عرض مشاركة واحدة
قديم 08-07-2009
  #7
بنت الاسلام
بنت الاسلام
 الصورة الرمزية بنت الاسلام
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 1,350
معدل تقييم المستوى: 17
بنت الاسلام is on a distinguished road
افتراضي رد: الاسلام والاستعمار والهوية فى دول ساحل الصحراء

هـ: دوافع استراتيجية:
من الدوافع الأخرى التي دفعت الدول الأوروبية لاستعمار مناطق خاصة في القارة الموقع الاستراتيجي لهذه المناطق الأفريقية لاسيما في ظل التنافس الاستعماري بين القوى الأوروبية. فموقع مصر على البوابة الشمالية الشرقية من القارة، وفي الطريق الملاحي الهام بين البحر المتوسط والبحر الأحمر – خاصة بعد فتح قناة السويس للملاحة عام 1869- كان ذلك وراء الاحتلال الإنجليزي لمصر لإدراكهم لأهمية موقعها هذا في الصراع الاستعماري بين بريطانيا وفرنسا ونفس الشيء فيما يتعلق بمنطقة "الكاب" بموقعها الفريد في الطريق الملاحي – رأس الرجاء الصالح – بين الغرب والشرق. فقد تمسكت انجلترا في مؤتمر فيينا1815م بهذه المنطقة وأصرت على عدم ردها لهولندا واضطرت الدول لإقرار ذلك[75] .
لقد كان هذا الصراع الاستعماري أحد دواع فرنسا للسيطرة على دول المغرب العربي تعويضاً عن فقدان مركزها في مصر بفعل الاحتلال البريطاني. ولإنجاحها لتواجد على السواحل الأفريقية الغربية للحد من السيطرة البريطانية على هذا الطريق البحري الهام.
و: دوافع استيطانية:
بعد أن مرت القارة الأفريقية بمراحل الكشف الساحلي ثم الكشف الاستغلالي والاستعماري ظهرت في نظر الدول الأوروبية كمورد لتصريف الفائض من أبنائها الزائدين عن حاجة بلادهم وأصبحت القارة الأفريقية هدفاً لجماعات كثيرة نزحت إلى القارة بغية الاستقرار والاستيطان خصوصاً في المناطق المرتفعة والتي تتلاءم مع حياة الأوروبيين فكان جنوب القارة ملجأ أساسياً لأعداد كبيرة من الأوروبيين لا يزالون يسيطرون على دفة الأمور الفعلية والاقتصادية في هذا الجزء من القارة كذلك وجد الأوروبيون في شرق القارة وخصوصاً في مرتفعات كينيا مجالاً أخر للتوسع والاستقرار الاستيطاني وهكذا وجدت دول أوربا في بعض أجزاء القارة ذريعة للسيطرة على مناطق منها[76].
وبالنسبة لفرنسا فقد تعاملت مع مستعمراتها الأفريقية – الإمبراطورية الثانية- بشكل يتجاوز وضعها كمستعمرات وإنما اعتبرتها جزءاً من فرنسا الام وما ينطوي عليه ذلك من ضم وإلحاق واستيطان. وكان ذلك بفعل الإمبراطورية الأولى التي تداعت فضلا عن فقدان الالزاس واللورين.
ولم يكن هدف الاستيطان سياسيا فحسب، بل إنه كان اقتصاديا ذلك لأن الدول الأوروبية استفادت من هذه المستوطنات بما فيها من مواد خام لازمة لها وبما تقدمه من وسائل العيش لأبناء لها ضاقت بهم سبل العي في بلادهم بالإضافة إلى استغلال هذه المناطق لصالح دولهم ناهيك عن اعتبار هؤلاء السكان عملاء ينفذون سياسة بلادهم وليس أدل على ذلك من أن تجار فرنسا هم الذين حفظوا بقاءها وتواجدها في غرب أفريقيا بعد انهيار الإمبراطورية الأولى.
لقد تشابكت هذه الدوافع وتداخلت مع بعضها البعض لدرجة أنه يصعب التمييز بينها فهي عوامل تواكبت وتلازمت في القارة. فارتبط التبشير بالقضاء على الرق. وارتبط باستكشاف داخل القارة واستعمار أجزائها . واقترن الاستيطان بعملية السيطرة والحاجة إلى الاستقرار لاستغلال الموارد الأفريقية. وكانت الدول الاستعمارية تبحث عن كافة الوسائل التي تسهل لها عملية السيطرة بغض النظر عن النتائج التي تتمخض عن هذه السيطرة وعلى أساس وضع اعتبار لادعاءات الدول الأخرى المتنافسة بها.
ثانياً: الاستعمار الفرنسي والمقاومة الإسلامية في غرب أفريقيا
أ:التغلغل الفرنسي في أفريقيا:
بدأت علاقات فرنسا بغرب أفريقيا في القرن السابع عشر بقصد الاتجار في الرق، وتأسست شركة السنغال الملكية في عام 1697واتخذت من "سنت لويس" مقراً لها ولكن لم يبدأ التوغل الفرنسي في الداخل إلا في القرن التاسع عشر عندما فكرت فرنسا في توجيه أنظار الشعب إلى النشاط الاستعماري ولتعويض ما فقدوه أثناء الصراع مع أوربا وتحولت منطقة السنغال من مجرد محطة إلى مستعمرة حقيقية لكن الهزائم التي منيت بها فرنسا في حرب السبعين عرقلت من هذه المسيرة إلى حين[77] فقد انعكست أثار الهزيمة على النفوذ الفرنسي في غرب أفريقيا وقد تمثل ذلك في هجر فرنسا لمنشأتها وسحب فرقها العسكرية فانسحبت من مستعمرة السنغال، وهي المستعمرة الرئيسية في غرب أفريقيا. وهجرت المنشات الخاصة بها في منطقة خليج غينيا وانكمش النفوذ الفرنسي في منطقة غينيا الساحلية، أي في منطقة انهار الجنوب. وقد نتج عن انسحاب الفرق الفرنسية من ساحل غينيا وخاصة في منطقتي ساحل العبيد وساحل العاج أن بدأت بريطانيا في مد نفوذها إلى هذه المناطق لقد استمر الوجود الفرنسي فقط بفضل جهود بعض التجار الفرنسيين ومن خلالهم استطاعت فرنسا أن تستعيد نفوذها مدعية حقها التاريخي في المنطقة[78].
وفي عهد الجمهورية الفرنسية الثالثة توجهت الحملات الفرنسية إلي غرب أفريقيا واستطاعت فرنسا بعد فترة وجيزة أن تكون مستعمراتها هناك وأطلقت عليها اسم أفريقيا الفرنسية وتضم مستعمرات السنغال وموريتانيا وغينيا والسودان الفرنسي وساحل العاج وفولتا العليا وداهوامي والنيجر.
كانت فرنسا أكثر اتصالاً بتجارها وشركاتها فكانت تشرف على أعمالهم وتعين لهم القناصل الذين كانوا يستعملون نفوذهم من أجل عقد المعاهدات مع الملوك الوطنيين ورؤساء القبائل. لقد وقعت مراكز فرنسا على ساحل أفريقيا الغربي من يد بريطانيا خلال الحروب النابليونية التي استمرت بين سنتي 1795و1814 ولكنها أعيدت إلى فرنسا بعد مؤتمر فيينا 1815 وأخذت فرنسا توثق إشرافها على هذه المراكز فترسل موظفين من قبلها ليتوصلوا إلي الزعماء الوطنيين لعقد المعاهدات التجارية على نحو ما كانت تفعل من قبل وقد رضى بعض الزعماء والملوك الوطنيين في بعض هذه المعاهدات أن هذه الحماية طلب السلاح من أجل التغلب على القبائل الوطنية الأخرى وظلت هذه السياسة تسير هينة بطيئة في أول أمرها حتى منتصف القرن وفي سنة 1854 عين الجنرال "فيديرب" حاكماً على إقليم السنغال فكان أول من اتجه بكل قوته إلي تدعيم هذه المراكز بل وإلي مد نفوذ دولته إلي الداخل وفتح الطريق إلي حوض النيجر ونجحوا في ذلك إلى حد كبير[79] نجح "فيديرب" في التوغل إلي الداخل وفتح الطريق إلي حوض النيجر ولم يكن الطريق سهلاً لكنها كانت مناطق وعرة.كانت مناطق إسلامية تؤمن أن هذا الغازي كافر ولابد من مقاومته. ومن ثم دارت حروب طويلة بين المسلمين والفرنسيين في هذه الممالك الإسلامية في غرب أفريقيا وظهر رجال وفقهاء استطاعوا أن يكبد الفرنسيين خسائر فادحة واضطروا فرنسا في مرات عديدة أن ترسل التعزيزات وأن تغير القيادات وأن تعقد اتفاقيات الهدنة مع هؤلاء الزعماء المسلمين[80].
ب:المقاومة الإسلامية بقيادة الحاج عمر الفوتي:
يعد الحاج عمر الفوتي التكروري من أبرز زعماء الذين ساهموا بشكل فعال في مقاومة التوسع الأوروبي. لقد سيطر على معظم أعالي نهر السنغال ووصل نفوذ إلي باكل وكان بأمل الحصول على أسلحة من الفرنسيين بتحسين علاقاته معهم فكان على استعداد للموافقة على تسهيل تجارة الفرنسيين عبر إمبراطوريته حتى يهاجموه من المؤخرة إذا ما انشغل في حروب مع القبائل الأخرى والإمارات الوثنية. وقال الحاج عمر في لقاء مع بعض المسئولين الفرنسيين أنه يرغب في السلام ويكره الظلم وأن على الفرنسيين دفع الجزية إليه ليتمكنوا من المتاجر في أمان وإنه بعد إن يصبح حاكما على إمبراطورية يضم الممالك والقبائل المجاورة له فسوف ينظم الدولة وتسود علاقات الود مع الفرنسيين في "سنت لويس" بالسنغال بيد أن هؤلاء لم يهتموا باقتراحاته لعدم رغبتهم في دفع جزية لأي حاكم مسلم محلى. فضلا عن تخوفهم من خطر توسعاته في غرب أفريقيا ذلك ، قوات الحاج عمر بعد ان اكتسحت كاسو وباماكو اخترقت طريقها إلى كارتا مقتربة من المركز الفرنسي في باكل على نهر السنغال، لقد وجدوا فيه خصما عنيداً فرفضوا إعطاءه الأسلحة سببا في فتور العلاقات وقام الحاج بمقاطعة المرور في حوض نهر السنغال الأعلى بل حاول التحرك ضد المركز الفرنسي المجاور له فكان هذا بداية مرحلة من الصراع بين الحاج عمر والقوات الفرنسية[81] .
لقد واجه الفرنسيون خطر الحاج عمر ونفوذه الواسع على مسلمي غرب أفريقيا من خلال معاهدات وتحالفات مع القوى المعادية له من ناحية. وإنشاء العديد من الحصون الفرنسية لتدعيم مركز فرنسا وتأمين حدودها في غرب أفريقيا وقد أتت هذه الحصون ثمارها لمنعها الحاج عمر من توسيع دائرة نفوذه على حساب الممتلكات الفرنسية في السنغال وذلك من ناحية أخرى. ولم تلبث هذه السياسة أن أتت أكلها بنجاح القوى المناوئة للحاج عمر في القضاء عليه عام 1864 حيث خلفه ابنه احمد يواصل جهود والده ضد الفرنسيين[82] لم يدخل الفرنسيون في مواجهة مباشرة مع الحاج عمر لشعورهم بأن الخطر الأكبر الذي يهدد مستعمرة السنغال جاء من الشمال أي من إغارات القبائل الموريتانية المتكررة التي وصلت إحدى غاراتها إلي سانت لويس نفسها. ومن ثم اعتمد فيديرب على الحملات العسكرية ضد الإمارات الموريتانية على مسلمي السنغال وقد بقيت المعاهدات التي عقدها مع القبائل المذكورة – لاسيما معاهدة 1858 مع محمد الحبيب زعيم قبائل التوارزة والتي تنازل بموجبها عن الأقاليم الواقعة جنوب هر السنغال واعترف بالحماية الفرنسية على منطقة أوالو- وهي أساس تعامل الفرنسيين معها وحددت العلاقة بين الطرفين خلال الخمسين سنة التالية[83]. ولتتفرغ للمواجهة المباشرة مع وريث الحاج عمر الشيخ أحمد حاكم التوكولور.
كانت السياسة الفرنسية نحو إمبراطورية التوكولور والتي اعتمدها بيردي ليل حاكم السنغال تهدف إلى الضم الكامل داخل النظام الاستعماري الفرنسي ومن ثم بدأ التوسع التدريجي في مناطق نفوذ الشيخ أحمدو. ولما احتل الفرنسيون مدينة باماكو لم يحاول التعرض للقوات المسلحة المارة عليه. ولعل السر في ذلك هو الضعف الذي انتاب الإمبراطورية بسبب الانقسام الداخلي وبالتالي حقق الفرنسيون عملياتهم في التوسع بشكل سريع لاسيما بعد مؤتمر برلين الذي اشترط الاحتلال الفعلي لأي منطقة قبل إعلان الأدعاء عليها مع إخطار الدول الأخرى الموقعة على ميثاق المؤتمر. لقد سارعت فرنسا لبسط سيطرتها على الممالك والإمبراطوريات الموجودة في غرب أفريقيا قبل قدوم قوى أوربية أخرى للمنطقة.
لقد كان رد المسلمين عنيفاً في مواجهة التوسع الفرنسي حيث هاجمت قوات الشيخ أحمدو قوافل الفرنسيين المتجهة إلي مادينا وأدرك القائد الفرنسي فري أن حربا شاملة لابد أن تحدث لا محاله ورغم سقوط عدد كبير من المدن في الإمبراطورية تحت قبضة السيطرة الفرنسية ورغم نفاذ السلاح والذخيرة فقد ظل الشيخ صامدا للنهاية حين استطاع الفرنسيون حسم المعركة لصالحهم في أبريل 1893 بفضل التفوق الحربي ليتم الاستيلاء على إمبراطورية توكولور[84] .
لقد واجهت القوات الفرنسية في غرب أفريقيا في تلك الأثناء كذلك واحدة من الحركات الإسلامية التي لعبت دوراً هاماً في مقاومة الوثنيين في منطقة وسانجامبيا. تلك الحركة التي قادها شيخ من شعب السراكولا يدعى محمد الأمين. ذلك الشيخ الذي حاول استعادة مكانه هذا الشعب أيام إمبراطورية غانا الإسلامية بالإضافة لمحاولاته من أجل نشر الدين الإسلامي بين سكان تلك المنطقة من غرب أفريقيا. كان الفرنسيون قد خططوا لهزيمة الأمين وقواته. بعد جولات عديدة حقق فيها النصر عليهم. باستخدام الوسائل الدبلوماسية والعسكرية فاستعانوا بقوات الشيخ أحمدو لمحاربة الأمين فيما كان من أهم أسباب القضاء على المقاومة الإسلامية المنقسمة على نفسها وفي ديسمبر 1887 نجحت القوات الفرنسية في القضاء على الأمين الذي كان قد أرهقها إلى حد كبير بسبب حرب العصابات[85].
ج: المقاومة الإسلامية بقيادة ساموري توري:
واجهت القوات الفرنسية أثناء توجهها للسيطرة على غرب أفريقيا-النيجر تحديداً- واحداً من أشهر أعلام الصراع من أجل التحرر للشعوب المقهورة في أفريقيا وهو "ساموري توري" زعيم الماندنجو الذي كون دولته في أعالي النيجر وسعى للتوسع شمالاً نحو منطقة ثنية النيجر بعد ان استولى على الضفة اليمنى للنهر ولذلك كان من الطبيعي أن يصطدم مع الفرنسيين الذين سعوا للسيطرة على المناطق الداخلية في غرب أفريقيا تمهيداً لإقامة إمبراطوريتهم التوسعية واحتدم الصراع بين الطرفين من عام 1881-1898ودارت خلاله عدة معارك خطيرة أرهقت القوات الفرنسية[86].
لقد تصادف قيام جهاد ساموري توري مع ظهور البحرية الفرنسية واستكمال سلاح المشاة بشكل جعله فعالاً وصالحاً للحروب في المستعمرات وصار هذا السلاح من أحدث وسائل الغزو التي استخدمتها الدول الأوروبية رغم حروب الجهاد التي قام بها ساموري توري متواكبة مع جهاد الحاج عمرو الشيخ أحمد ومحمد الأمين- والتي تميزت بقدرته على الرؤية بوضوح لأبعاد الصراع والتجارب بفاعلية مع الظروف المتغيرة ومستهدفه نشر الإسلام في غرب أفريقيا ولمواجهة التوسع الاستعماري ومقاومة التوغل المسيحي في القارة[87].
بعد جولات عديدة كانت فيها الحرب سجالاً بين ساموري والفرنسيين، أحست فرنسا أن ساموري قائد حربي عنيد وأنه يرفض كل عروض الحماية بدأ تخطط لحملة جماعية بقصد الإطباق عليه من كل جانب وقطع طرق مواصلاته وإغلاق المنافذ التى يمكن أن يهرب منها وذلك فى محاولة أخيرة للقضاء على رجل رفض التعاون معهم وحاربهم فى أكثر من موقع ورغم حرصه على تجنب الاحتكاك بهم إلا أن وجوده فى أعالى النيجر يعنى عرقلة توسعاتهم لضم المنطقة بأسرها، ووجد سامورى نفسه فى مواجهة أخيرة مع الفرنسيين فشرع يقاوم بكل ما أوتى من قوة وعتاد حتى تمكن من تجاوز الخطر مؤقتاً وبدأت مرحلة من الهدوء النسبى طوال عام 1897 حيث استطاع سامورى تنظيم جيشه من جديد والتقط أنفاسه استعداداً لمعركة المصير. وفى أول مايو عام 1898 استولى الفرنسيون على سيكاسو الأمر الذى أقنع سامورى بأن خطته لن تجدى مع الفرنسيين وأن مقاومته بتلك القوات البسيطة تعنى الموت المحقق فقرر الانضمام إلى حلفائه فى بلاد التوما الموجودين فى ليبيريا أملاً فى وجود موقع حصين هناك بيد أن الفرنسيين الذين كانوا يدركون عنصر الوقت تحركوا بسرعة لتعقبه. وتحرك سامورى تجاه الغرب متبعاً استراتيجية "الأرض المحروقة" حيث كان يدس كل ما تخلفه قواته حتى لا يجد الفرنسيون أى مساعدات أو مؤن تساعدهم على مواصلة الحرب ضده وكان كلما تحرك غرباً واستولى على منطقة من المناطق يترك بعضاً من رجاله للدفاع عن المناطق الجديدة الأمر الذى أرهق الفرنسيون وكبدهم الكثير وهم يتعقبونه حيث أصر على رفض الاستسلام مقابل السلام ورفض الحماية مقابل البقاء سلطاناً تابعاً لهم وفى يونيو من العام نفسه انسحب من المناطق الشرقية وركز كل جيشه مع حوالى أثنى عشر ألفاً من المدنيين على الساحل الضيق لبافنكو واستطاع أن يكسب معركة كبيرة ضد القائد الفرنسي لارتيج لكنه لم يلبث أن ارتكب خطأ فادحاً عندما قرر التحرك ناحية الغرب عبر الغابات الاستوائية وجبال "الدان" فى فصل الأمطار حيث واجه خطر المجاعة الكبرى مما أجبر قواته على الاختفاء بالليل والتفرق بحثاً عن الغذاء فكان أن تفرقت هذه الجموع وسط ظروف قاسية ولم يعد العدد الأكبر منها.[88]
فى هذه الظروف، بدأ الهجوم الأخير على سامورى وقسمت الحملة إلى قسمين قسم يتولى القبض على عائلة سامورى والأخر لتعقبه هو نفسه. وصدرت الأوامر بعدم قتله لئلا يؤدى ذلك لإثارة الاضطرابات فى غرب أفريقيا ورأى الفرنسيون أنه من الأفضل إذلاله أمام أعوانه وأخيراً تم إلقاء القبض عليه فى جيليمو ونفيه إلى جزيرة أجوية حيث توفى بها عام 1900، وهكذا دعمت فرنسا سيطرتها فى منطقة غينيا الفرنسية عن طريق التوسع فى المنطقة الساحلية المعروفة بأنها الجنوب وفى المنطقة الداخلية فى فوتا جالون وقد أتاح لها هذا التوسع الامتداد نحو النيجر فمدت نفوذها إلى أعالي النيجر بعد أن قضت على إمبراطورية التكرور بزعامة الشيخ أحمد وإمبراطورية الماندنجو بزعامة سامورى تورى[89]
د: المقاومة الإسلامية بقيادة رابح بن الزبير:
وفى عام 1898 أرسلت عدة حملات للاستيلاء على مدينة "رندر" الواقعة فى شمال مدينة "كانوا" وتقدمت القوات الفرنسية نحو بحيرة تشاد وواجهت قوات قائد آخر من قادة المسلمين يدعى رابح بن الزبير الذى كان قد اتخذ من مدينة "دكورة" عاصمة له وقاوم التوسع الفرنسي لكنه استشهد عام 1900 وظلت قوات الفرنسيين فى مواجهة حلفائه حتى أخضعت المنطقة لسيطرتها فى عام 1902. ولم يتوقف التوسع الفرنسي عند هذا الحد وإنما شرع فى الامتداد شرقاً حيث استطاعت السيطرة على باجرمى ووادى وكانم. وهكذا استطاعت فرنسا فى فترة وجيزة أن تحكم سيطرتها على هذه المناطق الشاسعة من غرب القارة ووسطها وأن تؤسس أفريقيا الفرنسية الغربية وأفريقيا الفرنسية الاستوائية. وأن تقسم هذه المناطق الشاسعة سواء فى حوض الكونغو أو فى منطقة الجابون أو فى وسط القارة. وكان هذا التوسع يعنى التنافس مع غيرها من الدول الأوروبية التى كانت تسعى على قدم وساق لبسط سيطرتها على كل المناطق الأفريقية. وكانت بريطانيا هى الخصم العنيد والعدو التقليدي لفرنسا فى هذا المضمار ولقد استطاعت الأخيرة بدبلوماسيتها أن تعقد المعاهدات وأن تتفق مع الزعماء المحليين على بسط نفوذها وفرض الحماية عليهم تارة بالإقناع وأخرى بالتهديد والوعيد وبعد أن أحكمت قبضتها على زعماء الداخل سلماً أو حرباً راحت تتفق مع القوى الاستعمارية الأوروبية الأخرى. ويقوم معها العديد من المعاهدات لتحديد مناطق النفوذ لإقرار السيطرة الفرنسية على غرب أفريقيا[90]
هـ: ضم موريتانيا وإتمام الإمبراطورية الاستعمارية الفرنسية فى أفريقيا:
وبمقتضى الاتفاق الفرنسي/ البريطاني الذى عقد فى عام 1890 حصلت فرنسا على الأرض الواقعة جنوب البحر المتوسط منساى على النيجر حتى باراده على بحيرة تشاد وكان معنى ذلك اعتراف بريطانيا بأن أراضى موريتانيا لن تواجهه أى مشاكل من قبل الدول الأوروبية ولذلك توالت البعثات الكشفية على موريتانيا ولعل أهم بعثة كوبولانى الفرنسية ووزارة المستعمرات لأهمية ضم موريتانيا فحتى عام 1900 كانت الحكومة الفرنسية مشغولة بحملاتها فى غرب أفريقيا وتشاد لتدعيم سيطرتها على المناطق التى استولت عليها دون أن تولى أهمية لاحتلال الصحراء الواقعة شمال السنغال لاعتقادهم بأن نفقات الاحتلال لا تساوى هذا الإقليم الضحل لذلك جاء استعمار فرنسا لموريتانيا إلى ثلاث مراحل:[91]
- المرحلة الأولى 1900-1905 وهى مرحلة التغلغل السلمى، ويعرفها الموريتانيون بأنها عهد السيطرة غير المباشرة وبدأت بقدوم كوبلانى إلى المنطقة وقد أقنع رئيس حكومته بضرورة احتلال موريتانيا سعيا لربط الجزائر بمستعمرات غرب أفريقيا وقد جاء فى تعليمات رئيس الوزراء ضرورة تحقيق هذا الهدف بأقل النفقات ودون إثارة أزمات دبلوماسية . ورغم أن هذه المرحلة اتسمت بالتغلغل السلمى من خلال عقد معاهدات حماية مع بعض الإمارات إلا أن هذا لم يمنع من حدوث بعض الاضطرابات حيث رفضت بعض القبائل احترام الاتفاقيات المبرمة مع فرنسا التى أرسلت حملة أجبرت تلك القبائل على قبول الحماية الفرنسية.
- المرحلة الثانية 1905-1914 ، وهى بعد اغتيال كوبلانى وقد خلفه فى المنطقة قائد عسكرى آخر عمل على تنظيم المنطقة والقضاء على الاضطرابات فيها حيث اشتدت المقاومة الوطنية وهدد الثوار مراكش نفسها ولم تنجح فرنسا فى تدعيم سيطرتها العسكرية التامة على المنطقة ويرجع سبب ذلك إلى أن الأسبان لم يسمحوا للفرنسيين بتتبع المسلمين الثائرين فى منطقة النفوذ الأسبانية التى كان هؤلاء كثيراً ما يلجأون إليها . لكن بعد استيلاء فرنسا على المغرب وإعلان الحماية عليها عملت على إرسال الحملات العسكرية من الشمال الأفريقي ومن السنغال لإخضاع القبائل الموريتانية المحاصرة.
- المرحلة الثالثة 1914-1934 واتسمت فيها المقاومة الوطنية بالتجدد والاستمرار رغم إعلان قبائل عديدة استسلامها للنفوذ الفرنسي فى عام 1918 . ذلك أن تعسف الإدارة الفرنسية وفرضها الضرائب على القبائل أدى إلى حدوث ثورة واضطرابات فى المنطقة لم تنقطع إلا عام 1934.
وبالاستيلاء على موريتانيا ، حققت فرنسا حلمها وهدفها التوسعى واستكملت مخططها العسكرى وبدأت الخطوة التالية وهى تجميع مستعمراتها فى وحدة واحدة لتسهل عليها إدارتها وإحكام قبضتها عليها.
__________________
بنت الاسلام غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس