عرض مشاركة واحدة
قديم 03-23-2011
  #1
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,194
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي المثنوي العربي النوري - حبة


المثنوي العربي النوري - ص: 217
الرسالة السادسة
حبة
من نواتات ثمرة من ثمرات
جنان القرآن
حبة مى كويد:
من شاخ درختم براز ميوهء توحيد يك شبنمم أزيم بر از لئلؤ تمجيد 1
_____________________
1 [[الحبة تقول: انني غصنُ شجرةٍ مثقلٌ بثمرة التوحيد وقطرةُ ندىً من البحر الزاخر بلؤلؤ التمجيد.]]
طبعت هذه الرسالة لأول مرة بمطبعة "اوقاف اسلامية" باستانبول سنة 1340هـ (1922م)
المثنوي العربي النوري - ص: 218
في (ط 1)
افادة المرام
اعلم ! انه قيل لي ان الناس يقولون: لا نفهم كثيراً مما في آثاره فتصير ضايعة .
فأقول: لا تضيع باذنه تعالى . وسيجئ زمان يفهمها اكثر المتفكرين المتدينين ان شاء من بيده مقاليد كل شئ؛ اذ اكثر هذه المسائل ادوية جربتها في نفسي اعطانيها الفرقان الحكيم ، لكن يمكن ان لا يفهمها الناس كما أفهمها بتمامها! لان نفسي - بسوء اختيارها - من الرأس الى القدم ملمعة بالجروح المتنوعة ، فالسليمُ بحياة القلب لا يفهم درجة تأثير الترياق في السقيم بلدغ حية الهوى كما يفهمه هو ...
وايضا اني لا أتصرف في السانحات للتوضيح؛ عجزاً من التحرير او خوفاً من التغيير . فأكتبها كما سنحت...
وايضاً اتكلم في مكاني ، لا في مقام السامع المواجه لي - خلافاً لسائر المتكلمين الذين يفرضون انفسهم في مقام السامعين - فيصير امام كتابي (الذي) وجههُ اليّ، ومعكوسه ومقلوبه الى السامع، فكأنه يقرأ في المرآة فيتعسّر عليه؛ فاذا لا اذهب الى مقامه، فليرسل هو خياله اليّ لأضيفه على عيني ، في رأسي كي يرى كما أرى.
أدرجتُ في "نقطة وقطرة وذيلها وذرة وشمة وحبة" تفاريق حدسيات ، وقطعات مرآة اذا جاء باذنه تعالى من يركّبها ، بتحرير وتصوير، تظهر مرآة يظهر فيها وجه عين اليقين ويتحصل حدسٌ يزهر منه نور حق اليقين .. كيف لا ، وهو من فيض القرآن المبين!
اللّهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه..
آمــيـــن
المثنوي العربي النوري - ص: 219
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله على دين الاسلام وكمال الايمان والصلاة والسلام على محمّد الذي هو مركز دائرة الاسلام ومنبع انوار الايمان وعلى آله وصحبه اجمعين مادام المَلَوان 1 ومادار القمران. 2
اعلم ! أنه بينما ترى العالم كتاباً كبيراً ترى نور محمد "عليه الصلاة والسلام" مداد قلم الكاتب.. وبينما ترى العالَم يلبس صورةَ الشجرة ترى نورَه "عليه الصلاة والسلام" نواتها أولاً، وثمرتها ثانياً.. وبينما ترى العالم يلبس جسم الحيوان 3 ترى نوره "عليه الصلاة والسلام" روحه.. وبينما ترى العالم تحوّل انساناً كبيراً ترى نوره "عليه الصلاة والسلام" عقله.. وبينما ترى العالم حديقةً مزهرةً ترى نوره "عليه الصلاة والسلام" عندليبه.. وبينما ترى العالم قصراً مزيناً عالياً ذا سرادقات تتظاهر فيها شعشعة سلطنة سلطان الازل وخوارق حشمته، ومحاسن تجليات جماله، ونقوش خوارق صنعته، اذاً ترى نوره "عليه الصلاة والسلام" نظّاراً يرى لنفسه أولاً، ثم ينادي بيا ايها الناس تعالوا الى هذه المناظر النزيهة، وحَيهلوا 4 على مالَكُم فيه شئ من المحبة والحيرة والتنزه والتقدير، والتنور والتفكر ومالايحد من المطالب العالية. ويريها الناس، ويشاهِد ويشهَد لهم.. يتحير ويُحيِّرهم.. يُحب ويُحبِّبُ مالِكه اليهم.. يستضيئ ويُضئ لهم.. يستفيض ويفيض عليهم..
اعلم ! ان الانسان ثمرةُ شجرة الخِلقة. والثمرةُ تكون اكمل الاجزاء وأبعدها من الجرثوم، واجمعها لخصائص الكل.. وهي التي من شأنها ان تبقى وتُسْتَبقى.
_____________________
1 الليل والنهار ، الواحد ملاً .
2 الشمس والقمر .
3 اي : لو افترض العالم كائناً مجسماً ذا حياة ترى .. (ت: 196)
4 حيهلوا : اسم فعل بمعنى أقبلوا وعجّلوا وهلمّوا.

المثنوي العربي النوري - ص: 220
ومن الانسان مَن هو نواةٌ انبتَ القديرُ جل شأنه منها تلك الشجرة.. ثم صيّر الفاطرُ جل جلالُه ذلك الانسانَ ثمرةَ تلك الشجرة.. ثم جعل الرحمنُ تلك الثمرة النورانية نواةً لشجرة الاسلامية.. وسراجاً لعالمها.. وشمساً لمنظومتها..
وانه لابد في الثمرة من نواةٍ تشتمل بالقوة على لوازمات شجرةٍ هى مثل اصلها. واصغريةُ النواةِ لاتنافي اعظمية الشجرة، كنواة شجرة التينة..
وان في الانسان حبةً، لو كان الانسانُ ثمرةً، لكانت تلك الحبة نواتهُ، ألا وهي القلب..
فقد رأيت فيه بواسطة الاحتياج علاقاتٍ الى انواع العالَم، بل الى اجزائها.. وارتباطاتٍ الى جميع انوار الاسمآء الحسنى باحتياج شديد وفقر عظيم لتجلي فردٍ فردٍ منها.. حتى كأن له حاجات عدَد اجزاء العالَم، وله اعداء ملء الدنيا.. فما يطمئن الا بمَن يقتدر ان يُغنيه عن كل شئ، ويحفظه من كل شئ..
ورأيت فيه ايضاً قابلية تمثل مجموع العالم كالخريطة والفهرستة والانموذج والتمثال.. وان المركز فيه لايقبل الاّ الواحد الأحد.. ولايرضى الاّ بالابد والسرمد.. فهذه النواة وهي حبة القلب - ماؤه الاسلام وضياؤه الايمان - فان اطمأنتْ تحت تراب العبودية والاخلاص، وسُقيت بالاسلام، وانتبهتْ بالايمان، انبتت شجرةً نورانيةً مثاليةً من عالم الامر هي روحٌُ لعالمه الجسماني. وان لم تُسق بقت نواةً يابسةً منكمشة لائقة للاحراق بالنار الى ان تنقلب الى النور.
وكم في النواة من اعصابٍ رقيقة واشياء دقيقة لايُبالى بها، وتُرى اقلُّ من ان يُهتَمّ بها، الا ان لكلٍ منها - اذا انكشفت النواة - وظيفةً مهمةً بحشمة وعظمة.. كذلك لحبةِ القلب خدّام كامنة نائمة اذا انتبهتْ وانبسطتْ بحياة القلب يجولون في بساتين الكائنات كطيور سيارة، وتنبسط 1 بدرجة يقول المرء: الحمد لله على كل مصنوعاته، لأنها كلها لي نِعَمٌ.. حتى ان الفرض او الخيال الذي هو من اضعف خدام القلب واهونهم، له وظيفة عجيبة، يَدخل به صاحبهُ المتوكل - وهو في السجن مقيد - في حديقةٍ نزيهة، ويضع رأس صاحبه المتنبّه وهو يصلي في الشرق او الغرب تحت "الحجر الاسود" ثم يودع في الحجر الاسود شهادتي صاحبه..
_____________________
1 اي: حبة القلب.

المثنوي العربي النوري - ص: 221
ومن المشهود ان "البيدر" يدور على رؤوس "الاثمار".. والثمرة هي التي تنتَقى وتُستبقى.. فبيدر الحشر ينتظر بني آدم..
اعلم ! ان لكل احد من هذا العالم العام؛ عالماً خاصاً، هو عين العام، لكن مركزه هو الشخص، بدل الشمس. فمفاتيحُ ذلك العالم في نفس الشخص ومعلّقه بلطائفه.. ولونُ ذلك العالم وصفاؤهُ وحُسنهُ وقُبحهُ وضياؤه وظلمته تابعةٌ لذلك المركز. فكما ان الحديقة المرتسمة في المرآة تابعة في احوالها من الحركة والتغيّر وغيرهما للمرآة، كذلك عالم الشخص تابعٌ لمركزه الذي هو الشخص كالظل والتمثال. فلا تحسبنّ صغر جِرمك سبباً لصغر جُرمك، اذ ذرة من قساوة قلبك، تكدّر 1 عليك نجوم عالمك..
اعلم ! ان هذه ثلاثون سنة لي مجادلة مع طاغوتين وهما: "انا" في الانسان، و"الطبيعة" في العالم..
اما هذا، فرأيته مرآةً ظلياً حرفياً. لكن نظر الانسانُ اليه نظراً اسمياً قصدياً بالاصالة، فتفرعن عليه وتَنَمرَدَ.
واما هذه، فرأيتها صنعة الهيّة وصبغة رحمانية.. لكن نظرَ البشرُ اليها بنظر الغفلة فتحولت لهم "طبيعة" فتألّهتْ عند مادييهم. فأنشأتْ كفران النِعَم المنجرّ الى الكفر.
فللّه الشكر والحمد وبتوفيق الاحد الصمد وبفيض القرآن المجيد انتجت المجادلة قتل الطاغوتين وكسر الصنمين؛ بالنقطة ، والقطرة، والذرة، والشمة، والحبة، والحباب.. فتكشَّفتْ الصنعةُ الشعورية الالهية والشريعةُ الفطرية الربانية من حجاب الطبيعة الموهومة، وانسلختْ هي منها، اي نهارُها من ليلها. وتكشف "انا" عن ظل "هو". وانشقّ عنه فاشارت بـ"هو"الى مَن ليس كمثله شئ جل جلاله..
اعلم ! يا "انا"! لك امور تسعة في دنياك تعاميتَ عن ماهيتها وعواقبها:
أما جسدك؛ فكالثمرة المتزهرة المتزينة صيفاً، المنكمشة المتفسخة شتاءاً.
وأما حيوانيتك؛ 2 فانظر الى جنس الحيوان كيف يسرع فيهم الموت والزوال.
_____________________
1 مشتقة من انكدار النجوم اى تناثرها.
2 اي: حياتك المادية (ت: 108)

المثنوي العربي النوري - ص: 222
وأما انسانيتك؛ فمترددة بين الانطفاء والاصطفاء والزوال والبقاء، فاستحفظ على ما بقي بما من شأنه ان يبقى بذكر الدائم الباقي.
واما حياتك؛ 1 فكقامتك قصيرة معينة الحدود لاتقدَّم ولاتؤخَّر فلا تتألم ولاتحزن ولاتخف عليها ولاتحمّلها مالاطاقة لها به مما تطاول اليه طول الامل.
واما وجودك؛ فليس ملكاً لك، فله مالكٌ، الملكُ له واشفق به منك؛ فمداخلتك بغيرِ ما أمركَ به، فكما انها من الفضول وشُغل فضولي فكثيراً ما تضر؛ الا ترى الحرص و(مرق) النوم كيف يفعلان ويجلبان الخيبة والسهر!.
وأما مصائبك؛ فلا تمر 2 حقيقةً لانها تَمُرُّ سريعاً، بل تحلو لانها تَحوُل؛ فتحوِّلُ وجهكَ من الفناء في الفاني الى البقاء بالباقي.
واما انت هنا الآن؛ فمسافرٌ ثم مسافرٌ ثم مسافرٌ، والمسافرُ لايَعلّقُ قلبه بما لايتعلق به ويفارقه بسرعة. فكما ترتحل من هذا المنزل في هذا المسجد البتة، كذلك تفارق هذه البلدة قطعاً، إما الى بطنها او الى خارجها.. فكما ستفارقها بالضرورة، كذلك تذهب بل تُخرَج وتُطردُ - شئتَ أم أبيتَ - من هذه الدنيا الفانية؛ فاخرجْ وانت عزيز قبل ان تُطرد وانت ذليل.
واما وجودك؛ فافْدِهِ لموجدهِ الذي يشتريه بثمنٍ غالٍ، فسارعْ الى البيع بل الفداء:
اولاً: فلأنه يزول مجاناً..
وثانياً: لانه مالُه واليه يؤول..
وثالثاً: لأنه إن اعتمدتَ عليه سقطتَ في العدم لانه "باب اليه"، واذا فتحته بالتَرك وصلتَ الى الوجود الثابت..
ورابعاً: لانه اذا تمسكتَ به كان في يدك نقطة وجودٍ فقط، ويحيط بك مالايتناهى من الأعدام الهائلة.. واذا نَفَضْتَ يدك منه استبدلت لمعةً بشمس فينقلب محيطُكَ الى مالايتناهى من انوار الوجود.
_____________________
1 اي مدة بقائك وعمرك
2 مأخوذة من المرارة ضد الحلاوة.


المثنوي العربي النوري - ص: 223
واما لذائذ الدنيا؛ فقِسمتُكَ تأتيك، فلا تَطِشْ في طلبها.. ولزوالها بسرعة لايليق بالعاقل تعليقُ القلب بها. وكيف ما كانت عاقبة دنياك فتركُ اللذائذ أولى؛ اذ إماالى السعادة، وهي تستلزم تركها.. وإما الى الشقاوة، ومَن ينتظرُ الصَلبَ كيف يلتذُّ ويَستعذِبُ ما يزيد عذابهُ من تزيينات آلات الصَلب؟ وان توهمتَ بالكفر العدمَ - العياذ بالله - فأولى بالترك؛ اذ بزوال اللذة يحسُّ ذلك العدم الهائلُ ألمه الاليم آناً فآناً في ضمن زوال اللذائذ، وهذا الالمُ اثقلُ بمراتب من لذة الوصال إن كنت تشعر..
اعلم! ان مثلك وقد تصيب رأسَك المصائبُ المرماةُ "بالقدر"، كمثل اغنام مُرسَلة في المرعى، يراها الراعي قد تجاوزت، فيرمي الاحجار خلفها لترجع، فيقول المُصابُ رأسُه بلسان الحال: نحن تحت أمر الراعي، وهو أعرفُ بنا منا فلنرجع.. فيرجع.. فيرجعون..
فلاتكوني يانفسي اضلّ من الغنم!. فقولي عند المصيبة:
(إنّا لله وإنّا اليه راجِعُون) 1..
اعلم! ان من الدليل على ان القلب ماخُلق للاشتغال بامور الدنيا قصداً؛ انه: اذا تعلق بشئٍ تعلّق بشدةٍ، واهتمّ به اهتماماً عظيماً، ويتطلب فيه أبديةً ودواماً.. ويفنى فيه فناءاً تاماً. واذا مدّ يده يَمُدّ يداً تطيق ان تقبضَ على الصخور العظيمة وتَرفَعَها، مع ان ما يأخذه بتلك اليد من الدنيا، انما هو تينةٌ او تبنةٌ او ريشةٌ او شعرةٌ او هباءٌ او هواءٌ..
نعم القلب مرآةُ الصمد؛ فلايقبل حجرَ الصنم بل ينكسرُ به. والعاشق المجازي يرى ظُلمَ معشوقه في الأكثر، بسرّ: ان المعشوق بفطرته - بلا شعور - يردّ ولايرضى ماليس له بحق، وهو ليس بلائقٍ اسكانه في باطن قلب العاشق..
اعلم! ان القرآن اُنزل وانزلت به مائدةً سماويةً، يوجد فيها كل انواع ما تحتاج اليه طبقاتُ نوع البشر المتفاوتين في اشتهاء الأفهام.. في المائدة اطعمة مترتبة، قُدِّمَ أولاً في وجهِ السُفرة الالهية رزق الاكثر المطلق والجمهور الاعظم، اي العوام.. مثلا:
(أنّ السمواتِ والارضَ كانَتا رَتقاً فَفَتَقناهُما) 2 الصفحة الاولى: اي هما
_____________________
1 البقرة : 156
2 الانبياء : 30

المثنوي العربي النوري - ص: 224
رتقاوان، اما هذه فنقية صحو صافية. واما تلك فميتة غبراء يابسة. فازدوَجَتا باذنه تعـــالى فاولدت هذه امطـــاراً وتلك اثمــاراً. والدليــل على هذه الصحيفــــة (وَجَعلنا مِنَ الماءِ كُلَّ شئٍ حَيّ) 1. وخلف هذه الصفحة والصحيفة انفصال السيارات مع شمسها من عجين المادة التي خُِلقَت من نور سيّد الانام صلى الله عليه وسلم والآية 2 على هذه الصفحة حديث (اول ما خلق الله نوري..الخ) 3..
مثلاً:
(أفَعَيينَا بالخَلقِ الاَولِ بَل هُم في لَبسٍ منْ خَلقٍ جديد) 4 الصحيفة الاولى المقدمة في النظر، أنهم مع اقرارهم بخلقهم الاول الأعجب المشهود، يستبعدون الخلق الجديد الأهون؛ اذ له مثال سبق.. وان خلف هذه الصحيفة برهاناً نيراً على كمال سهولة النشر.. ايها المنكرون للحشر.. تُحشَرون.. وتنشرون في عمركم مرات، بل في سنتكم، بل في يومكم، تلبسون وتخلعون هذا الجسم كلباسكم صباحاً ومساءً يتجدد عليكم جسمكم كلباسكم. 5
اعلم! فيا عجباً من بلاهة النفس!.. ترى في نفسها اثر المصنوعية والمملوكية والتربية من طرف ربّ مختار حكيم، ثم تنظر الى امثالها من سائر الافراد والانواع والاجناس، فيتظاهر سر كلية القاعدة وشمول الفيض، وتحلب نوع اجماع وتصديق فعلي، فكان لازماً عليها ان تطمئن بتفطن سر: "كلية القاعدة ودستورية الحادثة". والحال انها تتخيل ما يقوي تجليات الاسماء عليها من عموم تجلياتها في دائرة الآفاق سبب الضعف وواسطة التستر وامارة الاهمال وعلامة انه لارقيب عليها فتقول: اتسعَ فامتنع.. عَظُم فَعَدِم. فهذه مغلطة يخجل منها الشيطان ايضاً..
_____________________
1 الانبياء/30
2 اي الدليل والبرهان.
3 (اول ما خلق الله نور نبيك يا جابر - الحديث) رواه عبد الرزاق بسنده عن جابر بن عبدالله في حديث طويل (كشف الخفاء 1 / 205) وفيه ايضاً ( 2 / 129) : (كنت اول النبيين في الخلق وآخرهم في البعث) قال في المقاصد: رواه ابو نعيم في الدلائل وابن ابي حاتم في تفسيره وابن لال، ومن طريقه عن ابي هريرة مرفوعاً ، وله شاهد من حديث ميسرة الفخر، اخرجه احمد والبخاري في تأريخه والبغوي وابن السكن وابو نعيم في الحلية وصححه الحاكم . اهـ.
4 ق : 15
5 تفصيله في اشارات الاعجاز - في تفسير قوله تعالى (وبالآخرة هم يوقنون) - المؤلف.

المثنوي العربي النوري - ص: 225
اعلمي! ايتها النفس المتضجرة القلقة.. ان كل احوالك في التعين، والنقش في جبهتك بقلم القَدر، كطلوع الشمس وغروبها. فان اردت ان تضربي سندان القدر برأسك العليل، فتضجّري. واعلمي يقيناً، ان من لايستطيع ان ينفذ من اقطار السموات والارض، لابد ان يرضى رضاء محبةٍ بربوبيةِ مَن (خَلقَ كلَّ شئٍ فَقَدَّرهُ تَقديراً) 1.
اعلم! لو كان صانع الشئ في الشئ لناسَبه، ولَتَنَوعَ بعدد الاشياء . واذا لم يكن فيه فلا ، كهذا الكتاب : يُكتب بقلم واحد مع انه لا يُطبع الا بحديدات مصنوعة ، موضوعة تحته عدد حروفه، ولو تَنَبَّتَتْ نقوش الصنعةِ المتقنة في شئ منه وتحلّبت ثمراتُها وترشحت حروفُها من نفسه وإمكانه ، لا نبثتْ وانتثرتْ وانتشرتْ ولخرجت عن الانتظام . لكن فيها استقرار تام وانتظام كامل فلم ينكتب نقشَ الشئ منه ولن ينكتب منه ابداً ، بل يُكتب عليه بقلم القُدرة على مِسطَر القَدَر. .
اعلم! ومن الغرائب ان العقل الذي يتطاول الى الاحاطة بالعالم والنفوذ الى الخارج والخروج من دائرة الامكان، يغرق في قطرة.. ويفنى في ذرة.. ويغيب في شعرة.. وينحصر الوجود عنده فيما فنى فيه.. ويريد ان يدخل معه كل ما احاط به في النقطة التي بَلَعته.. 2
اعلم! انه لو كان المُلك لك لتنغّص عليك التنعم بتكلف التعهد والتحفظ والتخوف. والمنعمُ الكريم يتعهد كل لوازمات النعمة.. وما يفوّض اليك الاّ التنعم والتناول من سُفرة احسانه. والشكر الذي يزيد لذةَ النعمة.. اذ الشكر رؤية الاِنعام في النعمة ورؤية الاِنعام تزيل ألمَ زوال النعمة؛ اذ تزولُ النعمة حينئذٍ فلا تعطي موضعها للعدم حتى تُؤلم، بل تُخلي الموقعَ لمجئ المثل كالثمرة، فتعطيك لذة التجدد.
(وآخرُ دعْويهُم اَنِ الحمدُ لله رَبّ العَالمين) 3 يدل على ان الحمدَ عينُ اللذة. نعم، ان سر الحمد؛ رؤية شجرةِ الاِنعام في ثمرة النعمة. فيزول المُ تصوّر الزوال فيُلتَذ بنفس الحمد..
_____________________
1 الفرقان : 2
2 نعم ! ان اكبر فلاسفة الارض عقلاً يغرق في قطرة من الالم ، ويفنى في ذرة من المحبة ، ويغيب في شعرة من السرور ، وينحصر الوجود عنده في لحظة فناء باهتماماته، ويجهد ان يسحب معه كل معارفه الوجودية الى عمق النقطة التي ابتلعته.
3 يونس : 10


المثنوي العربي النوري - ص: 226
اعلم! ان المعلومات الآفاقية لاتخلو عن الاوهام والوساوس. واما اذا استندت الى الأنفس واتصلت بالوجدانيات المشعورة بالذات، تصفّت عن الاحتمالات المزعجة. فانظر من المركز الى المحيط، ولاتعكس فتنتكس.
اعلم! ان هذه المدنية السفيهة المصيرة للارض كبلدة واحدة، يتعارف اهلُها ويتناجون بالاثم ومالايعني 1 بالجرائد صباحاً ومساءً، غَلُظَ بسببها وتكاثفَ بملاهيها حجابُ الغفلة، بحيث لايُخرق الاّ بصرف همةٍ عظيمة. وكذا فتحت لروح البشر منافذ غير محدودة نظّارة الى الدنيا يتعذّر سدُّها الاّ لمن خصّه الله بلطفه..
اعلم! ان الذرة تسع الشمس بتجليها فيها بالمشاهدة ولا تسع تلك الذرة ذرتين بالذات بالبداهة، فذراتُ الكائنات ومركباتها - كقطرات المطر ورشاشاتها المتشمسة المتلألئة بتماثيل الشمس - قابلةٌ لأن تصير مظاهر للمعات تجليات القدرة النورانية الازلية المطلقة المحيطة المستندة؛ بل المتضمنة للعلم والارادة الازليين الغير المتناهيين.. ولايمكن ان تكون ذرة حجيرة عينك منبعاً ومعدناً لقدرة وشعور وارادة تتحمل وظائفها العشرة من خَدَمتها في الاعصاب المحركة والحساسة والاوردة والشرايين والابصار والتصوير وغيرها مما يتيه فيه الفكر.
فهذه الصنعة المتقنة العجيبة، والنقش المزين المنتظم، والحكمة العميقة الدقيقة، تقتضي قطعاً:
إما ان يكون كل ذرة وكل مركب في الكائنات معدناً ومنبعاً ومصدراً لصفات محيطة مطلقة كاملة..
وإما ان يكون مظهراً ومعكساً ومَجلَىً للمعاتِ تجليات شمس الازل الذي له هذه الصفات.
والشِق الاول فيه محالات بعدد ذرات الكائنات ومركباتها. فمن جاز عنده ان يحمل على جناحىَ نحلة جبلى "سُبحانْ وآرارات" 2 وان ينبع من عيني بعوضة "النيل والفرات"، فليذهب الى الشق الاول؛ فتشهد كلُّ ذرةٍ بِعَجزها عن تحمل مالا طاقة لها به، انه: لاموجد ولا خالق ولا رب ولا مالك ولا قيوم ولا إله الاّ الله. وكل
_____________________
1 وما لا يعني من الامور التي تلهي الانسان.
2 جبلان يقعان شرقي تركيا.


عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس