معرفة الذات الأحدية والأسماء ( 1 )
حضرة الذات في غيوب الغيوب = في بطون عن واصلٍ محبوب
فوق أسمائها وفوق صفات = فوق قدر الأرواح ، فوق القلوب
هي في الطَّمس والعماء تعالت = عن إشارات سابق ومنيبِ
آمن المرسلون بالغيب منها = سلم الأصفياء بالترحيبِ
ثمَّ للذات حضرةٌ تتجلَّى = بألوهيةٍ لفردٍ قريبِ
حضرةٌ حيَّرتْ عقول البرايا = جمعت ضدَّين باقتدارٍ عجيبِ
يظهر الحقُّ، يظهر الخلقُ فيها = طلعت شمسها بغير غروبِ
يتراءى عبدٌ ذليلٌ ضعيفٌ =يتجلَّى القوي للمطلوبِ
هي شمسٌ تمحو ظلام المباني = تتراءى أسماؤها للحبيبِ
ثُم لله حضرةٌ تتجلَّى =وهو رحمنٌ فوق عرش القلوبِ
تشمل الرحمةُ العوالم حقاً =لمطيعٍ تعمُّ أهل الذنوبِ
ثُمَّ لله حضرةٌ تتجلَّى =وهو ربُّ العباد ماحي الكروبِ
يظهر العبد بالخلافة عنه =ويطيع الورى لعبد نجيبِ
إن تجلَّى بحضرة العزِّ ذابت =من جلال المقام أهل القلوبِ
أو تجلَّى بحضرة اللطف هامت =أنفس المغرمين بالمحبوبِ
إن تجلَّى "الرحيمُ" أحيا البرايا =راحمُ الكلِّ ساتر العيوبِ
أو تجلَّى "القهَّار" ذلَّت خشوعاً =أنفس الأنبياء في ترهيبِ
أو تجلَّى "الكريم" طمأَنَ قلباً =نال أمناً وهام في ترغيبِ
أو تجلَّى "السَّتّار" جلَّ تعالى =ستر العبدَ من جميع الذنوبِ
حضرات الجمال (2) تُحيي وتبقي =تتجلَّى لكلِّ صَبٍّ أديبِ
حضرات الجلال (3) تمحو وتُفني =تجعل الطفل عندها في المشيبِ
حضرات الكمال ميراثُ طه (4) =بين خوفٍ وبين أمنٍ عجيبِ
فتوسَّط في السير فالدين يسرٌ =وتهنَّى بخالص المشروبِ
واعرف الله في جميع التجلَّي =وتحلَّ منه بخيرِ نصيبِ
إن عرفتَ "الودودَ" يعطيك فضلاً =فاعرف"العدل" في حساب "الحسيب
إن عرفت"الغفَّار" للذنب فاعرف =شدَّة"الحقِّ" عند كشف الغيوبِ
يتجلَّى بالعطف فينا ينادي: =رحمتي واسعه لأهل الخطوبِ
يتجلَّى بالكبرياء ينادي =يا عبادي ! لا تأمنوا تعذيبي
إنَّ مكري فوق العقول خفيٌّ =فلهذا يخشاه كل لبيبِ
فاطلب الذات فهي منها إليها =كلُّ أسمائها بغير غروبِ
إن أسماءها تجلَّت حناناً =لك يا عبدُ وهي غيب الغيوبِ
كن مع الذات، وحِّدِ الله وانهج =سُنَّةَ المصطفى بصدرٍ رحيبِ
عُرِضَ الملك والكنوزُ عليه (5) =طرحَ الكُلَّ مقبلاً للرقيبِ
هو عبدٌ للذَّات وهو مرادٌ =وهو كنـزٌ فالزم طريق الحبيبِ
اقتباس:============================= الحاشية =====================
(1) : وهي قصيدة من نظم المؤلف رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
(2) : وذلك بمشاهدة القلوب بالأنوار والسرور، والألطاف، والكلام اللذيذ، والحديث الأنيس، والبشارة بالمواهب الجسام، والمنازل العالية، والقرب منه عز وجل.
(3) : والجلال نعت إلهي يعطي في القلوب هيبة وتعظيماً وبه ظهر اسم الجليل، وحكم هذا الاسم من أعجب الأحكام، فإن له حكم { ليس كمثله شيء }، {;سبحان ربك رب العزة } ;.فمن حضرة الجلال ظهرت الألوهة وعجز الخلق عن المعرفة بها، ومن هذا الاسم يعلم سر الخلق في الأرض لما فيهم من نسبة الباطن وجهرهم لما فيهم من نسبة الظاهر، لارتفاعهم عن تأثير الأركان، فكل عظيم فهو جليل، وكل حقير فهو جليل، فهو من الأضداد. قيل لأبي سعيد الخرَّاز - رضي الله عنه - : بم عرفت الله؟. فقال: بجمعه بين الضدَّين قائلاً: {هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِن }. يعني من عين == واحدة، وفي عين واحدة. ذكره سيدي محيي الدين بن عربي - رضي الله عنه - في الفتوحات 4/251.
(4) : سيدي وسيد الكائنات، حبيب الحق ومنقذ الخلق محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وآله وسلم - عدد خلقه وزنة عرشه ومداد كلماته كلما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون.
(5) : الضمير هنا عائد على حضرة النبي سيدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم يوم أن عرضت عليه قريش أن يكون ملكاً عليها، مقابل أن يعود عن دعوته التي أرسله الله بها!. فأبى عليهم وقال لعمه أبي طالب : والله يا عمِّ! لو وضعوا الشمس في يميني ، والقمر في يساري على أن أدع هذا الدين ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه. " اهـ172
(يتبع إن شاء الله تعالى.... )