عرض مشاركة واحدة
قديم 03-23-2011
  #6
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,194
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: الملاحق - ملحق قسطموني


الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 140
فقلت في قلبي: كيف يقابل طالب النور بلسان واحد هجمات ذنوب ترد من الف جهة، وكيف يتغلب عليها، وكيف ينجو منها؟ فأخذتنى الحيرة. فخطر على قلبى تجاه هذه الحيرة ما يأتي:
انه حسب الدستور الاساس الجاري بين طلاب رسائل النور الحقيقيين الصادقين، وهو الاشتراك في الاعمال الاخروية. وبسر التساند والترابط الخالص، فان كل طالب خالص صادق لا يتعبد بلسان واحد بل بعدد ألسنة اخوانه جميعاً، فيستغفر ربه بعدد تلك الالسنة. ويقابل الذنوب المهاجمة من ألف جهة بالوف ألوف من الالسنة المستغفرة العابدة.
ان طالباً خالصاً حقيقياً متقياً يعبد ربه بأربعين ألف من ألسنة اخوته - كالملائكة المسبّحة بأربعين ألف لسان - سيكون اهلاً للنجاة باذن الله، ويكون من اهل السعادة بفضل الله ويصبح مالكاً لعبادة رفيعة كلية بالوفاء الخالص حسب درجته وبالعمل الجاد ضمن دائرة رسائل النور وبإلتزام التقوى واجتناب الكبائر.
فلأجل الاّ يفوّت هذا الربح العظيم ينبغى السعى الحثيث في التقوى والاخلاص والوفاء.
ثانيتها: [جبة مولانا خالد]
عندما كنت في الرابعة عشر من العمر وجدت موانع حالت دون قيام احد من الاساتذة على وضع العمامة ولفّها على رأسي وإلباسي الجبة، كدليل على الشهادة العلمية، كما كانت العادة جارية سابقاً. فما كان لبس الجبة الخاصة بالعلماء والكبار يلائم سني الصغير...
ثانياً: كان العلماء في ذلك الوقت، قد اتخذوا موقف المنافس لي او التسليم التام فلم يتمكنوا ان يتقلدوا طور الاستاذ. وحيث ان عدداً من الاولياء العظام قد ارتحلوا من الدنيا، لذا لم يجد احد في نفسه الكفاءة ليلبسنى الجبة او يضع على رأسي العمامة. فمنذ خمسين سنة كان من حقى هذه العلامة الظاهرة لنيل الشهادة وهى لبس الجبة وتقبيل يد أحد الاساتذة وقبوله استاذاً.. ولكن تقديم جبة مولانا خالد النقشبندي من بُعد مئة سنة مع العمامة الملفوفة بها وارسالها اليّ في هذا العام


الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 141
باسلوب غريب جداً لكي ألبسها، قد اورثنى قناعة ببعض الامارات. فأنا ألبس تلك الجبة المباركة التي يبلغ عمرها مائة سنة واشكر ربي بمئات الالوف من الشكر والحمد. 1
***

[مسألتان وردتا الى القلب]
لقد وردت في هذه الايام مسألتان دقيقتان الى القلب، لم استطع تدوينهما، الاّ اننا بعد فوات ذلك الأوان نشير اشارة فقط الى تلك الحقائق المهمة:
اولاها: [الى المتكاسل في اذكار الصلاة]
لقد قلت لأحد اخواننا الذي اظهر تكاسلا وفتوراً في قراءة الاذكار بعد الصلاة:
أن تلك الاذكار والاوراد عقب الصلاة هي سنة نبوية مطهرة وطريقة محمدية شريفة، وهي أوراد الولاية الأحمدية، فأصبحت أهميتها من هذه الزاوية عظيمة.
ثم وضحت حقيقة هذا القول بهذا الشكل:
مثلما ان الولاية الاحمدية التي انقلبت الى الرسالة هي فوق جميع الولايات قاطبة، فان طريقة تلك الولاية الكبرى وأذكارها عقب الصلاة هي فوق سائر الطرق والاوراد بالدرجة نفسها. ثم انكشف هذا السر كما يأتي:
كما ان كل ذاكر في حلقة الذكر، أو في ختمة الذكر في المسجد. يشعر برابطة روحية، تربطه بمن حوله، فيحسون جميعا بحالة روحية نورانية، فان ذا القلب اليقظ يحس احساساً روحيا كلما سبّح بـ "سبحان الله.. سبحان الله .. سبحان الله.." بعد الصلاة، انه في حلقة ذكر مع مائة مليون من المسبّحين الذاكرين، كأنهم بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم، الذي يترأس تلك الحلقة الذاكرة المترامية الاطراف.
فبهذه الاحاسيس الشاعرة بالعظمة والهيبة والرفعة والعلو يكرر المؤمن: "سبحان الله.. سبحان الله".

_____________________
1 لقد أخذت هذه الأمانة المباركة من السيدة "آسيا" وهي طالبة النور المحترمة واختنا في الآخرة.- المؤلف.




الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 142
ثم انه عندما يردد "الحمدلله.. الحمد لله.." بأمر معنوي صادر من ذلك السيد الكريم صلى الله عليه وسلم فانه يتأمل ويفكر في عظمة تلك الكلمة "الحمد لله" المنطلقة من صدور مائة مليون من المرددين في تلك الحلقة الواسعة الشاسعة، فيشترك معهم بقوله: "الحمد لله.. الحمد لله.. الحمد لله.."
وهكذا، مع كلمة "الله اكبر.. الله اكبر.." ومع "لا اله الا الله .. لا اله الا الله" ثلاثاً وثلاثين مرة، حيث يختم الذكر..
وبعد اتمام هذه الاذكار اللطيفة بتلك المعاني والتأمل الاخوي يتوجه الى سيد الحلقة الذاكرة وهو الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم حاملا معه تلك المعاني المذكورة مع اخوانه في حلقة الذكر قائلا:
ألف ألف صلاة وألف ألف سلام عليك يا رسول الله.
أجل، هكذا أحسست، وهكذا فهمت، بل هكذا رأيت خيالا، لذلك أقول:
ان الاذكار عقب الصلاة، لها أهمية كبرى.

المسألة الثانية: [لم تُفضَّل الدنيا على الآخرة]
ان خاصية هذا العصر هي أنها تجعل المرء يفضّل - بعلم - الحياة الدنيا على الحياة الباقية. حتى اصبح تفضيل قطع الزجاج القابلة للكسر على الألماس الباقية عن علم، يجري وكأنه دستور وقاعدة عامة.
فكنت أحار من هذا حيرة شديدة، ولكن أُخطر على قلبي في هذه الايام الآتي:
كما انه إذا اشتكى عضو من الجسد تداعى له سائر الجسد تاركاً قسماً من وظائفه، كذلك جهاز الحرص على الحياة والحفاظ عليها والتلذذ بالحياة وعشقها، المندرج في فطرة الانسان قد جُرح في هذا العصر فبدأ يُشغل سائر اللطائف به لأسباب عديدة محاولاً دفعها الى نسيان وظائفها الحقيقية.


الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 143
فلو كان هناك حفل بهيج جذاب حافل بالسفاهة والسكر لانجذب اليه حتى الذين لهم مقامات رفيعة والنساء المحجبات العفيفات كما ينجذب الاطفال والسائبون، فيشتركون معاً بجاذبية ذلك الحفل تاركين وظائفهم الحقيقية.
كذلك الحياة الانسانية في هذا العصر ولاسيما الحياة الاجتماعية فقد اتخذت وضعاً مخيفاً ولكن ذات جاذبية، وحالة أليمة ولكن تثير اللهفة والفضول، بحيث تجعل عقل الانسان وقلبه ولطائفه الرفيعة تابعة لنفسه الامارة بالسوء حتى تحوّم كالفراش حول نار تلك الفتنة وترديها فيها.
نعم، هناك في حالات الضرورة رخصة شرعية في تفضيل الحفاظ على الحياة الدنيوية وترجيحها مؤقتاً على بعض الامور الاخروية. ولكن لا يمكن تفضيلها بناء على ضرر لا يلحقه هلاك ولأجل حاجة فحسب، فلا رخصة في هذا.
والحال ان هذا العصر قد غرز حب الحياة الدنيوية في عروق الانسان، حتى انه يترك اموراً دينية ثمينة جداً كالالماس لحاجة صغيرة تافهة، او لئلا يصيبه ضرر دنيوي اعتيادي.
نعم، ان هذا العصر الذي رُفعت منه البركة من جراء الاسراف المتزايد وعدم مراعاة الاقتصاد، ومن عدم القناعة مع الحرص الشديد، فضلاً عن تزايد الفقر والحاجة والفاقة وهموم العيش، مما سبب جروحاً بليغة في تطلع الانسان للعيش وفي نزوعه لحفظ الحياة، علاوة على تشعب متطلبات الحياة المرهقة، زد على ذلك استمرار اهل الضلالة بتوجيه كل الانظار الى الحياة.. كل ذلك عمّق تلك الجروح حتى دفع الانسان ليفضّل ادنى حاجة من حاجات الحياة على مسألة ايمانية عظيمة.
نعم، انه لايصمد تجاه هذا المرض العجيب لهذا العصر العجيب ولسقمه الرهيب إلاّ رسائل النور الناشرة لأدوية القرآن المبين التي لها فعل المضاد للسموم.
ولا يمكن ان يقاوم هذا المرض العضال الاّ طلاب رسائل النور الاقوياء الثابتون الذين لا يتزعزعون، الخالصون الصادقون المضحون.
ولهذا ينبغي الاسراع الى الالتحاق بدائرة النور والالتزام بها مع كامل الوفاء والثبات والجدية والاخلاص والثقة، حتى يمكن الخلاص من آثار ذلك المرض العجيب الرهيب.
تحياتنا الى الاخوة جميعاً فرداً فرداً مع الدعاء لهم بالخير.
يااخوتي! ان فعالياتكم ونشاطكم وثباتكم هى بمثابة النابض المحرك لدائرة رسائل النور بحيث تحفزوننا على الحركة والعمل هنا، وفي اماكن اخرى كثيرة. ليرضَ الله عنكم ابداً. آمين آمين ألف ألف آمين.
***


الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 144
[الآلام في اللذائذ الظاهرية]
لمناسبة الرسالة التي كتبتها لكم قبل بضعة ايام حول غلبة الحياة الدنيوية على الحياة الدينية ظهر معنىً دقيق جداً لقلبي، قد لا يُعبّر عنه بالقلم. ولكني سأشير اليه اشارة في غاية الاختصار:
انني شاهدت ان ما يخدع اهل الضلالة في هذا العصر العجيب ويجعلهم سكارى ثملين، هو ان ما يتلذذونه من أوضاع فانية لذًة ظاهرية هو في الحقيقة في منتهى الألم. بينما شعرت - بما لا اتمكن من التعبير عنه - ان اهل الايمان والهداية يتلذذون لذة علوية في نفس الموضع من تلك الامور والاوضاع الفانية.
فلقد اثبتت رسائل النور في مواضع عدة: ان كل شئ معدوم لأهل الضلالة سوى الحال الحاضرة، لذا فكل شئ بالنسبة اليهم ملئ بالآم الفراق، بينما الماضى والمستقبل وما فيهما موجودان منوّران لأهل الايمان.
ولقد شاهدت ان الاوضاع الموقتة الفائتة لأهل الدنيا معدومة في ظلمات الفناء المطلق، بينما تلك الاوضاع نفسها موجودة لأهل الهداية. لأنني تذكرت بحسرة الاوضاع الموقتة التي مرّت عليّ، وهي اوضاع تحمل لذائذ واهميةً وشأناً فاشتقت اليها. ولكن ما ان ورد على ذهني ان تلك الاوضاع الطيبة فنيت في الماضي، اذا بنور الايمان يذكّّرني: انها باقية من نواحٍ عدة رغم فنائها الظاهرى، لأن تلك الاوضاع جلوات اسم الله الباقي سبحانه، فهي باقية في دائرة العلم الالهي والالواح المحفوظة والالواح المثالية. فالعلاقات التي تربطنا بتلك الاوضاع يورثها نور الايمان بقاءً ووجوداً فوق الزمان. فيمكنك مشاهدة تلك الاوضاع من نواحٍ عديدة كثيرة وكأنها سينما معنوية كثيرة بل يمكنك الدخول فيها. فقلت: "مادام الله موجوداً فكل شئ موجود اذن". هذا الكلام الذي اصبح مضرب المثل يمثل حقيقة: "من كان لله تعالى كان له كل شئ، ومن لم يكن له كان عليه كل شئ فكل شئ معدوم له".
بمعنى ان الذين يفضلون درهماً من لذة تحمل آلاماً وحسرات وظلمات على اضعافها من اللذائذ التي لا تحمل ألماً في الموضع نفسه، لاشك انهم سيقابلون - بما يخالف مقصودهم - الألم في موضع اللذة.
***


الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 145
[خدمة الايمان فوق كل شيء]
ان طلاب رسائل النور الحقيقيين يرون خدمة الايمان فوق كل شئ. بل حتى لو مُنحوا درجة القطبية يرجحون عليها خدمة الايمان حفاظاً على الاخلاص.
نحن طلاب رسائل النور؛ وظيفتنا الخدمة، خدمة الايمان والقرآن، وعدم التدخل في أمور الله، وعدم بناء خدمتنا على تلك الأمور الذي يومئ الى ما يشبه التجربة والاختبار. فضلاً عن اننا نهتم بالنوعية دون الكمية...
لقد أدت أسباب رهيبة منذ سالف الزمن الى تدهور الاخلاق واستحباب الدنيا على الآخرة وتفضيلها عليها في كل شئ. فضمن هذه الأحوال المحيطة، فان فتوحات الايمان التي تكسبها رسائل النور حتى الآن، وكسرها لصولة الزنادقة وهجوم الضلالة، وانقاذها ايمان مئات الالوف من الناس المنكوبين، وتربيتها مئات بل الوف المؤمنين الحقيقيين الذين يعادل كل منهم مئة الفاً من غيرهم، أثبتت اثباتاً قاطعاً بحوادث واقعية - وستثبت باذن الله في المستقبل - إخبار المخبر الصادق صلى الله عليه وسلم وصدّقته تصديقاً فعلياً. وقد ترسخت في العروق الى درجة لا يمكن لأي قوة كانت ان تجتثها باذن الله من صدر الاناضول، حتى يأتي باذنه تعالى في آخر الزمان اصحابها الحقيقيون في الدائرة الواسعة للحياة، اي السيد المهدي وطلابه، فيوسّعون تلك الدائرة وتتسنبل البذور المزروعة، فنشاهد نحن ذلك المشهد من قبورنا ونشكر ربنا.
***

[ورطة المتدينين]
ان هذا العصر العجيب الذي اثقل كاهل الانسان بالحياة الدنيوية بما كثّر عليه من متطلبات الحياة وضيق عليه مواردها، وحوّل حاجاته غير الضرورية الى ضرورية بما ابتلاه من تقليد الناس بعضهم بعضاً، ومن التمسك بعادات مستحكمة فيهم، حتى جعل الحياة والمعاش هي الغاية القصوى والمقصد الاعظم للانسان في كل وقت.
فهذا العصر العجيب اسدل بهذه الامور حجاباً دون الحياة الدينية والاخروية والابدية، او في الاقل جعلها امراً ثانوياً او ثالثياً بالنسبة له. لذا جوزي الانسان على خطئه هذا بلطمة قوية شديدة حوّلت دنياه جحيماً لا تطاق.


الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 146
وهكذا يتورط المتدينون ايضاً في هذه المصيبة الرهيبة، ولا يشعر قسم منهم انهم قد وقعوا في الورطة. واذكر مثالاً:
رأيت عدداً من الاشخاص - من اهل التقوى - يرغبون في الدين ويحبون ان يقيموا اوامره كي يوفقوا في حياتهم الدنيوية ويفلحوا في اعمالهم. حتى ان منهم من يطلب الطريقة الصوفية لاجل ما فيها من كرامات وكشفيات. بمعنى انه يجعل رغبته في الآخرة وثمارها تكأة ومرتبة سلم للوصول الى أمور دنيوية، ولا يعلم هذا ان الحقائق الدينية التي هي اساس السعادة الدنيوية كما هي اساس السعادة الاخروية، لا تكون فوائدها الدنيوية الاّ مرجحة ومشوقة، فلو ارتقت تلك الفائدة الى مرتبة العلة لعمل البر، فانها تبطله، وفي الاقل يفسد اخلاصه، ويذهب ثوابه.
وقد ثبت بالتجربة ان افضل منقذ من ظلم هذا العصر المريض الغادر المشؤوم ومن ظلماته الدامسة؛ هو النور الذي تشعه رسائل النور بموازينها الدقيقة وموازناتها السديدة. يشهد على صدق هذا اربعون ألف شاهد.
بمعنى ان القريبين من دائرة رسائل النور ان لم يدخلوها ، فهناك احتمال قوي لهلاكهم.
نعم! ان هذا العصر قد جعل حتى المسلمين يستحبون الحياة الدنيا ويرجحونها على الاخرة على علم منهم ورغبة فيهم، كما تشير اليه الآية الكريمة :
(يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة) (ابراهيم: 3)
***

[مصير الابرياء من الكفار في البلايا]
باسمه سبحانه
(وان من شيء الاّ يسبح بحمده)
لقد مسّ مسّاً شديداً مشاعري واحاسيسي المفرطة في الرأفة والعطف ما اصاب الضعفاء المساكين من نكبات وويلات ومجاعات ومهالك من جراء هذه الطامة البشرية التي نزلت بهم وفي هذا الشتاء القارس... ولكن على حين غرة نُبّهتُ الى:


الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 147
ان هذه المصائب وامثالها ينطوي تحتها نوع من الرحمة والمجازاة - حتى على الكافر - بحيث يهوّن تلك المصيبة، فتظل هينة بسيطة بالنسبة اليهم. واصبح هذا التنبيه مرهماً شافياً لإشفاقي المؤلم على الاطفال والعوائل في اوروبا وروسيا، رغم اننى لم اتلق شيئاً عن اوضاع الدنيا واخبار الحرب منذ بضعة أشهر.
نعم، ان الذين نزلت بهم هذه الكارثة العظمى - التي ارتكبها الظالمون - إن كانوا صغاراً والى الخامسة عشرة من العمر، فهم في حكم الشهداء، من ايّ دين كانوا. فالجزاء المعنوي العظيم الذي ينتظرهم يهوّن عليهم تلك المصيبة.
اما الذين تجاوزوا الخامسة عشرة من العمر، فان كانوا ابرياء مظلومين، فلهم جزاء عظيم ربما ينجيهم من جهنم، لأن الدين - ولاسيما الاسلام - يُستر بستار اللامبالاة في آخر الزمان، وان الدين الحقيقي لسيدنا عيسى عليه السلام سيحكم ويتكاتف مع الاسلام. فيمكن القول بلا شك ان ما يكابده المظلومون من النصارى المنتسبين الى سيدنا عيسى عليه السلام والذين يعيشون الآن في ظلمات تشبه ظلمات "الفترة" وما يقاسونه من الويلات تكون بحقهم نوعاً من الشهادة. ولاسيما الكهول واهل النوائب والفقراء والضعفاء المساكين الذين يقاسون النكبات والويلات تحت قهر المستبدين والطغاة الظالمين.
وقد بلغتني من الحقيقة: ان تلك النكبات والويلات كفارة بحقهم من الذنوب المتأتية من سفاهات المدنية وكفرانها بالنعم ومن ضلالات الفلسفة وكفرها، لذا فهي أربح لهم مئة مرة.
وبهذا وجدتُ السلوان والعزاء من ذلك الألم المعذب النابع من العطف المتزايد، فشكرتُ الله شكراً لا نهاية له.
أما اولئك الظالمون الذين يسعّرون نار تلك الفتن والنكبات، اولئك السفلة من شياطين الانس والجبابرة الطغاة الذين ينفذونها اشباعاً لمنافعهم الشخصية، فهم يستحقون ذلك العذاب المهين، فهو بحقهم عدالة ربانية محضة.
ولكن ان كان الذين يقاسون تلك النكبات هم ممن يهرعون الى نجدة المظلومين ويكافحون في سبيل تحقيق راحة البشرية والحفاظ على الاسس الدينية والمقدسات السماوية والحقوق الانسانية. فلابد ان النتائج المعنوية والاخروية لتلك التضحيات


الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 148
الجسام كبيرة جداً بحيث تجعل تلك الويلات بحقهم مدار شرف واعتزاز بل وتحببها اليهم.
***

[العمل لأسس الاسلام أولى]
اخوتي!
لقد ارسلت في هذه الايام برفقة طلابي الاعزاء رسالتين تخصان "الرموز الثمانية" ارسلتهما الى مكان ما، الاّ ان الطريق انسدّ، فلم تُرسلا. فكررت مطالعتهما بدقة.
وساءلت فكري: تُرى لماذا اُسدل الستار امام هذا المسلك الذى يتسم بالتوافقات والذوق والجمال والاهتمام واللطف- بحساب الجمل بالابجدية والجفر - ووُجّهنا الى سلوك طريق آخر واُستعملنا فيه؟ فاُخطر علـى قلبي فجأة:
ان الانشغال بذلك المسلك الذي يفتح مغاليق تلك الاسرار الغيبية يلحق الضرر بالعمل لاسس الاسلام. فهذا العمل هو أهم من ذلك المسلك واثمن منه واقوم، وهو محور الحاجة العامة ويُسد الحاجة الماسة للجميع بالعمل لاسس الاسلام وهو خدمة خزينة الحقائق الايمانية والاستفادة منها. ولهذا وُجّهنا الى سلوك هذا الطريق، لان الانشغال بذلك المسلك يجعل المرء يدع اعظم المقاصد واجلّها - وهي الحقائق الايمانية - في درجة تالية.
***

[المقصد الاول هو الحقائق الايمانية]
اخوتي الاعزاء الاوفياء!
لمناسبة تلقي احد اخوتنا الصادقين المدققين في هذه الايام صفعة تأديب طفيفة من جراء عدم أخذه بالحذر، ولمناسبة استفسار "فيضي" و"أمين" وأخذهما الحيرة من اتخاذي طور عدم الرغبة في تلقي اي خبر عن احوال العالم واخبار السياسة والحرب


الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 149
وعدم الاهتمام بها في غضون هذه الشهور الاربعة رغم علاقتي بها بقدر آلاف الاشخاص .. فاقول لهذه المناسبات، لزم ان ابحث ولو جزئياً عن حقيقة طالما بحثت عنها وبينتها كثيراً. وهى الآتية:
بينما ينبغي ان تكون الحقائق الايمانية اول مقصد وأسبقه في هذا الزمان وتبقى سائر الامور في الدرجة الثانية والثالثة والرابعة، وفي الوقت الذي ينبغي ان تكون خدمة الحقائق الايمانية برسائل النور اجلّ وظيفة وموضع اهتمام ولهفة ومقصودة بالذات، إلاّ ان احوال العالم الحاضرة ولاسيما الحياة الدنيوية ولاسيما الحياة الاجتماعية والحياة السياسية خاصة واخبار الحرب العالمية بالأخص - التي هي تجل من تجليات غضب الله النازل عقاباً لضلالة المدنية الحاضرة وسفاهتها - والتي تستميل الناس الى جانبها وتهيج الاعصاب والعروق حتى تدخل الى باطن القلب، بل حتى مكّنت فيه الرغبات الفاسدة المضرة بدلاً من الحقائق الايمانية الرفيعة النافعة. فهذا العصر المشؤوم قد غرز الناس بهذه الامور ومازال، ولقّحهم بافكاره ومازال، بحيث ترك العلماء الذين هم خارج دائرة رسائل النور، بل بعض الاولياء، حكم الحقائق الايمانية في الدرجة الثانية والثالثة بسبب ارتباطهم بتلك الحياة السياسية والاجتماعية منجرفين مع تلك التيارات، فيولون حبهم للمنافقين الذين يبادلونهم الفكر نفسه، ويعادون من يخالفهم الرأي من اهل الحقيقة بل من اهل الولاية وينتقدونهم. حتى جعلوا المشاعر الدينية تابعة لتلك التيارات.
فتجاه هذه المهالك العجيبة التي يحملها هذا العصر، فان خدمة رسائل النور والانشغال بها قد اسقطا من عيني التيارات السياسية الحاضرة، الى درجة لم اهتم في غضون هذه الشهور الاربعة باخبار هذه الحرب ولم أسأل عنها.
ثم ان طلاب رسائل النور الخواص وهم منهمكون بمهمة نشر الحقائق الايمانية الثمينة ينبغى لهم الاّ يورثوا الفتور في وظيفتهم المقدسة بمشاهدة لعب الشطرنج للظالمين ولا يعكّروا صفو اذهانهم وافكارهم بالنظر الى لعبهم.
فلقد وهب لنا سبحانه وتعالى النور والمهمة النورانية، واعطاهم لعباً مظلمة ظالمة، فهم يستنكفون منا ولا يمدون يد المعاونة الينا ولا يرغبون فيما لدينا من انوار سامية. فمن الخطأ التنزل الى مشاهدة لعبهم المظلمة على حساب وظيفتنا.


عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس