الموضوع: ثراء فاحش
عرض مشاركة واحدة
قديم 12-29-2008
  #1
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي ثراء فاحش

د. قصي الحسين

نزل في زمن الخلفاء عدد من المسلمين بلاد الصين فكان الصينيون يسمونهم “تاشي” ثم أطلقوا عليهم بعدئذ اسم هوي هوي (محمديون). وأول إشارة في مصدر أوروبي الى وجود العرب في بلاد الصين ترجع الى ماركو بولو من أبناء القرن الثالث عشر. وكان التجار أيضاً هم الذين حملوا الإسلام الى الجزر الهندية التي أنشأت سنة 1949 دولة جديدة باسم ولايات إندونيسيا المتحدة. وبلغت تجارة الاسلام غرباً مراكش واسبانيا. ولقد فكر الرشيد في حفرة قناة السويس قبل دي ليسبس (De Lesseps) بنحو ألف سنة. ولكن تجارة العرب في البحر المتوسط لم تنشط كثيراً وكذلك قل في تجارتهم في البحر الأسود مع انه كان هناك شيء من النشاط في التجارة البرية في أنحاء الفولكا الشمالية. غير ان سفنهم كانت تمخر في بحر قزوين لقربه من المراكز الفارسية المهمة والمدن العامرة كسمرقند وبخارى وما وراءهما من أرض آهلة بالسكان. وكان التجار المسلمون يحملون الى تلك البلاد المختلفة التمور والسكر والقطن والمنسوجات الصوفية والأدوات الفولاذية والأواني الزجاجية ثم يعودون ببضائع مختلفة منها التوابل والكافور والحرير من أقاصي آسيا والعاج والأبنوس والرقيق الأسود من افريقيا.

ابن الجصاص

ويمكن للمرء أن يدرك شيئاً عن الثروة التي حازها أمراء المال في ذلك العصر والسعة التي كانوا فيها من قصة ابن الجصاص بن الجوهري في بغداد، فقد ظل غنياً موسراً بالرغم من ان المقتدر صادر منه ستة عشر مليون دينار، وكان أول من عرف من هذه الأسرة التي نبغ فيها بعده كبار تجار الجواهر. وكان لبعض تجار البصرة الذين كانت مراكبهم تنقل البضائع الى شاسع الأصقاع دخل ينيف على مليون درهم. وقد عرف في البصرة وبغداد من بلغ من غناه انه كان يخرج في الصدقة كل يوم مائة دينار فاستوزره المعتصم وكان جاهلاً. وكان ما ينفقه التاجر العادي في سيراف على بيته فوق مائة ألف درهم وربما أنفق بعضهم أكثر من ثلاثين ألف دينار. وقد بلغت ثروة الواحد من الكثيرين من تجار البحر نحو أربعة ملايين دينار. وألف تجار سيراف البحر “حتى ربما غاب أحدهم عامة عمره في البحر” وبلغ الاصطخري ان أحدهم لم يخرج من السفينة نحواً من أربعين سنة.

سجادة أم المستعين

ويبدو أن النشاط التجاري بلغ مداه في العصر العباسي، وكان التجار يجوبون أنحاء الامبراطورية وتركزت في آسيا الغربية تجارة السجاد والنسيج الموشى للتعليق على الجدران، والحرير والقطن والمنسوجات الصوفية والديباج والأطلس وأغطية الوسائد وغيرها من أدوات الفرش والأثاث وأواني المطبخ. وقد كان تجار فارس والعراق يتزودون بأفخر أنواع السجاد والمنسوجات، وكانت لأم المستعين سجادة حيكت لها خصيصاً بلغت تكاليفها مائة وثلاثين مليون درهم عليها صور لكثير من أنواع الطيور مصنوعة من الذهب وعيونها من الياقوت وسواه من الأحجار الكريمة. وكان في بغداد حي يدعى بالعتابي نسبة الى أمير أموي نزله مرة فأصبح النسيج الذي يباع في ذلك الحي يعرف منذ القرن الثاني عشر بالعتابي. ثم أخذ عرب الأندلس في تقليد أوروبا. وأنتجت الكوفة المناديل الحريرية وشبه الحريرية التي تلبس على الرأس وتعرف اليوم بالكوفية. واشتهرت مدينة توج وفسا من أعمال فارس بمعامل كثيرة ممتازة لصنع البسط وثياب الوشي والديباج والطراز وهو لباس الشرق الذي كان يصنع أولاً لملبوس الملوك والأمراء، وكان يطرز عليه اسم الملك أو الأمير الذي صنع له. وكان في تستر والسوس بخوزستان (سوزيانا القديمة) معامل اشتهرت بزركشة الدمقس الموشى بالذهب والستائر المصنوعة من الخز يقصدها التجار العرب من بغداد، وكانوا يبتاعون المنسوجات من وبر الإبل والعباءات المصنوعة من الحرير المغزول، فقد كانت كلها واسعة الانتشار. وكانت شيراز تصدر العباءات الصوفية المخططة والأقمشة الناعمة والديباج وكانت السيدات الأوروبيات في العصور الوسطى يبتعن من مخازن التجار في أوروبا الحرير الفارسي المعروف ب “التافتة” وقد اشتهرت خراسان وأرمينية بأغطية الفرش والستائر وأغطية المقاعد والمساند. واختصت بخارى بسجادها الفاخر.

ويستطيع الباحث أن يقف على نشوء الصناعة والتجارة فيما وراء النهر من لائحة الصادرات التي أوردها المقدسي، لكل مدينة بمفردها ومنها الصابون والبسط وقناديل النحاس والآنية المصفحة وعباءات اللباد والفرو والعنبر والعسل والبواشق والمقصات والإبر والسكاكين والسيوف والقسي واللحوم والأرقاء من الصقالبة والترك. أما الموائد والمقاعد والقناديل والشماعد والمزهريات والفخار وأدوات المطبخ فكانت تصنع في سوريا ومصر أيضاً. وكان النسيج المصري المعروف بالدمياطي (نسبة الى دمياط) والدبيقي (نسبة الى دبيق) والتنيسي (نسبة الى تنيس)، قد اشتهر في العالم وقلده الفرس. وقد كانت بعض الصناعات الفنية القديمة المألوفة في عصور الفراعنة لا تزال معروفة بشكل أخف في الصناعات القبطية.



جريدة الخليج
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس