عرض مشاركة واحدة
قديم 03-09-2009
  #12
أبو أنور
يارب لطفك الخفي
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 3,299
معدل تقييم المستوى: 19
أبو أنور is on a distinguished road
افتراضي رد: ألف دلالة ودلالة في الصلاة على نور الوحي والرسالة

وعن الحسن أيضا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
كفى به شحا أن يذكرني في قوم فلا يصلون علي.

ويؤكد هذا المعنى ما روي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
ما جلس قوم مجلسا لم يذكروا الله ولم يصلوا على نبيهم صلى الله عليه وسلم إلا كان مجلسهم عليهم ترة يوم القيامة إن شاء عفا عنهم وإن شاء أخذهم.

ترة تعني حسرة. وأي حسرة أكبر من تفويت فرصة صلاة الله على المرء عشرات المرات؟!

فمن ترك الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقد بخل على نفسه حيث حرمها صلاة الله عليه عشراً إذا صلى هو واحدة.

قال الإمام محمد المهدي الفاسي رحمه الله في مطالعه:
لأن البخل منع الفضل والإمساك عن بذل ما ينبغي بذله شرعا أو مروءة، والشرع يقتضي ذلك لأنه أمرنا به، وكذا المروءة لأنها تقتضي الثناء على من أنعم وأحسن.

والنبي صلى الله عليه وآله وسلم له علينا من الأيادي العظيمة والمنن الجسيمة دينا ودنيا وآخرة ما لا يحصى بحيث إنا نسبح فيها ونتقلب ظهرا لبطن، ولا منعم من الخلق مثله، فإنه الواسطة لنا في كل خير وفي جميع النعم التي وصلت إلينا، وهو أحرص شيء على هدانا ونجاتنا، ومهتم بنا في الدنيا والآخرة حتى إنا لو استغرقنا أعمارنا وآناء ليلنا ونهارنا في الصلاة عليه وشغل القلب بذكره بعد ذكر الله عز وجل لكان ذلك قليلا في تأدية واجب حقه وما تقتضيه محبته لحسنه وإحسانه، ونحن مطالبون بذلك واجب علينا بمقتضى الإيمان والإحسان أن لا ننساه ولا نغفل عنه.

ثم إن هذا لم يقتصر على أن بخل بالإكثار من الصلاة عليه ابتداء من قبل نفسه، بل بخل أن يحرك شفتيه اللتين لا مشقة تلحقه في تحريكهما بالصلاة عليه مرة واحدة بسبب سماع ذكره من مذكر له به صلى الله عليه وآله وسلم، فلا أعظم من هذا بخلا وجفاء، ألهمنا الله رشدنا بمنه ووقانا شح أنفسنا بفضله هـ.

هذا من جهة البخل، كما أن من أكثر من الدعاء بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإنه يصير أولى الناس بسيدنا ومولانا محمد صلى الله عليه وآله وسلم لتقربه إليه واتخاذه عنده يدا بذلك.

فمقصود الدعاء بالصلاة على رسول الله الاهتمام والانشغال بأمر رسول الله والفناء في خدمته ليدخل في ذلك كل أنواع التقرب من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كإهداء ثواب الأعمال الفاضلة إليه. وهذا علي بن الموفق رضي الله عنه لما حج عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حجا رآه في المنام يقول له:
"هذه يدك عندي أكافئك بها يوم القيامة، آخذ بيدك في الموقف فأدخلك الجنة والخلائق في كرب الحساب".

ومن هذا الباب شدة محبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند أقوام جعلتهم يكثرون من ذكر الحبيب المصطفى والدعاء له بأفضل الأدعية وأرقاها وهو الدعاء بالصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم، فكان هذا الدعاء منهم من شدة شوقهم إليه عليه الصلاة والسلام وليس مجرد عادة اعتادوا عليها، فاقتربت أرواحهم من روحه الطاهرة وحصل بينها التعارف والائتلاف والارتباط والمناسبة.

قال أبو عبد الله الساحلي رحمه الله في بغية السالك: إن من أعظم الثمرات وأجل الفوائد المكتسبات بالصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم انطباع صورته الكريمة في النفس انطباعا ثابتا متأصلا متصلا، وذلك بالمداومة على الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم بإخلاص القصد وتحصيل الشروط والآداب وتدبر المعاني حتى يتمكن حبه من الباطن تمكنا صادقا خالصا يصل بين نفس الذاكر ونفس النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ويؤلف بينهما في محل القرب والصفا تأليفا بحسب تمكن حبه من النفس، فالمرء مع من أحب، والحب يوجب الاتباع للمحبوب، والاتباع يؤذن بالوصال هـ.

وعن محمد بن سعيد بن مطرف الخياط ـ الرجل الصالح ـ رحمه الله قال:
كنت جعلت على نفسي كل ليلة عند النوم إذا أويت إلى مضجعي عددا معلوما أصليه على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فإذا أنا في بعض الليالي قد أكملت العدد فأخذتني عيناي، وكنت ساكنا في غرفة فإذا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم قد دخل علي من باب الغرفة فأضاءت به نورا، ثم نهض نحوي وقال:
هات هذا الفم الذي يكثر الصلاة علي أقبله،
فكنت أستحي منه أن أقبله في فيه فاستدرت بوجهي، فقبلني في خدي، فانتبهت فزعا في الحين وأنبهت صاحبتي إلى جنبي، وإذا البيت يفوح مسكا من رائحته صلى الله عليه وآله وسلم، وبقيت رائحة المسك في خدي نحو ثمانية أيام تجدها زوجتي في كل يوم وليلة في خدي هـ.

قال ابن وداعة في التعليق على هذه الكرامة:

وإذا أردت أن تعلم حقيقة هذا القول فانظر إلى قوله صلى الله عليه وآله وسلم:
ما جلس قوم مجلسا ثم تفرقوا على غير الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا تفرقوا على أنتن من ريح الجيفة. يظهر لك أن المجالس التي يذكر فيها النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو يصلى فيها عليه توجد فيها روائح عطرية وتنمو فيها نوافح مسكية.

ولما كان هو صلى الله عليه وآله وسلم أطيب الطيبين وأطهر الطاهرين وكان من خصائصه الشريفة التي عجلت له من صفات أهل الجنة أنه كان لا يمر بموضع ولا يجلس فيه ولا يمس بيده أو بجارحة من جوارحه الطاهرة شيئا إلا ويبقى فيه رائحة كرائحة المسك ـ حتى لقد كان أصحابه يعرفون الطريق التي يمر عليها صلى الله عليه وآله وسلم بذاك ـ، أبقى الله له هذه الكرامة، فكان صلى الله عليه وآله وسلم إذا ذكر في موضع وصلي عليه فيه طاب ذلك الموضع بذكره ونمت منه روائح طيبة، فصلى الله عليه وعلى آله صلاة تطيب مجالس الذكر ويغفر بها عظيم الوزر هـ.

وعموما، فإن عمل العبد بينه وبين ربه إذا كان المحرك له هو عظمة الله سبحانه فالأجر على قدر هذه العظمة في القلب. أما إذا كان المحرك له والحامل عليه مجرد غرض العبد وما يرجع لذاته، فالأجر على قدر ذلك. وهو ما أشار إليه سيدي عبد العزيز الدباغ رحمه الله في الإبريز حيث قال:
المشاهدة توجب محبة الله سبحانه، ومحبته سبحانه توجب الانقطاع إليه والانقطاع إليه يوجب أن يكون الأجر منه تعالى، على ما يليق بقدره سبحانه لا على ما يليق بقدرة العبد، وعدم المشاهدة يوجب الغفلة عنه سبحانه وهي توجب الانقطاع إلى الذات والانقطاع إلى الذات يوجب أن يكون الأجر على قدر العبد، لا على قدر الرب سبحانه، ولهذا ترى رجلين كل منهما يصلي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيخرج لهذا أجر ضعيف ويخرج لهذا أجر لا يكيف ولا يحصى، وسببه ما قلنا.

فالرجل الأول خرجت منه الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع الغفلة وعمارة القلب بالشواغل والقواطع، وكأنه ذكرها على سبيل الألفة والعادة، فأعطى أجرا ضعيفا.

والثاني خرجت منه الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع المحبة والتعظيم.

أما المحبة فسببها أن يستحضر في قلبه جلالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعظمته وكونه سببا في كل موجود، ومن نوره كل نور، وأنه رحمة مهداة للخلق، وأنه رحمة الأولين والآخرين، وهداية الخلق أجمعين إنما هي منه ومن أجله فيصلي عليه لأجل هذه المكانة العظيمة لا لأجل علة أخرى ترجع إلى نفع ذاته.

وأما التعظيم فسببه أن ينظر إلى هذه المكانة العظيمة وبأي شيء كانت وكيف ينبغي أن تكون خصال صاحبها، وأن الخلائق أجمعين عاجزون عن تحمل شيء من خصالها لأنها ارتقت حقائقها فيه صلى الله عليه وآله وسلم إلى حد لا يكيف بالفكر فضلا عن أن يطاق تحمله بالفعل، فإذا خرجت الصلاة من العبد على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فإن أجرها يكون على قدر منزلة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلى قدر كرم الرب سبحانه، لأن محرك هذه الصلاة والحامل عليها هو مجرد تلك المكانة العظيمة، فكان الأجر عليها على قدر تلك المكانة الحاملة عليها.
أما صلاة الأول فكان المحرك عليها حظ نفسه وغرض ذاته فكان الأجر عليها على قدر محركها، (ولا يظلم ربك أحدا) هـ.

ويمكننا تلخيص ما ذكره العلماء من فضائل الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيما يلي:
الأولى: امتثال أمر الله بالصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم، وإن كان امتثالنا بالصلاة على رسول الله مجاز وليس على الحقيقة، لأن المصلي في الحقيقة هو الله سبحانه.

الثانية: موافقته سبحانه وتعالى في الصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم، وإن اختلفت الصلاتان، فصلاتنا عليه دعاء وسؤال، وصلاة الله تعالى عليه ثناء وتشريف وتعظيم وإعلاء مقام.

الثالثة: موافقة الملائكة في الصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم، وإن اختلفت الاستجابة في الدعاءين، فدعاءنا يحتاج إلى استجابة إلهية ونيابة، ودعاء الملائكة مستجاب قطعا لأن نطقهم بذلك يكون بالله عز وجل.

الرابعة: حصول عشر صلوات من الله تعالى على المصلي عليه صلى الله عليه وآله وسلم مرة، إلا أنها تختلف هذه الصلوات العشر من مسلم إلى آخر على قدر نية كل داع ومصل.

الخامسة: أن يرفع له عشر درجات، تتفاوت بدورها من مصل إلى آخر.

السادسة: يكتب له عشر حسنات.

السابعة: تمحى عنه عشر سيئات.

الثامنة: ترجى إجابة دعائه، إذا قدما أمامه وختم بها دعاءه، فهي تصاعد الدعاء إلى رب العالمين، بعدما كان موقوفا بين السماء والأرض قبلها.

التاسعة: أنها سبب لشفاعته صلى الله عليه وآله وسلم، إذا قرنها بسؤال الوسيلة له.

العاشرة: أنها سبب لغفران الذنوب وستر العيوب.

الحادية عشر: أنها سبب لكفاية العبد ما أهمه، خصوصا إن كانت هي كل دعاء العبد إلى ربه في يومه وليلته.

الثانية عشر: أنها سبب لقرب العبد منه صلى الله عليه وآله وسلم، بل ويصير عند الكثرة منها أولى برسول الله عليه الصلاة والسلام يوم القيامة.

الثالثة عشر: أنها تقوم مقام الصدقة، خصوصا لذي العسرة والفاقة ومن لا يجد ما ينفقه في سبيل الله.

الرابعة عشر: أنها سبب لقضاء الحوائج.

الخامسة عشر: أنها سبب لصلاة الله وملائكته على المصلي.

السادسة عشر: أنها زكاة للمصلي وطهارة له.

السابعة عشر: أنها سبب لتبشير العبد بالجنة قبل موته.

الثامنة عشر: أنها سبب للنجاة من أهوال يوم القيامة.

التاسعة عشر: أنها سبب لرده صلى الله عليه وآله وسلم على المصلي عليه.

الموفية عشرين: أنها سبب لتذكر العبد ما نسيه.

الحادية والعشرون: أنها سبب لطيب المجلس وأن لا يعود على أهله حسرة يوم القيامة.

الثانية والعشرون: أنها سبب لنفي الفقر عن المصلي عليه صلى الله عليه وآله وسلم.

الثالثة والعشرون: نجاته من دعائه عليه برغم أنفه إذا تركها عند ذكره صلى الله عليه وآله وسلم، ونفي اسم البخل عنه.

الرابعة والعشرون: أنها تأتي بصاحبها على طريق الجنة وتخطئ بتاركها عن طريقها.

الخامسة والعشرون: أنها تنجي من نتن المجلس الذي لا يذكر فيه اسم الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم.

السادسة والعشرون: أنها سبب لتمام الكلام الذي ابتدئ بحمد الله والصلاة على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم.

السابعة والعشرون: أنها سبب لفوز العبد بالجواز على الصراط، مع تثبيت قدمه عليه.

الثامنة والعشرون: أنه يخرج العبد عن الجفاء بالصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم.

التاسعة والعشرون: أنها سبب لإلقاء الله تعالى الثناء الحسن على المصلي عليه صلى الله عليه وآله وسلم بين السماء والأرض، لأن المصلي طالب من الله أن يثني على رسوله ويكرمه ويشرفه، والجزاء من جنس العمل، فلا بد أن يحصل للمصلي نوع من ذلك.

الثلاثون: أنها سبب رحمة الله عز وجل للمصلي، لأن الرحمة إما معنى الصلاة كما قاله طائفة، وإما من لوازمها وموجباتها على القول الصحيح، فلا بد للمصلي عليه من رحمة تناله.

الحادية والثلاثون: أنها سبب للبركة في ذات المصلي وعمله وعمره وأسباب مصالحه، لأن المصلي داع ربه أن يبارك عليه وعلى آله، وهذا الدعاء إن استجيب كان الجزاء من جنسه.

الثانية والثلاثون: أنها سبب لدوام محبته صلى الله عليه وآله وسلم وزيادتها وتضاعفها، وذلك عقد من عقود الإيمان لا يتم إلا به.

الثالثة والثلاثون: أنها سبب لمحبة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم للمصلي عليه.

الخامسة والثلاثون: أنها سبب لهداية العبد وحياة قلبه، فإنه كلما أكثر الصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم وذكره، استولت محبته على قلبه حتى لا يبقى في قلبه معارضة لشيء من أوامره، ولا شك في شيء مما جاء به، بل يصير ما جاء به مكتوبا مسطورا في قلبه، لا يزال يقرؤه على تعاقب أحواله ويقتبس الهدى والفلاح وأنواع العلوم منه، وكلما ازداد في ذلك بصره وقوة معرفته، ازدادت صلاته عليه صلى الله عليه وآله وسلم.

السادسة والثلاثون: أنها سبب لعرض المصلي عليه صلى الله عليه وآله وسلم وذكره عند، وكفى بالعبد نبلا أن يذكر اسمه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقد قيل في هذا المعنى:
ومن خطرت منه ببالك خطرة حقيق بأن يسمو وأن يتقدما

السابعة والثلاثون: أنها سبب لتثبيت قلب المصلي على دينه.

الثامنة والثلاثون: تأدية الصلاة عليه لأقل القليل من حقه صلى الله عليه وآله وسلم وشكر نعمة الله التي أنعم بها علينا، مع أن الذي يستحقه من ذلك لا يحصى علما ولا قدرة ولا إرادة، ولكن الله سبحانه لكرمه رضي من عباده باليسير من شكره وأداء حقه.

التاسعة والثلاثون: أنها متضمنة لذكر الله وشكره ومعرفة إحسانه، فالمصلي عليه صلى الله عليه وآله وسلم قد تضمنت صلاته عليه ذكر الله وذكر رسوله وسؤاله أن يجزيه بصلاته عليه ما هو أهله.

الموفية أربعين: أن الصلاة عليه من العبد دعاء وسؤال من ربه عز وجل، فتارة يدعو لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم، وتارة لنفسه، ولا يخفى ما في هذا من المزية للعبد.

الإحدى والأربعون: من أعظم الثمرات وأجل الفوائد المكتسبات بالصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم انطباع صورته الكريمة في النفس.

الثانية والأربعون: أن الإكثار من الصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم يقوم مقام الشيخ المربي.

الثالثة والأربعون: أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم تكسب الأزواج والقصور في الجنة.

الرابعة والأربعون، أنها تعدل عتق الرقاب.

يتبع..
أبو أنور غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس