عرض مشاركة واحدة
قديم 12-16-2008
  #3
محب الاولياء
عضو شرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 120
معدل تقييم المستوى: 16
محب الاولياء is on a distinguished road
افتراضي رد: شرح الصلاة المشيشة للشيخ سعد الدين العارف الحموي

وروحه سر حقيقتي: أي يا الله اجعل شهود روحه عليه الصلاة والسلام تنقل سر حقيقتي بأن تصير حقيقتي سراً بواسطة ذلك الشهود، لأن حقيقة الإنسان هي اللطيفة الربانية التي كان بها الإنسان إنساناً، فتسمى نفساً في مقام الإسلام، وقلباً في مقام الإيمان، وروحاً في أول مرتَبَتَي الإحسان وهي المراقبة في أولاها، والسر في ثانيها وهي المشاهدة.
وحقيقته جامع عوالمي بتحقيق الحق الأول: أي أسألك يا الله بوجودك الحق السابق على كل شيء أن تجعل حقيقتي متوجهةً إلى شهود حقيقته صلى الله عليه وسلم مع عدم الغفلة عن شهود الربوبية والاستغراق فيها، حتى لا أقع كمن غلط في شهود الواسطة فجعلها مقصداً، إذ لولا تعريف الله تعالى عباده به ما عرفوه (وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله) وأسألك يا الله أن تكون عوالمي كلها (النفس والقلب والروح والسر) منصرفةً ومتوجهةً إلى شهود النبي عليه الصلاة والسلام الصادقة بعوالمه الشريفة، واجعل كل أجزائي مشغولةً به ظاهراً وباطناً، تابعةً له في كل ما أمر به ونهى عنه، وأعني يا الله على شهوده الآن في عالم الأجساد بعد أن شهد قلبي التوحيد في عالم الأرواح يوم (ألست بربكم) إذ هو أول من أجاب بقوله (بلى) ودعا إليه فاستجب لي ما دعوتك به يا الله.
ثم استغاث في سؤال شهوده صلى الله عليه وسلم بهذه الأسماء الحسنى لما فيها من الدلالة على الإحاطة والقيومية والتنزيه، وأدخلَ حرف النداء في أولها تأدباً بإظهار نفسه:
يا أول: وهو السابق على كل شيء لقدمه، كان الله تعالى ولا شيء معه وهو الآن على ما عليه كان سبحانه.
يا آخر: وهو الباقي الذي يستحيل عدمه (كل شيء هالك إلا وجهه).
يا ظاهر: وهو الواضح الربوبية بالدلائل، والذي ليس فوقه شيء وظهر بصنعه وأفعاله سبحانه.
يا باطن: وهو الذي ليس دونه شيء، والذي تحجب عنا بجلاله، المحتجب عن الأفهام الذي لا يحيط به تكييف، فلا يحيط به عقل فيدركه، جل المهيمن عن الإدراك إذ تاهت عقول ذوي الألباب فيه، وكلَّت وضلَّت بحار العقل والفكر في ذاته سبحانه، وإذا كان الإنسان لا يحيط بصفات ذاته فكيف بباريه تعالى؟ فلا يعرف ذات الله تعالى إلا هو سبحانه وتعالى.
ولهذه الأسماء الأربعة خواص عظيمة إذ قالوا: من قال بعد صلاة ركعتين خمساً وأربعين مرةً (هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم) حصل له مطلوبه أيَّاً كان.
اسمع ندائي: أي يا الله اسمع دعائي ومناجاتي سماع قبول وإجابة بطلبي الوارث لسري حتى ينتفع به المؤمنون ويكونوا في ميزانه، والمرء في ميزانه من اتبعه.
بما سمعت به نداء عبدك زكريا: أي أقسم عليك يا الله بالاسم الذي سمعت به نداء عبدك زكريا عليه السلام وهو (المجيب الرحيم) بطلبه أمراً عظيماً وهو يحيى عليه السلام ليرثه في النبوة والعلوم والمعارف (رب لا تذرني فرداً وأنت خير الوارثين) (فهب لي من لدنك ولياً يرثني) (يا زكريا إنَّا نبشرك بغلام اسمه يحيى)، فأعطاه الله تعالى القطب الكبير سيدي أبا الحسن الشاذلي رضي الله عنه فورثه في الطريق والعلوم والمعارف وكان على يديه الفتح والانتشار.

وانصرني بك لك: أي باسمك المعين النصير قوني بحولك وقوتك لا بالأسباب والوسائط من أجل أن أقوم بأداء ما كلفتني به من الأمور الدينية والوظائف الشرعية مخلصاً لوجهك الكريم لا لأغراض نفسي حتى أكون عبداً على الحقيقة لك فهو منك وإليك.
وأيدني بك لك: أي باسمك القوي المتين قوني من أجل أن أقوم بقهر أعدائك وردهم إلى القيام بحقك، وأعطني سراً من عندك لأزداد قوة إيمان ويقين وصبر على البلاء بحيث تصير البلايا عطايا، فأصبر شاكراً على السراء حامداً على الضراء وكل ذلك لمرضاتك.
واجمع بيني وبينك: أي يا الله أزل حجاب الغفلة عن قلبي وكل شاغل يشغلني عنك، ولا تحجبني عن نور مشاهدتك طرفة عين (وهذه تحلية).
وحل بيني وبين غيرك: أي أدم يا الله الحيلولة بيني وبين كل قاطع يقطعني أو يحجبني أو يبعدني عنك، وصن قلبي من الأغيار واحرسه بدوام الأنوار (وهذه تخلية).
الله، الله، الله: أتى بالاسم الجامع الأعظم مجرداً عن حرف النداء لئلا يُشعر بالبعد استغراقا في الله تعالى وفناءً فيه، وجعل ذكره ثلاثاً تبركاً واستلذاذاً، وإشارةً إلى الخروج عن العوالم الثلاثة: عالم الأفعال، وعالم الصفات، وعالم الذوات، فان مراتب الفناء ثلاثة:
1- فناء في الأفعال: بدوام رؤية أن لا معز ولا مذل ولا مانع ولا معطي إلا الله تعالى.
2- وفناء في الصفات: بدوام رؤية أن لا عالِم ولا قادر ولا مريد ولا حي إلا الله تعالى.
3- وفناء في الذات: بدوام رؤية أن لا موجود إلا الله تعالى.
فأتى بهذا الاسم العظيم إيقاظاً للأرواح، وتنبيها لها على التعلق به والتخلي عما سواه، وتكراره تثبيت معناه في الباطن وتأكيده في القلوب، وقد قيل: الحكمة في ذلك التكرار أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يلقن أصحابه الذكر ثلاثاً، وأن الله وتر، وأن منبره صلى الله عليه وسلم ثلاثُ درجات كلما صعد على واحدة قال: الله، فاقتدى به، وأن النفوس ثلاثة: أمارة ولوامة ومطمئنة.
فإذا قال الاسم الجليل أولاً خرج من الأمارة، وخرج ثانياً من اللوامة، ووصل ثالثاً إلى المطمئنة.
{إن الذي فرض عليك القرآن لرادَّك إلى معاد}: الحكمة من ذكره هذه الآية الكريمة والتي قيلت للنبي عليه الصلاة والسلام في تأكيد مراده عليه الصلاة والسلام مما يريد ويتمنى ومما أراده الله تعالى له من المقامات والعطيات ومما لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، فالحكمة هي مناجاته تعالى بقوله: صدقت يا الله وعد حبيبك فاصدق وعدي بكل ما سبق ذكره، وأنلني ما طلبته.
وأراد الشيخ رحمه الله تعالى تنبيه المريد إلى أنه سبحانه هو المعاد الذي ترجع إليه الأمور دنيا وأخرى، فكن أيها المريد مستغرقاً فيه سبحانه وتعالى، ولِهاً به، لتأمن جميع المخاوف وتنهال عليك من جنابه سبحانه جميل اللطائف، فهو الموجود الخالق المعبود، والكل يرجع إليه خلقاً وافتقاراً.
{ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشداً}: الحكمة من إيثار هذا الدعاء القرآني لأصحاب الكهف على غيره ليناسب ما تقدم، فان من أوى إلى كهف الفردانية، ولجأ إلى معاد حرم الصمدانية، يصير متناسياً كل القواطع والأغيار، فيسأل من فضل ربه العلي الكبير الذي شاهده ما يريد، ويستمد منه المساعدة والتيسير، وفي هذا تنبيه للذاكر والمصلي على الحبيب عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم على أن المقصود الأعظم من ذكره تعالى هو القيام بحق العبودية، والوقوف تحت أكناف الربوبية، وأن يكون دائماً متوجهاً بوجه قلبه لحضرة ربه مستمداً منه جميع مطالبه، سائلاً من نواله سبحانه ما ينفعه في جميع شؤونه وأحواله ليحصل له الأنس به سبحانه، وبحصول الأنس به تعالى يُقبل على خطابه والتوجه إليه، ويطلب زيادة الهداية والثبات عليها، ونبذ جميع الأغيار، ويطرح كل ما سوى الواحد القهار، طالباً أن تهبَّ عليه نفحات الرحمة من ربه، وأن يكون أمره كله رشداً وخيراً وأن يكون له حظ من حال أهل الكهف في الخفاء عن الأضداد والأغيار لكون ذلك اعتناءً من الحق بهم وإعزازاً لهم.
اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وقلل نسياننا وزدنا علماً وفقهنا في الدين وأصلحنا والمسلمين لما تحبه وترضاه.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
انتهى وقد نقلته من مكتبة دار الإيمان جزاهم الله خيراً
محب الاولياء غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس