عرض مشاركة واحدة
قديم 08-07-2009
  #2
بنت الاسلام
بنت الاسلام
 الصورة الرمزية بنت الاسلام
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 1,350
معدل تقييم المستوى: 17
بنت الاسلام is on a distinguished road
افتراضي رد: الاسلام والاستعمار والهوية فى دول ساحل الصحراء

تقسيم الموضوع:
سعياً لتناول الموضوع ودراسته، سيتم التقسيم على عدة أجزاء، بحيث يتم تناول تاريخ المسلمين في غرب أفريقيا ودول الساحل منذ دخول الإسلام وحتى رحيل الاستعمار. مع التركيز بالأساس على الأبعاد الحضارية للمرحلتين من خلال تناول أسباب انتشار المسلمين في هذه المنطقة وآثاره. دونما إغراق في الأحداث التاريخية والسرد. وكذلك الحال في تناول المرحلة الاستعمارية حيث تم استعراض دوافع الاستعمار ومراحله وأثاره مع إبراز دور المسلمين في كفاح الاستعمار.
الجزء الأول
"عوامل انتشار الإسلام في غرب أفريقيا.. ودول الساحل الإفريقي"
إذا كان تاريخ الإسلام الطويل في القارة الأفريقية قد حفل بحركات الفتح والتوسع والجهاد، فإن أثر هذه الحركات في نشر الإسلام فيها كان ضئيلاً[1] فالإسلام لم ينتشر على نحو واسع في أفريقيا إلا بعد تمام هذه الحركات بعدة قرون. بل من الغريب أن هذا الانتشار قد أتى في ظل الاستعمار الأوروبي للقارة، ففي ظله قطع الإسلام أشواطا كبيرة نحو الذيوع والانتشار بوسائل وطرق سلمية ومن ثم لم يكن غريبا أن يقرر بعض دارسي هذا التاريخ. "إن انتشار دعوة الإسلام بأفريقية لم تقم على القسر، وإنما قامت على الإقناع الذي كان يقوم به دعاة متفرقون لا يملكون حولا وطولا إلا إيمانهم العميق بدينهم، وكثيراً ما أنتشر الإسلام بالتسرب السلمي البطئ من قوم إلى قوم، فكان إذا ما اعتنقته الارستقراطية، وهي هدف الدعاة الأول – تبعتها بقية القبيلة[2]. وقد يسر انتشار الإسلام أمر آخر هو أنه دين فطرة بطبيعته لا لبس فيه ولا تعقيد في مبادئه، كما أن وسائل الانتساب إليه من السهولة بمكان ، إذ لا يطلب من الشخص لإعلان إسلامه سوى النطق بالشهادتين حتى يصبح في عداد المسلمين.. وقد حبب الإسلام إلى الأفريقيين مظاهره الجميلة البعيدة عن التكلف، وما يضيفه على المسلم إسلامه من وقار ومكانة مرموقة."[3]
أولا العوامل الشخصية:
ونعنى بالعوامل الشخصية في هذا السياق ما كان يتصف به المسلمون أفراداً وجماعات من مميزات وسمات كانت بمثابة عوامل جذب للأفارقة نحو اعتناقه الإسلام.
والحق أن أفراد المسلمين – وجماعاتهم- قد لعبوا دوراً عظيماً في نشر الإسلام في أفريقيا ذلك أن خلو الدعوة الإسلامية من طبقة كهنوتية تقوم على نشر العقيدة، ضاعف من مسئولية الفرد المسلم العادي في هذا الصدد، فعليه وحده يقع عبء نشر هذه العقيدة سواء أكان عالم دين أو تاجراً أو غير ذلك. وكذا كان أعظم نشاط قام به الأفراد في ميدان الدعوة هو ذلك الدور الذي قام به أفراد تلقوا حظا من التعليم الديني - والذين تعلم أكثرهم في مدارس الغرب أو في الأزهر الشريف – والذين كانوا يحظون بنصب كبير من الاحترام في المجتمعات التي يعيشون فيها، حيث قاموا بإنشاء المدارس لتعليم الأطفال – المسلمين والوثنيين على السواء- أمور الدين وتحفيظهم القرآن الكريم فإنه مما ساعد على نشر الإسلام في هذه المجتمعات كذلك ما كان يتحلى به المسلمون من تفوق فكري وخلقى جعلهم نماذج يقتدى بها من ناحية الثقافة ومن ناحية الأخلاق، بحيث أضحى اعتناق الإسلام مفخرة، كما أضحى التزاما بالنظافة والصدق والأمانة وغيرها من الصفات التي يحتم الإسلام على متبعيه أن يتحلوا بها[4].
وواقع الأمر أنه في مجال هذه الجهود الفردية لنشر العقيدة الإسلامية لعب التجار المسلمون دوراً كبيراً إن لم يكن هو الدور الأكبر إذ كانت الطرق التجارية المواصلة بين المراكز الإسلامية في شمال القارة والبلاد الواقعة فيما وراء الصحراء هي المسالك الحقيقة التي تسرب عبرها الإسلام إلى قلب أفريقية، وقد انتشر الإسلام دائما على طول هذه الطرق التجارية. فالإسلام والتجارة – كما يرى دارسو هذا التاريخ – يرتبطان إلى حد كبير بطرق التجارة المواصلة بين بلاد المغرب وبلاد السودان عبر الصحراء الكبرى، وعلى طول ساحل المحيط الأطلسي ، والتي قامت أي طرق التجارة هذه- بدور جليل الشأن في نشر الإسلام في بلاد السنغال وأعالي النيجر ومنطقة بحيرة تشاد وغيرها[5] وهي ما تعرف بدول الساحل الأفريقي.
أما في غرب أفريقيا على وجه الخصوص فقد كان لتجار الفولاني والهوسا والتكرور الدور الأكبر في انتشارالإسلام فهؤلاء التجار كان ينزلون الأسواق والمراكز التجارية الكبرى، وكانوا- من ثم- يحتكون بالزنوج عن طريق التجارة، ويؤثرون فيهم بسماتهم الشخصية من نظافة وصدق وأمانة، وغالبا ما كان هذا الاحتكاك ينتهي بدخول كثير من هؤلاء الزنوج إلى الإسلام. ولذا فقد كاد الإسلام أن يتركز في المراكز التجارية الهامة وفي المدن الكبرى. ولا يفوتنا في هذا السياق أن نذكر أن بعضاً من هؤلاء التجار المسلمين كان يجمع بين التجارة وعلوم الدين؛ فإذا استقر بهم المقام أنشأوا مدارس لتعليم القرآن أو أنشأوا مسجداً يمارسون فيه صلاتهم ويعلمون الناس أمور العقيدة، دون أن يمنعهم هذا من مزاولة تجارتهم.
فيرى الناس الصدق على مستوى القول، والفعل معا فيزدادون بهم إعجابا وينخرطون في الإسلام[6] ليس هذا فحسب بل أن الداعية المسلم- تاجرا كان أ عالم دين أو مزيجا منهما- كان له سمت يدعو إلى الإعجاب ويجذب إليه الناس، فملابسه فضفاضة نظيفة ، وأخلاقه سامية مستقيمة، وشخصيته مؤثرة جذابة، فيه كرم وإيثار، يباشر دعوته مع تجار يزاولها، أو يتفرغ أحيانا للدعوة والتعليم[7]، فإن كان تاجرا كان الصدق دينه والأمانة دستوره، وإن كان معلماً جمع حوله مجموعة من الأطفال والشباب الذين سرعان ما يظهر امتيازهم وتفوقهم على قرنائهم ممن لا يتبعونه، الأمر الذي يجذب إلى حلقته نفراً جديداً كل يوم. وإذا كان الداعية من رجال الطرق الصوفية – كما سنرى فيما بعد- فإنه يجذب الناس حوله بما عرف عن رجال التصوف من وسائل تجعل الناس يتهافتون عليهم ويتخذونهم ملاذاً في ساعات الضيق والعسرة"[8].
ولعل هذا ما دفع بعض الكتاب الغربيين إلى أن يقرر "أن هؤلاء المعلمين الدينيين يحظون بأوفى نصيب من الإجلال وفي بعض قبائل أفريقية الغربية تضم كل قرية داراً لاستقبالهم ويعاملون بأعظم مظاهر الاحترام والتقدير ففي دارفور يحتلون أعظم مكانة بعد هؤلاء الذين يشغلون أكبر مناصب الحكومة كما يحتلون بين "الماندنجو"مكانة أعظم شأناً، وينالون احتراماً يلي احترام الملك ولذا يعتبر الرؤساء أقل منهم هيبة. وفي الدول التي اتخذ فيها القرآن أساسا للحكم في كل المسائل الدينية، تحتاج الدولة لخدماتهم احتياجا شديداً لكي يفسروا معاني القرآن. وقد بلغ من إجلال الناس لأشخاص هؤلاء المعلمين أنه لا يتعرض لهم أحد حين يجوسون خلال إمارات يعادي بعضها بعضاً. ويبجلهم الناس مثل هذا التبجيل، لا في البلاد الإسلامية وحدها، بل في القرى الوثنية، والتي يؤسسون فيها مدارسهم، حيث يحترمهم الناس باعتبارهم معلمي أبنائهم، ويعتبرونهم واسطة بينهم وبين الله، سواء في الحصول على حاجاتهم أو في درء المصائب عنهم"[9].
ولقد أدى وقوع أفريقيا في قبضة الاستعمار الأوروبي منذ أواخر القرن التاسع عشر إلى زيادة نشاط هؤلاء التجار وبالتالي إلى ازدياد الإسلام سعة في الانتشار. إذ فتحت أمام هؤلاء التجار ميادين جديدة للعمل، فاستطاعوا في ظل الاستعمار وما أتى به من منتجات علمية وأسلحة حديثة ووسائل مواصلات أكثر سرعة وكفاءة اختراق مناطق الغابات، والتوغل مسافات بعيدة بعد إنشاء الطرق والسكك الحديدية. وهكذا أصبحت المدن الكبرى من مصب نهر السنغال حتى مدينة لاجوس بنيجيريا تضم جاليات إسلامية كبيرة العدد، إما من المهاجرين أو ممن أسلموا على يد المسلمين.
ثانياً: الهجرات:
لعبت تحركات القبائل وهجراتها دوراً عظيماً في نشر الإسلام في أفريقيا[10]،ولعل أهم هذه الهجرات شأنا هجرات القبائل العربية التي دخلت مصر في أعقاب الفتح العربي لها، واستقرت في وادي النيل، ثم دخلت المغرب في أعقاب الفتح العربي،وبلغت في تحركها غرباً ساحل المحيط الأطلسي. وقد ساهمت هذه القبائل منذ اختلطت بشعوب البلاد التي هاجرت إليها ،ولاسيما منذ القرن الثالث الهجري ، في نشر اللغة العربية والدم العربي والدين الإسلامي في هذه المناطق[11].
ولقد كان طبيعيا ألا تحول الصحراء الكبرى بين الحياة الجديدة في شمال القارة بعد دخول الإسلام وبين بدائية الحياة في الجنوب. فالعرب المسلمون الذين ماجت بهم أقاليم الشمال لهم صلة وثيقة بالصحراء والجفاف، ومن ثم لم يكن بدعا أن يقتحموا الصحراء الكبرى، وألا يقنعوا بما قنع الرومان من قبل، حين نزلوا الشمال وأداروا ظهورهم لما في جنوب الصحراء الكبرى. ومن هنا يمكن أن نتخيل قوافل التجارة ووفود الرحالة وجماعات الدعاة في سلاسل لم تتوقف، تروح وتجئ بين الشمال والجنوب عبر الصحراء[12].
ولقد كانت الصلة الوثيقة للغاية بين بلاد المغرب وبين أفريقيا الغربية، وكان المحيط الأطلسي وطرق القوافل البرية تربط بين المنطقتين برباط وثيق مما ضمن قيام علاقات برية وبحرية لم تتوقف في أي عصر من العصور[13]. فلما جاء الإسلام إلى بلاد المغرب صار له صدى سريع في مناطق ساحل الصحراء الكبرى وهي المنطقة التي تشغلها الآن دول تشاد/ النيجر/ مالى / السنغال.
والحق أن الهجرات من الشمال إلى الجنوب كانت هي أهم عوامل انتشار الإسلام في هذه المنطقة من أفريقيا[14]. وكان قوام هذه الهجرات قبائل "البربر" سكان الشمال الذين تبنوا الإسلام منذ عهد مبكر، وعلى الرغم من أنهم كانوا يستوطنون الشمال، فإن الكثيرين منهم قد أخلوا مكانهم فيه للعرب الفاتحين، واندفعوا هم ناحية الجنوب، لاسيما حين جاءتهم غارات قبائل بنى هلال وبني سليم وحلفائهم في عهد المنتصر بالله الفاطمي في القرن الخامس الهجري ، هذه الغارات التي اندفع فيها الهلاليون وحلفاؤهم كالسيل يزحف على شمال أفريقيا، فاتجه مزيد من قبائل البربر نحو الجنوب واقتحموا أراض الزنوج حيث نزلوا بلاد السنغال ، ثم اتجهوا شرقاً إلى النيجر وبرنو وكانم. وقد كان طبيعيا أن يتأثر الزنوج بثقافة الوافدين الجدد في مقدمتها الدين ولاسيما وأن هؤلاء الوافدين كانوا من القوة مقارنة بالزنوج الأمر الذي جعل الآخرين يستسلمون لهم وينقادون لسلطانهم، ومن هنا نشرت هذه الهجرات البربرية دين الإسلام في بقاع واسعة من الساحل الغربي لأفريقيا جنوب الصحراء.
ولا ننسى أنه حدث اختلاط تدريجي بين الوافدين الجدد من قبائل البربر وبين الزنوج أصحاب البلاد الأصليين، كان من أهم دواعيه التزاوج/ وبمرور الوقت نشأ جيل جديد يغلب فيه الدم الزنجي من جانب، وثقافة البربر ودينهم الإسلام من جانب آخر[15].
ومن الهجرات الهامة التي كان لها شأن في نشر الإسلام في غرب أفريقيا هجرات الفولانيون، والتي يظن أنها هجرات بربرية، وإنهم انحدارا من منطقة "أدوار" شمال السنغال. واندفعوا إلى السودان الغربي بعد طرد المسلمين من الأندلس، ثم تسربوا إلي الحياة هناك يشتغلون بالرعي أو الزراعة أو التجارة، حتى قام المجاهد "عثمان بن فودي" بلم شملهم وتوحيدهم في القرن التاسع عشر، فكانوا عدته في جهاده ، واستطاع بفضلهم أن يؤسس سلطنة"سوكتو"[16]
كذلك فقد لعب التكرور دوراً مماثلاً في نشر الإسلام في غرب أفريقيا، فقد استطاعوا في عام 1776 أن ينشروا الإسلام في منطقة فوتاتور وأن يؤسسوا دولة استمرت حتى عام1884 [17].
__________________
بنت الاسلام غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس