عرض مشاركة واحدة
قديم 08-13-2008
  #18
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,194
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي

أطلق سراح الشيخ، فانطلق في طريقه الى القاهرة فدخلها عام 639هـ بعد عام كامل من الأهوال والخطوب في الطريق إليها..

كان مقدم الشي عز الدين الى القاهرة يوما من أيام الزينة. فقد احتشد الناس الذين سمعوا به في أبهى ملابسهم، وأمر السلطان أمراءه وقادة الجيش أن يرتدوا حلل العيد، وخرج في أبهته على رأسهم يستقبلون الشيخ على الباب الشرقي للقاهرة، وقد أعدوا له الخيل المطهمة ليمتطيها هو وأهله وأبناؤه بدل المطابا المنهكة.

وعجب الناس للشيخ عز الدين: هذا العالم الذي تحدى أمراء بني أيوب وملأ أطباق الأرض بآرائه وفتاواه، ليس ضخما ولا مخيفا بل هو نحيل خشن الثوب، وما على رأسه عمامة الفقهاء والعلماء بل اللبدة التي يرتديها العامة والفلاحون في مصر! إنه لشديد الحياء خفيف الصوت..!

وسار الموكب يزف الشيخ بالتهليل والتكبير، والسلطان الى جواره ومن خلفه أمراء الدولة والأعيان والعلماء.

وانتهى الموكب الى حديقة واسعة غناء فيحاء تتوسطها دار فسيحة.

وودعه السلطان الملك لصالح نجم الدين أيوب قائلا: «هذه هي دارك يا شيخ عز الدين بن عبد السلام. وهي ليست هبة ومني ولا من بيت المال، ولكن أهل مصر اشتروها لك نفعهم الله بك، ونفع بك الإسلام والمسلمين أيها الإمام.»

وتجولت الزوجة في الدار وهي لا تستطيع أن تغالب فرحها..!!.

أخيرا هاهو ذا البستان التي حلمت أن تعيش فيه.. ولكنه أجمل مما حلمت به وأفسح. وهو بعد يقع على النيل!!.

وفرح الجميع بالاثاث الفاخر، ورقائق الزجاج الملون، والمصابيح الجميلة المتناثرة.

وشعر الشيخ أن هذا المكان الهادئ، يمكن أن يمنحه من صفاء الذهن وراحة البال ما يتيح له كتابة ما لم يستطع ان يكتبه في دمشق.

استراح في البيت يوما وليلة.. ثم بدأ يستقبل الزوار.

وتعرف على علماء مصر وفقهائها وشيوخها، وتبادلوا الرأي.

وجاء رسول السلطان يبشره بصدور الأمر بتعيينه إماما وخطيبا لجامع عمرو. فأثنى الحاضرون على قرار السلطان. وكان جامع عمرو قد أصبح منذ عهد صلاح الدين بديلا للأزهر الذي عطل صلاح الدين التدريس فيه في حربه على الشيعة الذين بنوا الأزهر.

وخلال زيارة رسول السلطان للشيخ العز بحضور عدد من الفقهاء والعلماء منهم شيوخ المذاهب الأربعة، قال الشيخ المنذري مفتي مصر للحاضرين: «كنا نفتي قبل حضور الشيخ عز الدين،وأما بعد حضوره فالفقه متعين فيه ولا يفتي أحد وهو بيننا». وهكذا أصبح الشيخ عز الدين مفتي مصر.

وأراد السلطان أن يعينه قاضيا للقضاة على أن يختار الشيخ نوابا له.

فطلب الشيخ أن يمهله بعض الوقت حتى يحسن التعرف على العلماء والقضاة وأحوال الناس في مصر. ولكن السلطان كان يلح عليه. وبعد فترة وجيزة قبل الشيخ منصب قاضي القضاة وعين نوابه بنفسه.

ولم يكد يتولى المنصب حتى لاحظ أن امراء البلاد وقادة الجيش ليسوا من أهل مصر، وليسوا أحرارا على الإطلاق، بل هم مجلوبون، اشتراهم السلطان من بيت المال وهم صغار فتعلموا اللغة العربية وعلوم الدين، وفنون الفروسية والحرب والرياضيات، وعندما شبوا عينهم في مناصبهم. فهم أمراء مماليك أرقاء إذن، وليبس لهم حقوق الأحرار. ولهذا فليس لهم أن يتزوجوا بحرائر النساء ـ وكانوا قد تزوجوا من حرائر نساء مصر ـ وليس لهم أن يبيعوا أو يشتروا أو يتصرفوا إلا كما يتصرف العبيد!.

وبدأ قاضي القضاة يطبق عليهم من أحكام الشريعة ما يطبق على العبيد!

وبهت الملك مما صنعه الشيخ، فذهب إليه يسأله أن يعدل عما أخذ فيه، فطلب منه الشيخ ألا يتدخل في القضاء فليس هذا للسلطان، إن شاء أن يتدخل فالشيخ يقيل نفسه.!

وكان السلطان رجلا قوي الشكيمة، ولكنه لم يعرف ماذا يفعل بالأمر!..

لقد أبطل الشيخ كل ما أبرمه الأمراء المماليك من عقود البيع والإجارة.. وحتى عقود الزواج!

واضطرب الأمر بالمماليك: فالزوجات يهجرن فراش الزوجية، ويعاملن أزواجهم كالغرباء، والتجار يعودون في الصفات، والصبية يطاردون الأمراء المماليك بكل هيبتهم ويعيرونهم بأنهم عبيد!.. وكان الناس يذوقون الأهوال من صلف الأمراء!!." اهـ
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس