عرض مشاركة واحدة
قديم 04-06-2011
  #5
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,194
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: الشعاعات - الشعاع الخامس عشر


الشعاع الخامس عشر - ص: 667
اننا نشاهد باعيننا في هذا الكون ان من عادة الربوبية الجارية في كل آن بالعدالة والحكمة والعناية، حماية الابرار وتأديب الكذابين الفاسدين نشاهدها ضمن تصرفاته المنتظمة جل جلاله. فبمقتضى افعاله الرحمانية انزال القرآن المعجز البيان على محمد صلى الله عليه وسلم.. وإظهار انواع المعجزات الكثيرة البالغة نحو الف معجزة على يديه.. وحمايته له تحت جناح رأفته الشفيقة في كل حالاته، بل في اخطر اوضاعه حتى حمايته بالحمام والعنكبوت!.. وتوفيقه توفيقاً معززاً في مهامه.. وادامة دينه بجميع حقائقه.. وتتويج هامة الارض والبشرية باسلامه.. واعلاء مقامه وشرفه الى ارفع مقام واشرفه.. وتفضيله على الموجودات كافة بمنحه مقاماً مرضياً مقبولاً ودائماً يفوق افاضل الانسانية.. واعطائه شخصية تحمل اجمل الخصال الحميدة الرفيعة باتفاق الاولياء والاعداء حتى جعل خمس البشرية من امته.. كل ذلك يشهد شهادة صادقة قاطعة على صدقه صلى الله عليه وسلم ورسالته.
وكذا نشاهد من حيث افعال ربوبيته جل وعلا: ان متصرف هذا العالم ومدبّر شؤونه جعل رسالة محمد صلى الله عليه وسلم شمسا ً معنوية للكون ، فقد اُثبتت في رسائل النور: انه بدّد بها جميع الظلمات، مظهرا ً بها حقائق الكون النورانية.. وابهج ذوى الشعور قاطبة بل الكون باسره ببشارة الحياة الباقية.. وجعل دينه ايضا ً فهرس كمالات جميع عباده المقبولين، ومنهجا ً قويما ً لأفعال العبودية.. وجعل الحقيقة المحمدية وهي شخصيته المعنوية مرآة جامعة لتجليات اُلوهيته بدلالة القرآن الكريم والجوشن الكبير.. بل جعله ينال - علاوة على الحقائق التي اشرنا اليها - مثل حسنات امته كافة في كل يوم طوال اربعة عشر قرناً.. وبعثه الى البشرية واناط به وظائف جليلة سامية.. وجعله احسن قدوة واعظم مرشد واكرم سيدٍ للبشرية قاطبة، بدلالة آثاره في الحياة الاجتماعية والمعنوية والبشرية، وجعل البشرية محتاجة الى دينه وشريعته وحقائقه التي اتى بها في الاسلام 1 حاجتها الى الرحمة والحكمة والعدالة والغذاء والهواء والماء

_____________________
1 وقدشعرت وانا اعانى شيخوختي وضعفي بواحدٍ من مليون من الارزاق المعنويةالتي اتى بها هذا النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، فلو كان بوسعي لشكرته بملايين الالسنة والصلوات. وذلك :
انني أتألم غاية الالم من الفراق والزوال، مع ان الدنيا التي احبها والدنيويين يتركونى برحيلهم و بمفارقتهم لي، وانا على علم برحيلي ايضاً. فيتملكنى يأس أليم قاتم. ولكن اتسلى وانجو كلياً من هذا اليأس باستماع بشارة السعادة الابدية والحياة الباقية من النبي الكريم صلى الله عليه وسلم،حتى اننى عندما اقول (السلام عليك ايها النبي ورحمة الله وبركاته) في التشهد، اقدم له بيعتي وطاعتي واستسلامي لمهمته واباركه في وظيفته مقدماً نوعاً من الشكر اليه، مقابل تلك البشارة بالسعادة الابدية، وهكذا ينطق المسلمون بهذا السلام خمس مرات يومياً - المؤلف

الشعاع الخامس عشر - ص: 668
والضياء.. كل هذه الحجج الكلية القاطعة البالغة اثنتا عشرة حجة، شهادة سامية رفيعة على الرسالة المحمدية..
فهل من الممكن الاّ تكون الرسالة المحمدية شمساً معنوية للكون وهي التي نالت هذا العدد من الشهادات الكلية الواسعة من رب العالمين الذي لا يهمل رعاية وتنظيم شئ مهما كان حتى جناح ذبابة وزهيرة صغيرة .
* * *
فكل شهادة من هذه الشهادات الخمس عشرة تتضمن شهادات كثيرة جداً، حتى ان الشهادة الثالثة قد اثبتت دعوى: اشهد ان محمداً رسول الله بقطعية تامة وقوة راسخة لإندراج الف من الشهادات تحتها بلسان المعجزات، واعلنت تحققها وقيمتها واهميتها العظيمة بحيث ان مئات الملايين من الالسنة في طول العالم الاسلامي وعرضه يعلنون تلك الدعوى الى الكون خمس مرات في اليوم.
كما ان مليارات من اهل الايمان قد رضوا وصدّقوا بلاريب ان اساس تلك الدعوى - وهو الحقيقة المحمدية - هي البذرة الاصلية للكون وسبب خلقه واكمل ثمرته، وان رب العالمين جل جلاله قد جعل تلك الشخصية المعنوية المحمدية داعيا ً رفيعاً الى سلطان ربوبيته وكشافاً صادقاً لطلسم الكائنات ومعمى الخلق ، ومثالاً ساطعاً لألطافه ورحمته، ولساناً بليغاً لشفقته ومحبته ، واعظم مبشر للحياة الدائمة والسعادة الابدية في العالم الباقي، وخاتم مبعوثيه واعظم رسله صلى الله عليه وسلم.
فيا خسارة من لايؤمن بحقيقة لها هذه الماهية ولايثق بها، او لايهتم بها! ويا فداحة خطئه وعظم ارتكابه بلاهة وجناية.
فكما ان سورة "الفاتحة" التي في الصلاة باشاراتها في القسم الثاني تبين حججاً قاطعة على دعوى حقيقة التوحيد في (اشهد ان لا إله إلاّ الله) وتضع عليها ما لايحد من علامات التصديق، كذلك تأتى في هذا القسم الثالث ايضا ً بشهود اقوياء يصدقون ما في التشهد من "اشهد ان محمداً رسول الله" ويضعون عليه ما لايحد من علامات التصديق.
الشعاع الخامس عشر - ص: 669
فيا ارحم الراحمين بحرمة هذا الرسول الاكرم صلى الله عليه وسلم، وفقنا لنيل شفاعته واتباع سنته السنية واجعلنا بجوار آله واصحابه الكرام في دار السعادة الابدية.
آمين.آمين. آمين.
اللهم صلّ وسلّم عليه وعلى آله وصحبه بعدد حروف القرآن المقروءة والمكتوبة
آمين.
(سبحانك لاعلم لنا إلاّ ما علّمتنا انك انت العليم الحكيم)
* * *
الشعاع الخامس عشر - ص: 670
المقام الثاني
من
الحجة الزهراء
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
ان حقيقة واحدة من آية الختام لسورة الفاتحة تشير الى الموازنة بين اهل الهداية والاستقامة واهل الضلالة والطغيان. والآية هي منبع جميع الموازنات والمقايسات المعقودة في رسائل النور. وهذه الموازنة يبيّنها بوضوح وبأسلوب عجيب ويعبّر عنها تعبيراً معجزاً قوله تعالى في سورة النور:
(الله نور السموات والارض مثل نوره كمشكوةٍ فيها مصباحُ المصباحُ في زجاجةٍ الزجاجةُ كأنّها كوكبٌ درّيّ يوقدُ من شجرةٍ مباركةٍ..) (النور: 35) الى آخر الآية.
والذي بعده...
(أو كظلماتٍ في بحرٍ لُجّيّ يغشيهُ موجٌ من فوقه موجٌ..) (النور: 40) الى آخر الآية.
فالآية الاولى، آية النور تتوجه بعشر اشارات الى رسائل النور وتنظر اليها، كما اثبت في الشعاع الاول، مخبرة خبراً مستقبلياً معجزاً عن ذلك التفسير للقرآن الكريم.
الشعاع الخامس عشر - ص: 671
ولما كانت هذه الآية الكريمة اهم سبب من اسباب اطلاق اسم "النور" على رسائل النور، وبناء ً على بيان معجزة معنوية لهذه الآية العظيمة، كما في السياحة الخيالية التمثيلية لبيان معجزة "ن" نعبد، في قسم من المكتوب التاسع والعشرين.. فان سائح الدنيا في رسالة "الآية الكبرى" الذي سأل جميع الكائنات وانواع الموجودات اثناء بحثه عن خالقه ووجدانه له ومعرفته اياه، وعرفه بثلاث وثلاثين طريقاً وببراهين قاطعة بعلم اليقين وعين اليقين، فإن السائح نفسه قد ساح بعقله وقلبه وخياله في اجواء طبقات العصور والارض والسموات، دون ان يصيبه تعب او نصب، بل ما زال يسيح ليشفي غليله حتى ساح في ارجاء الدنيا الواسعة كلها، فبحث عن جميع نواحيها كمن يسيح في مدينة. مستنداً بعقله احياناً الى حكمة القرآن وتارة الى حكمة الفلسفة كاشفاً بمنظار الخيال اقصى الطبقات، الى أن رأى الحقائق كما هي في الواقع، فأخبر عن قسم منها في تلك الرسالة "الآية الكبرى".
وها نحن نبين بياناً مختصراً جداً ثلاث عوالم فقط من تلك العوالم والطبقات الكثيرة التي دخلها السائح بسياحة خيالية، والتي هي عين الحقيقة، الاّ انها ظهرت في معنى التمثيل وفي صورته. نبين هذه العوالم كنماذج وامثلة فحسب للموازنة الموجودة في ختام سورة "الفاتحة" وكمثال من حيث القوة العقلية وحدها.
اما سائر مشاهداته وموازناته فنحيلها الى الموازنات المعقودة في رسائل النور.

النموذج الاول هو :
ان ذلك السائح الذي لم يأت الى الدنيا الاّ ليجد خالقه وليعرفه، خاطب عقله قائلا ً:
لقد سألنا كل شئ عن خالقنا، واخذنا جواباً شافياً وافياً، ولكن كما يرد في المثل: "ينبغي سؤال الشمس عن الشمس نفسها" فعلينا الآن ان نقوم بسياحة اخرى لاجل معرفة خالقنا من تجليات صفاته الجليلة "كالعلم والارادة والقدرة" ومن آثاره البديعة ومن جلوات اسمائه الحسنى. فدخل الدنيا لهذا الغرض، وركب سفينة الارض
الشعاع الخامس عشر - ص: 672
فوراً كأهل الضلال الذين يمثلون تياراً آخر، وقلّد نظارة العلم والفلسفة غير المقيدة بحكمة القرآن. ونظر من خلال منظارمنهج الجغرافية غير المسترشد بالقران فرأى: ان الارض تسيح في فضاء غير محدود، وتقطع في سنة واحدة دائرة تبلغ اربعة وعشرين ألف سنة، بسرعة تزيد على سرعة انطلاق القذيفة بسبعين مرة. وقد حملت على مناكبها مئات الالوف من انواع ذوى الحياة العاجزة الضعيفة. فلو تاهت لدقيقة واحدة وضيعت طريقها او اصطدمت بنجمة سائبة، تبعثرت متساقطة في فضاء غير محدود، والقت ما عليها من الاحياء الضعيفة وافرغتها في العدم والعبث والضياع.
فاستشعر ظلمات معنوية رهيبة خانقة كظلمات في بحر لجّي تنبعث من هذا الفهم الذي في تيار "المغضوب عليهم والضالين". فقال من اعماقه: ياحسرتاه! ماذا عملنا؟ لِمَ ركبنا هذه السفينة المرعبة؟ وكيف النجاة منها؟ فقذف نظارة تلك الفلسفة العمياء وكسرها، ودخل تيار (الذين انعمت عليهم) واذا بحكمة القرآن تغيثه مسلمةً الى عقله منظاراً يبين الحقيقة كاملة، قائلة له: انظر الآن.. فنظر ورأى:
ان اسم "رب السموات والارض" قد أشرق من برج قوله تعالى (هو الذي جعل لكم الارض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه) (الملك: 15) وجعل الارض سفينة آمنة سالمة تمخر عباب بحر الكون الواسع بانتظام دقيق دائرة حول الشمس لاجل حكم كثيرة ومنافع شتى، مشحونة بذوى الحياة ومايلزمها من ارزاق، وهي تجلب محاصيل المواسم للمحتاجين الى الرزق، ونصب سبحانه وتعالى ملكين اثنين يسميان بـ"الثور والحوت" ملاحين وقائدين لتلك السفينة. فيجريانها في سياحة عبر المملكة الربانية التي هي في منتهى الهيبة والروعة، لتستجم مخلوقات الخالق الجليل وضيوفه في فضاء هذا الكون الواسع. وهكذا تبين هذه السياحة المهيبة حقيقة (الله نور السموات والارض) حيث تعرّف خالقها بتجلي هذا الاسم.
وبعدما ادرك السائح هذا المعنى من مشاهدته الارض ردّد من اعماق روحه ووجدانه : الحمد لله رب العالمين ، ودخل ضمن طائفة (الذين انعمت عليهم) .
الشعاع الخامس عشر - ص: 673
النموذج الثاني من العوالم التي شاهدها ذلك السائح هو انه:
بعدما غادر ذلك السائح سفينة الارض، دخل عالم الانسان والحيوانات. فنظر الى العالم بمنظار الحكمة الطبيعية غير المستلهمة الحياة والروح من الدين، فرأى :
ان حاجات غير محدودة لذوي حياة لايحصون، واعداء غير محدودين محيطون بهم يؤذونهم ويلحقون بهم اضراراً جسيمة في حوادث قاسية لارحمة فيها وهم لايملكون من رأس المال الاّ واحداً من ألفٍ بل واحداً من مائة ألف ازاء تلك الحاجات. وليس في اقتدارهم تجاه تلك الامور والاشياء المضرة الاّ واحد من مليون! فتألم السائح امام هذه الحالة التي تثير الرثاء والرهبة والألم - لما يحمل الانسان من علاقات الرقة الجنسية والشفقة النوعية والعقل - وتألم لحالهم ألماً شديداً وحزن عليهم حزناً يشعره بآلام اليأس كالعذاب الشديد في جهنم، فندم ألف ندم على دخوله هذا العالم الحزين النكد.
واذ هو يكابد هذه الآلام ويعاني منها مايعاني اذا بحكمة القرآن الكريم تمدّه وتسعفه، مسلّمة له منظار (الذين أنعمت عليهم) قائلة له : أنظر.. فنظر ورأى :
ان كل اسم من اسماء الله الحسنى امثال : الرحمن ، الرحيم، الرزاق، المنعم، الكريم، الحفيظ، قد اشرق كالشمس الساطعة، وذلك بتجلي (الله نور السموات والارض) عند بروج الآيات الكريمة :
(ما من دابة الاّ هو آخذ بناصيتها) (هود: 56)
(وكأيّن من دابة لاتحمل رزقها الله يرزقها وإياكم) (العنكبوت:60)
(ولقد كرّمنا بنى آدم) (الاسراء:70)
(ان الابرار لفى نعيم) (الانفطار:13)
فأنغمرت دنيا الانسان والحيوان بتلك الرحمة السابغة والاحسان العميم حتى كأنها تحولت الى جنة موقتة. فعلم السائح ان هذه الدنيا بما فيها تعرّف تعريفاً جيداً المضيّف الكريم لهذا المضيف الجميل الجدير بالمشاهدة، الملئ بالعبر، فحمد الله سبحانه ألف حمد قائلا ً: الحمد لله رب العالمين .
الشعاع الخامس عشر - ص: 674
النموذج الثالث من سياحة السائح التي تحوى مئات من مشاهداته:
ان ذلك السائح في الدنيا ، الذي يريد معرفة خالقه، من خلال تجليات اسمائه الحسنى وصفاته الجليلة خاطب عقله وخياله قائلاً: هيا لنصعد الى السموات العلى كالارواح والملائكة تاركين اجسادنا في الارض، ولنسأل عن خالقنا اهل السموات . فركب العقلُ الفكرَ والروحُ الخيالَ وصعدوا جميعاً الى السماء متخذين علم الفلك مرشدهم، ونظروا بمنظار (الضالين.. المغضوب عليهم) اى بمنظار الفلسفة التي لاتعير للدين بالاً، فشاهد السائح: ان آلاف الاجرام والنجوم المستطيرة ناراً وتكبر الارض ألف مرة وتنطلق وتجرى متداخلة أسرع من سرعة القذائف مائة مرة وهي جامدة لاشعور لها، كأنها سائبة، حتى اذا ما أخطأت احداها سبيلها لدقيقة واحدة مصادفة ً واصطدمت مع اخرى لاشعور لها لاختلط الحابل بالنابل وعمت الفوضى وحدث ما يشبه القيامة في ذلك العالم غير المحدود .
فما من جهة نظر اليها السائح الاّ واورثته الوحشة والدهشة والحيرة والخوف، فندم على صعوده الى السماء ألف ندم، اذ قد اختل العقل والخيال واضطربا كلياً.حتى ليقولا: اننا لانريد معرفة مثل هذه المعانى القبيحة الاليمة المعذبة كعذاب جهنم، بل نربأ بأنفسنا حتى عن مشاهدتها، لأن وظيفتنا الاساس رؤية الحقائق الجميلة واراءتها، واذ يقولان هكذا اذا بتجل من (الله نور السموات والارض) اشرقت الاسماء الالهية: "خالق السموات والارض" و"مسخر الشمس والقمر" و"رب العالمين" وامثالها.. اشرقت كالشمس من بروج الآيات الكريمة :
(ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح) (الملك:5)
(افلم ينظروا الى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيّناها) (ق:6)
و(ثم استوى الى السماء فسويهن سبع سموات) (البقرة:29)
فملأت انوار تلك الاسماء السموات كلها بالنور والملائكة. وحوّلتها الى مسجد عظيم وجامع كبير ومعسكر مهيب. فدخل ذلك السائح ضمن طائفة (الذين أنعمت عليهم) ونجا من ظلمات (كظلماتٍ في بحرٍ لجيّ) واذا به يرى مملكة جميلة مهيبة منسقة كالجنة.. فترقت قيمة العقل والخيال وسمت وظائفهما ألف درجة لما شاهدا في كل جانب منها من يعرّف بالخالق الجليل.
الشعاع الخامس عشر - ص: 675
وهكذا ننهى هذا البحث الواسع مكتفين بهذه الاشارة القصيرة جداً محيلين سائر مشاهدات السائح في الكون الى رسائل النور قياساً على هذه النماذج الثلاثة المذكورة من بين مئات النماذج لدى سياحته لمعرفة واجب الوجود من خلال تجليات اسمائه تعالى. ونحاول باشارة في منتهى الاختصار معرفة خالق الكون - كمعرفة ذلك السائح - وذلك من خلال آثار وتجليات صفات "العلم"و"الارادة"و"القدرة" فقط بين الصفات السبع الجليلة لخالقنا ومن حجج تحقق تلك الصفات الثلاث الجليلة، ونحيل تفاصيلها الى رسائل النور.
ان الفقرة العربية الآتية هي وردى التفكرى الدائم المستخلص من خلاصة الحزب النورى العربى، التي تبين ثلاث مراتب من المراتب الثلاث والثلاثين لجملة "الله أكبر" فنشير ضمن شرحها وما يشبه ترجمتها باشارات قصيرة الى ما اشغل كثيراً علماء الكلام وعلماء العقائد من معرفة تلك الصفات بتجلياتها في الكون والتصديق بها بايمان راسخ بعين اليقين. فهذه الفقرة العربية تفتح سبيلاً الى الايمان الكامل بتلك الصفات الثلاث - بعلم اليقين - على وجود واجب الوجود ووحدانيته بدرجة البداهة:
بسم الله الرحمن الرحيم
(وقل الحمدُلله الذي لَم يتخِذ ولَدا ً ولم يكُن لهُ شريك ٌ في الملك ِ ولم يكن لهُ ولىّ من َ الذلّ وكبّرهُ تكبيرا) (الاسراء:111)
اَلله اكبرُ من كلّ شئ ٍقدرة ً وعلما ً إذ هو العليم ُ بكل ّ شئ ٍ بعلم ٍ محيط ٍ لازم ٍ ذاتىّ 1 للذاتِ يلزم ُ الاشياء لايمكنُ ان ينفكّ عنهُ شئ ٌ بسر الحضور والشهود والاحاطة النورانية وبسر استلزام الوجود للمعلومية واحاطة نور العلم بعالم الوجود.
نعم فالانتظامات الموزونة.. والاتزانات المنظومة.. والحكم القصدية العامة.. والعنايات المخصوصة الشاملة.. والاقضية المنتظمة.. والاقدار المثمرة.. والاجال المعينة والارزاق المقننة.. والاتقانات المفننة.. والاهتماماتُ المزينة.. وغاية كمال الانتظام والانسجام والاتساق والاتقان والاتزان والامتياز، المطلقات في كمال السهولة
_____________________
1 ولله المثل الاعلى: كلزوم الضياء المحيط للشمس - المؤلف.

الشعاع الخامس عشر - ص: 676
المطلقة.. دآلاّت على احاطة علم علاّم الغيوب بكلّ شئ ٍ (ألاَ يعلمُ من خلقَ وهوَ اللّطيفُ الخبيرُ) (الملك:14) فنسبةُ دلالة حسن صنعة الانسان على شعور الانسان الى نسبةِ دلالة حسن خلقة الانسان على علم خالق الانسان كنسبة لُميعة نجمية الذبيبة في اللّيلة الدّهماء الى شعشعة الشّمس في رابعة النّهار.]
نشير باشارات قصيرة الى "العلم الالهي" هذه الحقيقة الايمانية الجليلة، ضمن ترجمة قصيرة جداً لهذه الفقرة العربية محيلين تفاصيلها الى رسائل النور، فنقول: 1
نعم،كما ان الرحمة تبين نفسها كالشمس بأرزاقها العجيبة وتثبت بدلالة قاطعة ان وراء ستار الغيب رحمن رحيم، كذلك "العلم" الذي اتخذ موقعاً ضمن مئات الآيات القرانية، والذي هو - من جهة - اولى الصفات السبع الجليلة يبين نفسه كضوء الشمس بثمرات وحكم النظام والميزان، ويدل على وجود عليم بكل شئ دلالة مطلقة.
نعم ان نسبة دلالة حسن صنعة الانسان المنتظمة المقدّرة على شعوره وعلمه، ودلالة حسن خلق الانسان في احسن تقويم على علم خالق الانسان وحكمته جل وعلا كنسبة لميعة اليراعة في الليلة الدهماء الى شعشعة الشمس في رابعة النهار.
والان قبل الخوض في بيان دلائل العلم الالهي، فان دلالة تجليات تلك الصفة المقدسة في انواع الكائنات على الذات المقدسة دلالة واضحة جدا ً قد شهد عليها وتضمنها الحوار الذي دار ليلة المعراج النبوي، لدى حظوته صلى الله عليه وسلم بالحضور والخطاب الالهي لما قال :
"التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله" باسم جميع ذوي الحياة وانواع المخلوقات، حيث هو مبعوث ورسول، فقدم الى خالقه الجليل هدايا جميع ذوي الحياة، في طراز معرفة جميع تلك المخلوقات ربَّها بتجليات العلم، قال ذلك في موضع السلام وبدلاً عن جميع ذوي الشعور.
_____________________
1 لقد كتب القسم الثاني اثناء مكابدة مرض رهيب لم اره طوال حياتي من جراء تسمم، فأرجو النظر الى تقصيراتي بنظر المسامحة. ويستطيع «خسرو» ان يصلح ويبدل ويعدل ما يراه غير مناسب.- المؤلف.

الشعاع الخامس عشر - ص: 677
اي ان الطوائف الاربع لجميع ذوي الحياة تقدم بالكلمات الاربع "التحيات المباركات الصلوات الطيبات" وبتجليات العلم الازلى الابدى، تحياتها وتهانيها وعبوديتها ومعرفتها الجميلة الطيبة ازاء علام الغيوب، لذا غدت قراءة هذه المحاورة المعراجية المقدسة بمعناها الواسع فرضاً على جميع المسلمين في التشهد.
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس