الموضوع: المكتوبات
عرض مشاركة واحدة
قديم 02-03-2011
  #26
عبدالرزاق
عضو شرف
 الصورة الرمزية عبدالرزاق
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 329
معدل تقييم المستوى: 14
عبدالرزاق is on a distinguished road
افتراضي رد: المكتوبات

ثانيتها:

ان الدليل القاطع والبرهان الساطـع على ان كل شـئ سـواء بالنسبة الى القدرة الإلهية، هي اننا نشاهد بأعيننا ان في ايجاد الحيوانات والنباتات منتهى الاتقان وغاية حسن الصنعة ضمن سخاء مطلق وكثرة مطلقة.

ويشاهد فيها ايضاً منتهى الامتياز والتفريق ضمن منتهى الاختلاط والامتزاج.

ويشاهد فيها ايضاً منتهى القيمة الراقية في الصنعة وجمال الخلقة ضمن منتهى الوفرة والوسعة.

وتخلق الاشياء في سهولة وسرعة مطلقتين مع حاجتها الى اجهزة كثيرة وزمان مديد لإبراز الصنعة المتقنة. حتى كأن تلك المعجزات للصنعة البديعة تبرز للوجود دفعة من غير شئ.

فما نراه من فعالية القدرة الإلهية الواسعة على سطح الارض كافة وفي كل موسم تدل دلالة قاطعة على ان أكبر شئ ازاء هذه القدرة التي هي منبع هذه الفعالية سهل ويسير كأصغره، وان ايجاد افراد غير محدودين وادارتها يسير عليها كايجاد فرد واحد وادارته.

m ثالثتها:

ان اكبـر كلّ ٍ كأصغر جـزءٍ هيّن ازاء قدرة الصانع القـدير الذي يـهيمن بافعاله وتصريفه الامور في الكون وكما هو مشاهد. فايجاد الكلي بكثرة من حيث الافراد سهل كايجاد جزئي واحد. ويمكن اظهار ابداع الصنعة المتقنة في اصغر جزئي اعتيادي.

وينبع سر الحكمة لهذه الحقيقة من ثلاثة منابع:

الاول: امداد الواحدية.

الثاني: يسر الوحدة.

الثالث: تجلي الاحدية.

l المنبع الاول: وهو امداد الواحدية.

اي إن كان كل شئ وكل الاشياء ملكاً لمالك واحد فعندئذ يمكن من حيث الواحدية ان يحشد قوة جميع الاشياء وراء كل شئ، ويدبر امور جميع الاشياء بسهولة ادارة الشئ الواحد.

ولاجل تقريب هذا السر الى الافهام نقول في تمثيل:

بلد يحكمها سلطان واحد يستطيع ان يحشّد قوة معنوية لجيش كامل وراء كل جندي من جنوده وذلك من حيث قانون السلطنة الواحدة. لذا يستطيع ذلك الجندي الفرد ان يأسر القائد الاعظم للعدو بل يمكن ان يسيطر باسم سلطانه على مَن هو فوق ذلك القائد.

ثم ان ذلك السلطان، مثلما يستخدم موظفاً او جندياً، ويدبر امور جميع الموظفين وجميع الجنود ايضاً بسر السلطنة الواحدة، وكأنه يرسل كل شخص وكل شئ بسر سلطنته الواحدة لإمداد اي فرد كان. يمكن ان يستند كل فرد من افراد رعيته الى قوة جميع الافراد، اي يستطيع ان يستمد منها.

ولكن لو حلّت حبال تلك الواحدية للسلطنة، واصبحت السلطنة سائبة وفوضى؛ فان كل جندي عندئذٍ يفقد ـ بالمرة ـ قوة لاتحد، ويهوى من مقام نفوذ رفيع، ويصبح في مستوى انسان اعتيادي. وعندها تنجم مشاكل للادارة والاستخدام بعدد الافراد.

كذلك (ولله المثل الاعلى ) فصانع هذا الكون لكونه واحداً، فانه يحشّد اسماءه المتوجهة الى جميع الاشياء، تجاه كل شئ. فيوجد المصنوع باتقان تام وبصورة رائعة. وان لزم الامر يتوجه بجميع الاشياء الى الشئ الواحد، ويوجهها اليه، ويمدّه بها ويقويه بها.

وانه يخلق جميع الاشياء ايضاً بسر الواحدية، ويتصرف فيها ويدبر امورها كايجاد الشئ الواحد.

ومن هذا السر - سر إمداد الواحدية - تُشاهد في الكائنات نوعيات رفيعة قيمة متقنة جداً ضمن وفرة مطلقة ورخص مطلق.

l المنبع الثاني: الذي هو يسر الوحدة:

اي ان الافعال التي تتم باصول الوحدة ومن مركز واحد بتصرفٍ واحد وبقانون واحد، تورث سهولة مطلقة. بينما ان كانت تدار من مراكز متعددة، وبقوانين متعددة، وبأيدٍ متعددة تنجم مشكلات عويصة.

مثلاً: اذا جهز جميع افراد الجيش بالاعتدة والتجهيزات من مركز واحد، وبقانون واحد، وبأمر قائد عظيم واحد، يكون الامر سهلاً سهولة تجهيز جندي واحد. بينما اذا أحيل التجهيز الى معامل متفرقة، ومراكز متعددة يلزم عندئذٍ لتجهيز جندي واحد جميع المعامل العسكرية التي تزود الجيش بالتجهيزات اللازمة.

بمعنى انه اذا اسند الامر الى الوحدة فان تجهيز الجيش كاملاً يكون سهلاً كتجهيز جندي واحد، ولكن ان لم يسند الى الوحدة فان تزويد جندي واحد بالتجهيزات الاساسية يولد مشاكل بعدد افراد الجيش.

وكذا اذا زودت ثمرات شجرة ما ـ من حيث الوحدة ـ بالمادة الحياتية من مركز واحد وبقانون واحد واستناداً الى جذر واحد. فان ألوف الثمرات تتزود بها بسهولة كسهولة ثمرة واحدة.بينما اذا ربطت كل ثمرة الى مراكز متعددة، وارسلت الى كل منها موادها الحياتية، عندها تنجم مشكلات بقدر عدد ثمرات الشجرة، لان المواد الحياتية التي تلزم شجرة كاملة تلزم كل ثمرة من الثمرات ايضاً.

وهكذا فبمثل هذين التمثيلين (ولله المثل الاعلى) فان صانع هذا الكون لكونه واحداً أحداً، يفعل مايريد بالوحدة. ولأنه يفعل بالوحدة، تسهل جميع الاشياء كالشئ الواحد. فضلاً عن انه يعمل الشئ الواحد باتقان تام كالاشياء جميعاً. ويخلق أفراداً لاحدّ لها في قيمة رفيعة. فيظهر جُوده المطلق بلسان هذا البذل المشاهد والرخص غير المتناهي، ويظهر بها سخاءه المطلق وخلاقيته المطلقة.

l المبع الثلث: وهو تجلي الاحدية؛

أي ان الصانع الجليل منزّه عن الجسم والجسمانية، لذا لا يحصره زمان ولايقيده مكان، ولا يتداخل في حضوره وشهوده الكون والمكان، ولا تحجب الوسائط والاجرام فعله بالحجب. فلا انقسام ولاتجزؤ في توجهه سبحانه ولايمنع شئ شيئاً، يفعل مالايحد من الافعال كالفعل الواحد، ولهذا فانه يدرج معنىً شجرة ضخمة جداً في بذرة صغيرة، ويدرج العالم في فرد واحد، ويدير امور العالم كله بيد قدرته كادارة فرد واحد.

فكما اوضحنا هذا السر في كلمات اخرى نقول ايضاً:

ان ضوء الشمس الذي لاقيد له الى حدٍ ما، يدخل في كل شئ لمـّاع، حيث انه نوراني، فلو واجهتها الوفٌ بل ملايين المرايا، فان صورتها النورانية المثالية تدخل في كل مرآة دون انقسام، كما هي في مرآة واحدة. فلو كانت المرآة ذات قابلية، فان الشمس بعظمتها يمكن أن تُظهر فيها آثارها، فلا يمنع شئ شيئاً. اذ يدخل ـ مثال الشمس ـ في المرآة الواحدة كما في الالوف منها بسهولة تامة، وهي توجد في مكان واحد بسهولة وجودها في الوف الاماكن. وتكون كل مرآة وكل مكان مظهراً لجلوة تلك الشمس كما هي لألوف الاماكن.

(ولله المثل الاعلى) ان لصانع هذا الكون ذي الجلال تجلياً ، بسرّ توجّه الاحدية، بجميع صفاته الجليلة التي هي انوار، وبجميع اسمائه الحسنى التي هي نورانية، فيكون حاضراً ناظراً في كل مكان، ولايحدّه مكان، ولا انقسام في توجهه سبحانه، يفعل مايريد فيما يشاء في كل مكان، في آن واحد ومن دون تكلف ولامعالجة ولامزاحمة.

فبسر امداد الواحدية ويُسر الوحدة وتجلي الاحدية هذه:

اذا اسندت جميع الموجودات الى الصانع الواحد، فالموجودات كلها تسهل كالموجود الواحد ويكون كل موجود ذا قيمة عالية كالموجودات كلها من حيث الاتقان والابداع. كما ان دقائق الصنعة المتقنة الموجودة في كل موجود رغم الوفرة في الموجودات تبين هذه الحقيقة.

بينما ان لم تسند تلك الموجودات الى الصانع الواحد بالذات فان كل موجود عندئذٍ يكون ذا مشاكل بقدر مشاكل الموجودات كلها. وان قيمة الموجودات كلها تسقط الى قيمة موجود واحد. وفي هذه الحالة لايأتي شئ الى الوجود، او اذا وجد فلا قيمة له ولايساوي شيئاً.

ومن هذا السرّ، تجد السوفسطائيين الموغلين في الفلسفة، السابقين فيها قد نظروا الى طريق الضلالة والكفرمعرضين عن طريق الحق ورأوا أن طريق الشرك عويصة وعسيرة وغير معقولة قطعاً بالوف المرات من طريق التوحيد، طريق الحق؛ لذا اضطروا الى انكار وجود كل شئ وتخلّوا عن العقل.

m النكتة الرابعة:

ان ايجاد الجنة سهل كايجاد الربيع، وايجاد الربيع يسير كايجاد زهرة واحدة بالنسبة الى قدرة رب العالمين الذي يصرّف امور هذا الكون بافعاله الظاهرة المشهودة، ويمكن أن تكون ازاء تلك القدرة قيمة محاسن الصنعة البديعة لزهرة واحدة ولطف خلقتها بقيمة لطافة الربيع الزاهر.

ان سر هذه الحقيقة ثلاثة اشياء:

الاول: الوجوب والتجرد في الصانع الجليل.

الثاني: عدم التقيد مع مباينة ماهيته.

الثالث: عدم التحيز مع عدم التجزء.

السر الاول: ان الوجوب والتجرد يسببان السهولة المطلقة واليسر المطلق.

هذا السر عميق للغاية ودقيق للغاية. وسنقرّبه بتمثيل الى الفهم، وذلك:

ان مراتب الوجود مختلفة، وعوالم الموجودات متباينة، لذا فان ذرة من طبقة وجود ذات رسوخ في الوجود تعدل جبلاً من طبقة وجود اقل منها رسوخاً، وتستوعب ذلك الجبل، فمثلاً:

ان القوة الحافظة الموجودة في الانسان ـ وهي لاتعدل حبة خردل من عالم الشهادة ـ تستوعب وجوداً من عالم المعنى بمقدار مكتبة ضخمة.

وان مرآة صغيرة صغر الاظفر من العالم الخارجي، تضم مدينة عظيمة جداً من طبقة وجود من عالم المثال.

فلو كانت لتلك المرآة ولتلك القوة الحافظة من العالم الخارجي شعور وقوة للايجاد، لأحدثتا تحولات وتصرفات غير محدودة في ذلك الوجود المعنوي والمثالي، رغم ما فيهما من قوة وجود خارجي صغير ضئيل. وهذا يعني انه كلما ترسّخ الوجود ازداد قوة، فالشئ القليل يأخذ حكم الكثير، ولاسيما إن كان الوجود مجرداً عن المادة ولم يدخل تحت ضوابط القيد وكَسبَ الرسوخ التام، فان جلوة جزئية منه تستطيع أن تدير عوالم كثيرة من سائر الطبقات الخفيفة من عالم الوجود.

(ولله المثل الاعلى) ان الصانع الجليل لهذا الكون العظيم هو واجب الوجود. أي أن وجوده ذاتي ازلي، ابدي، عدمه ممتنع، زواله محال، وان وجوده أرسخ طبقة من طبقات الوجود وارساها واقواها واكملها، بينما سائر طبقات الوجود بالنسبة لوجوده سبحانه بمثابة ظلٍ في منتهى الضعف.

وان هذا الوجود، واجب، راسخ، ذو حقيقة، الى حدٍ عظيم. ووجود الممكنات خفيف وضعيف في منتهى الخفة والضعف، بحيث دفع الشيخ محي الدين بن عربي وامثاله الكثيرين من اهل التحقيق ان يُنزلوا سائر طبقات الوجود منزلة الاوهام والخيالات، فقالوا: لاموجود الاّ هو، وقرروا انه لاينبغي ان يقال لما سوى الوجود الواجب وجوداً، اذ لاتستحق هذه الانواع من الوجود عنوان الوجود.

وهكذا فوجود الموجودات التي هي عرضية وحادثة، و ثبوت الممكنات التي لاقرار ولا قوة لها، يسيرٌ في منتهى اليسر أزاء قدرة واجب الوجود الذاتية الواجبة. فاحياء جميع الارواح في الحشر الاعظم ومحاكمتها سهل ويسير على تلك القدرة كسهولة حشر وإحياء الاوراق والازهار والثمار في الربيع بل في حديقة صغيرة بل في شجرة.

السـر الثاني: ان مباينة الماهية مع عدم التقيد يسببان السهولة المطلقة، وذلك: ان صانع الكون جل جلاله ليس من جنس الكون بلاشك، فلا تشبه ماهيته اية ماهية كانت، لذا فان الموانع والقيود التي هي ضمن دائرة الكائنات لاتتمكن قطعاً ان تعترض اجراءاته وتقيّدها، فهو القادر على ادارة الكون كله في آن واحد ويتصرف فيه تصرفاً مباشراً.

فلو احيل تصريف الامور وافعاله الظاهرة في الكون الى الكائنات انفسها، لنجمت من المشكلات والاختلاطات الكثيرة بحيث لايبقى اي انتظام اصلاً ولا أي شئ في الوجود بل لايأتي أصلاً الى الوجود.

فمثلاً: لو احيلت المهارة في بناء القبة الى احجارها، وفوّض ما يخص الضابط في ادارة الفوج الى الجنود انفسهم، فإما لا تحصل تلك النتيجة ولاتأتي الى الوجود أصلاً او يحدث فوضى من عدم الانتظام ومشكلات واختلاط الامور.بينما اذا اسندت المهارة في بناء القبب الى صناع ليس من نوع الحجر، وفوضت ادارة الجنود في الفوج الى ضابط حاز ماهية الضابط ـ من حيث الرتبة ـ فان الصنعة تسهّل والادارة تتيسر، حيث أن الاحجار وكذا الجنود يمنع احدها الآخر. بينما البنّاء والضابط ينظران ويتوجهان ويديران كل نقطة من نقاط البناء او الجنود دون مانع او عائق. (ولله المثل الاعلى) ان الماهية المقدسة لواجب الوجود ليست من جنس ماهية الممكنات. بل جميع حقائق الكائنات ليست الاّ أشعة لإسم "الحق" الذي هو اسم من الاسماء الحسنى لتلك الماهية.

ولما كانت ماهيته المقدسة، واجبة الوجود، ومجرّدة عن المادة، ومخالفة للماهيات كافة، اذ لامثل ولامثال ولامثيل لها، فان ادارة الكون اذاً وتربيته بالنسبة الى قدرة ذلك الرب الجليل الازلية، سهل كادارة الربيع بل كادارة شجرة واحدة، وايجاد الحشر الاعظم والدار الآخرة والجنة وجهنم سهل كاحياء الاشجار مجدداً في الربيع بعد موتها في الخريف.

السر الثالث: ان عدم التحيز وعدم التجزؤ سبب للسهولة المطلقة وذلك:

ان الصانع القدير لما كان منزهاً عن المكان فهو حاضر إذاً بقدرته في كل مكان قطعاً. وحيث لاتجزؤ ولاإنقسام، فيمكن اذاً أن يتوجه الى كل شئ بجميع اسمائه الحسنى.

وحيث أنه حاضر في كل مكان ومتوجه الى كل شئ فان الموجودات والوسائط والاجرام لاتعيق افعاله ولاتمانعها. بل لو افترضت الحاجة الى الاشياء ـ ولا حاجة اليها اصلاً ـ فانها تصبح وسائل تسهيل ووسائط وصول الحياة واسباباً للسرعة في انجاز الافعال كاسلاك الكهرباء واغصان الشجرة واعصاب الانسان. فلاتعويق اذاً ولاتقييد ولاتمانع ولامداخلة قطعاً، اذ كل شئ بمثابة وسيلة تسهيل ووساطة سرعة واداة ايصال، اي لا حاجة الى شئ من حيث الطاعة والانقياد تجاه تصاريف قدرة القدير الجليل، وحتى لو افترضت الحاجة ـ ولاحاجة اصلاً ـ فان الاشياء تكون وسائل تسهيل ووسائط تيسير.



حاصل الكلام: ان الصانع القدير يخلق كل شئ بما يليق به بلا كلفة ولامعالجة ولامباشرة، وفي منتهى السهولة والسرعة، فهو سبحانه يوجد الكليات بسهولة ايجاد الجزئيات ويخلق الجزئيات باتقان الكليات.

نعم! ان خالق الكليات والسموات والارض هو خالق الجزئيات وافراد ذوي الحياة من الجزئيات التي تضمها السموات والارض، وليس غيره. لأن تلك الجزئيات الصغيرة انما هي مثال مصغر لتلك الكليات وثمراتها ونواها.

وان من كان خالقاً لتلك الجزئيات لاشك أنه هو الخالق لما يحيط بها من العناصر والسموات والارض، لاننا نشاهد ان الجزئيات في حكم نوى بالنسبة للكليات ونسخة مصغرة منها، لذا لابد أن تكون العناصر الكلية والسموات والارض في يد خالق تلك الجزئيات كي يمكن أن يدرج خلاصة تلك الموجودات الكلية والمحيطة ومعانيها ونماذجها في تلك الجزئيات التي هي نماذجها المصغرة على وفق دساتير حكمته وموازين علمه.

نعم! ان الجزئيات ليست قاصرة عن الكليات من حيث عجائب الصنعة وغرائب الخلق. فالازهار ليست ادنى جمالاً عن النجوم الزاهرة ولا البذور أحط قيمة من الاشجار اليافعة. بل الشجرة المعنوية المدرجة بنقش القدر في البذرة الصغيرة اعجب من الشجرة المجسمة بنسج القدرة في البستان. وان خلق الانسان اعجب من خلق العالم.

فكما لو كتب قرآن الحكمة بذرات الاثير على جوهر فرد يمكن أن يكون اعظم قيمة من قرآن العظمة المكتوبة على السموات بالنجوم، كذلك هناك كثير جداً من الجزئيات هي ارقى من الكليات من حيث الصنعة.

m النكتة الخامسة:

لقد بينا آنفاً شيئاً من اسرار وحكم ما يُشاهد في ايجاد الاشياء والمخلوقات من منتهى اليسر والسهولة ومنتهى السرعة في انجاز الافعال.

فوجود الاشياء بهذه السهولة غير المحدودة والسرعة المتناهية، يورث قناعة قاطعة لدى اهل الايمان؛ أن ايجاد الجنة ازاء قدرة خالق المخلوقات سهل كايجاد الربيع، والربيع كالبستان والبستان كالزهرة. وان حشر البشر قاطبة وبعثهم سهل كسهولة اماتة فرد وبعثه وذلك مضمون الآية الكريمة :

} ماخلقُكم ولابعثُكم الاّ كنفسٍ واحدة{ (لقمان:28).

وكذلك فإن احياء جميع الناس يوم الحشر الاعظم يسير كيسر جمع الجنود المتفرقين في الاستراحة بصوت من بوق، وهو مضمون صراحة الآية الكريمة:

} إنْ كانت الاّ صيحةً واحدة فاذا هُم جميعٌ لدينا مُحـضَرون{ (يس:53).

فهذه السرعة غير المتناهية والسهولة غير المحدودة، مع أنها ـ بالبداهة ـ دليل قاطع وبرهان يقيني على كمال قدرة الصانع جل جلاله، وسهولة كل شئ بالنسبة له، الاّ انها اصبحت سبباً للالتباس على اهل الضلالة. فالتبس في نظرهم تشكيل الاشياء وايجادها بقدرة الصانع الجليل الذي هو سهل بدرجة الوجوب ، وتشكّل الاشياء بنفسها والذي هو محال بالف محال.

اذ لأنهم يرون مجئ بعض الاشياء المعتادة الى الوجود في غاية السهولة فيتوهمون انها لاتخلق بل تتشكل بنفسها.

فتأمل في درك الحماقة السحيق حيث يجعلون دليل القدرة المطلقة دليلاً على عدمها، ويفتحون ابواباً لانهاية لها من المحالات. اذ يلزم عندئذٍ أن تعطى كل ذرة من ذرات كل مخلوق اوصاف الكمال التي هي لازمة ذاتية للصانع الجليل كالقدرة المطلقة والعلم المحيط وامثالها حتى تتمكن من تشكيل نفسها بنفسها.

u الكلمة الحادية عشرة: [واليه المصير]

اي اليه المآب من دار الفناء الى دار البقاء، واليه الرجعى في المقر الابدي للقديم الباقي، واليه المساق من دائرة الاسباب الكثيرة الى دائرة قدرة الواحد الاحد، واليه المضي من الدنيا الى الاخرة. اي مرجعكم انما هو ديوانه وملجؤكم انما هو رحمته. وهكذا تفيد هذه الكلمة كثيراً من امثال هذه الحقائق.

أما ما في هذه الحقائق من الحقيقة التي تفيد الرجوع الى الجنة ونيل السعادة الابدية فقد اثبتناها اثباتاً قاطعاً لاتدع حاجة الى بيان آخر، وذلك في البراهين الاثني عشر القاطعة في الكلمة العاشرة وفي الاسس الستة التي تتضمنها الكلمة التاسعة والعشرون ودلائلها الكثيرة القاطعة بقطعية شروق الشمس بعد مغيبها. وقد اثبتت تلكما الكلمتان:

ان الحياة التي هي شمس معنوية لهذه الدنيا ستطلع طلوعاً باقياً صباح الحشر بعد غروبها بخراب الدنيا. وسيفوز قسم من الجن والانس بالسعادة الابدية وينال قسم منهم الشقاء الدائم.

ولما كانت الكلمتان العاشرة والتاسعة والعشرون قد اثبتتا هذه الحقيقة على أتم وجه نحيل الكلام اليهما ونقول:

ان الصانع الحكيم لهذا الكون والخالق الحكيم لهذا الانسان الذي له علم محيط مطلق وارادة كلية مطلقة وقدرة مطلقة ـــ كما اثبتت في التوضيحات السابقة اثباتاً قاطعاً - قد وعد بالجنة والسعادة الابدية للمؤمنين في جميع كتبه وصحفه السماوية. واذ قد وعد فلاشك انه سينجزه. لأن اخلاف الوعد محال عليه، اذ إن عدم ايفاء الوعد نقص مشين. والكامل المطلق منزّه عن النقص ومقدس عنه. وان عدم انجاز الموعود، اما انه ناتج من الجهل او العجز، والحال أنه محال في حق ذلك القدير المطلق والعليم بكل شئ الجهل والعجز قطعاً. فخلف الوعد اذاً محال.

ثم ان جميع الانبياء عليهم السلام وفي مقدمتهم فخر العالم e وجميع الاولياء وجميع الاصفياء وجميع المؤمنين يسألون دوماً ذلك الرحيم الكريم ماوعده من سعادة ابدية ويتضرعون اليه ويطلبونها منه.

فضلاً عن انهم يسألونها مع جميع اسمائه الحسنى، لأن اسماءه وفي المقدمة رأفته ورحمته وعدالته وحكمته، واسم الرحمن والرحيم واسم العادل والحكيم وربوبيته المطلقة وسلطنته المهيبة واسم الرب واسم الله سبحانه وتعالى، وامثالها من اكثر الاسماء الحسنى تقتضي الآخرة والسعادة الابدية وتستلزمها وتشهد لتحققها وتدل عليها، بل ان جميع الموجودات بجميع حقائقها تشير الى دار الآخرة (كما اثبت في الكلمة العاشرة ).

ثم ان القرآن الحكيم بألوف آياته الجليلة وبيّنات براهينه الصادقة القاطعة تدل على تلك الحقيقة وتعلّمها.

ثم ان الحبيب الكريم e وهو فخر الانسانية قد درّس تلك الحقيقة وعلّمها، مستنداً الى الوف معجزاته الباهرة، طوال حياته المباركة، وبكل ماآتاه الله من قوة واثبتها واعلنها وشاهدها وأشهدها.

اللهم صلّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه بعدد انفاس اهل الجنة في الجنة واحشرنا وناشر هذا المكتوب ورفقاءه وصاحبه سعيداً ووالدينا واخواننا واخواتنا تحت لوائه وارزقنا شفاعته وادخلنا الجنة مع آله واصحابه برحمتك يا ارحم الراحمين. آمين.. آمين

} ربنا لاتؤاخذنا إن نسينا او أخطأنا{

} ربنا لاتُزِغْ قُلوبنا بعد إذ هديتنا وهَب لنا مِنْ لدنكَ رحمةً انك انت الوهّاب{

} رب اشرح لي صدري ` ويسر لي امري `

واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي{

} ربنا تقبّل منا انك انت السميع العليم{

} وتب علينا انك انت التواب الرحيم{

} سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا اِلاّ ما عَلَّمْتَنا اِنَّكَ اَنْتَ الْعَليمُ الْحَكيم{

ذ يـل

الكلمة العاشرة من المكتوب العشرين

باسمه سبحانه

} وَاِنْ مِنْ شَيءٍْ اِلاَّ يُسَبِـّحُ بِحَمْدِهِ{

بِسْم الله الرَّحْمنِ الرَّحيمِ

} ألا بذكرِ الله تطمئنُ القلوب{ (الرعد: 28)

} ضرب الله مثلاً رجلاً فيه شركاء متشاكسون ورجلاً سَلَماً لرجل هل يستويان مثلاً الحمد لله بل اكثرهم لايعلمون{ (الزمر: 29).



سؤال: لقد ذكرتَ في مواضع عديدة:

ان في الوحدة منتهى السهولة، وفي الكثرة والشرك غاية الصعوبات. وتقول ايضاً: ان في الوحدة سهولة بدرجة الوجوب، وفي الشرك صعوبة بدرجة الامتناع، والحال ان ما بينته من المشكلات والمحالات تجري ايضاً في جهة الوحدة. فمثلاً؛ تقول: ان لم تكن الذرات مأمورات، يلزم ان يكون في كل ذرة إما علم محيط وقدرة مطلقة او مكائن ومطابع معنوية غير محدودة وهذا محال بمائة ضعف،بينما لو اصبحت تلك الذرات مأمورات الهية يلزم ايضاً ان تكون مظهراً لتلك الامور كي تستطيع القيام بالوظائف التي اُنيطت بها وهي وظائف لاتحد.

الجـواب: لقد اثبتنا في (كلمات) كثيرة انه:

اذا أسند ايجاد الموجودات كلها الى صانع واحد يكون الامر سهلاً هيناً بسهولة ايجاد موجود واحد. وان اسند الى الاسباب الكثيرة والطبيعة، فان خلق ذبابة واحدة يكون صعباً كخلق السماوات، ويكون خلق الزهرة عسيراً بقدر خلق الربيع، وكذا الثمرة بقدر البستان.

ولما كانت هذه المسألة قد وضحت واثبتت في كلمات اخرى، نحيل اليها، الاّ اننا نشير هنا بثلاث اشارات في ثلاث تمثيلات تحقق اطمئنان النفس تجاه هذه الحقيقة.

n التمثـيل الاول: ان ذرة صـغيرة شفافة لماعة لاتسـع نـور عـود ثقاب بالـذات، ولاتكون مصدراً له، اذ يمكن ان يكون له نور بالاصالة بقدر جرمه وبمقدار ماهيته كذرة جزئية. ولكن اذا ما انتسبت الى الشمس وفتحت عينها تجاهها ونظرت اليها، فان تلك الذرة الصغيرة يمكن ان تستوعب تلك الشمس بضيائها وألوانها السبعة وحرارتها حتى بمسافتها، وتنال نوعاً من مظاهر تجليها الاعظم. بمعنى ان تلك الذرة ان بقيت سائبة دون انتساب مستندة الى ذاتها، لاتعمل شيئاً إلاّ بقدر الذرة، ولكن ان عُدّت مأمورة لدى الشمس ومنسوبة اليها ومرآة لها، فانها تستطيع ان تظهر قسماً من نماذج جزئية لاجراءات الشمس.

(ولله المثل الاعلى) فان كل موجود، حتى كل ذرة، اذا اسندت الى الكثرة والشرك والى الاسباب والى الطبيعة والى نفسها. فإما ان تكون كل ذرة وكل موجود، مالكة لعلم محيط بكل شئ ولقدرة مطلقة، او تتشكل فيها مطابع ومكائن معنوية لاحدّ لها، كي تؤدي اعمالها التي اودعت فيها. ولكن اذا أسندت تلك الذرات الى الواحد الاحد، فعندئذٍ ينتسب اليه كل مصنوع وكل ذرة ويكون كالموظف المأمور لديه، وانتسابه هذا يجعله ينال تجلياً منه، وبهذه الحظوة والانتساب يستند الى علم مطلق وقدرة مطلقة، فينجز من الاعمال ويؤدي من الوظائف ما يفوق قوته بملايين المرات، وذلك بقوة خالقه وبسر ذلك الاستناد والانتساب.

n التمثيـل الثاني: أخَوان: احدهـما شجاع يعتمد على نفسه ويعتّد بهـا، والآخـر شهم غيور يملك حمية الدفاع عن الوطن. فعند نشوب الحرب، لاينتسب الاول الى الدولة لاعتداده بنفسه. بل يرغب ان يؤدي الاعمال بنفسه مما يضطره هذا الى حمل منابع قوته على ظهره، ويُلجؤه الى نقل تجهيزاته وعتاده بقدرته المحدودة، لذا لايستطيع هذا ان يحارب العدو الاّ بمقدار تلك القوة الشخصية الضئيلة، فتراه لايستطيع ان يجابه الاّ قوة عريف في الجيش، لا أكثر. اما الاخ الآخر، غير المعتد بنفسه بل يعدّ نفسه عاجزاً لاقوة له، فانتسب الى السلطان وانخرط في سلك الجندية، فاصبح جيش الدولة العظيم نقطة استناد له بذلك الانتساب. وخاض غمار الحرب بقوة معنوية عظيمة يمدّها ذلك الانتساب، تعادل قوة جيش عظيم حيث يمكن للسلطان ان يحشّدها له. فحارب العدو حتى جابه مشيراً عظيماً من العدو المغلوب فامسك به اسيراً وجلبه الى معسكره باسم السلطان.

وسر هذه الحالة وحكمتها هي:

ان الشخص الاول السائب لكونه مضطراً الى حمل منابع قوته وتجهيزاته، لم يقدر الاّ على عمل جزئي جداً، اما هذا الموظف فليس مضطراً الى حمل منابع قوته بنفسه بل يحمل عنه ذلك الجيش بأمر السلطان، فيربط نفسه بتلك القوة العظيمة بالانتساب، كمن يربط جهاز هاتفه بسلك بسيط باسلاك هواتف الدولة.

(ولله المثل الاعلى) اذا اسند كل مخلوق وكل ذرة، مباشرة الى الواحد الاحد، وانتسب اليه. فعندئذ، يهدم النمل صرح فرعون ويهلكه، ويصرع البعوض نمرود ويقذفه الى جهنم وبئس المصير، وتُدخل جرثومة صغيرة ظالماً جباراً القبر، وتصبح بذرة الصنوبر الصغيرة بمثابة مصنع لشجرة الصنوبر الضخمة ضخامة الجبل، وتتمكن ذرات الهواء ان تؤدي من اعمال منتظمة مختلفة للازهار والثمرات وتدخل في تشكيلاتها المتنوعة. كل ذلك بحول سيد المخلوق وبقوة ذلك الانتساب. فهذه السهولة المشاهدة كلها نابعةٌ بالبداهة من التوظيف والانتساب، بينما اذا انقلب الامر الى التسيب والفوضى، وترك الحبل على غاربه، وعلى نفس الشئ والاسباب والكثرة، وسُلك طريق الشرك، فعندئذٍ لاينجز الشئ من الاعمال الاّ بقدر جرمه ومقدار شعوره.

n التمثيل الثالث: صـديقان يرغبان في كتـابة بحث يحوي معـلومات احصـائية جغرافية حول بلاد لم يشاهداها اصلاً، فأحدهما ينتسب الى سلطان تلك البلاد ويدخل دائرة البريد والبرق، ويتم معاملات ربط خط هاتفه ببدّالة الدولة لقاء اجرة زهيدة، ويتمكن بهذه الوسيلة ان يتصل مع الجهات ويتسلم منها المعلومات. وهكذا كتب بحثاً فيما يخص الاحصائيات الجغرافية، في غاية الجودة والاتقان والعلمية.

اما الآخر: فإما انه سيسيح دوماً طوال خمسين سنة ويقتحم المصاعب والمهالك ليشاهد تلك الاماكن بنفسه وليسمع الاحداث بنفسه.. او ينفق ملايين الليرات ليمدّ اسلاك الهاتف كما هي للدولة، ويكون مالكاً لأجهزة المخابرة البرقية كما للسلطان كي يكون بحثه قيماً كبحث صاحبه.

(ولله المثل الاعلى) اذا اسندت المخلوقات غير المحدودة والاشياء غير المعدودة الى الواحد الاحد، فكل شئ عندئذٍ يكون ـ بذلك الارتباط ـ قد نال مظهراً من ذلك الانتساب، ويكون موضع تجلٍ من ذلك النور الازلي، فيمدّ علاقات ارتباطه بقوانين حكمته، وبدساتير علمه، وبنواميس قدرته جل وعلا، وعندها يرى كل شئ بحول الله وبقوته، ويحظى بتجلٍ رباني يكون بمثابة بصره الناظر الى كل شئ ووجهه المتوجه الى كل شئ وكلامه النافذ في كل شئ.

واذا قطع ذلك الانتساب، ينقطع ايضاً كل شئ من الاشياء عن ذلك الشئ. وينكمش الشئ بقدر جرمه. وفي هذه الحالة عليه ان يكون صاحب اُلوهية مطلقة ليتمكن ان يجري مايجري في الوضع الاول!!

زبدة الكلام: ان في طريق الوحدة والايمان سهولة مطلقة بدرجة الوجوب، بينما في طريق الشرك والاسباب والكثرة مشكلات وصعوبات بدرجة الامتناع، لان الواحد يعطي وضعاً معيناً لكثير من الاشياء، ويستحصل منها نتيجة معينة دون عناء، بينما لو أحيل اتخاذ ذلك الوضع واستحصال تلك النتيجة الى تلك الاشياء الكثيرة، لما أمكن ذلك الاّ بتكاليف وصعوبات كثيرة جداً وبحركات كثيرة جداً.

فكما ذكر في (المكتوب الثالث): ان جولان جيوش النجوم وجريانها في ميدان السماوات تحت رياسة الشمس والقمر واعطاء كل ليلة وكل سنة منظراً رائعاً بهيجاً، منظراً للذكر والتسبيح، ووضعاً مؤنساً جذّاباً، وتبديل المواسم وايجاد امثالها من المصالح والنتائج الارضية الحكيمة الرفيعة.. اذا اسندت هذه الافعال الى الوحدة فذلك السلطان الازلي يجريها بكل سهولة ويسر كتحريك جندي واحد، مسخراً الارض ـ التي هي كجندي في جيش السماوات ـ ومعيناً اياها قائداً عاماً على الاجرام العلوية. وبعد تسلّمها الامر تنتشي بنشوة التوظيف وتهتز لسماعها كالمولوي في انجذاب واشتياق، فتحصل تلك النتائج المهمة، وذلك الوضع الجميل بتكاليف قليلة جداً.

ولكن اذا قيل للارض: قفي لاتتدخلي في الامر وأُحيل استحصال تلك النتيجة وذلك الوضع الى السموات نفسها، وسُلكت طريق الكثرة والشرك بدل الوحدة، يلزم عندئذٍ ان تقطع ملايين النجوم كل منها اكبر بالوف المرات من الكرة الارضية، ان تقطع كل يوم وكل سنة مسافة مليارات السنين في اربع وعشرين ساعة.

نتيجة الكلام: ان القرآن الكريم يفوض أمر المخلوقات غير المحدودة الى الصانع الواحد، ويسند اليه كل شئ مباشرة، فيسلك طريقاً سهلاً بدرجة الوجوب، ويدعو اليها وكذلك يفعل المؤمنون.

اما اهل الشرك والطغيان فانهم باسنادهم المصنوع الواحد الى اسباب لاحدّ لها يسلكون طريقاً صعباً الى درجة الامتناع، بينما جميع المصنوعات التي هي في مسلك القرآن مساوية لمصنوع واحد في هذا المسلك، بل ان صدور جميع الاشياء من الواحد الاحد اسهل وأهون بكثير من صدور شئ واحد من اشياء لاحدّ لها. حيث ان ضابطاً واحداً يدبّر أمر ألف جندي بسهولة أمر جندي واحد، بينما اذا أحيل تدبير أمر جندي واحد الى ألفٍ من الضباط فالامر يستشكل ويصعب بألف ضعف وضعف وتنشأ الاختلاطات والاضطرابات والمماحكات.

وهكذا تُنزل الآية الكريمة الآتية ضرباتها القوية وصفعاتها على رأس اهل الشرك وتصدّعه:

} ضَربَ الله مثلاً رجلاً فيه شركاءُ متشاكسون ورجُلاً سَلَماً لرجلٍ هل يستويان مثلاً الحمد لله بل اكثرهم لايعلمون{

} سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا اِلاّ ما عَلَّمْتَنا اِنَّكَ اَنْتَ الْعَليمُ الْحَكيم{

اللهم صلّ وسلم على سيدنا محمد بعدد ذرات الكائنات وعلى آله وصحبه اجمعين آمين.. والحمد لله رب العالمين.

اللهم ياأحد يا واحد ياصمد يامَن لا إله الاّ هو وحده لاشريك له.. يامَن له الملك وله الحمد.. يامَن يحيي ويميت.. يامَن بيده الخير.. يامَن هو على كل شئ قدير.. يامَن اليه المصير.. بحق اسرار هذه الكلمات اجعل ناشر هذه الرسالة ورفقاءه وصاحبها سعيداً من الموحدين الكاملين ومن الصدّيقين المحققين ومن المؤمنين المتقين. آميـن.

اللهم بحق سرّ أحديتك اجعل ناشر هذا الكتاب ناشراً لأسرار التوحيد وقلبه مظهراً لأنوار الايمان ولسانه ناطقاً بحقائق القرآن.

آمين.. آمين.. آمين.
__________________
رفيقك علم الله فلابد ان لا تنسى رفيقك
عبدالرزاق غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس