عرض مشاركة واحدة
قديم 08-07-2009
  #6
بنت الاسلام
بنت الاسلام
 الصورة الرمزية بنت الاسلام
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 1,350
معدل تقييم المستوى: 17
بنت الاسلام is on a distinguished road
افتراضي رد: الاسلام والاستعمار والهوية فى دول ساحل الصحراء

الاستعمار الفرنسي والهوية العربية الإسلامية
الدوافع..المراحل..السمات والآثار..
شهدت القارة الأفريقية مع إشراقة العصور الحديثة موجة من الصراع الاستعماري بعد خروج المسلمين من الأندلس. وكان الهدف من هذه الحركة هو تعقب المسلمين القادمين من الاندلس، والقضاء على آخر معاقلهم على الساحل الأفريقي، ثم إجهاض أي محاولة للتفكير في العودة إلى هذه البلاد وترتب على هذه النزوة الاستعمارية محاولة تطويق المسلمين وذلك بالاتصال بالمملكة المسيحية في بلاد الحبشة، وأدت هذه الحركة إلى الكشوف الجغرافية التي انتهت بالدوران حول أفريقيا، والوصول إلى شاطئها الشرقي، ودخلت في صراع دموي مع الأمارات والممالك الإسلامية سواء في شمال القارة أو شرقها أو غربها[53].
كانت أفريقيا منذ الكشوف الجغرافية، هدفا من أهداف الدول الأوروبية في حركتها الكشفية واستمرت هذه العملية الاستعمارية في التطوير والتوسع حتى تم الإطباق على القارة من كل جانب ومع حلول القرن العشرين كانت أفريقيا فريسة الاستعمار الأوروبي ولم يتمتع باستقلاله إلا أجزاء بسيطة لا تعدو مساحتها 8% من مساحة القارة الضخمة[54] بيد أن ما تجدر الإشارة إليه هو أن الحملة الاستعمارية لم تبلغ أوجها إلا بعد مؤتمر برلين عام 1884-1885، والذي كان بمثابة الكشف السياسي لتقسيم القارة. لقد ظل الأوروبيون، حتى الثلث الأخير من القرن التاسع عشر، يسيطرون فقط على أجزاء بسيطة من أفريقيا، لا تعدو السواحل وبعض الجزر البسيطة، واستمر الوضع على هذا المنوال حتى عام 1885، حيث ظل الجزء المستعمر من القارة لا يتعدى 5% فقط من مساحتها، وقد كانت هناك أسباب عديدة أخرت كشف القارة والتوغل فيها واستعمارها. ومن أهم هذه الأسباب:
1- أن السواحل الأفريقية قليلة بالنسبة لمساحة القارة، يعني أن الهضبة الداخلية تقترب من الساحل، ولا تعطى فرصة لتكوين ساحل واسع يمكن من الاستقرار والتحرك منه إلى أجزاء أخرى من القارة.
2- قلة الجزر والخلجان قرب الساحل والتي تيسر عملية إنشاء موانئ تكون بمثابة نافذة القارة على العالم الخارجي. حتى الجزر القريبة من القارة، مثل مدغشقر وزنجبار في الشرق أو حتى جزر كناري وساتومي في الغرب، لم تلعب دوراً هاما في هذا الصدد، وليظل داخل القارة مجهولا لفترة طويلة للأوروبيين.
3- أن أنهار القارة لم تساعد على التوغل داخلها بل وقفت حجرة عثرة أمام التوغل الأوروبي إلى الداخل ، ولم يتم كشف هذه الأنهار إلا بالطرق البرية المجاورة لها.
4- كانت العوامل المناخية القاسية، والظروف البيئية غير المواتية سببا في هلاك عدد كبير من الأوروبيين الذين تطوعوا لارتياد أجزاء القارة المجهولة.
5- لم تكن سياسة الأوروبيين نحو القارة في القرن السادس عشر موجهه إلى كشف باطنها، بل اعتبرتها مجرد محطة في الطريق المؤدي إلى الشرق.فكانت الاستراتيجية المتبعة هي إقامة المحطات فقط على السواحل دون تطلع لارتياد المناطق الداخلية.
6- عرقلت سواحل القارة محاولات التوغل للداخل، لأنه بالإضافة إلى قلتها ووعورتها بسبب ارتفاع الهضاب والجبال، فإن كل ساحل في القارة كانت له طبيعة خاصة عرقلت توغل الأوروبيين منه.. فإذا نظرنا إلى الساحل الغربي، نجده لم يسهل من مهمة المستعمرين، بسبب قلة موانيه الطبيعية، وعدم جدوى الجزر فيه، وانحدار الأنهار نحوه بشدة، وانتشار الأمراض الفتاكة الناتجة عن الرطوبة الشديدة، كما أن الساحل الأفريقي في هذه الجزر ينتهي إما بالمناطق الصحراوية أو شبه الصحراوية أو غابات كثيفة صعبة الاختراق والاجتياز.
7- لكل هذه الأسباب تأخر الكشف الأوروبي للقارة الأفريقية حتى أوائل القرن التاسع عشر، وتحديدا بعد مؤتمر برلين 1885، حيث تغيرت الصورة وبدأت عوامل جديدة دفعت الأوروبيين للتوغل في القارة وكشف أنهارها ومناطقها المختلفة واستعمارها، ومن ثم لم يتعد الجزء المستقل من أفريقيا في عام1910 نحو 8% من مساحتها[55] .
أصبحت الخريطة السياسية لغرب أفريقيا موزعة على الدول الأوروبية بعد مؤتمر برلين 1885، فقد حصلت ألمانيا على الكاميرون وتوجو، واستولت انجلترا على أربع مناطق هي سيراليون وساحل الذهب ونيجيريا وجامبيا، أما فرنسا فقد استولت على مساحة شاسعة أطلقت عليها اسم أفريقيا الفرنسية الغربية، وشملت موريتانيا والسنغال والسودان الفرنسي(مالي حالياً) والنيجر وداهومي (بنين الآن) وساحل العاج وغينيا وفولتا العليا (بوركينا فاسو) وشملت الإمبراطورية الفرنسية حوالي 1.8 مليون ميل مربع، وهو ما يوازي مساحة فرنسا تسع مرات، وهي عبارة عن رقعة هائلة من الأرض، لعلها من أكبر المساحات السياسية في العالم، وتمتد من شواطئ المحيط الأطلنطي غربا إلى نهاية الصحراء الكبرى شرقا، وتضم أفريقيا الغربية الفرنسية إعدادا من القبائل تتكلم 120 لهجة مختلفة، وهي تنقسم إلي ثمانية أقسام إدارية كبرى هي:
1- السنغال: وفيه عاصمة أفريقيا الغربية –داكارا- ومساحته 80.6 ألف ميل مربع.
2- موريتانيا: ومساحتها 400 ألف ميل مربع، وعاصمته سانت لويس.
3- السودان الفرنسي: وعاصمته باماكو. ومساحته 450 ألف ميل مربع.
4- غينيا الفرنسية: ومساحته 106.5 ألف ميل مربع وعاصمته كوناكري.
5- ساحل العاج: ومساحته 123 ألف ميل مربع وعاصمته أبيدجان.
6- فولتا العليا: ومساحتها 105.9 ألف ميل مربع والعاصمة واجادوجو.
7- داهومي : وتقع بين توجولاند ونيجيريا.
8- النيجر : ومساحتها 494 ألف ميل مربع وتمتد بين حدود نيجيريا وليبيا،وعاصمتها نيامي[56] .
وقد شكلت الأقاليم الثمانية ما عرف بأفريقيا الفرنسية الغربية، وإضافة إليها كانت هناك أربعة أقاليم أخرى تشكل فيما بينها ما عرف بأفريقيا الفرنسية الاستوائية. وتمثلت هذه الأقاليم في تشاد، والجابون وابانجيى شاري (أفريقيا الوسطى حاليا)، الكنغو الفرنسي[57].
وكما هو واضح من ذلك الاستعراض فان دول الساحل الأفريقي موضع الدراسة قد وقعت جميعها تحت وطأة الاستعمار الفرنسي حيث وقعت ثلاث منها في نطاق المجموعة الفرنسية الغربية ووقعت تشاد في نطاق المجموعة الفرنسية الاستوائية، وفي ضوء ذلك فإنه يلزم بالضرورة التعرف على الدوافع الفرنسية لاستعمار هذه المناطق والبلدان.
ومراحل ذلك التوسع والاستعمار، والتعرف كذلك على سمات وملامح السياسات ونظم الحكم التي طبقتها فرنسا بالمنطقة سعيا لفهم واستخلاص تأثير هذه السياسات على الهوية الإسلامية العربية بالمنطقة، وإلى أي مدى نجحت القوى الاستعمارية في هذا السياق.
ومما تجدر الإشارة إليه منذ البداية انه لما كان تاريخ الاستعمار الفرنسي لمنطقة الساحل الأفريقي لا ينفك بحال عن التاريخ العام للاستعمار الفرنسي في غرب أفريقيا، فإنه يمكن استعراض النقاط السابق ذكرها في ضوء السياق العام لتاريخ المنطقة مقارنة مع غيرها من مناطق القارة الأفريقية مع التركيز على الدول موضع الاعتبار كلما أمكن ذلك بما يخدم الدراسة والهدف منها.
أولا: دوافع الاستعمار الفرنسي في أفريقيا
تكاد دوافع الاستعمار الفرنسي في أفريقيا أن تتشابه مع دوافع غيرها من القوى الأوروبية الاستعمارية في القارة بيد أنها تنفرد بدافع خاص أسهم في توجيه سياساتها الاستعمارية نحو أفريقيا- وهذا هو اضطراب دورها الإمبراطوري بين القوى الأوروبية . الأمر الذي تجلى بعد الحروب النابليونيه 1814 وبعد حرب 1870 ضد ألمانيا.
أ. العوامل الدولية الدافعة للاستعمار الفرنسي:
استطاعت فرنسا في تاريخها الاستعماري الحديث أن تكون إمبراطورية كبرى في العالم الجديد- كندا وجزر الكاريبي – وفي الهند وجزر المحيط الأطلنطي. بيد أن تلك الإمبراطورية التي بدأت في القرن السابع عشر قد تداعت بعد هزيمة فرنسا على أثر حروب نابليون 1814[58].
وهكذا فبعد هذه الحروب ، وإعادة تقسيم أوربا في مؤتمر فيينا عام 1815، صارت فرنسا في حالة شديدة من القلق والتوتر الداخليين. وعانى الشعب الفرنسي من ويلات هذه النكسة فبدا لساستها أن البحث عن مجال الاستعمار بعيدا عن أوربا كفيل بتعويض خسائر فرنسا وللحصول على مواقع استراتيجية تدعم سياساتها الإمبراطورية هذا بالإضافة إلى شغل الشعب الفرنسي وتوحيده خلف هدف قومي يمكنه من اجتياز محنته[59]. وقد بدت أفريقيا بوصفها المجال الأمثل لعمل السياسة الاستعمارية الفرنسية في تلك المرحلة ولا سيما بعد إصدار مبدأ مونرو1823 الذي حظرت بموجبه الولايات المتحدة الأمريكية على القوى الأوروبية التدخل بأي شكل في شئون الأمريكتين.
لقد بدأت فرنسا توجهها نحو أفريقيا باحتلال الجزائر عام 1830، بيد أن نشاطها في الجزائر لم يقابله نشاط مماثل في غرب أفريقيا وان الوضع قد استمر حتى الخمسينيات فلم تتخذ فرنسا سياسة توسعية في غرب أفريقيا إلا بعد مجئ نابليون الثالث 1848-1870. وبهزيمة فرنسا من ألمانيا 1870، انعكس ذلك على النفوذ الفرنسي في غرب أفريقيا وتمثل ذلك في هجر فرنسا لمنشآتها وسحب فرقها العسكرية. ورغم هذا لم تلبث فرنسا أن عادت التسع بعد فترة وجيزة من الحرب السبعينية وذلك بفعل الرغبة في تعويض البلاد عن فقدان الالزاس واللورين.
لقد اختلفت الآراء حول سبل تحقيق هذا الغرض، وكان مفكرو فرنسا وقادتها يبحثون عن كل وسيلة يمكن أن تسترد بها بلادهم كرامتها باستعادة الالزاس واللورين،ولم يكن أمام فرنسا سوى القوة لاستردادهما، لكن عجز الحكومة الفرنسية خلال السبعينيات والثمانينيات من القرن التاسع عشر عن تحديد زمن معين لتحقيق هذا الهدف القومي قد آثار بلبلة في نفوس الشعب واضطراباً في تفكيره السياسي وشعر الشعب الفرنسي بحالة من الضياع السياسي فظهرت أراء نادت بان استرداد الالزاس واللورين يأتي في المرتبة الأولى ويعد أهم من الحفاظ على الإمبراطورية الفرنسية الواسعة وأن توزيع الجيوش الفرنسية على المستعمرات في الشمال الأفريقي يقضى على أمل فرنسا في استرداد الإقليمين وانه من الأجدى تحجيم الإمبراطورية وتركيز الجيوش للانتقام من ألمانيا، وكان "كليمنصو" هو أهم مؤيدي هذا الرأي.
بيد أنه لم تلبث أن ظهرت أراء أخرى نادت بان المجال المناسب لتعويض فرنسا هو التوسع الاستعماري في أفريقيا وذلك لصرف أنظار الشعب الفرنسي – من جديد – عن القارة الأوروبية في ذلك الوقت الذي لا تستطيع فرنسا تحقيق هدف الانتقام من ألمانيا، والجدير بالذكر أن الأخيرة لم تقف في وجه التوسع الاستعماري الفرنسي في أفريقيا بل شجعته وذلك لصرف الأنظار عن الالزاس واللورين ولإذكاء الصراع الاستعماري بين بريطانيا وفرنسا. وقد جاء تعيين "جول فري" في رئاسة الحكومة بمثابة تأكيد لهذا الرأي والشروع في تنفيذه مما كان له أثر كبير في تنشيط عملية التوسع الاستعماري ذلك أن فرنسا عندما أرادت استئناف نشاطها الاستعماري من جديد بعد الحرب السبعينية لم يعد هذا النشاط قاصراً على السنغال والمناطق الداخلية فيها وإنما شمل معظم الغرب الأفريقي وساحل غينيا [60].
ب: الدوافع الاقتصادية:
قد تعتبر هذه الدوافع هي الأهم في دفع الأوروبيين للاستعمار في أفريقيا، فقد ترتب على الثورة الصناعية في أوربا إحداث تغيير في حجم الإنتاج وبالتالي كان لابد من أسواق لتصريف هذا الإنتاج ثم مناطق للحصول على المواد الخام الداخلة في الصناعة[61]وقد وجدت الدول الصناعية في أفريقيا مجالا طيبا لنشاطها حيث تتوفر المواد الخام الزراعية والمعدنية والسكانية بالإضافة إلي الأسواق الواسعة لتصريف الفائض من منتجاتها. وقد ظهرت هذه السياسة الاستعمارية الاستغلالية بوضوح في العقدين الأخيرين من القرن التاسع عشر حين انتقلت مقاليد الأمور في الدول الكبرى الصناعية إلى طبقات التجار والرأسماليين فأصبحت الاراض التجارية والصناعية والمالية ذات تأثير كبير ملموس في سياسات هذه الدول. وقد برزت ظاهرة تأسيس الشركات التجارية التي تمارس نشاطها في القارة مندفعة لاستنزاف مواردها وكانت الشركات التجارية التي تمارس نشاطها في القارة مندفعة لاستنزاف مواردها وكانت الشركات التجارية في الحقيقة، رائدة لحكوماتها في عملية الاستعمار وقد عبر عن ذلك بوضوح "جول فري" رئيس الحكومة الفرنسية في عام 1895 في تصريح له في البرلمان الفرنسي فذكر أن شعوب أوربا تطمع في الاستيلاء على مستعمرات لها في أفريقيا لتحقيق أهداف ثلاثة هي:
- الحصول على خامات المستعمرات.
- الاستحواذ على أسواق لتصريف ما تنتجه من مصنوعات.
- اتخاذ المستعمرات ميادين لتستقر فيها رؤوس الأموال الفائضة[62].
وقد لاقت أراء فري قبولاً من بعض أعضاء البرلمان مما كان له أثر كبير على السياسة الفرنسية حيث عبر عن رأيه بالنسبة للتوسع الفرنسي بقوله"لسنا فلاسفة وإنما رجال عمل نريد لمستعمراتنا التوسع والقوة ولذلك يجب علينا التصرف عملياً وفعلياً"[63].
ولتحقق الدولة المستعمرة أهدافها الاستغلالية حرصت على:
- أن تبقى المستعمرات بلاد غير صناعية.
- الا يكتسب أبناء المستعمرات الخبرة الفنية التي تعينهم على تنمية صناعاتهم الوطنية.
- التحكم في اسعار المواد الخام التي تنتجها المستعمرات لتصل إلى أماكن التصنيع في الدول الكبرى بأقل سعر ممكن.
- الاحتفاظ بمستوى أجور العمال المنخفض في المستعمرات[64].
ج- الدافع الديني- الحضاري
كان هذا الدافع من الدوافع الهامة وراء تعقب البرتغاليين للعرب الفارين من الاندلس نحو الثغور الأفريقية التي استقروا فيها وكانت تساندهم قبل طردهم من الاندلس. وقد باركت الباباوية الحركات الاستعمارية المبكرة التي قامت بها البرتغال وأسبانيا في هذا السبيل ويرتبط بالعامل الديني وراء تحرك الأوروبيين تجاه القارة الأفريقية اتجاه الجمعيات الدينية الأوروبية التابعة للمذاهب المختلفة التي نتجت عن حركة الإصلاح الديني في أوربا للتبشير بالمسيحية بين القبائل الوثنية. وقد اتخذ هذا الهدف الديني لتبرير الاستعمار واشتهر منهم في هذا المجال أسماء عديدة- منها مثلاً الكاردينال الفرنسي لافيجيري Levier – وقد كثرت في كتابات هؤلاء وأقوالهم الأحاديث عن واجب الرجل الأبيض أو الأب الأبيضWhite fatherتجاه الأفارقة[65].
لقد بررت الحكومة الفرنسية استعمارها باتخاذ شعار نقل الحضارة إلى الشعوب الأخرى وكانت تلك الحضارة تعنى تحويل السكان إلي الديانة المسيحية ونشر الثقافة الفرنسية[66].
وهكذا وتحت ستار نشر المسيحية في الأجزاء المكتشفة حديثا، وتحت شعار إدخال المدينة الأوروبية في المناطق الأفريقية، وتحت شعار النظريات الإنسانية والقضاء على تجارة الرقيق تحولت هذه البعثات التبشيرية إلي النشاط الاستعماري بل ومارس رجال التبشير مهمة الكشف والتبشير لازما للكشف والاستعمار[67].
وخلاصة القول أن العامل الديني كان من دوافع الاستعمار الأوروبي لأفريقيا كما كان ستاراً تخفت خلفه جماعات التبشير ورجال الاستكشاف في محاولة للتوسع والتوغل والسيطرة على القارة بحجة نشر الحضارة والديانة المسيحية وتمدين الأفارقة ونسيت هذه الشعوب الأوروبية أن لأفريقيا حضارتها ومكانتها وكذا للدول الإسلامية فيها دوراً وحضارة لا تنكر[68].
د. دافع الرق:[69]
كان الدافع لحركة الاستكشافات الجغرافية الوصول إلى الشرق للحصول على بضائعه التي كانت مطلوبة في أوربا لذا اهتمت البرتغال التي افتتحت صفحة الاستعمار بإنشاء مراكز تجارية على ساحل أفريقيا الغربي وانتهي بهم المطاف إلي أن كشفوا طريق رأس الرجاء الصالح المؤدي إلي الشرق. لذا فقد أطبق الاستعمار البرتغالي في ذلك الوقت اسم الاستعمار البهار لكن الأمر تحول بسرعة فأصبحت السلعة الأكبر تداولاً والمطلوبة هي الرقيق الأفريقي، والبرتغاليون هم مؤسسوا مدرسة الرق في العصر الحديث[70]. فهم الذين افتتحوا هذه الصفحة في العلاقات بين أوربا وأفريقيا فأقاموا سوقا كبيرا لشبونه وظلموا لمدة طويلة يحتكرون هذه التجارة وزاد الأمر سوءاً بعد أن كشف أمريكا وظهور الحاجة الماسة للرقيق لاستغلال العالم الجديد وكانت البرتغال تسد حاجة الدول الأخرى من هذه "السلعة" واضطرت لان تسلح أتباعها بالبنادق لمساعدتهم على عمليات القنص مستخدمين الأسلحة النارية[71].
اتسعت التجارة وصارت سواحل القارة غربا وجنوبا وشرقا موارد لا تنضب للرق الذي يشحن إلى العالم الجديد وبدأت عملية استعمار ديموجرافيا لأفريقيا.. وقد زاد الطين بله انتشار التجارة بشكل موسع ودخول دولة أوروبية جديدة في هذا المجال هولندا وانجلترا وفرنسا. وأنشئت الأساطيل لهذا الغرض وانتظمت الرحلات من غرب أوربا إلى غرب أفريقيا ثم إلى العالم الجديد وأخيرا أوربا ثانية حامله عائد بيع هذا الرقيق في شكل مواد خام للمصانع الأوروبية .. حتى قيل أن الرقيق الأفريقي كان وقود المصانع المذكورة[72]. كسدت هذه التجارة خلال الحرب الأمريكية نسبياً، لكنها عاودت الانتعاش بعدها حتى أصبح عدد مراكز تجارة الرقيق في عام 1791 أربعين مركزا وثلاثة فرنسية وخمسة عشر هولندية وأربعة برتغالية ومثلها دنمراكية. وقد نقلت هذه المراكز في سنة 1799 ثمانية وثلاثين ألفاً للمراكز البريطانية وعشرين ألفاً للفرنسية وتوزعت بضعة ألاف أخرى على باقي الدول.
لقد وضع لويس الرابع عشر قانوناً خاصاً تضمن أحكاماً بشأن معاملة الرقيق لكن القانون شيئ والمعاملة شيئ أخر فقد كانت معاملة الرقيق في الأملاك الفرنسية سيئة استمرت هذه التجارة طيلة ثلاثة قرون ونصف حتى بدا رجال الحركات الإنسانية يشعرون بتلك الإهانات التي توجه إلى الجنس البشري وقامت حركات لمكافحة الرق وتزعمت بريطانيا هذه الحركة وتمخضت جهود الإنجليز على إصدار القرارات لمنع الرق وإعادة توطين الأفارقة مرة ثانية في القارة وسارت دول أوربا على نفس هذا النمط[73].
وفي فرنسا كان إصدار إعلان حقوق الإنسان خلال الأيام من الثورة في سنة 1789 يعنى مساواة جميع البشر ولكن الجمعية الوطنية لم تلبث أن صدرت في سنة 1793 قرارا بان مثل هذه القرارات لا تسري على المستعمرات الفرنسية. نتيجة للاضطرابات الناجمة عن عدم المساواة والاضطهاد ، لم تملك الجمعية التشريعية إلا أن تصدر قرارا بمنح الزنوج الذين ولدوا بالمستعمرات الفرنسية حق التمتع بجميع الحقوق التي يتمتع بها الفرنسيون سواء بسواء بل أعطاهم حق الجلوس في المجالس التشريعية سواء في فرنسا أو المستعمرات.
وفي أيام نابليون أعطيت جزيرة ساندمنجو دستوراً مستقلا عن الدستور الفرنسي كما نصت القوانين الفرنسية على مساواة جميع الفرنسيين أمام القانون كما أصدر نابليون خلال حكم المائة يوم قراراً بتحريم تجارة الرقيق فكان هذا نهاية هذه التجارة في الأملاك الفرنسية وتأكد هذا الإلغاء في مؤتمر باريس الثاني عام 1815. وبرغم ذلك ظل الفرنسيون يمارسون هذه التجارة أيضا وينقلون من الأملاك البرتغالية حتى كانت سنة 1864 حين أصدر نابليون الثالث مرسوماً جديداً بالإلغاء ومع ذلك ظلت التجارة تجرى عن طريق التهريب خمس عشرة سنة أخرى[74] .
لقد بدأت القوى الأوروبية – تحت ستار الرق- التوغل في القارة الأفريقية وباسم محاربة الرقيق، وجدت هذه القوى ذريعة للتوغل في القارة وصارت عملية القضاء على الرقيق بداية لاستعمار القارة بمواردها البشرية والطبيعية. وبعبارة أخرى كانت تجارة الرقيق من أهم الدوافع نحو الاستيطان والتوسع في القارة في أوائل القرن السادس عشر وكان احتكار هذه التجارة ونقلها للعالم الجديد حجة للأوروبين ودوافعهم للتوسع في القارة وحتى بعد القضاء على هذه التجارة وبعد اكتشاف مناطق القارة الداخلية صارت عملية إلغاء الرق وسيلة نحو الاستعمار الأوروبي للقارة
__________________
بنت الاسلام غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس