عرض مشاركة واحدة
قديم 03-09-2009
  #11
أبو أنور
يارب لطفك الخفي
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 3,299
معدل تقييم المستوى: 19
أبو أنور is on a distinguished road
افتراضي رد: ألف دلالة ودلالة في الصلاة على نور الوحي والرسالة

فضائل الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

قال الإمام محمد المهدي الفاسي رحمه الله في مطالع المسرات:
من المؤلفين في الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم من يقدم فضائل الصلاة للترغيب، ومنهم من يقدم الكيفية لكونها هي المقصودة بالذات، وهذا كاختلاف صنيع أهل التفسير الذين يذكرون فضائل السور في تقديمها أو تأخيرها هـ.

قلت: واخترت هنا البدء بالكيفية وتأخير الحديث عن الفضائل لما اعترى مجتمعنا من جهل مركب بسر الكيفية النبوية والصيغة النبوية التي سنها عليه الصلاة والسلام من أجل امتثال أمر الله بالصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم.

وقد وصل، للأسف الشديد، هذا الجهل المركب إلى حد المتعلمين منا والمنتسبين فينا إلى العلم الشرعي.
وهاهنا لطيفة من لطائف الإحسان لا يلتفت إليها صاحب فقه لغوي عام: فمسألة فضل الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تختلف من مسلم إلى آخر حسب ما كان عليه وضعه من شروط استجابة الدعاء التي مررنا بها آنفا.

ومن ثم يمكننا التماس مستويات الفضل بالنسبة لهذه السنة المحمدية الجليلة في أكثر من ثلاثين مستوى حسبما تحقق للفرد من شروط استجابة الدعاء.

فمن دعا بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو محقق للشرط الأول فقط له من فضل هذه السنة أقل ممن حقق الشرطين الأولين أو الشروط الثلاثة الأولى.

وهو المعنى الذي عبرت عنه أحاديث الرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذ تفاوتت درجات الفضل لمن دعا بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين من ينال عشر حسنات وبين من ينال صلاة الملائكة عليه عشر مرات، إلى ما هنالك من فضل صلاة الله على المرء لا يعرف كنهها وحقيقتها في حق كل مسلم على حدة إلا الله سبحانه.

وقد ورد في الصحيح عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه من دعا لأحد بظهر الغيب قال له الملك: ولك بمثله، وفي رواية: ولك بمثليه.

فشرع ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعدما أمر بها الله في قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما)، ليعود هذا الخير من الملك على المصلي عليه من أمّته صلى الله عليه وآله وسلم.

ويقول ابن شافع رحمه الله: انبسط جاهه صلى الله عليه وآله وسلم حتى بلغ المصلي عليه لهذا الأمر العظيم وإلا فمتى كان يحصل لك أن يصلي الله عليك؟!

فلو عملت في عمرك كل طاعة ثم صلى الله عليك صلاة واحدة رجحت تلك الصلاة الواحدة على ما عملت في عمرك كله من جميع الطاعات، لأنك تصلي على حسب وسعك، وهو يصلي على حسب ربوبيته.

هذا إذا كانت صلاة واحدة، فكيف إذا صلى عليك عشرا بكل صلاة؟! هـ.

فلن يصلي أحد من أمة الإسلام على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا ردها الله عليه بعشر أمثالها فيصلي عليه سبحانه بكل صلاة عشر صلوات، ويكتب له عشر حسنات، ويمحو عنه عشر سيئات. فليكثر أحدنا عدد ذلك أو ليقل.

هكذا ورد عن نبينا صلى الله عليه وآله وسلم من فضل الدعاء للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بالصلاة عليه.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:
من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشرا.

وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه عشر صلوات، وحط عنه عشر خطيئات، ورفعت له عشر درجات.

وعن أبي طلحة رضي الله عنه قال: جاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوما وهو يرى البشر في وجهه فقيل: يا رسول الله إنا نرى في وجهك بشرا لم نكن نراه، قال:
أجل، إن ملكا أتاني فقال لي:
يا محمد إن ربك يقول لك: أما يرضيك أن لا يصلي عليك أحد من أمتك إلا صليت عليه عشرا، ولا يسلم عليك إلا سلمت عليه عشرا، قال: قلت: بلى أي رب.

قال الإمام محمد المهدي الفاسي رحمه الله في مطالعه:
فالله يصلي على من صلى على نبيه صلى الله عليه وآله وسلم عشرا بواحدة، وهذا الإخبار من الله تعالى يشير لإظهار كمال محبوبية نبيه صلى الله عليه وآله وسلم وعظيم جاهه عنده حتى تعداه ذلك إلى أمته بسببه حيث كان من صلى عليه منهم واحدة كافأه عنه بأن يصلي عليه بنفسه عشرا.

فلو كانت صلاة واحدة لم يقم لها شيء، فكيف بأن يصلي عليه عشرا بكل واحدة ؟!

وبأي عمل يتوصل إلى هذا ؟! وبأي حيلة أو سبب ينال ؟!

ومن أين للعبد الذليل الحقير أن يصلي عليه الملك العزيز الجليل لولا عناية متبوعه النبي الكريم واتساع جاهه عنده ؟!

ولعل ما تجلى لباطنه صلى الله عليه وآله وسلم من سر الجمال بهذا الإخبار كان سبب ظهور ما ظهر من البشر على وجهه الشريف، إذ ما في السرائر يلوح على الأسرة، وكان صلى الله عليه وآله وسلم إذا سر استنار وجهه وعرف ذلك منه، وهو صلى الله عليه وآله وسلم لا يسر حقيقة وتطيب نفسه ويظهر بشره إلا بما أتاه من ربه عز وجل، وحق له السرور والاستبشار ببشرى السيد الجليل الملك العظيم هـ.

قلت: ومن عظم هذا التشريف أن الله لم يجعل جزاء الصلاة على نبيه صلى الله عليه وآله وسلم مجرد ذكر للمصلي في الملأ الأعلى، بل ذكره مع صلاة الله عليه عشرا، كما نبه إلى ذلك العلامة العرضي رحمه الله الذي قال: ولا يخفى أن صلاة الله على العبد معناها رحمة خاصة في مقابلة صلاته على نبيه، ولعمري إن هذا جزاء لا يعادله جزاء، وإذا تأملت علمت أنه أعظم جزاء من جزاء الذكر، لأنه مجرد ذكر الله له، أما جزاء الصلاة فهو ذكر مع ثناء ودعاء ورحمة من الله لا يعادلها رحمة هـ.

والصلاة، كما يقول الإمام ابن عربي الحاتمي رحمه الله في فتوحاته، إن نسبت إلى الله فلها نشأة تخالف نشأة نسبتها إلى غير الله من ملك وبشر وغيرهما من المخلوقين.

فصلاة الله تنشأ نشأة تامة مطلقة. وهي نوعان صلاة عامة لكل من أسلم لله عز وجل. وهي الصلاة الإلهية على من رضي به سبحانه ربا إذ بها يخرج الله العبد من ظلمات الكفر إلى نور الإسلام. قال تعالى: (هو الذي يصلي عليكم وملائكته).

والنوع الثاني صلاة إلهية خاصة بمن رضي الله عنه سبحانه فصار محبوبا لديه ومقربا. وهي درجات ومقامات كثيرة.

قال الإمام محمد المهدي الفاسي رحمه الله في مطالعه:
وبهذا فرق بين صلاته تعالى على نبيه صلى الله عليه وآله وسلم في سورة الأحزاب وبين صلاته على سائر المؤمنين في السورة المذكورة، ومن المعلوم أن القدر الذي يليق بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم من ذلك أرفع مما يليق بغيره هـ.

وكذا يقال فيما بين المؤمنين فالقدر الذي يليق بالصديقين من صلاة الله علينا أمة الإسلام أرفع مما يليق بالشهداء، وما يليق بالشهداء أرفع مما يليق بالصالحين، وهكذا.

وصلاة الملائكة والأنبياء تنشأ نشأة تامة أيضا ولكن تمامها نسبي يتعلق بمقام كل ملك أو نبي من الله عز وجل.
وكذلك كل صلاة منسوبة إلى جماد أو نبات أو حيوان.

أما الإنس والجن فصلاتهم غير تامة بحكم ارتباطهم بعامل الإرادة والاختيار الذي يتميزون به عن كل الموجودات الأخرى. فمتى ما كانت إراداتهم متعلقة بحبل الله عز وجل إلا واتصفت صلاتهم عموما بدرجة من درجات التمام والكمال كل حسب مستواه من هذا التعلق.

فصلاتنا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في صورتها التامة الكاملة لن تكون إلا إذا كان نطقنا بالله عز وجل.

وهذه الصلاة التامة الكاملة منا على نبينا صلى الله عليه وآله وسلم قد كانت بين صلاتين من الله تعالى علينا، صلى سبحانه علينا ليخرجنا بهدي حبيبه ومصطفاه من الظلمات إلى النور وأمرنا أن نصلي على هذا الحبيب المقرب عليه الصلاة والسلام، فإن صلينا عليه صلى الله سبحانه ثانية علينا. ومن صلاته الثانية علينا كانت لنا السعادة الأبدية.

فالصلاة التامة الكاملة منا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على اختلاف درجات التمام والكمال التي يتسابق ويتسارع إلي أعلى رتبها الربانيون من المؤمنين المتبتلين، لا تأتي إلا بعد أن يصلي الله علينا.

فمنا من يصلي عليه ربنا صلاة يخرجه بها من ظلمات الجهل إلى نور العلم، ومنا من ظلمات المخالفة إلى نور الموافقة، ومنا من ظلمات الضلال إلى نور الهدى، ومنا من ظلمات الشرك إلى نور التوحيد، ومنا من ظلمات الحجاب إلى نور التجلي، ومنا من ظلمات الشقاء والتعب إلى نور السعادة والراحة، ومنا من ظلمات الفقر والفاقة إلى نور الغنى عن الناس والسؤدد.

ومن ثم، فمن سبقت له من الله العناية لا يضره عدم وفور شرط من شروط استجابة الله لدعائه بالصلاة على نبينا صلى الله عليه وآله وسلم.

ولهذا كان من سمع اسم النبي صلى الله عليه وآله ولم يصل عليه بخيلا، بل ولا أخبل منه، ذلك لأن معنى البخيل هنا بخله على نفسه.

فعن علي بن حسين عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:
إن البخيل من ذكرت عنده فلم يصل علي.

وعن أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:
إن أبخل الناس من ذكرت عنده فلم يصل علي.

وعن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
بحسب امرئ في البخل أن أذكر عنده فلا يصلي علي.
أبو أنور غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس