عرض مشاركة واحدة
قديم 08-13-2008
  #20
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,194
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي

واستمر عز الدين في القضاء حازما حاسما لا يخشى إلا الله ولا يأبه إلا بالحق، ولا يراعي إلا مصلحة الأمة. لقد تأتيه الدعوى من أحد الأفراد على أحد خواص السلطان، فيسوي بينهما في المجلس، ويتحرى العدل وحده.. ولكم أدان خواص السلطان!..

لم يعد السلطان يتوقع منه مجاملة، وتمنى أن يزيحه من مكانه، ولكنه خشي غضب الناس!

كان الملك الصالح نجم الدين أيوب، سلطانا قويا واسع الحيلة، ولكنه وجد نفسه مع الشيخ عز الدين بلا حيلة!

وفي الحق أن الشيخ عز الدين، لم يجهر بعداء السلطان، ولا حتى بنقده، ولكنه مضى في طريقه: يفتي، ويخطب الجمعة في جامع عمرو، ويقضي بما يهديه اليه فهمه لنصوص الشريعة أو اجتهاده إن لم يجد حكما في النصوص، ثم يخلص الى بيته ليكتب.. ولكنه على انفساح بيته وهدوئه وجماله لم يكن يجد الوقت الكافي للكتابة، فالناس يتزاحمون حيث يكون، ومنهم من لح عليه بالزيارة..!

ولم يشأ أن يتخذ حاجبا يمنع عنه الناس، كما كان يصنع الفقهاء من قبله حين يخلون الى الكتابة..

وكان كثير الصدقات ينفق معظم رواتبه خفية على أصحاب الحاجات، فكان كثير من أصحاب الحاجات يطرقون بابه.

وكان يلح بالدعوة الى المعروف والنهي عن المنكر، ويعتبر القيام بهما واجبا شرعيا يأثم تاركه، فيأتيه الناس يستفتونه في المعروف والمنكر.

ووجد بعض الأقوياء الظالمين يغتصبون حقوق المستضعفين، فأفتى أن من واجب المستضعفين أن ينتزعوا ما اغتصب منهم، ولا عقاب عليهم، فهذا حقهم الشرعي.

فإن هم وجدوا السلطان عاجزا عن رد أموالهم المغتصبة، فعليهم استردادها بأنفسهم، وإلا أثموا شرعا!

وأثارت هذه الفتيا عدد من الأمراء الذين ألفوا أن يستضعفوا بعض التجار والصناع والحرف، ويغصبون منهم خفية بعض البضائع أو الأجور!!

وكان يعتبر من الحقوق المغصوبة إنقاص أجر العامل، أو قهر البائع أو تخويفه فيبيع بثمن أقل من الثمن المعروف! ثمن المثل!

وسخط السلطان نفسه عليه، فقد رآه في أحكامه وفتاويه يفرض أوامره على الشرطة، وليس هذا لأحد غير السلاطين، فإن لم تستجب الشرطة حرض الناس على الدولة!!

ثم اصطدم الشيخ عز الدين باقارب أعوان السلطان وأعزهم عليه. وهو استادار أو استاذ دار السلطان: الرجل الذي يتولى شؤون مساكن السلطان وسائر حوائجه الخاصة.

ذلك أن «الأستادار» فخر الدين بن شيخ الشيوخ كان مولعا بالغناء والرقص، قصد الى مسجد وسط حديقة واسعة مطلة على النيل، صعد الى سطح المسجد فأفتن بجمال المنظر، فبنى فوق المسجد«طبلخانة» أي خانها أو دارا للطبل والغناء، وتعود السهر فيها مع صحبه يسمعون الى جواري المغنيات الراقصات..!

ولم يجرؤ أحد على أن يشكو الأستادار الى قاضي القضاة، ولكنه ذهب حتى تحقق مما سمع، فمعاد وعقد مجلس القضاء، واصدر الحكم بإزالة البناء.

غير أن الشرطة لم تزل الملهى من سطح المسجد، فنهض الشيخ عز الدين يقود أبناءه وبعض الشباب من مريديه، وأخذوا المعاول والفؤوس، وأزالوا البناء.. ثم أعلن الشيخ أنه يقيل نفسه من منصب قاضي القضاة، فما عاد يطيق أن يقضي بقضاء فتنتظر الشرطة إذن رئيس الشرطة أو السلطان لتنفذ الأحكام، وقد لا تنفذها..!

ولم يكد السلطان يسمع بما حدث من الشيخ حتى اضطرم غيظا، ثم جاءه من يخبره بأن الشيخ قد أقال نفسه، فصفق السلطان طربا، وحمد الله لأن الشيخ أعفاه من حرج كبير، فأقال نفسه بنفسه! وأرسل السلطان رسولا الى الشيخ بموافقته على استقالته، ففرح الشيخ، وحمل سجادة من على أرض بيته وأهداها رسول السلطان تعبيرا عن الفرح، معتذرا إليه بأن لا يجد هدية أثمن منها..!

هاهو عبء ثقيل انزاح عن قلب الشيخ!

صمم الشيخ على أن يخصص أكثر وقته للتأليف، ضاع منه عمر طويل وما كتب بعد شيئا.! غير أن السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب زاره وطلب منه أن يدرس الفقه الشافعي في المدرسة الجديدة التي أقامها السلطان لتدريس الفقه على المذاهب الاربعة فقبل الشيخ ونهض بتدريس الفقه، والتفسير. وكان هو أول من ألقى دروسا في لتفسير بمصر منذ عهد بعيد. ولقد قام الشيخ بتدريس الفقه الشافعي في هذه المدرسة.." اهـ
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس