عرض مشاركة واحدة
قديم 03-21-2009
  #6
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,194
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: تسويد النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الأذان والإقامة والتشهد

قال شيخ الشافعية العلامة ابن حجر الهيتمي الشافعي في "الدر المنضود": "وهو شامل للصلاة وخارجها" (80 ).
وقد سبق ذِكْر ما نقله الإمام ابن المنذر عن الإمام الحافظ إسحاق بن راهويه من أن أحب صيغ الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم إليه في صلاة الجنازة ما وَصَفَه به ابن مسعود رضي الله تعالى عنه في هذا الأثر، وجعله أجمل ما جاء في الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا يقتضي إثباته لهذه الرواية وصحة العمل بها.
أما تضعيف الحافظ ابن حجر لهذا الرواية فهو راجع إلى اختلاط راويه المسعودي عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود، وهذا التضعيف متعقَّبٌ من وجهين:
الأول: أنهم إنما أخذوا على المسعودي غلطه فيما يرويه عن صغار شيوخه كعاصم بن بهدلة وسلمة بن كُهيل والأعمش، ولكن ذلك ليس عامًّا في كل رواياته، بل صححوا له رواياته عن كبار مشايخه من المسعودِيِّينَ كالقاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، وأخيه معن، وعون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود؛ ولذلك قال علي بن المديني: "المسعودي ثقة، وقد كان يغلط فيما روى عن عاصم بن بهدلة، وسلمة، ويصحح فيما روى عن القاسم ومعن"، وقال يحيى بن معين: "أحاديثه عن عون وعن القاسم صحاح" (81 )، وقال أبو زرعة الرازي: "أحاديثه عن غير القاسم وعون مضطربة؛ يهم كثيرًا" (82 )، وقال الإمام الدارقطني: "المسعودي إذا حدَّث عن أبي إسحاق وعمرو بن مرة والأعمش فإنه يغلط، وإذا حدث عن معن والقاسم وعون فهو صحيح، وهؤلاء هم أهل بيته" اهـ من سؤالات السُّلمي (83 ).
وهذا الحديث من رواية المسعودي عن عون بن عبد الله، فهو مما صح من رواياته.
الثاني: أنهم نصوا على أن المسعودي من أعلم الرواة بعلم ابن مسعود رضي الله عنه، قال مِسعَرٌ وابن عيينة: "ما أعلم أحدًا أعلم بعلم ابن مسعود من المسعودي" (84 )، وأن الضعف فيه إنما هو بعد اختلاطه لا قبل ذلك، قال الإمام أحمد: "سماع وكيع من المسعودي بالكوفة قديم، وأبو نعيم أيضًا، وإنما اختلط المسعودي ببغداد، ومَن سمع منه بالكوفة والبصرة فسماعه جيد" (85 )، وهذا الحديث مما رُوِيَ عنه قبل الاختلاط؛ فقد سمعه منه جماعة من المحدِّثين الثقات منهم: وكيع بن الجرَّاح الكوفي (كما عند الدارقطني في "العِلَل") (86 )، وأبو نعيم الفضل بن دُكَين الكوفي وعبد الله بن رجاء الغُدَاني البصري (كما عند الطبراني في "المعجم الكبير") (87 )، والأعمش سليمان بن مهران الكوفي (كما عند الدارقطني في "العلل") (88 )، وجعفر بن عون الكوفي (كما عند البيهقي في "الدعوات الكبير") (89 )، وزياد بن عبد الله البكائي الكوفي (كما عند ابن ماجه في السنن) (90 )، وزيد بن الحُباب الكوفي (كما عند البيهقي في "الشعب") (91 )، وأبو سعيد مولى بني هاشم البصري (كما عند أبي يعلى في "مسنده") (92 )، فهؤلاء ثمانية ليس فيهم بغدادي، كلهم سمعوا منه قبل الاختلاط، وممن نُصَّ على جهة الخصوص من هؤلاء أنه سمع منه قبل الاختلاط: وكيع، وأبو نعيم، وعبد الله بن رجاء، وجعفر بن عون (93 )، وتضعيف أحاديث المسعودي جملةً من التشديد الذي لا يرضاه المحدثون؛ قال الحافظ العراقي في "التقريب والإيضاح": "قد شدَّد بعضهم في أمر المسعودي ورد حديثه كله؛ لأنَّه لا يتميَّز حديثه القديم من حديثه الأخير.. والصحيح ما قدمناه: من أن من سمع منه بالكوفة والبصرة قبل أن يَقدَم بغداد فسماعه صحيح" (94 ) اهـ.
وأما الرواية عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: فرواها أحمد بن منيع في "مسنده" وإسماعيل بن إسحاق القاضي في "فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم" والمحاملي في "أماليه": من طريق هُشَيْم، حدثنا أبو بلج الفزاري، حدثنا ثُوَيْرٌ مولى بني هاشم قال: قلت لابن عمر: كيف الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟ فقال ابن عمر: "اللهم اجعل صلواتك وبركاتك ورحمتك على سيد المرسلين، وإمام المتقين، وخاتم النبيين، محمد عبدك ورسولك، إمام الخير وقائد الخير، اللهم ابعثه يوم القيامة مقامًا محمودًا يغبطه الأولون والآخرون، وصل على محمد وعلى آل محمد كما صلِت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد" (95 ).
6- والجواب عمن قصر الأفضلية على التشهد دون الأذان: أن الدليل الشرعي الخارجي الذي دل على استحباب ذِكْر السيادة في التشهد -مع عدم ذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم لها فيه- دالٌّ أيضًا على استحباب ذكرها في الأذان والإقامة من غير فرْق، كما أن المقصود الأعظم من الأذان الإعلامُ بدخول وقت الصلاة، وهذا المقصود لا ينافيه التأدب مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيه بذكر سيادته الدالَّة على تعظيمه وشرف قدره صلى الله عليه وآله وسلم، ومع تسليم أن ذِكْر السيادة في الأذان زيادة فيه فإن الشرع قد أذن بالزيادة في الأذان عند الحاجة، كما في نادى منادي النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقوله في الأذان: "صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ" (96 )، وكما زاد سيدنا بلال رضي الله عنه التثويب في أذان الصبح وهو قوله: "الصَّلاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ"، وأقره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على ذلك وقال له: «مَا أَحْسَنَ هَذَا يَا بِلالُ! اجْعَلْهُ فِي أَذَانِك» رواه الطبراني في "المعجم الكبير" (97 )، ولو كانت مثل هذه الزيادة اليسيرة للحاجة غير جائزة في الأذان لأنكر عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم الزيادة من حيث هي، فلَمَّا استحسنها كان ذلك دليلا على أن مثل هذا مُغْتَفَرٌ في الأذان، بل أجاز بعض الحنفيَّة وبعض الشَّافعيَّة التَّثويب في الصَّبح والعشاء (98 )؛ لأنَّ العشاء وقت غفلة ونوم كالفجر، بل أجازه بعض الشَّـافعيَّة في جميع الأوقات؛ لفرط الغفلة على النَّاس في زماننا (99 )، وقد استحدث علماء الكوفة من الحنفيَّة بعد عهد الصَّحابة تثويبًا آخر، وهو زيادة الحيعلتين أي عبارة "حيَّ على الصَّلاة، حيَّ على الفلاح" مرَّتين بين الأذان والإقامة في الفجر، واستحسنه متقدِّمو الحنفيَّة في الفجر فقط، وكُرِهَ عندهم في غيره، والمتأخِّرون منهم استحسنوه في الصّلوات كلّها -إلا في المغرب لضيق الوقت- وذلك لظهور التَّواني في الأمور الدّينيّة، وقالوا: إنَّ التَّثويب بين الأذان والإقامة في الصَّلوات يكون بحسب ما يتعارفه أهل كلّ بلد؛ بالتّنحنح، أو الصّلاةَ الصّلاةَ، أو غير ذلك (100 )، وأجاز جماعة من السلف الكلامَ في الأذان، بل اتفق الفقهاء على جوازه للحاجة إذا كان يسيرًا وأنه لا يبطل به الأذان (101 ).
ولفظ "سيدنا" في الأذان أخف من ذلك كله، مع كون الحاجة إلى ذكره أدعَى وأولَى في هذه العصر الذي تعيَّنَتْ فيه الألقاب في ذكر الأسماء والتخاطب بين الناس عرفًا، خاصة لذوي المنزلة والمكانة بينهم، فصح بذلك استحبابُ ذكر السيادة في الأذان والإقامة.
وقد نص على خصوص استحباب ذكر السيادة في الأذان والإقامة المتأخرون من الشافعية؛ كالشيخ الشبرامَلِّسي والجمل والشرواني في حواشيهم الفقهية كما سبق النقل عنهم، وكذلك أفتى به شيخ المالكية في عصره الإمام أبو محمد عبد القادر الفاسي، وكان عليه العمل ببعض مدن الإسلام كالقدس ودِمياط وغيرهما (102 ).
وقد ألَّف العلاّمةُ شهاب الدين أحمد بن يونس الحِميَرِي القُسَنْطيني الجزائري المغربي المالكي [ت878هـ] رسالةً في ترجيح ذِكر السيادة في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة وغيرها، كما ذكر الحافظ السخاوي في ترجمته مِن "الضوء اللامع" (103 )، وجاء العلامة الحافظ أبو الفيض أحمد بن الصِّدِّيق الغُمّاري الحَسَنِي رحمه الله [ت1380هـ] فألف في هذه المسألة كتابًا حافلاً ماتعًا سماه [تشنيف الآذان بأدلة استحباب السيادة عند ذكر اسمه صلى الله عليه وآله وسلم في الصلاة والإقامة والأذان] جَمَع فيه كلَّ ما يتعلق باستحباب ذِكر الاسم الشريف مقترنًا بالسيادة، مقرِّرًا أنه لا تَنافيَ بين الأدب والاتباع؛ لأن في السيادة اتباعًا للأمر بتوقيره صلى الله عليه وآله وسلم والنهي عن مخاطبته كما يخاطِب الناسُ بعضُهم بعضًا، وليس في الشرع نهي عن تعظيم النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الأذان أو الصلاة، بل من خصائصه صلى الله عليه وآله وسلم أنه هو وحده الذي يمكن أن يخاطبه المصلِ دون أن يخرج من صلاته كما سبق.
ومما سبق ومِن النظر في كتب المذاهب الفقهية المعتمَدة يُعلَم أنه ذهب إلى استحباب تقديم لفظ (سيدنا) قبل اسمه الشريف صلى الله عليه وآله وسلم في الصلاة والأذان والإقامة وغيرها من العبادات جمهور فقهاء المذاهب الفقهية وغيرهم ممن يُعَدُّ اتهامُهم بالبدعة ومخالفة السنَّة نوعًا من الهوى والتعصب المقيت الذي لا يرضاه الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وآله وسلم:
فممن اختار ذلك من السادة الحنفية: النجم القحفازي، والحصكفي، والحلبي، والطَحطاوي، وابن عابدين.
ومن السادة المالكية: سيدي أبو الفتح ابن عطاء الله السكندري، والشهاب الحِميَري، والأُبِّي، والسنوسي، والونشريسي، وأبو العباس البوني، والعقباني، والنَّفراوي، والحَطّاب، وسيدي أحمد زَرُّوق، وابن بردله، والمهدي الفاسي، والعياشي، والنفجروتي، والسملالي، والعلمي، وابن عجيبة، والطيب بن كيران، والشريف القادري، وبدر الدين الحمومي، والشريف الكتاني، والعارف بالله الهاروشي صاحب "كنوز الأسرار في الصلاة على النبي المختار"، وغيرهم.
ومن السادة الشافعية: الإمام العز بن عبد السلام، وابن ظهيرة، وابن جماعة، والجلال المحلي، والرمليان الشهاب والشمس، وشيخ الإسلام زكريا الأنصاري، وابن حجر الهيتمي، والعلامة بافضل، والقليوبي، وابن قاسم العبادي، والزيادي، والحلبي، والنور الشَّبْرَامَلِّسي، والشَّرَوانِي، والبِجِيرمِي، والملِّيباري، والسيد البكري الدمياطي، وابن علاّن، والشرقاوي، وشيخ الإسلام الباجوري، والسحيمي، والجرداني، وغيرهم.
كما نقله الإمام أبو بكر بن المنذر عن الإمام الحافظ أمير المؤمنين في الحديث إسحاق بن راهويه، ورجحه العلاّمة الشوكاني.
وهذا هو المختار والراجح في مقام سيد الخلق وحبيب الحق سيدنا محمَّد صلى الله عليه وآله وسلم، وهو ما عليه الفتوى؛ فالأدب مقدم دائمًا معه صلى الله عليه وآله وسلم.
هذا عن الأفضلية، أما عن الجواز فكلا الأمرين جائز، والأمر في ذلك واسع، وليس لفريق أن ينكر على الآخر في الأمور الخلافية التي وَسِع مَن قَبلَنا الخلافُ فيها؛ لأنه لا يُنكَر المختلفُ فيه وإنما يُنكَر المتفق عليه، والتنازعُ مِن أجل ذلك لا يرضاه الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وآله وسلم.
وعلى ذلك فليس ذكره صلى الله عليه وآله وسلم في الأذان والإقامة والتشهد مقترنًا بالسيادة مخالفًا للشرع، بل فاعل ذلك محمود ومثاب على فعله هذا، ونحن أحوج إلى حب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في هذا العصر مِن أي وقت آخر، فنحن في عصر تَمُوج فيه الآراء وتختلف المشارب، وقد كثرت الفتن في الظاهر والباطن، وليس مِن نجاة من كل ذلك إلا بحب سيد الخلق سيدنا محمَّد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، نعلمه أبناءنا وندعو إليه غيرَنا، ونَبقى عليه إلى أن نَلقى اللهَ سبحانه فيُشَفِّعَه فينا ويُدخِلَنا الجنةَ مِن غير حساب ولا سابقة عقاب ولا عتاب.
وقد استشكل بعضُهم زيادة السيادة في خصوص التشهد بأنه حكاية المناجاة بين الله تعالى وبين رسوله صلى الله عليه وآله وسلم في المعراج، ويُجاب عن ذلك: بأن هذا أمر ذوقيٌّ لم يَرِد فيه حديث صحيح، والأحكام الشرعية منوطة بالأسباب والعلل لا بالأذواق والحِكَم؛ فإن المصلِّي إنما يقول التشهد على جهة الإنشاء من نفسه؛ مُحَيِّيًا اللهَ تعالى ومُسَلِّمًا على نبيه صلى الله عليه وآله وسلم ثم على نفسه وعلى عباد الله الصالحين وشاهدًا بوحدانية الله تعالى ورسالة سيدنا محمَّد صلى الله عليه وآله وسلم، ولا يقصد بتشهده الإخبار والحكاية عما وقع في معراجه الشريف صلى الله عليه وآله وسلم مِن خطابه لربه سبحانه وخطاب ربه له صلى الله عليه وآله وسلم على فرض ورود ذلك وصحته، وهذا المعنى الإنشائي يقتضي مِن المصلِ تسويده أيضًا عليه الصلاة والسلام في الشهادة له بالرسالة كما قد نُصَّ عليه أيضًا، مع ملاحظة أن ذلك كله على سبيل الندب والاستحباب لا على سبيل الحَتم والإيجاب،

والله تعالى أعلى وأعلم
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات

التعديل الأخير تم بواسطة عبدالقادر حمود ; 05-24-2012 الساعة 06:55 AM
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس