عرض مشاركة واحدة
قديم 08-07-2009
  #10
بنت الاسلام
بنت الاسلام
 الصورة الرمزية بنت الاسلام
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 1,350
معدل تقييم المستوى: 17
بنت الاسلام is on a distinguished road
افتراضي رد: الاسلام والاستعمار والهوية فى دول ساحل الصحراء

3- الآثار الاقتصادية :
على هذا الصعيد يركز المدافعون عن الدور "الحضاري" للاستعمار على أن كافة المؤسسات الاقتصادية الحديثة التى عرفتها المجتمعات الأفريقية إنما هى نتاج الفترة الاستعمارية فشبكة الطرق والمواصلات. وكافة مرافق البنية التحتية هى بالأساس وليدة الحقبة الاستعمارية [125].
ومن ناحية ثانية شهدت هذه الفترة التحول عن الاقتصاديات المعيشية ونظم المقايضة إلى الأخذ باقتصاديات السوق وبدء الإنتاج التجارى الواسع والانفتاح على اقتصاديات العالم الرأسمالى ومنتجاته بما يمثله من نقلة نوعية أسفرت من بين ما أسفرت نشأة طبقات جديدة تتحدى السلطات التقليدية ...[126].
وعلى الجانب الآخر رفض المعارضون الادعاءات السابقة حيث ذهبوا إلى أن شبكة الطرق والمواصلات التى أنشأتها القوى الاستعمارية تم إعدادها لخدمة المصالح الاستعمارية بالأساس وهو الأمر الذى تكشف عنه مواقع هذه الخطوط وامتداداتها حيث تنتهى معظم هذه الخطوط أما إلى نهر أو ساحل بحر. بهدف التصدير والاستيراد مع الدولة الأم .. ولذا فقد كانت أكثر مناطق المستعمرات استفادة من تلك المرافق هي المناطق أكثر ثراءاً بالمواد الخام ومستلزمات الصناعة فى الدولة "الأم" على حين عانت غيرها من المناطق من الإهمال والتهميش المتزايد[127] .
· من ناحية ثانية يذهب هذا الفريق من الباحثين إلى الاستعمار لم يهتم بإقامة قاعدة تصنيعية بالمستعمرات الأفريقية تدعم اقتصادياتها وإنما اقتصر الاهتمام على استنزاف مواردها من المواد الخام لصالح مصانع المستعمر[128] .
· ومن ناحية ثالثة يرى أنصار ذلك الفريق أن مساوئ الاستعمار لم تقتصر على إهمال التصنيع فى المستعمرات بل الأكثر من ذلك أدت النظم الاستعمارية – عمداً أو عن غير قصد- إلى القضاء على المهن الحرفية أو الحرف الأولية التى كانت البلاد تعرفها فى فترة ما قبل الاستعمار..[129]
ب: فى الترجيح بين الرؤيتين : نموذج دول الساحل...
لا شك أن الامتداد الواسع للنظم الاستعمارية عبر أرجاء القارة الأفريقية. وتباين ظروف كل منها إضافة إلى اختلاف النظم الاستعمارية يعقد من إمكانات الترجيح بين أى من الرأيين السابقين حيث أن كل من الفريقين يجد فى تنوع الخبرات والتطبيقات والظواهر فى القارة ما يؤيد رأيه. لذا فإن الحكم بصحة هذا الرأى "أو ذاك يقتضى تحديد المجال أو النطاق الذى يتم الحديث عنه وفى هذا الإطار يأتى التركيز فيما يلى على الإطار موضع الدراسة ممثلاً فى دول الساحل والجوار الجغرافى لمعرفة أثر الاستعمار عليها" . وبالتالي يمكن القول أن الرؤية الثانية المعارضة للقول بالأثر الحضاري للاستعمار هى الأقرب للصحة والصواب استناداً للاعتبارات التالية:
- فعلى الصعيد السياسي. لم تكن المجتمعات الأفريقية فى نطاق دول الساحل مفتقرة إلى النظم السياسية والحضارية بل والإدارية إبان الحقبة السابقة والمتزامنة مع الهجمة الاستعمارية على المنطقة وهو ما تكشف عنه الممالك الإسلامية بالمنطقة [130]. ولعل وجود هذه الممالك والإمارات هو الذى أدى بالمستعمر الفرنسي إلى التحول عن سياسة الاستيعاب إلى سياسة المشاركة بعد فشل السياسة الأولى لتمسك المسلمين بهويتهم وتاريخهم وتراثهم وذلك بالتركيز على النخب. وهى السياسة التى حققت نجاحاً ملحوظاً عن سابقتها. ويؤكد هذه الفكرة أيضاً الاستعانة بالنظام القضائى الإسلامى وإقراره فى المناطق الإسلامية الخاضعة للنفوذ الاستعماري لا سيما فى شمال تشاد، النيجر، مالى، وهى المناطق ذات الكثافة العربية الإسلامية. وتتأكد الآثار السلبية للاستعمار الفرنسي فى منطقة دول الساحل على الصعيد السياسى فى ضوء الظهور المصطنع للبلدان والدول المذكورة على نحو يتجاهل الاعتبارات الاجتماعية والاقتصادية. وهو ما أدى إلى اختلافات تباينات عديدة داخل المجتمعات موضع الدراسة وأدى إلى تنوع الولاءات والانتماءات على النحو الذى عقد من مهمة القوى الوطنية فى تجميع أبناء المجتمع للقيام بعمل موحد فى مواجهة المستعمر من أجل بناء الدولة وتوحيدها [131].
- وعلى الصعيد الاجتماعي تشير الوقائع التاريخية إلى أن ثمة تباينات فى نصيب سياسة الاستيعاب الفرنسية من حيث النجاح والفشل فى التطبيق داخل مجتمعات دول الساحل الأفريقى إذ على حين حققت هذه السياسة بعض النجاح فى السنغال. فإنها لم تلاق نفس النتيجة فى الدول الثلاث الأخرى (تشاد- النيجر- مالى) ولعل ذلك يرجع فى أحد جوانبه إلى موقع السنغال فى السياسة الاستعمارية الفرنسية على أنه فى جانب آخر لا يقل أهمية يرجع إلى التراث الإسلامى العربى فى المجتمعات المذكورة. وهو الأمر الذى سعت فرنسا إلى مجابهته من خلال تشجيع البعثات التبشيرية المسيحية فى بلدان ومجتمعات ساحل الصحراء فى ضوء سياستها العامة لتشجيع تلك البعثات فى المناطق الخاضعة لها. وكان التركيز على المناطق الجنوبية من هذه المجتمعات الأفريقية فى مواجهة الهوية العربية الإسلامية فى شمالها. الأمر الذى عمق من هوة الخلاف والفرقة بين الجانبين لا سيما مع تركيز خدمات الصحة والتعليم فى الجنوب على حساب الشمال وإن قلل من ذلك، تمسك أبناء هذه المجتمعات بهويتهم الإسلامية[132]. رغم الأخذ باللغة والثقافة الفرنسية فى تلك المناطق. على أنه مما يزيد من مساوئ الاستعمار الفرنسي وآثاره على الهوية العربية الإسلامية هو مبادرة فرنسا بتسليم الحكم فى البلاد المذكورة للنخب المتفرنسة وشغل كافة المناصب العليا بكوادر تابعة وموالية لفرنسا بالأساس. الأمر الذى أدى إلى ازدياد عدد النخب المتفرنسة حتى بعد رحيل فرنسا الاستعمارية عن القارة [133]. بل واستناد كثير من حكومات هذه البلدان فى بقائها واستمرارها على الدعم الفرنسي بكافة أشكاله على نحو ما تكشف خبرة كل من السنغال والنيجر وتشاد ومالى على اختلاف المراحل وطبيعة المساندة..
ومن ناحية أخرى على ذات الصعيد أسفرت السياسات الفرنسية المناهضة للهوية العربية الإسلامية لبلدان الساحل فى أفريقيا عن تشجيع الهويات والثقافات البديلة على الصعيدين الدينى والثقافى بمحاولة دعم الديانة المسيحية بل والديانات التقليدية ما دامت على حساب الهوية الإسلامية المقترنة لزاماً بالثقافة العربية. وفى ذات السياق تشجيع دعاوى " الزنوجة " كإطار مناهض بدوره لهوية المنطقة (على نحو ما سيرد البيان عند الحديث عن التحديات)
وعلى الصعيد الاقتصادي يمكن القول اختصاراً أن كافة المثالب السالف بيانها عن الآثار الاقتصادية للاستعمار قد تحققت وتوافرت فى مجتمعات المنطقة موضع الدراسة. حيث عرفت المنطقة ازدواجية الأنشطة الاقتصادية وتوجهها لخدمة المستعمر وارتباط الخدمات والمرافق بذلك التوجه. علاوة على الطبيعة الاستنزافية فى استغلال موارد هذه المجتمعات لصالح فرنسا. وهى الآثار التى تركت بصماتها على الواقع الاقتصادي لتلك البلدان فى مرحلة الاستقلال.
حاصل ما سبق أن مرحلة الاستعمار وإن كانت فصلاً من فصول تاريخ طويل ممتد للشعوب الإسلامية بدول الساحل الأفريقى إلا أنها كانت ذات أثر بعيد المدى على كافة المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، الأمر الذى يجعل من تلك المرحلة نقطة فاصلة فى تاريخ هذه المجتمعات .. وإذا كان بعض الباحثين يذهب إلى صعوبة القول بأن المرحلة الاستعمارية تمثل انقطاعاً فى السياق التاريخى للمجتمعات الأفريقية انطلاقاً من تباين خبرة كل مجتمع. إلا أنه استناداً إلى خبرة مجتمعات دول الساحل وتاريخها الحضاري لا يصعب القول أن الاستعمار الفرنسي لهذه المجتمعات قد مثل بكل المعايير نقطة قطع وانقطاع للتطور التاريخى للمنطقة على نحو شوه واقع تلك البلدان وعقد من التحديات والمصاعب التى كان على هذه الدول أن تواجهها فى مرحلة ما بعد الاستعمار.
__________________
بنت الاسلام غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس