعام بلا كيلٍ و لا وزن.
2 تجمع النواة : نوى ، ونويات ، وانواء ، ونوى . اما هنا فقد جمعت جمعاِ مؤنثا سالما .
3 اي كأن يقول : ان كاتبي يتقن اللغة ويحسن الكتابة ويملك القلم .. وهكذا.



المثنوي العربي النوري - ص: 45
بدخوله في المركبات. ويُظهر اسماءَ صانعه ويُنشد في بيانها بمقدار قصيدة طويلة؛ فعلى هذا لو تحَمَّقَ احدٌ كالهبنّقة 1 فانكر نفسه وانكر الكائنات، ينبغي ان لا يتجاسر باظهار نهاية البلاهة على انكار الصانع.
اللمعة السادسة:
انظر! كما ان الصانع سبحانه وضع على كل جزئي ٍجزئي ٍ خاتمه الخاص، وضرب على كل جزءٍ جزءٍ سكّته المخصوصة - كما مرّ - كذلك وَضَع على كل نوع نوع وعلى كل كُلٍ كُلٍ خاتمه الخاص، وخَتم اقطار السموات والارض بخاتم الواحدية، وضرب على مجموع العالم سكة الاحدية بصورة جلية واضحة.
فانظر الى خاتمه الذي اشارت اليه آية:
(فَانْظُرْ الى آثارِ رَحْمَتِ الله كيفَ يُحيي الارضَ بَعدَ مَوتِها انَّ ذلِكَ لَمُحيي المَوتى وهوَ على كلِّ شيءٍ قَديرٌ) 2. إذ في كيفية إحياء الارض حشرٌ عجيب، ونشر غريب، يُحشَرُ في إحيائها ازيد من ثلاثمائة ألف نوع، تُساوي افرادُ نوع ٍواحد - من كثير من تلك الانواع - في السنة مجموع افراد الانسان في الدنيا؛ لكن لحكمة خفية لاتعادُ في الأكثر بأعيانها، بل بأمثالها بمثليةٍ كالعينية!.. وكيفما كان فلا بأس في دلالتها على سهولة حشر البشر، وفي كونها امثلة النشر واشارات الحشر.
فإحياء تلك الانواع الكثيرة المختلطة المشتبكة في نهاية الاختلاط والاشتباك بنهاية الامتياز، واعادتها في كمال التمييز، بلا خطأ ولا خلط، بلا غلط ولاسقط، خاتمٌ خاص بمَن له قدرة بلانهاية وعلم محيط..
وكذا كتابةُ ثلاثمائة ألف كتاب مختلفة بل ازيد في صحيفة سطح الارض؛ مختلطةً لكن في نهاية الانتظام بلا سهو ولا مزج، ومشتبكةً لكن في نهاية الانتظام بلا نقص ولا بخس، وممتزجةً لكن في نهاية التمييز والتشخيص بلاقصور ولافطور!.. سكةٌ خاصة بمن: بيده ملكوت كل شئٍ، وبيده مقاليد كل شئ، ولايُشغله شئٌ عن شئٍ.

_____________________
1 أحمقَ من هبنّقة مثل يضرب لشدة الحماقة . حيث »هبنقة« ما كان يعرف الاّ نفسه، ولا يعرف نفسه الاّ بقلنسوته، واذا ما رآها على رأس احد ظنّ انه نفسه ! (مجمع الامثال للميداني)
2 الروم : 50



المثنوي العربي النوري - ص: 46
فيا من يستبعد الحشر مستنكراً له! انظر كيف ترى في كيفية إحياء الارض مائة ألف امثلته واشاراته في ستة اسابيع!.. فمَثلُك في استبعادك الانكاري، كمثل:
مَن يرى ذاتاً ذا معجزات يكتب في آن واحد في صحيفة واحدة كتباً كثيرة مندرسةً بقيت 1 في حافظته، او يؤلفها جديدةً امثال المندرسة، فقيل له: سيَكتب هذا الكاتبُ كتابك الذي هو الّفه فمَحاه الماءُ، في صحيفة في طرفة عين. فقال: كلاّ، كيف يمكن كتابة كل ما اندرس من حروفاته في آن واحد؟! فقاس الكاتبَ الحفيظَ القديرَ ذا الاعجاز على نفسه الجاهلة العاجزة..
ومَنْ يقول لمن يرفع الجبال - بالاشارة - لإظهار عظمته او سلطنته: هو لايرفع هذه الصخرة العظيمة التي سَدّت الطريق على المسافرين الذين دعاهم الى بستان نِعَمِهِ!.. ما هو الاّ مجنون أبله.
نعم، للربوبية في هذا التصرف العظيم الربيعي خاتمٌ عالٍ عظيم دقيق النقش، هو الاتقان المطلق في الانتظام المطلق، في الجود المطلق في الوُسعة 2 المطلقة، في السرعة المطلقة في السهولة المطلقة، في الامتياز المطلق مع الاشتباك المطلق. فهذا الخاتم يختص بمن لايمنعه فعلٌ عن فعل، ولايغيب عنه شئ، ولايثقل عليه شئ.
نعم، نشاهد في الربيع في وجه الارض فعالية حكيمة بصيرة كريمة، وصنعة خارقة في آن واحد في كل مكان بطرزٍ واحد في كل فرد وبإتقان ممتاز في جود مطلق بانتظام مكمّل في سرعة مطلقة بابراز خوارق منتظمةٍ، في سهولة مطلقة في وُسعة مطلقة، فما هذه الفعالية الاّ خاتمُ مَن؛ كما انه ليس في مكانٍ، هو في كل مكان، حاضر ناظر بقدرته وعلمه لايؤوده شئ ولايستعين بشئ..
اللمعة السابعة:
انظر! كما يُشَاهَدُ على صحيفة الارض، ويُتراءى على اقطار السموات والارض خاتمُ الاحد الصمد، كذلك يشاهَدُ على "مجموع العالم" خاتم التوحيد واضحُ النقش بدرجة كُبره؛ اذ هذا العالم كالقصر المحتشم، كـ(الفابريقة) 3 المنتظمة،

_____________________
1 في الاصل: بقت . وهي صحيحة على لغة طئ لانهم يرجعون ماضي الافعال الثلاثية المعتلة الى وزن (فعل) بفتح العين. الاّ اننا جعلناها »بقيت« المستعملة كما وردت في »اشارات الاعجاز«.
2 الوسعة والسعة والتوسعة بمعنى: الاتساع.
3 المعمل او المصنع



المثنوي العربي النوري - ص: 47
كالبلد المكمل، فيما بين اجزائه - كاجزائها وافرادها - معاونة حكيمة ومجاوبة كريمة؛ اذ يَسرَعُ بعض الاجزاء لمعاونة بعض، في الطرق الطويلة المعوَجّة بلا انحراف وبانتظام، وفي وقت الحاجة، ومن حيث لايحتسب. فانظر تَرها قد مدَّ بعضٌ يَدَ المعاونة لحاجة بعض. وفي هذا التعاون تجاوبٌ بـ: لبيك لبيك! بألسنة الاحوال لأسئلة الأغيار والامثال.. قد اخذ بعضٌ يَدَ بعضٍ فيسعون ويعملون بالانتظام يداً في يد، ويَخدمُونَ ذوي الحياة رأساً مع رأس، ويتوجهون الى غاية، ويطيعون مدبّراً واحداً كتفاً بكتف.
فانظر الى دستور "التعاون" كيف يجري من الشمس والقمر ومن الليل والنهار ومن الصيف والشتاء، الى سعى النباتات لإمداد الحيوانات بحمل ارزاقها واخذها من خزينة الرحمة.. ثم إمداد الحيوانات للبشر للخدمة، حتى النحل والدود يأخذان العسل والحرير من خزينة الرحمن، ويوصلانهما الى الانسان.. ثم امداد الذّرات الغذائية للثمرات، مع تخالف اغذيتها، وامداد المواد الطعامية لتغذية حجيرات البدن بكمال الانتظام والعناية والحكمة!.
فمظهرية هذه الاشياء لاسيّما الجامدة لهذا التعاون الحكيم المنتظم الكريم المكمَّل دليلٌ واضح وبرهان ساطع على انها خدامُ مربٍ حكيم وعَمَلة مدبرٍ كريمٍ يتحركون بأمره وإذنه وقوته وحكمته.
اللمعة الثامنة:
انظر! ان ما يشاهَد من "الرزق" المُوزَّع على المرتزقين على قدر حاجاتهم، بطرز يناسب كل واحدٍ واحدٍ منهم.. وهذا الرزق العامُّ في هذه الرحمة الواسعة المشهودة المتضمنة للتودد والتعرّف.. وهذه الرحمة الواسعة في هذه العناية التامة المتضمنة للتلطيف والاكرام.. وهذه العناية المشهودة في هذه الحكمة العامة المتضمنة للقصد والشعور.. وهذه الحكمة المشهودة في هذا الانتظام المشهود.. وهذا الانتظام في ضمن هذه المسخّرية المشهودة .. وهذه المسخرية في ضمن هذا التعانق مع التجاوب.. وفي ضمن هذا التساند مع التعاون فيما بين اجزاء الكائنات.. خاتمٌ خاص بمن هو رب كل شئ ومربّى كل شئ ومدبّر كل شئ.. وسكة مخصوصة بمن


المثنوي العربي النوري - ص: 48
الشمس والقمر والنجوم مسخّراتٌ بأمره: (الّذي أحسَنَ كُلَّ شـئٍ خَلَقهُ) 1 (اذا أرادَ شيئاً انْ يقُولَ لَهُ كُنْ فيكونُ) 2...
اللمعة التاسعة:
فكما رأيت خاتم الأحدية على الجزئيات، وعلى الارض، وعلى العالم؛ فانظر ترَ ذلك على الانواع المنشورة، وعلى العناصر المحيطة.
فكما ان زرع بذرٍ في مزرعة يدل على ان المزرعة في تصرّف صاحب البذر، وان البذر لمتصرف المزرعة؛ يشهد هذا لذاك، وذاك لهذا.. كذلك، ان هذه العناصر التي هي مزرعة المصنوعات، بلسان واحديّتها وبساطتها في كليتها واحاطتها بطرز متعيِّنٍ بعلمٍ، وبصورة مُحكمة بحكمة.. وان هذه المخلوقات التي هي ثمرات الرحمة ومعجزات القدرة وكلمات الحكمة، بلسان انتشارها الحكيم، مع المماثلة في الاشخاص، وبلسان توطنها في الاطراف المتباعدة، بتوزيع ٍعجيب حكيم مع المشابهة في الافراد.. تشهدان على ان المحيط والمحاط والمزارع والبذور، في قبضة تصرف صانع واحد. فكل نوع وكل عنصر يشهد لكلٍ وللكل؛ بانكم مالُ مَنْ، أنا مالُهُ!. فيصير كل زهرة وكل ثمرة وكل حيوان وحُوينة سكةً ناطقة وخاتماً متكلماً وطرةً متلفظة بلسان انتظام الحال وحكمة المآل؛ بأن هذا المكان: مُلك مَنْ أنا ملكه!. وصُنعُ مَنْ أنا صنعُه!. ومكتوبُ مَنْ أنا حرفه!. ونسجُ مَن أنا نقشه!...
فعلى هذا، فكما ان التصرف الحقيقي في ادنى مخلوق، والربوبية على اضعف موجود يختصان بمَن دَخَل في قبضة تصرفه جميعُ العناصر.. كذلك ان تدبير اي عنصر كان وتدويره، يختص بمَن يربّي جميع الحيوانات والنباتات ويدبّرها ويأخذها في قبضة ربوبيته سبحانه!.. فهذا خاتم توحيد يبصره مَن لم يكن في عينه غين 3 وعلى قلبه رَين.
ايها المتفرعن! جرّب نفسك هل تقدر ان تملك شيئاً من الكون؟.. فاذهب واستمع مايقول كل فرد جزئي. اذ يقول بلسان المِثلية: مَن تَملَّك مجموع نوعي


_____________________
1 السجدة : 7
2 يــس : 82
3 المقصود: غشاوة.

عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس