عرض مشاركة واحدة
قديم 04-06-2011
  #7
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,194
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: الشعاعات - الشعاع الخامس عشر


الشعاع الخامس عشر - ص: 687
الدليل التاسع والعاشر: وهما: [والاتقانات المفننة والاهتمامات المزينة].
اي: ان كل مصنوع من جميع المخلوقات الجميلة المبثوثة على سطح الارض كافة ولاسيما في موسم الربيع يبين تجليات حسن سرمد وجمال خالد. فخذ مثلاً: الازاهير والثمرات والطويرات والحشرات ولاسيما المذهبة اللماعة، ففي خلقها وفي صورتها وفي اجهزتها من المهارة المعجزة والصنعة الدقيقة الخارقة والاتقان البديع والكمال المعجز لصانعها الجليل، في اشكال متنوعة وانماط مختلفة ومكائن دقيقة ما يدل دلالة قاطعة على علم محيط بكل شئ وملكة علمية ذات مهارات وفنون - ان جاز التعبير - وتشهد شهادات صادقة على ان مداخلة المصادفة والاسباب المتشاكسة الفاقدة للشعور، محال في محال.
وان عبارة "والاهتمامات المزينة" تفيد: ان في تلك المصنوعات الجميلة تزييناً لطيفاً حلواً وزينة فاخرة رائعة وجمال صنعة جاذب فيفعل ما يفعل بعلم لا نهاية له، ويعلم اجمل حالة وألطف وضع لكل شئ، ويريد اظهار جمال كمال الابداع وكمال جماله الى ذوي الشعور بحيث يخلق اصغر زهيرة جزئية واصغر حشرة ويصورها باهتمام بالغ وبمهارة فائقة وباتقان بديع.
فهذا التزيين والتجميل المتسم بالاهتمام والرعاية يدل بالبداهة على علم محيط بكل شئ ويشهد على وجوب وجود الصانع العليم ذي الجمال بعدد تلك المخلوقات الجميلة..
الدليل الحادي عشر المتضمن لخمسة ادلة وخمس حجج:
[وغاية كمال الانتظام، الاتزان، الامتياز، المطلقات، في السهولة المطلقة..
وخلق الاشياء في الكثرة المطلقة مع الاتقان المطلق..
وفي السرعة المطلقة مع الاتزان المطلق..
وفي الوسعة المطلقة مع كمال حسن الصنعة..
وفي البعدة المطلقة مع الاتفاق المطلق..
وفي الخلطة المطلقة مع الامتياز المطلق..]
الشعاع الخامس عشر - ص: 688
هذا الدليل هو صياغة اخرى للدليل المذكور في ختام الفقرة العربية السابقة واجمل منها، وهو بيان للدلائل الخمسة والستة الواسعة، نشير اليه باشارة في منتهى الاختصار والقصر بسبب المرض الشديد.
اولاً: نشاهد على الارض كافة ان صنع مكائن ذات حياة عجيبة، بكل سهولة ويسر دفعةً، نابعين من علم كامل ومهارة تامة، بل صنع قسم منها في دقيقة واحدة، وبشكل منسق موزون، مع فوارق عن مثيلاتها، يدل دلالة تامة على علم لا نهاية له، وعلى كمال ذلك العلم بدرجة السهولة واليسر الناشئين من المهارة العلمية في الصنعة.
ثانياً: ان خلق المخلوقات في غمرة الكثرة غير المتناهية والوفرة التي لاتحدها حدود بإتقان وبلا خطأ ولاحيرة يدل على علم لا حد له ضمن قدرة غير متناهية، ويشهد شهادات لاحدّ لها على العليم المطلق والقدير المطلق.
ثالثاً: ان خلق المخلوقات التي هي في غاية الميزان والمكيال في منتهى السرعة، يدل على علم لاحدود له، ويشهد بعدد تلك المخلوقات على العليم المطلق والقدير المطلق.
رابعاً: ان خلق ذوي حياة لا يحصرها العد في وسعة مطلقة تسع الارض كلها، في اتم اتقان في الصنعة وفي اجمل زينة، وكمال حسن الصنعة، يدل على علم محيط بكل شئ لايضلّ ولاينسى ويرى الاشياء كلها دفعة واحدة ولا يمنعه شئ عن شئ ويشهد كل موجود وجميعها معاً على انه مصنوع عليم بكل شئ وقدير على كل شئ.
خامساً: ان خلق افراد الانواع التي تفصل بينها مسافات هائلة، فأحدها في الشرق وآخر في الغرب وآخرفي الشمال وآخر في الجنوب، في وقت واحد، وعلى طراز واحد متشابهاً متماثلاً مع تميّز كل منها عن الاخر في التشخص، لايمكن ان يكون الاّ بقدرة قدير مطلق القدرة يدير الكون باسره بقدرته وبعلم مطلق يحيط بالموجودات مع احوالها. لذا فهذه المخلوقات تشهد شهادات لاحدود لها علِى علم محيط بكل شئ وعلى علاّم الغيوب.
الشعاع الخامس عشر - ص: 689
سادساً: ان خلق مكائن كثيرة ذات حياة في تميّز خاص تام وعلامات فارقة عن مثيلاتها، مع انها ضمن ازدحام شديد وفي اماكن مظلمة - كالنوى الموجودة تحت التراب - ومن دون التباس ولاخطأ ولاحيرة رغم انها في اختلاط مطلق، وخلق جميع اجهزة كل منها بلانقصان خلقاً معجزاً، يدل دلالة واضحة كالشمس على علم ازلي ويشهد شهادة بينة كالنهار على ربوبية وخلاقية قدير مطلق وعليم مطلق.
نختصر هذا البحث الطويل جداً محيلين تفاصيله الى رسائل النور. ونبدأ الآن بمسألة "الارادة" الموجودة في خلاصة الخلاصة.
[الله اكبر من كل شئ قدرة وعلماً اذ هو المريد لكل شئ، ما شاء الله كان ومالم يشأ لم يكن؛ اذ تنظيم ايجاد المصنوعات ذاتاً وصفاتٍ وماهيّةً وهوّية من بين الامكانات الغير المحدودة والطرق العقيمة والاحتمالات المشوشة والامثال المتشابهة ومن بين سيول العناصر المتشاكسة بهذا النظام الادق الارق وتوزينها بهذا الميزان الحسّاس الجسّاس وتمييزها بهذه الامثال المتشابهة والتعيّنات المزينة المنتظمة وخلق المخلوقات المنتظمات الحيوية من البسيط الجامد الميت كالانسان بجهازاته من النطفة والطير بجوارحه من البيضة والشجرة باعضائها من النواة والحبة تدل على ان كل شئ بارادته تعالى واختياره وقصده ومشيئته سبحانه كما ان توافق الاشياء في اساسات الاعضاء النوعية والجنسية يدل على ان صانع تلك الافراد واحد احد كذلك ان تمايزها بالتعينات المنتظمة والتشخصات المتمايزة يدل على ان ذلك الصانع الواحد الاحد فاعل مختار يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد].
هذه الفقرة دليل واحد طويل وكلي من أدلة "الارادة الالهية" تتضمن حججاً كلية كثيرة جداً، نبين ضمن ترجمة فحواها ترجمة مختصرة، دليلاً يثبت اثباتاً قاطعاً الارادة الالهية وإختيارها ومشيئتها، فضلاً عن ان جميع دلائل "العلم الالهي" المذكورة سابقاً هي بذاتها دليل على الارادة الالهية ايضاً،لأن جلوات "العلم والارادة الالهية" واثارهما تشاهدان معاً في كل مصنوع.
الشعاع الخامس عشر - ص: 690
ان خلاصة الفحوى لهذه الفقرة العربية هي:
ان كل شئ يحصل بارادته ومشيئته سبحانه، فما شاء كان ومالم يشأ لم يكن، يفعل ما يشاء، ولاشئ مالم يشأ. وحجة واحدة من حججها هي:
اننا نشاهد ان كل مصنوع من هذه المصنوعات متميز بذاتٍ معينة وصفات مخصصة وماهية خاصة به، وصورة ذات علامات فارقة متميزة. وبينما يمكن ان يكون كل هذه الاحوال ضمن امكانات واحتمالات مشوشة لاحد لها، ويجري في طرقٍ عقيمة كثيرة خلال مداخلة سيول العناصر وضمن امثاله المتشابهة الداعية على السهو والالتباس، فان خلقه - ازاء هذه الحالات المضطربة المختلطة - ضمن نظام دقيق موزون ومنسق، وأخذ كل عضو من اعضائه واجهزته وفق ميزان حساس جساس كامل، وتمكين كلٍ منها في موضعه المناسب، وتقليده بوظائف، ومنح وجهه سيماء شخصياً مزيناً جميلاً، وخلق اعضائه المتخالفة المتباينة من مادة بسيطة جامدة ميتة، حيّة متقنة الصنعة؛ كخلق الانسان الحامل لمئات الاجهزة المتنوعة المتباينة في صور معجزة من قطرة ماء. وخلق الطير باجهزة وجوارح مختلفة متنوعة من بيضة بسيطة، وانشاء الشجرة باغصانها الملتفة واعضائها المتشابكة واجزائها المتغايرة من بذيرة صغيرة مركبة من اشياء بسيطة جامدة هي الكاربون والازوت ومولد الحموضة ومولد الماء (الاوكسجين والهيدروجين)، واضفاء شكل منظم ومثمر عليها..يثبت بلاشك وبالبداهة وبقطعية لاريب فيها بل بدرجة الوجوب والضرورة واللزوم ان كل مصنوع من هذه المصنوعات يعطى له ذلك الوضع الخاص الكامل لجميع ذراته واجهزته وصورته وماهيته، بارادة قدير مطلق القدرة وبمشيئته واختياره وقصده جل وعلا. وان ذلك المصنوع خاضع لحكم ارادة شاملة كل شئ.
هذا وان دلالة هذا المصنوع الواحد بما لاشك فيه على "الارادة الالهية" تبين ان جميع المصنوعات تشهد شهادة صادقة بليغة لا نهاية لها وبعدد افرادها بقطعية ظاهرة كالشمس والنهار على "الارادة الالهية" الشاملة كل شئ. وانها حجج قاطعة لاحد لها على وجوب وجود قدير مريد.
الشعاع الخامس عشر - ص: 691
ثم ان جميع دلائل "العلم" المذكورة سابقاً هي دلائل "الارادة الالهية" ايضاً، اذ كلاهما يعملان مع "القدرة الالهية" فلاينفك احدهما عن الآخر. فكما ان توافق الاعضاء النوعية والجنسية لافراد كل جنس ونوع يدل على ان صانعها واحد احد كذلك الاختلافات في ملامح وجوهها اختلافاً ذات حكمة تدل دلالة قاطعة على ان ذلك الصانع الواحد الاحد، فاعل مختار، يخلق كل شئ بالارادة والاختيار والمشيئة والقصد.
وهكذا فقد انتهى بيان الترجمة المختصرة للفقرة العربية المذكورة، الدالة دلالة كلية فريدة على "الارادة الالهية".
كنت قد عزمت على كتابة نكات مهمة جداً تخص "الارادة الالهية" كما هي في مسألة "العلم الالهي"، الاّ ان المرض الناشئ من التسمم قد ألحق ارهاقاً بدماغي، فأؤجلها الى وقت آخر بمشيئة الله.
اما الفقرة التي تخص القدرة الالهية فهي:
[الله اكبر من كل شئ قدرة وعلماً اذ هو القدير على كل شئ بقدرة مطلقة محيطة ضرورية ناشئة لازمة ذاتية للذات الاقدسية فمحال تداخل ضدها فلا مراتب فيها فتتساوى بالنسبة اليها الذرات والنجوم والجزء والكل والجزئي والكلي والنواة والشجر والعالم والانسان.. بسر مشاهدة غاية كمال الانتظام، الاتزان، الامتياز، الاتقان المطلقات.. مع السهولة في الكثرة والسرعة والخلطة المطلقة.. وبسر النورانية والشفافية والمقابلة والموازنة والانتظام والامتثال.. وبسر امداد الواحدية ويُسر الوحدة وتجلي الاحدية. وبسر الوجوب والتجرد ومباينة الماهية.. وبسر عدم التقيد وعدم التحيز وعدم التجزي.. وبسر انقلاب العوائق والموانع الى حكم الوسائل المسهلات.. وبسر ان الذرة والجزء والجزئي والنواة والانسان ليست بأقل صنعة وجزالة من النجم والكل والكلي والشجر والعالم، فخالقها هو خالق هذه بالحدس الشهودي.. وبسر ان المحاط والجزئيات كالامثلة المكتوبة المصغرة او كالنقط المحلوبة المعصّرة. فلابدّ ان يكون المحيط والكليات في قبضة خالق المحاط والجزئيات ليدرج مثالَها فيها بموازين علمه او يعصّرها منها بدساتير حكمته..
الشعاع الخامس عشر - ص: 692
وبسر كما ان قرآن العزّة المكتوب على الذرة المسماة بالجوهر الفرد بذرات الاثير ليس باقل جزالة وخارقية صنعةٍ من قرآن العظمة المكتوب على صحيفة السماء بمداد النجوم والشموس، كذلك ان ورد الزهرة ليست بأقل جزالة وصنعة من درّي نجم الزُهرة ولا النملة من الفيلة ولا المكروب من الكركدن ولا النحلة من النخلة بالنسبة الى قدرة خالق الكائنات.فكما ان غاية كمال السرعة والسهولة في ايجاد الاشياء اوقعت اهل الضلالة في التباس التشكيل بالتشكل المستلزم لمحالات غير محدودة تمجّها الاوهام. كذلك اثبتت لاهل الهداية تساوي النجوم مع الذرات بالنسبة الى قدرة خالق الكائنات.جلّ جلاله لا إله إلاّ هو الله اكبر].
قبل الشروع ببيان فحوى مختصر لهذه الفقرة العربية العظيمة التي تخص "القدرة الالهية" والذي هو من قبيل ترجمتها ومضمونها، نبين حقيقة اُخطرت الى القلب وهي:
ان وجود القدرة الالهية اكثر قطعية من وجود الكون، بل ان جميع المخلوقات وكل مخلوق بالذات، كلمات مجسمة لتلك القدرة، تبينها وتظهرها بعين اليقين وهي شهادات بعددها على موصوفها القدير المطلق. فلاداعي اذن الى اثبات تلك القدرة بالحجج والبراهين بل يلزم اثبات حقيقة جليلة تخص القدرة والتي هي اساس مهم في الايمان والحجر الاساس الرصين للحشر والنشور والمدار اللازم لمسائل ايمانية كثيرة وحقائق قرآنية جليلة والدعوى التي تعلنها الآية الكريمة (ما خلقكم ولابعثكم الاّ كنفس واحدة) (لقمان:28) والتي اعيت العقول دونها وظلت في حيرة وعجز، بل ضل قسم منها..
فذلك الاساس وذلك الحجر الزاوية وذلك المدار وتلك الدعوى وتلك الحقيقة هي معنى الآية الكريمة المذكورة.
اي: ايها الجن والانس ان خلقكم جميعاً وبعثكم يوم الحشر يسير على قدرتي يسر ايجاد نفس واحدة، فهو الذي يخلق الربيع بمثل خلقه زهرة واحدة في سهولة ويسر. فلا فرق بالنسبة لتلك القدرة بين الجزئي والكلي والصغير والكبير والقليل والكثير. فهي تجري السيارات بسهولة جريها للذرات.
الشعاع الخامس عشر - ص: 693
فتلك الفقرة العربية المذكورة تبين هذه المسألة الجليلة بحجة قوية قاطعة في تسع مراتب.
ان الفقرة الآتية تشير الى اساس المراتب وتلخص باختصار شديد الفقرة العربية:
[اذ هو القدير على كل شئ بقدرة مطلقة محيطة ضرورية ناشئة لازمة ذاتية للذات الاقدسية فمحال تداخل ضدها فلا مراتب فيها فتتساوى بالنسبة اليها الذرات والنجوم والجزء والكل والجزئي والكلي والنواة والشجر والعالم والانسان].
اي: هو القدير على كل شئ بقدرة محيطة بكل شئ، ولازمة بلزوم ذاتي وواجبة ضرورية ناشئة - كما في علم المنطق - للواجب الوجود، محال انفكاكها ولا يمكن ذلك قطعاً.
فما دامت مثل هذه القدرة لازمة بمثل هذا اللزوم للذات الاقدس، فلاشك ان العجز الذي هو ضد القدرة لايدخلها بأية جهة كانت، فلا يكون عارضاً للذات الاقدس وحيث ان وجود المراتب في شئ، هو بتداخل ضده فيه - فمثلاً: مراتب الحرارة ودرجاتها هي بدخول البرودة، ودرجات الجمال هي بمداخلة القبح - فمحال دنو العجز الذي هو ضده من هذه القدرة الذاتية، فلابد ان لا مراتب في تلك القدرة المطلقة. وحيث لامراتب فيها، تتساوى النجوم والذرات ازاءها، ولافرق بين الجزء والكل والفرد الواحد وجميع نوعه والانسان والكون بالنسبة لتلك القدرة، واحياء نواة واحدة والشجرة الباسقة ونفس واحدة وجميع ذوى الارواح في الحشر سواء إزاء تلك القدرة ويسير عليها. فلا فرق لديها بين الكبير والصغير والقليل والكثير. والشاهد الصادق القاطع على هذه الحقيقة هو ما نشاهده في خلق الاشياء من كمال الصنعة والنظام والميزان والتميز والكثرة في السرعة المطلقة مع السهولة المطلقة واليسر التام. فهذه الحقيقة المذكورة هي مضمون المرتبة الاولى التي هي:
[وبسر مشاهدة غاية كمال الانتظام الاتزان الامتياز الاتقان المطلقات مع السهولة المطلقة في الكثرة والسرعة والخلطة]
الشعاع الخامس عشر - ص: 694
المرتبة الثانية: وهي: [وبسر النورانية والشفافية والمقابلة والموازنة والانتظام والامتثال]
نحيل ايضاح هذه المرتبة وتفاصيلها الى ختام "الكلمة العاشرة" والى "الكلمة التاسعة والعشرين" والى "المكتوب العشرين" ونشير اليها هنا اشارة مختصرة:
نعم، كما ان دخول ضوء الشمس وصورتها - من حيث النورانية - بالقدرة الربانية في سطح البحر وفي حبابه كلها يسير، كدخوله في قطعة زجاجية، كلاهما سواء.كذلك القدرة النورانية لمن هو نور الانوار، فان خلقها للسموات والنجوم وتسييرها يسيرعليها كخلق الذباب والذرات وتسييرها، فلا يصعب عليها شئ.
وكما توجد - بخاصية الشفافية - صورة الشمس المثالية في مرآة صغيرة وفي بؤبؤ العين بالقدرة الالهية، فبالسهولة نفسها يعطي ذلك الضوء وتلك الصور بالأمر الالهي الى جميع الاشياء اللماعة والى جميع القطرات وجميع الذرات الشفافة والى سطح البحار. كذلك فان جلوة القدرة المطلقة وتأثيرها في ايجاد نفس واحدة هو بالسهولة نفسها في خلقها الحيوانات كلها حيث ان وجه الملكوتية والماهية للموصنوعات شفاف ولماع. فلا فرق بالنسبة الى تلك القدرة بين القليل والكثير والصغير والكبير.
وكما اذا وضع جوزتان في كفتي ميزان حساس متقن يكيل الجبال، ثم وضعت نواة صغيرة في احدى الكفتين فانها ترفعها بسهولة الى قمة جبل وتخفض الاخرى الى حضيض الوادي.واذا ما وضع جبلان متساويان بدلاً عن الجوزتين، فان احد الجبلين يرتفع الى السموات وينخفض الاخر الى اعماق الوديان بالسهولة نفسها فيما اذا وضعت في احدى الكفتين نواة صغيرة.كذلك: "الامكان مساوي الطرفين" حسب تعبير علم الكلام، اي ان وجود الاشياء الممكنة والمحتملة - اي غير الواجبة والممتنعة - وعدمها سواء، لافرق بين وجودها وعدمها ان لم يوجد سبب.
ففي هذا الامكان والمساواة بين الوجود والعدم، يتساوى القليل والكثير، الصغير والكبير. وهكذا فالمخلوقات ممكنات، وحيث ان وجودها وعدمها سواء، ضمن دائرة الامكان، فان قدرة الواجب الوجود الازلية المطلقة كما تعطي الوجود لممكن واحد بسهولة ويسر، تلبس كل شئ وجوداً يلائمه مخلة للتوازن بين الوجود والعدم. وتنزع
الشعاع الخامس عشر - ص: 695
عنه لباس الوجود الظاهري ان كانت قد انتهت مهمته، وترسله الى العدم صورة وظاهراً، بل الى الوجود المعنوي في دائرة العلم.
بمعنى ان الاشياء ان اسندت الى القدير المطلق وفوّض امرها اليه سبحانه فان احياء الربيع يسهل كإحياء زهرة واحدة، واحياء الناس جميعاً في الحشر يسهل كإحياء نفس واحدة. بينما اذا اسند خلق الاشياء الى الاسباب فان خلق زهرة واحدة يصعب كصعوبة خلق الربيع كاملاً وخلق ذبابة واحدة كخلق الاحياء بأسرها.
وكذا كما ان سفينة عظيمة وطائرة ضخمة تتحرك بمجرد مس مفتاح فيهما، بسر الانتظام، بسهولة نصب الساعة وتشغيلها. كذلك فان اعطاء كل شئ كلي وجزئي، صغير وكبير قليل وكثير، قالباً معنوياً، ومقداراً خاصاً وحدوداً معينة، بدساتير العلم الازلي، وبقوانين الحكمة السرمدية وبالاصول المعينة والجلوات الكلية للارادة الالهية، يجعل الاشياء كلها ضمن الانتظام العلمي التام وقانون الارادة. فلاشك ان تحريك المنظومة الشمسية بقدرة القدير المطلق وجريها سفينة الارض في مدارها السنوي هي بسهولة جريها الدم وما فيه من كريات حمر وبيض وتدوير ذراتها، جرياً ودوراناً ضمن نظام وحكمة حتى انها تخلق انساناً مع اجهزته الخارقة من قطرة ماء ضمن نظام الكون دون تعب ولانصب.
بمعنى انه اذا اسند ايجاد الكون الى تلك القدرة الازلية المطلقة يكون الامر سهلاً كايجاد انسان واحد، وان لم يسند اليها فان خلق انسان واحد باجهزته العجيبة ومشاعره الدقيقة، يكون مشكلاً وعسيراً كخلق الكون كله.
وكذا كما ان قائداً واحداً بأمره جندياً واحداً بالهجوم يسوقه الى الهجوم، بسر الاطاعة والامتثال وتلقي الاوامر، فانه بالامر نفسه وبالسهولة نفسها يسوق جيشاً عظيماً مطيعاً ايضاً الى الهجوم.
كذلك المصنوعات التي كل منها في كمال الطاعة لقوانين الارادة الالهية لتلقي اشارات الامر الرباني التكويني، وكالجندي المتأهب وكالعبد المأمور في ميل فطري وشوق فطري ضمن دائرة دساتير خط السير الذي عيّنه العلم الازلي والحكمة الازلية، وهو اكثر طاعة وانقياداً للاوامر بألف مرة عن طاعة جنود الجيش، فهذه المصنوعات
الشعاع الخامس عشر - ص: 696
ولاسيما ذوي الحياة منها عندما يتلقى كل منها الامر الرباني: "اخرج من العدم الى الوجود وتقلّد وظيفة" تلبسه القدرة الالهية بسهولة مطلقة وجوداً خاصاً بالشكل الذي عينه العلم وبالصورة التي خصصتها الارادة وتأخذ بيده الى ميدان الوجود.
وكذلك بالسهولة نفسها وبالقوة والقدرة نفسيهما يخلق سبحانه جيش الاحياء في الربيع ويوكل اليه الوظائف.
بمعنى ان كل شئ اذا اسند الى تلك القدرة، فان ايجاد جيوش الذرات كلها وفرق النجوم كلها سهل كسهولة ايجاد ذرة واحدة ونجم واحد، بينما اذا اسند الى الاسباب فان خلق ذرة في بؤبؤ عين كائن حي وفي دماغه - بقابلية لتؤدي الوظائف العجيبة - يكون ذا مشكلات وصعوبة كخلق جميع الحيوانات.

المرتبة الثالثة: وهي: [وبسر امداد الواحدية ويُسر الوحدة وتجلي الاحدية]
سننظر الى مضمونها باشارات قصيرة جداً:
كما ان قائداً عظيماً وسلطاناً مهيباً تسهل ازاءه ادارة امور البلاد الواسعة والامة العظيمة كسهولة ادارة اهالى قرية واحدة، وذلك من حيث وحدة حاكميته وعمل رعيته وفق اوامره وحده. اذ من حيث الواحدية في حكمه تكون افراد الامة كافراد الجيش وسائل للتسهيلات، فتطبق الاوامر والقوانين بيسر وسهولة.
بينما اذا فوضت الامور الى حكام مختلفين، ففضلاً عن سقوطها في هاوية المشاكسات والاضطرابات فان ادارة قرية واحدة بل بيت واحد تكون ذات مشكلات كادارة تلك البلاد الواسعة.
ثم ان كل فرد من افراد تلك الامة المطيعة المرتبطة بقائد واحد، كالجندي يستند الى قوة ذلك القائد ويعتمد على مخازن اعتدته ويستمد من جيشه العظيم، لذا يستطيع ان يأسر ملكاً من الملوك، وينجز اعمالاً هي اضعاف اضعاف ما يؤديه من عمل شخصي. فيكون انتسابه الى ذلك السلطان قوة عظمى لامنتهى لها واقتداراً لاحدود له فيؤدى بها اعمالاً جسيمة جليلة، بينما اذا انقطع ذلك الانتساب، فان
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس