عرض مشاركة واحدة
قديم 12-02-2008
  #4
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: كتاب أسرار الحج في إحياء علوم الدين للغزالي

االثالث: الخوف من ركوب الخطايا والذنوب بها، فإنّ ذلك مخطر وبالحرى أن يورث مقت الله عز وجل لشرف الموضع. وروي عن وهيب بن الورد المكي قال: كنت ذات ليلة في الحجر أصلي فسمعت كلاماً بـين الكعبة والأستار يقول: إلى الله أشكو ثم إليك يا جبرائيل ما ألقى من الطائفين حولي من تفكرهم في الحديث ولغوهم ولهوهم، لئن لم ينتهوا عن ذلك لأنتفضن انتفاضة يرجع كل حجر مني إلى الجبل الذي قطع منه. وقال ابن مسعود رضي الله عنه: ما من بلد يؤاخذ فيه العبد بالنية قبل العمل إلا مكة، وتلا قوله تعالى: {وَمَنْ يُرِدْ فيه بإلحادٍ بظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أليمٍ} أي إنه على مجرد الإرادة. ويقال: إنّ السيئات تضاعف بها كما تضاعف الحسنات.

وكان ابن عباس رضي الله عنه يقول: الاحتكار بمكة من الإلحاد في الحرم، وقيل: الكذب أيضاً وقال ابن عباس: لأن أذنب سبعين ذنباً بركية أحب إليّ من أن أذنب ذنباً واحداً بمكة. وركية منزل بـين مكة والطائف. ولخوف ذلك انتهى بعض المقيمين إلى أن لم يقض حاجته في الحرم، بل كان يخرج إلى الحل عند قضاء الحاجة. وبعضهم أقام شهراً وما وضع جنبه على الأرض.

وللمنع من الإقامة كره بعض العلماء أجور دور مكة. ولا تظنن أنّ كراهة المقام يناقض فضل البقعة لأنّ هذه كراهة علتها ضعف الخلق وقصورهم عن القيام بحق الموضع، فمعنى قولنا إنّ ترك المقام به أفضل أي بالإضافة إلى مقام مع التقصير والتبرم، إما أن يكون أفضل من المقام مع الوفاء بحقه فهيهات وكيف لا. ولما عاد رسول الله إلى مكة استقبل الكعبة وقال: «إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَحَبُّ بِلادِ اللَّهِ تَعَالَى إِلَيَّ وَلَوْلا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ لَمَا خَرَجْتُ» وكيف لا. والنظر إلى البـيت عبادة والحسنات فيها مضاعفة كما ذكرناه.هـ.



فضيلة المدينة الشريفة على سائر البلاد:


ما بعد مكة بقعة أفضل من مدينة رسول الله ، فالأعمال فيها أيضاً مضاعفة. قال : «صَلاةٌ فِي مَسْجِدِي هذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلاةٍ فِيما سِوَاهُ إِلاَّ المَسْجِدَ الحَرَامَ» وكذلك كل عمل بالمدينة بألف وبعد مدينته الأرض المقدّسة، فإن الصلاة فيها بخمسمائة صلاة فيما سواها إلا المسجد الحرام، وكذلك سائر الأعمال. وروى ابن عباس عن النبـي أنه قال: «صَلاةٌ فِي مَسْجِدِ المَدِينَةِ بِعَشَرَةِ آلافِ صَلاةٍ، وَصَلاةٌ فِي المَسْجِدِ الأَقْصَى بِأَلْفِ صَلاةٍ، وَصَلاةٌ فِي المَسْجِدِ الحَرَامِ بِمِائَةِ أَلْفِ صَلاةٍ» وقال : «مَنْ صَبَرَ عَلَى شِدَّتِهَا وَلأْوَائِها كُنْتُ لَهُ شَفِيعاً يَوْمَ القِيَامَةِ» وقال : «مَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَمُوتَ بِالمَدِينَةِ فَلْيَمُتْ فَإِنَّهُ لَنْ يَمُوتَ بِهَا أَحَدٌ إِلاَّ كُنْتُ لَهُ شَفِيعاً يَوْمَ القِيَامَةِ» وما بعد هذه البقاع الثلاث فالمواضع فيها متساوية إلا الثغور فإن المقام بها للمرابطة فيها فيه فضل عظيم.

ولذلك قال : «لا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إِلَى ثَلاثَةِ مَسَاجِدَ: المَسْجِدِ الحَرَامِ وَمَسْجِدِي هذَا وَالمَسْجِدِ الأَقْصَى» وقد ذهب بعض العلماء إلى الاستدلال بهذا الحديث في المنع من الرحلة لزيارة المشاهد وقبور العلماء والصلحاء. وما تبـين لي أن الأمر ليس كذلك بل الزيارة مأمور بها. قال : «كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ القُبُورِ فَزُورُوهَا وَلا تَقُولُوا هُجْراً» والحديث إنما ورد في المساجد وليس في معناها المشاهد، لأن المساجد بعد المساجد الثلاثة متماثلة ولا بلد إلا وفيه مسجد فلا معنى للرحلة إلى مسجد آخر، وأما المشاهد فلا تتساوى بل بركة زيارتها على قدر درجاتهم عند الله عز وجل، نعم لو كان في موضع لا مسجد فيه فله أن يشدّ الرجال إلى موضع فيه مسجد وينتقل إليه بالكلية إن شاء ثم ليت شعري هل يمنع هذا القائل من شدّ الرحال إلى قبور الأنبـياء عليهم السلام مثل إبراهيم وموسى ويحيـى وغيرهم عليهم السلام، فالمنع من ذلك في غاية الإحالة، فإذا جوّز هذا فقبور الأولياء والعلماء والصلحاء في معناها، فلا يبعد أن يكون ذلك من أغراض الرحلة كما أن زيارة العلماء في الحياة من المقاصد؛ هذا في الرحلة." اهـ.


"أما المقام فالأولى بالمريد أن يلازم مكانه إذا لم يكن قصده من السفر استفادة العلم مهما سلم له حاله في وطنه؛ فإن لم يسلم فيطلب من المواضع ما هو أقرب إلى الخمول وأسلم للدين وأفرغ للقلب وأيسر للعبادة فهو أفضل المواضع له، قال : «البِلادُ بِلادُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالخَلْقُ عِبَادُهُ فَأَيُّ مَوْضِعٍ رَأَيْتَ فِيهِ رِفْقاً فَأَقِمْ وَاحْمَدِ اللَّهَ تَعَالَى» وفي الخبر: «من بورك في شيء فليلزمه ومن جعلت معيشته في شيء فلا ينتقل عنه حتى يتغير عليه» وقال أبو نعيم: رأيت سفيان الثوري وقد جعل جرابه على كتفه وأخذ نعليه بـيده فقلت: إلى أين يا أبا عبد الله؟ قال: إلى بلد أملأ فيه جرابـي بدرهم. اوفي حكاية أخرى بلغني عن قرية فيها رخص أقيم فيها، قال فقلت: وتفعل هذا يا أبا عبد الله؟ فقال: نعم إذا سمعت برخص في بلد فاقصده فإنه أسلم لدينك وأقل لهمك، وكان يقول هذا زمان سوء لا يؤمن فيه على الخاملين، فكيف بالمشهورين؟ هذا زمان تنقل ينتقل الرجل من قرية إلى قرية يفرّ بدينه من الفتن.

ويحكى عنه أنه قال: والله ما أدري أي البلاد أسكن؟ فقيل له: خراسان، فقال: مذاهب مختلفة وآراء فاسدة، قيل: فالشام، قال: يشار إليك بالأصابع ــــ أراد الشهرة ــــ قيل؟ فالعراق، قال: بلد الجبابرة، قيل: مكة، قال: مكة تذيب الكيس والبدن. وقال له رجل غريب: عزمت على المجاورة بمكة فأوصني. قال: أوصيك بثلاث: لا تصلين في الصف الأول ولا تصحبن قرشياً ولا تظهرن صدقة. وإنما كره الصف الأول لأنه يشتهر فيفتقد إذا غاب فيختلط بعمله التزين والتصنع." اهـ.
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس