عرض مشاركة واحدة
قديم 03-23-2011
  #2
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,194
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: المثنوي العربي النوري - قطرة


المثنوي العربي النوري - ص: 114
وكذا ان الارواح والعقول في اضطرابات مزعجة ناشئة من امراض وضلالات ناشئة من الاستنكارات الناشئة من الاستبعاد والاستغراب والحيرة في اسناد الاشياء الى انفسها واسبابها الامكانية 1. فتجبر الاضطراباتُ الارواحَ للخلاص والتشفي 2 الى الفرار الى الواجب الوجود الواحد الاحد الذي بقدرته يحصل ايضاح كل مشكل، وارادتُه مفتاح كل مغلق، وبذكره تطمئن القلوب. فلا ملجأ ولامنجأ ولامناص ولامخلص، الا الالتجاء والفرار الى الله والتفويض اليه. كما قال الله تعالى (فِفرّوا الى الله) 3 (ألا بِذِكرِ الله تطمَئِنُ القُلوبُ) 4 فتفتح هذه الحقيقة ايضاً مشكاةً نظارة الى الحدس الصادق، المنظّم الى نور الاسلام، المنظّم الى التسليم لطور النبوة، المنظّم لنور الايمان بواجب الوجود الواحد الاحد، فتشهد الكائنات بلسان كل جزء من اجزائها: الله لا إله الاّ هو..
(18) وان "بساطة الاسباب" الظاهرية كالخبز واللبن، ومحدوديتها وحصرها وانضباطها وعرضية بعضها وفقرها وضعفها وموتها وجمودها في ذاتها وعدم شعورها وعدم ارادتها بالمشاهدة، واعتبارية القوانين، وموهوميتها، وعدم تعينها الا بمقننها، وعدم وجودها الموهوم الا بعد رؤيتها، وعدم رؤيتها الاّ بعد وجود المسبب "مع خوارق نقش المسببات" واعجبية صنعتها كتشكيلات نُسُج حجيرات البدن بسببية اكل الخبز، وكتابة النقوش الغير المحدودة المنتظمة المكتوبة في خردلة الحافظة، كأن تلك الخردلة سند 5 استنسختها يدُ القدرة من صحيفة الاعمال، واعطتها ليد الانسان ليتذكّر به وقتَ المحاسبة، وليطمئن ان خلفَ هذا الهرج والمرج الوجودي مرايا للبقاء، يرسم العليمُ فيها الاشياء بانتظام بلا اختلاط - ولو كانت الاشياء كثيرة مختلطة - وكان المرسم فيه اضيق الاشياء بسببية وضعية التلافيف وتشكيلات الحروف والصور الذهنية في التكلم والتفكّر، بسببية قرع اللها 6 وحركة الذهن

_____________________
1 انظر "حباب" ص 130
2 مشتقة من الشفاء .
3 الذاريات : 50
4 الرعد : 28
5 اي المستند والدليل والحجة .
6 اللهاة : اللحمة المشرفة على الحلق في اقصى سقف الفم والتي تساعد على التصويت والتحكم في مخارج الكلام.



المثنوي العربي النوري - ص: 115
المقتضية هذه المسببات بالضرورة لقدرة غير متناهية؛ بل علم وارادة غير متناهيين. فتستلزم هذه الحقيقة انه لامؤثر في الكون على الحقيقة الاّ خالق قدير لانهاية لقدرته بوجه من الوجوه. وما الاسباب الاّ (بهانات) 1 وما الوسائط الاّ حجابات ظاهرية، وما الخاصيات والخواص الاّ اسماء وعنوانات وزُجيجات جامدة للمعاتِ تجلياتِ القدرة الازلية النورانية الغير المتناهية، المستندة، بل المتضمنة للعلم والارادة الازليين الغير المتناهيين. اذ التماس مع تلك القدرة بادنى شئ، اعظم واجلّ واكبر من جبال الاسباب. اذ تفعل لمعةُ تلك القدرة بامثال الخيوط الدقيقة الجامدة اليابسة امثالَ العناقيد، تلك الخوارق الحيوية الطرية، لو احيلت على الاسباب واجتمعت الاسباب والوسائط على ان يأتوا بمثله ما فعلوا ولو كانَ بعضُهُم لبعضٍ ظَهيراً. وتستلزم هذه الحقيقة ايضاً ان ما يسمى بالقوانين والنواميس انما هي: اسماء وزجيجات لتجليات مجموع العلم والامر والارادة على الانواع. وما القانون، الاّ امرٌ ممدود او أوامر مسرّدة. وما الناموس، الاّ ارادة مطولة او تعلقات منضدة.. فتفتح هذه الحقيقة مشكاة نظارة في الامكان الى مرتبة الوجوب تشهد الكائنات بلسان كل مسبب من مسبباتها منادية: الله لا إله الاّ هُو..
(19) وان "عدم تناهي خوارق نقش صنعة الكائنات واتقانها" والاهتمام بها، تستلزم قدرة غير متناهية، بل كل جزء منها ايضاً يستلزم تلك القدرة. فاذاً تستلزم وتقتضي وتدل بالضرورة على ان لهذه الكائنات خالقاً قديراً، له قدرة كاملة لانهاية لتجليات تلك القدرة بوجه من الوجوه. فاذاً استغنى عن الشركاء بالقطع فلاحاجة اليها بالضرورة، مع ان الشركاء الموهومة المُستَغنىة عنها بالقطع والضرورة، ممتنعةٌ بالذات. لايمكن أن يوجد فرد منها؛ وإلاّ لزم تحديد القدرة الكاملة الغير المتناهية من كل وجه، وانتهاءها في وقت عدم التناهي بالمتناهي بلا ضرورة، بل مع الضرورة في عكسه وهو محال بخمس مراتب بالضرورة. فمن هنا يكون الاستقلال والانفراد خاصيتين ذاتيتين للالوهية. مع انه لامحل ولاموضع ولا مكان للشريك، الا في الفرض الوهمي؛ اذ ما نزل سلطانٌ قط ولا احتمالٌ عن دليل، ولا امكاناً ذاتياً 2 ولم يوجد امارة ما قط على وجود الشريك في جهة من جهات الكائنات. والى اي

_____________________
1 حجج واهية.
2 اي: ولا حتى امكاناً ذاتياً.



المثنوي العربي النوري - ص: 116
جهة روجع واستُفسر عن الشريك، اعطي جواب ردٍ باراءة سكة التوحيد، مع انه لامؤثر في الكون على الحقيقة إلاّ واحد احد؛ بسرّ انّ اشرف الكائنات واوسع الاسباب اختياراً: الانسان، مع انه ليس في يد البشر من اظهر افعاله الاختيارية كالأكل والكلام من مائة جزء الاّ جزءٌ واحد مشكوك فيه. فاذا كان الاشرفُ والاوسعُ اختياراً هكذا مغلول الايدي فكيف بالاسباب الجامدة الميتة؟ فكيف يكون المنديل والظرف الذي لف فيه السلطانُ هديته، شريكاً للسلطان او معيناً له؟.. فتتحدس من هنا قطعاً، بان الاسباب حجاب القدرة فقط؛ ومناط الحكمة ليس الاّ.. فتفتح هذه الحقيقة ايضاً مرصاداً ناظراً الى الوجوب والوحدة؛ فتشهد الكائنات فيه بهذا اللسان منادية: الله لا إله إلاّ هُو..
(20) وان "تساند الاسماء المتجلية" في الكائنات، مع شمول بعض الاسماء كل شئ بظهور اثره فيها كالعليم، وتشاركها وتشابكها حتى في ذرة واحدة، وتعاكسها كلاً في كلٍ، وتمازجها كالالوان السبعة في ضياء الشمس، تدل هذه الاحوال مع وحدة أثرها على ان مسماها واحد احد فرد صمد؛ فتفتح مشكاة نظارة الى الواجب الوجود الواحد الأحد تشهد الكائنات فيها بهذا اللسان النوراني: الله لا إله إلاّ هُو..
(21) وان ما يتظاهر في مجموع الكائنات كلاً واجزاء: من "الحكمة العامة" المتضمنة للقصد والشعور والارادة والاختيار، الدالة على وجوب وجود حكيم مطلق؛ لإِمتناع الفعل بلا فاعل، ولإِمتناع ان يكون جزء المفعول المنفعل الجامد فاعلاً لهذا الفعل العام الشعوري..
(22) وما يتلألأ على وجه الكائنات من "العناية التامة" المتضمنة للحكمة واللطف والتحسين، الدالة بالضرورة على وجوب وجود خلاق كريم؛ لامتناع الاحسان بلا محسن..
(23) وما انبسط على وجه الكائنات من "الرحمة الواسعة" المتضمنة للحكمة والعناية والاحسان والانعام والاكرام والتلطيف والتودد والتحبب والتعرف، الدالة على وجوب وجود الرحمن الرحيم؛ لإِمتناع الصفة بلا موصوف ولإِمتناع ان


المثنوي العربي النوري - ص: 117
يُلبس هذه الحلة التي تسع السموات والارض غيره تعالى. اذ اين قامة هذه الاسباب الجامدة الميتة القصيرة الحقيرة، واين قيمة هذه الحلة الغير المحدودة؟..
(24) وما وزع على ذوي الحياة على تنوع حاجاتها من "الرزق العام" المتضمن للحكمة والعناية، والرحمة والحماية، والمحافظة والتعهد، والتعمد والتودد والتعرف الدال بالضرورة على وجوب وجود رزاق رحيم؛ لاِمتناع الفعل بلا فاعل، وامتناع أن يكون جزء المفعول فاعلاً لهذا الفعل العام..
(25) وما انتثر وانتشر في الكائنات من "الحي والحياة" المتضمنتين للحكمة والعناية والرحمة والرزق والصنعة الدقيقة والنقش الرقيق والاتقان والاهتمام المترشحة بتجليات قصد وشعور وعلم وارادة تامة عليها الدالة تلك الحياة على وجوب وجود قادر قيوم محيي مميت واحد؛ ولأن كل شئ واحد فخالقه واحد؛ اذ "الواحد لايصدر الاّ عن الواحد" فخالق الكل واحد خلافاً لقاعدة الفلسفة الكاذبة المشركة القائلة: "الواحد لايصدر عنه الا الواحد"
فهذه الحقائق الخمسة الممتزجة كالألوان السبعة في الضياء وكالدوائر المتداخلة المتحدة المركز، تدل بالبداهة على ان لهذه الكائنات رباً، قديراً، عليماً حكيماً، كريماً، رحيماً، رحمانَ، رزاقاً، حياً، قيوماً، متصفاً باوصاف الكمال.. فتفتح هذه الخمسة الممتزجة بضياء واحد مشكاة نظارة الى الحدس الصادق المنظم الى نور الاسلام، المنظّم الى التسليم لطور النبوة، المنظّم لنور الايمان بانه: هو الله الواجب الوجود الواحد الاحد. فتشهد الكائنات في تلك المشكاة بهذا اللسان ذي النغمات الخمس منادية. الله لا إله إلاّ هُو..
(26) وكذا ان ما يتلمع على وجه الكائنات من "الحُسن العَرَضي، والتحسين" المشيرين الى وجوب وجود مَن له الحسن الذاتي والاحسان..
(27) وما يُرى في خد الكائنات من "الجمال الحزين" المنعكس المرمِز الى وجوب وجود ذي الجمال المجرد..
(28) وما يُرى في قلبها من "العشق الصادق" المنادي على المحبوب الحقيقي.
(29) وما يُحَسّ به في صدرها من "الانجذاب والجذبة" الملوحين بالحقيقة الجاذبة التي تنجذب اليها الاسرار..


المثنوي العربي النوري - ص: 118
(30) وما "يُسمع من كل الكُمّلين من شهادتهم" بمشاهدتهم كون كل الاكوان ظلال انوار ذات واحد..
آيات نيرات.. فهذه الحقائق الخمسة تدل بالضرورة على ان لهذا الكون رباً واجب الوجود، متصفاً باوصاف الجلال والجمال والكمال. فتفتح كوة نظارة ايضاً تشهد الكائنات فيها بهذا اللسان ذي النغمات الخمس: الله لا إله إلاّ هُو..
(31) وكذا ان ما يُرى في جزئيات انواع الكائنات، من "التصرفات المتناظرة" والتصرف لمصالح الدال بالبداهة على وجوب وجود متصرفٍ حكيم واحد؛ لإِمتناع الفعل بلا فاعل، وامتناع ان يكون جزء المفعول المنفعل الجامد فاعلا لهذا الفعل العام الشعوري المتلاحظ..
(32،33) وما يُرى في اجزاء الكائنات من انواع النباتات والحيوانات من "التبديل لفوائد، والتحويل لحِكَم" الدالين على وجوب وجود رب مدبر حكيم..
(34) وما يُرى في اعضاء الكائنات ككرة الارض بليلها ونهارها من "التغيير لغايات" الدال على وجوب وجود فاعل مختار، فعال لما يريد؛ لإِمتناع الفعل بلا فاعل، ولإمتناع ان يكون مصدر هذه الافاعيل المتناظرة، غير قدرة الواجب..
(35) وما يُرى في العالم من "التنظيم لكمالات" الدال بالبداهة على وجوب وجود القادر القيوم؛ لاِمتناع التنظيم بلا ناظم، وامتناع ان يكون جزء الكثير الممكن المنفعل فاعلاً لهذا الفعل المحيط الشعوري. واين يد العنكبوت من نسجِ حُلّة قُدّت على مقدار قامة الكائنات؟ بل اين الاعمى الاشل الجامد واين نسج قميص مطرز لهذا العالم؟
ايضاً آيات 1 على وجوب الوجود والوحدة.. وهذه الحقائق الخمسة في الفعالية كالالوان السبعة في الضياء، وكالدوائر المتداخلة المتحدة المركز؛ تدل بالبداهة على ان لهذه الكائنات رباً متصرفاً حكيماً مدبراً فاعلاً مختاراً فعّالاً لما يريد قادراً قيّوماً متصفاً باوصاف الكمال. فتفتح هذه الحقائق الخمسة ايضاً بضياء واحد كوة نظّارة الى مرتبة الوجوب والوحدة، فتشهد الكائنات بهذا اللسان ذي الأصوات الخمسة منادية: الله لا إله إلاّ هُو..

_____________________
1 اي ماذكر من التصرف والتبديل والتحويل والتغيير والتنظيم.



المثنوي العربي النوري - ص: 119
(36) وكذا ان "حدوث الكائنات" كلاً وجزءاً يستلزم محدِثاً قديماً.. وان تردد الكائنات مجموعا واجزاء بين "الامكانات" الغير المحدودة ذواتٍ وصفاتٍ وكيفياتٍ بمقدار تخصصها تتزايد الامكانات. ثم اخذها هذا الشكل المنتظم المتقن المحكم من بين تلك الطرق العقيمة يستلزم ذلك التردد، ويدل بالضرورة على وجوب وجود رب عليم حكيم قدير.
(37) وان "احتياجات الكائنات" كلاً واجزاءً وجوداً وبقاءً مادة ومعنى، حياة وفكراً، مع فقرها وضعفها في ذاتها وقصر يدها عن ادنى حاجاتها، ثم قضاء حاجاتها - على تنوعها - من حيث لايُشعَر في اوقاتها المناسبة؛ تستلزم وتقتضي وتدل على وجوب وجود رب مدبر رزاق كريم رحمان رحيم..
(38) وان "افتقارات الكائنات" مجموعاً واجزاءً وجوداً وبقاء مادة ومعنىً، مع ضعفها في ذاتها وقصر يدها عن ادنى مطالبها، ثم اغناء مطالبها من حيث لايُحتسب في الاوقات اللائقة؛ تستلزم وتقتضي وتدل على وجوب وجود رحيم كريم فياض لطيف ودود.
(39) وان "فقرها في ذاتها" كالشجر والارض اليابسين في الشتاء "مع تظاهر الاقتدار المطلق" في معدن ضعفها كحياتهما في الربيع، يدل على وجوب وجود القدير المطلق الذي تتساوى بالنسبة اليه الذراتُ والشموس.
(40) وان فقر الكائنات لذاتها، مع تظاهر آثار "الغناء المطلق" كظهور الارزاق من التراب اليابس، يدل على وجوب وجود الغني المطلق الذي من حجيرات خزائن رحمته: الشمسُ والشجر، ومن مسيلات حوض رحمته: الماء والضياء.
(41) وان "موتها في ذاتها مع تظاهر انوار الحياة" يدل على وجوب وجود الحي القيوم المحيي المميت.
(42) وان "جمودها وجهلها مع تظاهر آثار الشعور المحيط" وان ذا 1 هذا الشعور سميع بصير، يدلان على وجوب وجود عليم خبير.

_____________________
1 صاحب هذا الشعور.



المثنوي العربي النوري - ص: 120
(43) وان "فناءها وتغيرها على الدوام بالانتظام" يدلان بالحدس القطعي على وجوب وجود المغير، الغير المتغير الدائم الباقي.
(44) وان ما لذوي الارواح من "العبادات النورانية" المقبولة المثمرة المتضمنة للمشاهدات والمكالمات والفيوضات والمناجاة، تدل على وجوب وجود معبود حقيقي.
(45) وان "تسبيحات الكائنات" القالية والحالية، 1 تدل على وجوب وجود من
(يُسبّحُ لهُ ما في السمــواتِ والارضِ) 2 اذ دلالة الفطرة صادقة، وشهادتها الفذة لاترد.. فكيف بدلالات غير متناهية وشهادات غير محصورة، قد اتفقت كالدوائر المتداخلة المتحدة المركز، على وجوب وجود مَن (يُسَبّحُ لَهُ مَا في السَّمواتِ والارضِ) بألسنة اقوالها واحوالها وبنقوش جباهها؟.
(46) وان "ادعية ذوي الحاجات" المقبولة والمستجابة، والمؤثرة والمثمرة، تدل بالضرورة على وجوب وجود مَن يجيب المضطر اذا دعاه.
(47) وان "التجاآت ذوي البلايا" شعورياً وغير شعوري عند الاضطرار الى حاميها المجهول، بل خالقها، تدل على وجوب وجود ملجأ الخائفين، وغياث المستغيثين.
(48) وان "مشاهدة كل الكُمّلين" العابرين من الظاهر الى الباطن، واتفاقهم بالكشف والشهود والذوق والمشاهدة على ان كل الاكوان ظلال لانوار ذات تدل على وجوب وجود شمس الازل الذى هذه الاكوان ظلال انواره.
(49) وكذا ان مايُعلم بل يُتحدس بل يُحسّ بل كأنه يُرى ويُشاهد ملء الكون والفضاء، قد توضعت على مثل الذرة امثال الجبال من "الافاعيل المتجلية، وتجليات الاسماء" السيالة الهابطة من مرتبة الوجوب والوحدة، تدل بالضرورة على ان مبدأ هذه الافاعيل ليس مرتبة الامكان، بل هي اشعة مرتبة الوجوب، وتدل على وجوب وجود ذات مقدس فاعل لهذه الافاعيل، ومسمىً لهذه الاسماء.

_____________________
1 بلسان الحال والمقال.
2 الحشر : 24



المثنوي العربي النوري - ص: 121
(50) وان "اضطرابات الارواح" من الاستبعاد والاستغراب والحيرة والكلفة المنجرة الى الاستنكار ثم الى محالات متسلسلة في تفويض الاكوان الى انفسها واسبابها تلجئ العقول والارواح، للخلاص من مرض الاضطراب والتشفي منه الى امتثال امر:(فـفـرُّوا الى الله) 1 (ألا بـِذكــرِ الله تَطمَئِنُ القُلوب) 2 (والى الله تُرجعُ الاُمور) 3 الذي بقدرته يحصل الايضاح لكل مشكل وبذكره تطمئن القلوب. نعم لامؤثر في الكون حقيقةً الا الله..
(51) وكذا ان ما يُرى من "القَدر بالضرورة" في المحسوسات، و"بالنظر" في غيرها، يدلان على وجوب وجود مَن خلق كل شئ وقدّره تقديراً؛ اذ عالم الشهادة مجموعاً واجزاءً لكل شئ منه غايات منتظمة، ونهايات مثمرة وحدود كانها آجال منتظمة، التي تسمى بالمقادير التي لاتحصل الا بقوالب وما هى إلاّ القضاء والقدر، التى هي قوالب القدر قُدّتْ على مقدار قامات الاشياء تعينت اولاً فبنيت الاشياء على هندستها. فان شئت مثالا فانظر الى بدنك باعوجاجاته ويدك باصابعها.. فينتقل بالحدس الصادق، من هذا القَدر الضروري الى القَدَر النظري في المعنويات والاحوال؛ اذ لها ايضاً نهايات وغايات مثمرة وحدود وآجال منتظمة، هي مقاديرها، هي قوالبها ترسمت بيد القضاء والقدر، فكتبت القدرةُ كتاب المعاني على مِسطر القَدَر. فالقُدرة مصدرٌ، تنظر الى مِسطَر القدر. 4 فهذان القَدران يدلان بالضرورة على وجوب وجود مَن هذه الكائنات خطوط قلم قضائه وقدره. آمنا!..
(52) وكذا ان "جامعية استعدادالانسان" تخبرنا بان البشر ثمرة شجرة الخلقة، فيكون اكملَ وابعدَ، فوجههُ الشفاف متوجه الى الظلمة وفضاء العدم الذي هو باطن الدنيا. وما في جامعية الاستعداد من قابلية العبادة، تخبرنا بان الانسان ما خلق هكذا، ليكون منكوس الرأس يخلد الى الفاني، بل قابلية العبادة لصرف وجهه الشفاف من الظلمة الى النور، ومن فضاء العدم الى الوجود، ومن المنتهى الى المبدأ، ومن الفاني الى الباقي، ومن الخلق الى الحق. كأن العبادةَ حلقة اتصال بين المنتهى

_____________________
1 الذاريات : 50
2 الرعد : 28
3 فاطر : 4
4 اي ان تجليات القدرة المطلقة تنضبط وفق مقادير القدر كما هو في علم الله.



المثنوي العربي النوري - ص: 122
والمبدأ في دائرة الخلقة. فتشهد الفطرة بهذا اللسان على وجوب وجود مَن خلق الخلق ليُعْرَف وخلق الجن والانس ليُعْبَد. آمنا..
(53) وكذا ان ما يُشاهد في الكون من مرتبة "الامكان والكثرة والانفعال" يستلزم بالبداهة الاَولَوية مرتبة الوجوب والوحدة والفاعلية، فيدل بالضرورة على وجوب وجود الواجب الوجود الواحد الاحد الفعال لما يريد. آمنا..
(54) وكذا يُشاهَد في الكائنات ان "الاشياء تتحرك قبل الوصول الى نقطة الكمال لها" ثم تسكن بعد الوصول وتستقر. فيتحدس من هنا بان الوجود يقتضي الكمال؛ والكمال يقتضي الثبات، فوجود الوجود بالكمال، وكمال الكمال بالدوام، فالواجب السرمدي، هو الكامل المطلق. فكل كمالات الممكنات ظلال لتجليات انوار كماله. فتدل هذه الحقيقة على ان الله هو الكامل المطلق في ذاته وصفاته وافعاله. آمنا..
(55) وكذا ان "ألْطفية باطن الشئ من ظاهره" كما يدل على ان صانعه ليس خارجاً بعيداً منه، كذلك "محافظته لِنِسَب النظام والموازنة" مع سائر الاشياء يدل على انه ليس داخلاً في الشئ ايضاً. فالنظر الى المصنوع في ذاته كما يدل على ان صانعه عليم حكيم.. فالنظر اليه مع الغير يدل على ان صانعه سميع بصير، فوق الكل يراه مع الغير يرسم بهما نقشاً لمصلحة. فيدل هذه الحقيقة على وجوب وجود الصانع الذي ليس داخلا في العالم ولا خارجاً، كما هو في أبطن البطون كذلك فوق الفوق، كما يرى شيئاً يرى معه كل الاشياء. آمنا..
فهذه الحقائق العشرون المتمازجة كالوان القوس القزح وكالدوائر المتداخلة المتحدة المركز، آيات نيرات تدل بالضرورة على ان لهذه الكائنات رباً، قديماً واجب الوجود، عليماً، حكيماً، مريداً، قديراً، رحمان، رحيماً، رزاقاً، كريماً، قادراً، غنياً، حياً، قيوماً، عليماً، خبيراً، دائماً، باقياً، معبوداً
(يُسَبحُ لَهُ ما في السمــواتِ والارضِ) 1 (يُجيبُ المُضطرَّ اذا دَعاهُ) 2 ملجأ الخائفين، غياث المستغيثين، الذي هذه الكائنات ظلال انواره وتجليات اسمائه وآثار افعاله.. الذي بذكره تطمئن

_____________________
1 الحشر : 24
2 النمل : 62



المثنوي العربي النوري - ص: 123
القلوب.. واليه ترجع الامور.. خلق الجن والانس ليعبدوه.. نظّم الكائنات بقوانين قضائه وقدره.. وهو الواجب الوجود الواحد الاحد.. الكامل المطلق في ذاته وصفاته وافعاله.. وهو اللطيف الخبير السميع البصير..
فتفتح هذه العشرون من الحقائق المتمازجة، بانوار مخططة كواتٍ نظارة بوجوهٍ وجهاتٍ ومراتبَ الى الحدس الصادق المنظم لنور الاسلام المنظم الى التسليم لطور النبوة المنظم الى الايمان؛ بانه هو الله الواجب الوجود الواحد الاحد. فتشهد الكائنات بهذا اللسان ذي النغمات العشرين منادية: الله لا إله إلاّ هُو.واعلم! ان "الله لا اله الا هُو" بكل دلائله المزبورة 1 مثبت "لاحولَ ولاقُوّةَ الا بالله".
وكذا فاعلم انه "لا اله الا الله" بكل براهينه المذكورة، يستلزم "محمد رسول الله". فمحمد رسول الله كما يتضمن من الايمان خمسة اركانه، كذلك هو مظهرٌ ومرآةٌ لصفة الربوبية. فبهذا السر صار قريناً موازيا لـ"لااله الا الله" في ميزان الايمان، فتأمل. ولأن النبوة مظهر لصفة الربوبية تكون جامعةً وكليةً، والولاية خاصة وجزئية، فنسبتها اليها كنسبة صفة "رب العالمين" الى "ربي"... ونسبة العرش الى القلب.. ونسبة المعراج الممتد من الارض الى مافوق العرش المار على طوائف المُلك والملكوت الى معراج المؤمن في سجوده.. بالوجه الخاص..تنبيه
u اعلم! ان هاتيك البراهين على هذا المطلب العالي، كالدائرة المحيطة بالمركز، وكل نقطة من المحيط كمنفذ ينظر بلونه المخصوص الى المركز، وبين النقاط تساندٌ يزيل ضعفَ الأفراد الخصوصية، ويتولد من مجموع البراهين حدسٌ صادقٌ ينظَّم الى نور الاسلام، ثم يُنَظَّم الى التسليم لطور النبوة، ثم يُنظَّم لنور الايمان القيوم للمطلوب. وما البراهين الا منابع لتحلُّب هذا الحدس، فضعف الفرد يزول بسرّ التساند.. ومع فرض عدم زواله لايسقط الفردُ عن الجزئية وعن الاعتبار، بل عن الاستقلالية

_____________________
1 اي المكتوبة.



المثنوي العربي النوري - ص: 124
والبرهانية.. ومع فرض إبطال الفرد لاتبطل الدائرةُ بل تتصاغر.. وبفرض إبطالها لايزول الحدسُ الصادق.. وبفرض زواله فلا بأس ايضاً.. اذ نور الاسلام قائم، وبعدَه التسليمُ لطور النبوة لايتزلزل.. وبعدَه نور الايمان الموهوب قيومٌ. فطلبُ قوةِ وضوحِ المطلوب المترتب على مجموع البراهين من كل فردٍ على حدة بجزئية الذهن من مرض النفس، الذي يزيد مرضَها ويلقنها ملَكةُ الرد والانكار.. اللهم احفظنا!. فالبرهان الواحد اولاً يُنظر به الى المطلوب، ثم يتشرب انموذجُ المجموع فتتساقط عنه الاوهامُ.اعلم! ايضاً ان من البراهين ماهو كالماء، ومنها ما هو كالهواء، ومنها ماهو كالضياء، لابد من التوجه بلطفٍ ووُسعة نظرٍ في لينة؛ والاّ فبالحرص والتعمق والجسّ باصابع التحري يسيلُ ويزولُ ويختفي. 1
ثم اعلم! ان النظر الى شجرة ذات اغصان وفروع وثمرات لمعرفة حياتها وطعمها ودرجة قوتها على قسمين:
نظرٌ من طرف الاصل والجرثوم، فهذا نظر سهل وبسيط مستقيم متين.
والثاني: من طرف الثمرات والفروعات، فهذا النظر بدون النظر الاول سقيم موصلٌ الى الضلالات.
كذلك ان شجرة الاسلامية جرثومها في السماء، اغصانها منتشرة في آفاق الكثرة، فلمعرفتها نظران؛ وللدخول في دائرتها طريقان:
فالنظر الاول:
هو النظر من جانب الاصل، فاذا نظر الموفَّق الى الجرثوم يرى فيها حوضاً عظيماً منبعهُ الصافي هو الوحي المحض، فتزايدَ الحوضُ بتحلّب الآيات الآفاقية والأنفسية، فمن ذلك الحوض الممتزج مادة حياة الثمرات وغذائها. فاثبات حياة ثمرة واحدة تكفي لاثبات سائر اخواتها، بل - وكذا - تدل على حياة شجرتها مع ان اثبات حياة الثمرة سهل سريع يحصل برؤية الاتصال فقط. وابطالها وزوالها عسير بطئ

_____________________
1 تفصيل هذه البراهين في "زهرة من رياض القرآن" ص 280 وفي المذكرة العاشرة من اللمعة السابعة عشرة.



المثنوي العربي النوري - ص: 125
لايقتدر على ابطالها مع بقاء الاتصال، وعلى منبع سريان الحياة اليها مالايقتدر على قلع الاصل. ولو صادف هذا النظر بين الثمرات ميتة يابسة حَكَمَ بانها دخيلة ويحيل موتَها على الاسباب الخارجية. هذا النظر هو النظر الايماني والاسلامي والمستقيم السهل والمنقاد لطور النبوة.. اللهم ارزقنا وثبتنا عليه.
والنظر الثاني:
السقيم الذي هو منشأ الضلالات ومعدن الاضطرابات، هو النظر من جانب الثمرات بنظر تنقيدي.. وفي هذا النظر يحتاج في كل ثمرة الى الاثبات والذوق لفقد الاتصال هنا، مع ان اثبات ثمرةٍٍ فردةٍ وايصال مادة غذائها عسير يحتاج الى مايحتاج اليه تمامُ الاصل، مع ان زوالها وبطلانها سريع يحصل بادنى شئ. ولو صادف بينها ميتة يابسة احالها على موت الاصل.. اعاذنا الله من هذا النظر. لكن لو كان هذا النظر تابعاً للنظر الاول كان حسناً وسبباً لاطمئنان النفس..
سعيد النورسي


المثنوي العربي النوري - ص: 126
خاتمة هذا المبحث
في اربـعـــة امــراض 1
الاول: اليأس.. اعلم! انك اذا تدهّشت من العذاب وما وُفِّقتَ للعمل، تتمنى عدمَ العذاب، فتتحرى ما ينافيه، فترى الامارات المنافية براهينَ، فتخطفك الشياطين؛ فاستمع بقلب شهيد قوله تعالى:
(قُلْ يا عِبَادي الذينَ أسرفوا على أنفُسهِم لاتَقنَطوا مِن رَحمَةِ الله إنَّ الله يَغفِرُ الذُنوبَ جَميعاً إنَّهُ هوَ الغَفورُ الرحيمُ) 2.والثاني: العُجُب..
نعم يانفس! 3 ايستَ ثم تَحريتَ ماتستند اليه في مقابلة العذاب، فرأيت محاسنك، فوقعت في ضلالةٍ من باب العُجب، مع انه لاحقَّ لك قطعاً في شئ من الكمالات، فتأمل..
يانفسي! هذا الوجود الذي سكنته ما هو صنعتُك حتى تتملك وما هو لقيطةٌ التقطتها، حتى يُتَمَلَّك. وما هو نتيجة تصادفٍ اعمى واتفاقية عوراء واسباب جامدة حتى يُقتطف ويُتملك. وليس شيئاً رخيصاً بلا اهمية تافهاً سدىً اعرض عنه مالكهُ حتى تأخذَه وتتملَّكه، بل هذا الوجود بعجائب صنعته وغرائب نقشه يدل على انه خرج من يدِ صانعٍ حكيم، مهيمن عليه دائماً..

_____________________
1 في (ط1) اربعة امراض مضلة.
2 الزمر : 53
3 ذكّر النفس لان المقصود منه الانسان وفي (ت 59) يا اخي.

عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس