عرض مشاركة واحدة
قديم 08-07-2009
  #9
بنت الاسلام
بنت الاسلام
 الصورة الرمزية بنت الاسلام
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 1,350
معدل تقييم المستوى: 17
بنت الاسلام is on a distinguished road
افتراضي رد: الاسلام والاستعمار والهوية فى دول ساحل الصحراء

والحق أنه أن كانت الثقافة الفرنسية وسياسة الاستيعاب التى طبقتها فرنسا قد حققت نجاحاً ملحوظاً فى السنغال حيث تأثر الكثير من الأهالى وفى مقدمتهم النخب بآليات السياسة الفرنسية فإن الأمر لم يكن على ذات المستوى فى مناطق أخرى – على نحو ما سيرد البيان- ومما يلاحظ فى هذا المقام أن سياسة الاستيعاب الفرنسية لم تنجح بذات المستوى فى موريتانيا لا سيما فى شمال البلاد التى تمسك أهلها بالهوية العربية الإسلامية لذا كانت موريتانيا أقل المستعمرات الفرنسية تأثراً بالثقافة الفرنسية رغم كافة المحاولات الفرنسية لفرض التعليم الفرنسي وإغراء السكان بشتى السبل [110]. وتكمن أهمية تلك الملاحظة فى أنها تلقى الضوء على اختلاف استجابة المجتمعات والشعوب العربية الإسلامية للسياسات الاستعمارية الأمر الذى لا تخفى دلالته بالنسبة لعلاقة تلك المجتمعات والدول عند الاستقلال.
وأياً ما كان الأمر فإن السياسة الفرنسية بمختلف آلياتها وأدواتها تركت أثاراً بعيدة المدى على كافة الأصعدة فى المجتمعات العربية والإسلامية التى خضعت للهيمنة الفرنسية. وهى الأثار التى تتناولها الصفحات التالية بالرصد والتحليل من خلال منظورين أساسيين الأول يتعلق بالمدافعين عن الدول الحضارى للاستعمار فى دول العالم الثالث والثانى يتناول الرد على تلك الدعاوى موضحاً الآثار السلبية للاستعمار على المجتمعات موضع الدراسة.
رابعاً: آثار الاستعمار الفرنسي فى دول الساحل الأفريقى
استمر الاستعمار الفرنسي فى قارة أفريقيا عقوداً طويلة مارس خلالها سيطرته من خلال الحكم المباشر الأمر الذى كان له أثار بعيدة المدى على مختلف جوانب حياه المجتمعات المحلية. وهى الآثار التى اختلفت الآراء حول تقييمها ما بين مؤيد ومعارض، وهو الاختلاف التابع بالأساس من تباين توجهات الدارسين وخلفياتهم الثقافية والحضارية بل وانتماءاتهم الجغرافية إضافة إلى اختلاف الزاوية التى ينطلق الباحث منها. وفيما يلى استعراض لكلا الرؤيتين وموقفها من الاستعمار ثم نعرض بالترجيح على ضوء المنطقة موضع الدراسة.
أ: رؤيتان حول الأثار "الحضارية" للاستعمار[111] :
1- الآثار السياسية:
يذهب بعض الدارسين إلى أن الاستعمار بصفة عامة. كانت له آثار إيجابية على الصعيد السياسى تتمثل بالأساس فى القضاء على ظاهرة الصراعات القبلية والمنازعات العرقية التى كانت تسود بلدان القارة الأفريقية إضافة إلى إدخال المؤسسات الحديثة وعلى رأسها مؤسسة القضاء. حيث عمدت الحكومات والنظم الاستعمارية إلى تقنين الأعراف التقليدية، إضافة إلى إدخال القوانين والمؤسسات القضائية الأوروبية. فضلاً عن المؤسسات والتقسيمات الإدارية والسياسية الأخرى[112]
ومن ناحية ثانية يذهب المدافعون عن الدور الحضاري للحكم الاستعماري فى أفريقيا إلى أن الحكم الاستعمارى كان بالأساس هو السبب المباشر لظهور فكرة الدولة بالمفهوم الحديث. على النحو الذى ظهرت به الدول الأفريقية منذ الاستقلال، إضافة إلى أن مرحلة الاستعمار من ناحية أخرى كانت هى المسئولة عن ظهور الوعى القومى ليس على المستوى الوطنى فحسب بل على مستوى القارة الأفريقية ككل فى ظل شعارات الوحدة الأفريقية التى سادت القارة خلال الحقبة الاستعمارية والكفاح الوطنى للتحرر[113]. وفى مواجهة تلك الإيجابيات التى يذهب إليها أنصار الدور الحضارى للاستعمار يذهب المعارضون إلى تفنيد الحجج التى قدمها الفريق الأول. إضافة إلى إبراز الجوانب السلبية للحكم الاستعمارى.
فمن ناحية يذهب الفريق الثانى إلى أن عملية الاستعمار جاءت على حساب القوى والمؤسسات التقليدية القائمة بالمجتمعات الأفريقية. وعلى ذات الصعيد ذهب معارضي فكرة الدور الحضاري للاستعمار إلى فساد مقولة أن الاستعمار قد أدخل المؤسسات والتنظيمات الحديثة حيث أن كثير من المجتمعات الأفريقية كانت قد بلغت طوراً حضارياً لا يقل بحال عن المجتمعات الأوروبية فى نفس الحقبة[114] .
ومن ناحية ثانية يرى أنصار الفريق الثانى أن الشعور بالقومية وان كان نتاج الاستعمار الأوروبى فى جانب منه إلا أنه لم يكن وليداً طبيعياً أو نتاج هوية مشتركة للأفراد وإنما وليد القهر والاضطهاد الأمر الذى أدى إلى محدودية أثر ذلك الشعور وتمركزه حول المطالبة بالتحرر والاستقلال مع اختلاف الانتماءات والهويات للأفراد وهو الأمر الذى فاقمه ورسخه البعد التالي ممثلاً فى الطبيعة الاصطناعية للحدود[115] .
فدول أفريقيا بشكلها الحالي وأسمائها وحدودها هى نتاج الدور الاستعماري والتقسيم الإداري لا سيما فى نطاق المستعمرات الفرنسية. وهى الحدود والخطوط التى لم تراع الحقائق الاجتماعية والاقتصادية فى المنطقة[116] .
ومن الآثار السلبية الأخرى للمرحلة الاستعمارية فى التاريخ الأفريقي على الصعيد السياسى قضائه على القدرات السياسية للزعماء والمحليين فضلاً عن فرنسة النخبة الأمر الذى أسفر عن نخبة سياسية ضعيفة التأهيل والتدريب فضلاً عن ميولها السياسية الموالية لصالح الدولة الأم أكثر منها لصالح المصلحة الوطنية[117].
2-الآثار الاجتماعية للاستعمار:
إضافة إلى أن الآثار السياسية السالف ذكرها يذهب المدافعون عن فترة الحكم الاستعماري إلى أن النظم الاستعمارية قد أسهمت على الصعيد الاجتماعي. فمن ناحية عملت النظم الاستعمارية لاسيما الفرنسية والبرتغالية على نشر الدين المسيحي. حيث كانت الكنيسة الكاثوليكية الرومانية أحد الأعمدة الأساسية للحكم الاستعماري وهكذا أسهمت الفترة الاستعمارية فى تحويل القبائل الوثنية إلى الديانات السماوية لا سيما المسيحية[118] .
ومن ناحية ثانية يذهب أنصار هذا الفريق إلى أن الحملات التبشيرية المسيحية وما صاحبها من خدمات تعليمية وصحية قد أدى إلى الارتقاء بالحالة المعيشية للأفارقة وارتفاع مستوى المعيشة. وهو ما ساعد عليه حركة التمدن والعمران التى صاحبت العملية الاستعمارية عبر شبكة الطرق والمواصلات التى أقامتها النظم الاستعمارية وفى ظل هذه الخدمات الصحية والآثار الاجتماعية بصفة عامة ارتفعت أعداد السكان وتراجعت معدلات الوفيات [119].
ومن ناحية ثالثة يرى المدافعون عن الدور الحضاري للاستعمار أنه من أكبر الآثار دلالة وتأثيراً فى الواقع الأفريقي هو استخدام اللغة الاستعمارية كأداة تواصل بين القبائل والجماعات المتعددة داخل المجتمع والتى كانت تعوقها التعددية اللغوية واختلافاتها عن ذلك التواصل. حيث أن فرض لغة المستعمر عبر آليات التعليم والإدارة قد سهل عمليات التفاعل بين أبناء المجتمع[120] .
· وعلى الجانب الآخر يقف مناهضي الدور "الحضاري" للاستعمار منتقدين الآثار السلبية للحركة الاستعمارية على الصعيد الاجتماعي.
· فمن ناحية يذهب أعضاء هذا الفريق إلى أن قيام النظم الاستعمارية فى بعض المجتمعات بالقضاء على الأبنية والمؤسسات قد أدى إلى اختلالات اجتماعية ناجمة عن افتقاد المؤسسات البديلة التى تقوم بذات الوظائف الاجتماعية، مثال ذلك أن القضاء على ظاهرة دفع إتاوة لشيخ القبيلة بدعوى أن هذه الإتاوة نوع من استغلال الفقراء لصالح الأغنياء. رغم أن واقع الحال لم يكن كذلك، حيث أن تلك النقود لم تكن مجرد إتاوة تؤخذ من الفقراء لصالح الشيوخ وزعماء القبائل، وإنما كانت تقوم بوظيفة اجتماعية تتمثل فى استخدام حصيلتها للإنفاق على ذوى الحاجة من أبناء القبيلة فى أوقات الأزمات [121].
· من ناحية ثانية فإن تركز خدمات الصحة والتعليم الاستعمارية فى مناطق محددة ( عواصم البلاد والأقاليم غالباً). قد أدى إلى اتساع الفجوة بين الريف والحضر. إضافة إلى أن الخدمات التعليمية المقدمة لم تكن بحال لصالح احتياجات المجتمع الأفريقى وتطوره، وإنما هدفها بالأساس إلى توفير الكوادر اللازمة للإدارة الاستعمارية فى ضوء احتياجاته .
· ومن ناحية ثالثة وفيما يتعلق بالنقطة الأخيرة فإن طبيعة التعليم الاستعماري الموجه قد أدى إلى إهمال التعليم الفنى والتكنولوجى مركزة على مجرد التعليم الإدارى النظرى. وهو الأمر الذى أسفر عن ظاهرة اجتماعية لازمت المجتمعات الأفريقية تتمثل فى احتقار العمل اليدوى، والتهافت على العمل الكتابى الإدارى. وهى ما يعرف بعقدة ذوى الياقات البيضاء[122] .
· ومن ناحية رابعة وعلى ذات الصعيد أسفرت سياسات الاستيعاب الفرنسية وسياسات التعليم الموجه والانتقائى عن ازدواجية مركبة فى المجتمعات الأفريقية. حيث أدت من ناحية إلى فجوة كبيرة بين جموع الشعب التى تعانى من الأمية من ناحية. والنخبة المتفرنسة المتعلمة من ناحية أخرى. وأدت إلى فجوة أخرى على صعيد النخبة ذاتها متمثلة فى ظاهرة اغتراب هذه النخبة ما بين الواقع الاجتماعي الاقتصادي لمجتمعاتها وبين المثال الذى يشعرون بالانتماء إليه ثقافياً ممثلاً فى الدولة الأم [123].
· ومن ناحية خامسة : يذهب معارضى الدور الحضاري للاستعمار إلى أن النظم الاستعمارية وإن عمدت إلى القضاء على النظم القبلية فى بعض الأحيان لا سيما فى إطار العواصم والمدن التى خضعت للتواجد الاستعماري. فإنها عمدت فى غير ذلك إلى تعميق الهوية القبلية كلما كان ذلك لصالح المستعمر. وأدى ذلك الدعم للهوية القبلية إلى صعوبة دعم الهوية القومية الكلية عند الاستقلال.[124]
__________________
بنت الاسلام غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس