عرض مشاركة واحدة
قديم 02-03-2017
  #1
admin
مدير عام
 الصورة الرمزية admin
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: uae
المشاركات: 717
معدل تقييم المستوى: 10
admin تم تعطيل التقييم
افتراضي السادة آل باعلوي الحضارمة حماةُ العقيدة، وخُدّام الكتاب والسنة، وفرسَانُ دعوة الإسلام

السادة آل باعلوي الحضارمة
حماةُ العقيدة، وخُدّام الكتاب والسنة
وفرسَانُ دعوة الإسلام


بقلم/ د. محمد أبوبكر باذيب


الحمدلله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، سيدنا ونبينا محمد سيد المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وتابعيهم بإحسان الى يوم الدين. وإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدى هدى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الذي ترك أمته على البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك.
أما بعد؛ فإن من أعظم مقاصد الدين الإسلامي العظيم، ومن أهم الأمور التي نزلت بها شريعة الإسلام، أمْرُ الله تعالى بوحدة الصف، وجمع الكلمة، وعدم التفرق، ونبذ العصبيات القبلية والتنابز بالألقاب، والآيات الكريمة كثيرة في هذا الصدد، قال تعالى: ﴿وأن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون﴾[الأنبياء: 92]، وقال سبحانه: ﴿قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني﴾[يوسف: 108]. ولا شيء أعظم بعدَ الإسلام من الاستقامة والاتباع، وموالاة أهل الإسلام، ومحبتهم، والحرص على وحدة صفهم، والذب عن حرماتهم، وإشاعة الحق وإظهاره لمن خفي عليه منهم.
وهذه سطور في بيان حق أبلج، لدفع باطل لجلج، دفعني لكتابتها ما رأيته من واجب البيان، وقطع تخرصات اللسان والبنان، الذي اشتط من بعض الناس، تجاه قوم أتقياء مخبتين، وعشيرة عرفت بكثرة العلماء والصالحين، ترعرع في بيتهم الدين، وعرفت بهديهم وسلوكهم مشارعُ التقوَى واليقين، في أمصار المسلمين، لدى المتقدمين منهم والمتأخرين. الصادق فيهم قول القائل:
أولئك القَومُ إن عُدُّوا وإن ذُكِرُوا




ومن سِواهُمْ فلغْوٌ غيرُ معْدُودِ


مقالي هذا، يكشف النقاب، لمن لا يعلم، عن تلك العقائد الصافية، والأقوال الشافية، للسادة الأشراف، آل باعلوي الحضارمة الحسينيين السنيين الشافعيين، الذين ألوية شرفهم غدت خافقة، وشموس علومهم ودعوتهم لم تزل في كل قطر شارقة، وما من بلد في شرق الأرض وغربها إلا وفيها منهم جماعات يقيمون الشريعة الغراء، ويرشدون الناس إلى الطريقة الواضحة التي هي من الشوائب نقية خلصاء.
وفي تعَبٍ من يجحَدُ الشمْسَ ضَوءَها




ويجهَدُ أن يأتي لها بِضَريبِ












تلك العقائد الصافية التي بينها الإمام المجدد عبدالله بن علوي الحداد باعلوي (ت 1132هـ) في قوله: «اعلم أن التوحيد أعظم النعم، وأكبرها، وأنفعها لأهل الدنيا والآخرة. فعلى من أنعم الله به عليه، وأكرمه به، أن يعرف قدر نعمة الله بذلك، وأن يسعى في حفظها، ودوام الشكر والاغتباط بها، وأن يجتهد في تقوية توحيده، وثباته، وتأكيده، بملازمة الأخلاق الحسنة، والأعمال الصالحة، والطاعات الخالصة، التي هي من فروع التوحيد، وثمرات الإيمان»(1).




أصول نسب السادة آل باعلوي الحسينيين:







السادة آل باعلوي، قطنوا في وادي حضرموت منذ القرن الرابع الهجري، بعد قدوم جدهم السيد الإمام المهاجر أحمد بن عيسى بن محمد النقيب بن علي العريضي بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن السبط الشهيد الحسين بن علي بن أبي طالب، رضي الله عنهم أجمعين، وصلى على مشرفهم سيد المرسلين أبي القاسم الأمين، وأبي الزهراء البتول أم الحسنين، وزوج الكرار الأنزع البطين.
نسَبٌ كأنّ عليه من شَمْسِ الضُّحَى




نُوراً، ومن فلَقِ الصبَاحِ عمُودا


ما فيه إلا سيدٌ من سَيّدٍ




حازَ المكارم والتّقَى والجودا



كانت هجرة السيد المهاجر الى حضرموت قادماً من البصرة سنة 318هـ، ووفاته سنة 345هـ(2). وبعد استقراره في تلك الربوع، انتشرت ذريته المباركة، وتكاثرت في الوادي الميمون، وانتشرت في كل مدنه وبلدانه وقراه، ومنهم من هاجر الى أصقاع المعمورة، فكان لهم في مواطن هجرتهم الشهرة الواسعة، والذكر والصيت الحسن.



شهرة نسب السادة آل باعلوي:

استفاضت شهرة نسب السادة آل باعلوي في أصقاع العالم، والكلام في هذا الصدد يطول. وقد اعتنى علماء آل باعلوي ونسابوهم بحفظ هذا النسب الطاهر، ودونوه في مشجرات بهية، ومصنفات شهية، وتناقلوا تلك المشجرات طبقة عن طبقة، وكابراً عن كابرٍ، من القرن الثامن الهجري فما بعده، الى مطلع القرن الرابع عشر، حيث قام مفتي تريم، السيد العلامة عبدالرحمن المشهور بتحرير تلك المشجرات، وأضاف أسماء كل أو جل السادة الذين ولدوا في عصره، مع ترجمة مختصرة لمشاهيرهم وأعيانهم، وذكر تواريخ مولدهم ووفاتهم، وذكر بلدان ومواطن هجراتهم. ثم لخص أصول أنسابهم في كتابه الشهير «شمس الظهيرة»، وهو مطبوع في مجلدين. وإنما خصصت جهد السيد المشهور بالذكر لكونه متمماً ومشتملاً على جهود من قبله، والإفاضة في هذا الباب ليس موضعها هنا.


وإلا فقد ذكر هذا النسب كبار مؤرخي الإسلام، كالمؤرخ الجندي (ت بين 730هـ و732هـ) في كتابه الجليل النفع «السلوك في طبقات العلماء والملوك»، في الجزء الثاني منه (ص 135)، في ترجمة العلامة المحدث السيد علي ابن جديد العلوي الحضرمي الحسيني، المتوفى بمكة المكرمة سنة 62هـ، حيث ساق نسبه قائلاً: «أبو الحسن، علي بن محمد بن أحمد بن جديد بن علي بن محمد بن جديد بن عبدالله بن أحمد بن عيسى بن محمد بن علي بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب، كرم الله وجهه، ويُعرف بالشَّريفِ أبي الجديدِ عند أهل اليمن. أصله من حضرموت، من أشرافٍ هنالك يعرفون بآل أبي علوي»، إلى آخر ما قاله.
وهذا الحافظ شمس الدين، محمد بن عبدالرحمن السخاويّ (ت 902هـ) دفين المدينة المنورة، ترجم في كتابه الشهير «الضوء اللامع» لعدد من كبار رجالات آل باعلوي، منهم السيد عبدالله بن محمد صاحب الشبيكة، ترجم له في (الجزء الخامس، صفحة 59)، فسرد نسبه قائلاً: «عبدالله بن محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن محمد بن علي بن محمد بن علي بن علوي بن محمد بن علوي بن عبيد الله بن أحمد بن عيسى بن محمد بن علي بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن زيد العابدين علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب، الحسيني الحضرمي، ثم المكي نزيل الشبيكة»، انتهى.






وممن أشاد بنسب آل باعلوي، الإمام الفقيه، شيخ الإسلام ابن حجر الهيتمي المكي (ت 973هـ)، حيث قال في نص إجازته التي حررها بمكة في ذي الحجة سنة 942هـ، للسيد العلامة شيخ (الأوسط) بن عبدالله العيدروس (ت 990هـ) دفين أحمدآباد من بلاد كجرات بأرض الهند: «.. وكان ممن اقتفى آثار سلفه الأماثل، كنوز الحقائق، وينابيع الفضائل، ذوي الكرامات الشهيرة، والفضائل الكثيرة، بجمعهم بين الشريعة والحقيقة، وحوزهم شرفي النسب واستقامة الطريقة»(3)، الى آخرها. وفي «ثبته» المطبوع من ذكر آل باعلوي وسوق أسانيدهم الشيء الكثير.


الشيخ يوسف النبهاني رحمه الله

وممن أشاد بهم الشيخ القاضي العلامة يوسف النبهاني اللبناني البيروتي (ت 1350هـ)، في مقدمة كتابه «رياض الجنة في أذكار الكتاب و السنة»، حيث يقول: «إن سادتنا آل باعلوي، قد أجمعت الأمة المحمدية في سائر الأعصار و الأقطارِ، على أنهم من أصح أهل بيتِ النبوة نسباً، و أثبتهم حسباً، و أكثرهم علماً و عملاً و فضلاً و أدباً. وهم كلهم من أهل السنة والجماعة، على مذهب إمامنا الشافعي، رضي الله عنه، مع كثرتهم إلى درجةٍ لا يقلون فيها عن مائة ألف إنسانٍ، و مع مجاورة بلادهم، و هي بلاد حضرموت بلادَ الزيدية، و مع تفرقهم في سائر البلاد، ولاسيما بلاد الهند. أما علماؤهم الكبار، و أولياؤهم الأخيار، أصحاب الأنوار والأسرار، في هذا العصر و ما تقدّمه من الأعصار، فهم أكثَر وأنْوَر من نجوم السماء، بهم يحصل لكل من اقتدى بهم الاهتداء، و لا يمتري في صحّة نسبهم، وكثرة فضائلهم ومزاياهُم التي تميزوا بها عن الأنام، ببركة جدهم عليه الصلاة و السلام، إلا من قلَّ حظُّه في الإسلام»(4).






ولا يفوتنا هنا أن نورد كلمة عظيمة، كتبها أحد علماء البلد الحرام، وهو الشيخ العلامة القاضي جعفر بن أبي بكر اللبني الحنفي (ت 1342هـ) في كتابه «الحديث شجون»، ونقلها عنه من أتى بعده من مؤرخي مكة المكرمة، كالعلامة الشيخ عبدالله غازي المكي في تاريخه الكبير «إفادة الأنام». قال الشيخ جعفر رحمه الله: «وأكثر السادة قاطن مكة والمدينة هم آل باعلوي، الذين انتشر ذكرهم في حضرموت، ثم صاروا يقدمون من حضرموت إلى مكة والمدينة وغيرهما من بلاد الله، وهم من نسل الفقيه المقدم، وهو من ذرية [أحمد بن] عيسى المهاجر، وينقسمون اليوم إلى: سقاف، وعطاس، وحبشي، وجفري، وما أشبه ذلك، فهؤلاء السادة هم المُسَلَّم لهم، لحفظ أنسابهم، وهم المعروفون عند نقيب السادة في مكة والمدينة، ولا يكون نقيب السادة في مكة والمدينة إلا منهم، وهم تضبط مواليدهم أينما كانوا، وتحصر أسمائهم وتحفظ أنسابهم على الطريقة المعروفة عندهم، لاقتسام وارداتهم من أوقاف ونحوها. ومن عداهم من كل من انتمى إلى النسب الطاهر سواءً كان مصرياً أو شامياً أو رومياً أو عراقياً، فإنهم على كثرتهم لم يُسلّم لهم؛ لعدم ضبط أنسابهم على قاعدة مسلّمة عند الجمهور، غير أن بعضهم تقدم معه قرائن يحصل بها بعض الظن على صدق مدعاه، وإن لم يكن بحيث يقيد بدفتر السادة آل باعلوي»(5).
أسباب ودوافع هجرة السيد المهاجر:







هجرة السيد المهاجر كانت لمقاصد شرعية، فقد أراد أن يحفظ ذريته في مكان ناء عن الفتن التي أحدقت بأرض العراق، والنيران المشتعلة التي أججتها الصراعات والخلافات السياسية والعقائدية، على حد سواء، بين أهل الإسلام، في ذلك الوقت(2). وقد كتب عددٌ من الباحثين عن الأسباب التي دعت السيد أحمد بن عيسى للهجرة من البصرة، وهي تتلخص في أسباب سياسية، ودوافع دينية. فأما الأسباب السياسية فكان منها خراب البصرة على أيدي الزنج عندما ثاروا بين سنتي 255 و270 للهجرة، ثم ظهور القرامطة والشيعة الباطنية. فكانت تلك الأسباب مجتمعة دافعة له إلى الهجرة(6). لكن سبباً مهماً، كان أكبر الدوافع، أو من أكبرها، وهو خشيته على عقائد ذريته أن تختلط بعقائد دخيلة، أخذت طريقها، آنذاك، في الانتشار، بالسنان واللسان، وهي بدعة الرفض، لاسيما وهو من أوسط بيوت العلويين الحسينيين نسباً وحسباً. ولما كان أهل البيت أدرى بالذي فيه، فإننا نسوق مجموعة من أقوال أكابر السادة آل باعلوي، الذين تحدثوا في كتبهم عن هذه الحيثية بكل وضوح وصراحة.




نصوص كبار علماء آل باعلوي
في أن سبب هجرة جدهم السيد أحمد المهاجر من البصرة
كانت الخوف عليهم من التلبس ببدعة الرفض
النص الأول: قول السيد العلامة الجليل، الشيخ علي بن أبي بكر (ت 895هـ)، متحدثاً عن هجرة جده الأعلى السيد المهاجر رحمه الله: «.. وكان انتقاله من العراق بأهله وأولاده وأصحابه، الى أن استقروا بتريم. وكان تريم المحروس موطن أولاده وذريته، ومنزل عقبه وخلفه. وكان في ذلك سلامتهم مما التبس به أشراف العراق من العقائد الفاسدة، وفتن البدع وظلماتها، ومخالفة السنة وأهلها، وموافقة الشيعة في قبائح معتقداتهم، وربما كان ذلك بسبب سكنى العراق»(7).
النص الثاني: قول السيد العلامة، المؤرخ المكي الشهير، محمد بن أبي بكر الشلي باعلوي (ت 1093هـ) في كتابه «المشرع الروي» من ترجمته للسيد المهاجر: «كان ... صحيح العقيدة، ذا سيرة حميدة»، وقال على لسانه: «وجبت الهجرة من هذه الديار، لما حدث فيها من الابتداع والأشرار»(8)، وقال في موضع آخر: «ولما وصل السيد الإمام أحمد بن عيسى تلك الديار، قصدته الأخيار، وعملت المطي إليه من أقصى القفار ... ودخلت الخوارج تحت الطاعة، وعلمت الأباضية أنهم ليس لهم بأهل السنة استطاعة، وقام بنصرة السنة حتى استقامت بعد الاضمحلال ... ورجع عن البدعة الى السنة جم غفير»(9).


النص الثالث
: قال العلامة المحقق السيد عبدالله بن أحمد بلفقيه باعلوي (ت 1112هـ) في كتابه «الدرر البهية» في سياق بعض الأسانيد، عند ذكر السيد أحمد المهاجر: «.. وأحمد هذا، هو أول خارج من العراق، إلى أن توطن حضرموت، وذلك فراراً بدينه من الفتن التي حصلت في العراق، سيما في الأشراف، حيث دخلوا في الرفض، ففر بدينه لذلك»(10)، انتهى.






النص الرابع: قول العلامة السيد عيدروس بن عمر الحبشي باعلوي (ت 1314هـ) في كتابه «عقد اليواقيت الجوهرية»، الذي عليه المدار في معرفة الرواية والإسناد في حضرموت خصوصاً، في القرنين الثالث والرابع عشر الهجريين: «ومن أسباب ارتحال سيدنا أحمد بن عيسى الى حضرموت: غلبة أهل البدع بالعراق، ودخول الأذى على الأشراف العلويين، وشدة الامتحان لهم، وأمور شنيعة كثيرة متعددة ...، وبعد خروجه الى هذه الأزمان، زادت في تلك الجهة من البدع أنواع كثيرة، يعرفها من نظر في كتاب «النوافض للروافض»، للسيد محمد البرزنجي». وقال في موضع قبل هذا، في الصفحة نفسها: «فسلمت الذرية والأتباع، مما شان أهل العراق من البدع وقبيح المعتقد»(11).



تصريح علماء آل باعلوي
أنهم على السنة والجماعة، وتصريح غيرهم فيهم








قال الشيخ العلامة، شيخ مؤرخي حضرموت، عبدالرحمن الخطيب التريمي (ت 855هـ) في كتابه «الجوهر الشفاف»: «.. ولم يتفق لسواهم من كمال الشرف النبوي ... مع كمال النزاهة والطهارة من أنواع البدع، والحظوظ النفسانية، مع كمال الاتباع للكتاب والسنة»، الى آخر كلامه(12). وقال العلامة الشيخ أحمد بن عبدالله بلحاج بافضل التريمي ثم الشحري (ت 929هـ) المقتول شهيدا على أيدي الغزاة البرتغال في ساحل الشحر: «فحَصتُ على أكثر الأشراف في الآفاق، وساءلت عنهم الواردين الى مكة والمدينة، وعن صفتهم، فوصفوا لي وعرفوني أخبارهم، فما وجدت على الاستقامة وطريق الكتاب والسنة مثل بني علوي الحسينيين الحضرميين»(13).


وهذا السيد العلامة محمد بن علي خرد باعلوي (ت 960هـ) الشهير بالمحدث، في كتابه «الغرر» وهو في تراجم أكابر آل باعلوي، ومصدر مهم عن حضرموت في القرن العاشر الهجري وما قبله، لا يذكر أحداً من مترجميه من أشراف آل باعلوي إلا ويقول فيه: «الشريف الحسيب النسيب، السُّنِّي الحسيني»، وهذا كثير في كتابه.


وفي ترجمة السيد الجليل الحسين بن عبدالله العيدروس باعلوي (ت 923هـ)، أن والده السيد الإمام عبدالله العيدروس باعلوي (ت 865هـ) قال: «كنت كثيراً ما أسأل الله في السجود أن يرزقني ولداً عالماً، سنياً، وأرجو أن يكون ولدي الحسين»
(14)
.







قال السيد العلامة أحمد بن حسن الحداد باعلوي (ت 1204هـ) في كتابه «الفوائد السنية»: «والإمام عبيدالله بن أحمد وذريته، هم أشراف حسينيون سنيون»، وقال في موضع آخر: «وكلهم شافعية أشعرية، على عقائد أهل الكتاب والسنة»(15).







وقال العلامة السيد أبوبكر بن عبدالرحمن بن شهاب الدين باعلوي (ت 1341هـ) في كتابه «رشفة الصادي»، في اعتراضه على قول بعضهم: «من النوادر شريف سني»: «كان الأحق والأولى أن يقال: من النوادر شريفٌ غير سني، لأن البطون العظام، والعائلات الكثيرة العدد، من هذا البيت المطهر، كلهم، والحمدلله، سُنِّيون معتقداً ومشرباً، من السادة العلوية الحسينية بحضرموت وبجاوة والهند، وكأشراف الحجاز، بني قتادة الحسَنيِّين، ..»(16)، الى آخر كلامه.

أقوالهم في الاعتقاد
وفق مذهب السلف الصالح من أهل السنة والجماعة


قال الإمام الحداد في خاتمة كتابه النافع «النصائح الدينية»: «خاتمة الكتاب في عقيدة أهل السنة والجماعة»، الى أن قال: «وأنه تعالى مقدس عن الزمان والمكان، وعن مشابهة الأكوان، ولا تحيط به الجهات، ولا تعتريه الحادثات. مستو على عرشه على الوجه الذي قاله، وبالمعنى الذي أراده، استواء يليق بعز جلاله، وعلو مجده وكبريائه»(17)، وقال: «وأنه تعالى سميع بصير، متكلم بكلام قديم أزلي، لا يشبه كلام الخلق. وأن القرآن العظيم كلامه القديم، وكتابه المنزل على نبيه ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم»(18).






ولعلماء آل باعلوي، وهم أشاعرة، اختيارهم في مسألة التأويل، فمنهم من يميل إلى التفويض، يتضح ذلك في قول العلامة السيد عبدالرحمن بلفقيه، في «شرح القصيدة الفريدة في خلاصة العقيدة»، ما نصه: «واعلَم أن هذه الصفات وإن كنا لا نحيطُ بها، ولا نعلم كنهها، لكنها قطعاً صفات كمالٍ، وقد أثبتها تعالى لنفسه، وليس في إثباتها له على ظاهرها إشكالٌ. وأما ما ظاهرُه مشكلٌ، من المتشابه الذي جاء في القرآن والسنة، كإطلاق الوجه، واليدين، والرجل، والفوق، والنزول، والمجيء، والاستواء، وغير ذلك مما أفردَ بالتأليف، واشتهر في التصانيف. ففيه مذهبان: أحدهما:مذهب السلف الصالح، وكثير من الخلف، تفويضُ المراد منه إلى الله تعالى، وردّ علمه إليها، والسكوت عن التأويل مع الجزم بأن الظواهر المؤدية إلى الحدوث والتشبيه غير مراده. وقد سئل الإمامُ مالكٌ، رحمه الله تعالى، عن قوله تعالى: ﴿الرحمن على العرش استوى﴾. فقال: الاستواء معلومٌ، والكيفُ مجهولٌ، والإيمان به واجبٌ، والسؤال عنه بدعة. وقال الإمام الشافعي: آمنَّا بما جاء عن الله، على مراد الله، وبما جاء عن رسول الله، على مراد رسول الله. وقال السهروردي عن الصوفية: «وأجمعوا في كل مكانٍ على هذا المعنى، أن يقولوا فيه كما قالَ مالكٌ في الاستواء». وهذا المذهبُ هو المختار عندنا. والمذهب الثاني: التأويلُ بالدليل العقلي، على ما تقتضيه لغةُ العرب، وإنما صَار إليها أكثرُ الخلَف: لظُهور الشّبه وأهلها، المشبهين بالباطل على أهل الحق، فتعين المصيرُ إليه، خصوصاً مع ظهور فهمِه، وبروز علمِه»(19)، انتهى. فأنت ترى أن العلامة بلفقيه يرجح مذهب التفويض، لا التأويل، الذي عليه أكثر الخلف، ما يدل على أن علماء آل باعلوي ليسوا مقلِّدين تقليداً أعمَى كما قد يظن بهم من لا يعلم أقوالهم، ولم يقرأ مصنفاتهم.









ويقول العلامة السيد محمد بن محسن العطاس (ت 1260هـ)، في رسالته «تنزيه الذات والصفات من درن الإلحاد والشبهات»: «ونقول: رضينا بالله، على مراد الله، كما قاله خير القرون، الذين هم بالله وصفاته عارفون، من الخلفاء الراشدين، والصحابة والتابعين، ومن على سننهم من أئمة المسلمين»(20).
وهذا السيد محمد كان شيخ السادة بمكة، وكان صهره الشريف غالب بن مساعد (ت 1231هـ)، وأرسله الشريف الى حاكم بلاد نجد (وقتذاك) الأمير سعود بن عبدالعزيز، في مهمة سياسية، وكان رفيقه في تلك المهمة الشيخ العلامة محمد طاهر سنبل المكي، رحمهم الله(21).





تعظيم السادة آل باعلوي للصحابة الكرام أجمعين:
نقل العلامة السيد محمد بن علي خرد باعلوي (ت 960هـ) في كتابه النافع المفيد «الغرر» عن كتاب «توثيق عرى الإيمان» للبارزي رحمه الله، قوله: «.. ومن علامة محبته [أي النبي صلى الله عليه وسلم) محبة أصحابه، ومن علامات محبة أصحابه: محبة ذريتهم، وخصوصاً أولاد الصديق، والفاروق، وعثمان، وسائر العشرة، وذرياتهم. وسائر أولاد المهاجرين والأنصار. وأن ينظر إليهم المؤمن اليوم نظره إلى آبائهم بالأمس، لو كان معهم. ويعلم أن نطفهم طاهرة، وأن ذريتهم ذرية مباركة، وأن يغضي المؤمن عن انتقاد أولاد الصحابة، كما أغضى عن انتقاد ذرية رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأهل البيت، لأنهم قوم شرف الله ذريتهم وأخلاقهم، فلا تغلب عليها أفعالهم، كما تغلب الأفعال فيمن أقذارهم بحسب أفعالهم»(22)، انتهى.



كلامهم في فضل الخلفاء الراشدين وترتيبهم:


قال الشيخ العلامة الفقيه محمد بن عمر بحرق (ت 930هـ) في كتابه «مواهب القدوس في مناقب ابن العيدروس»، وهو ترجمة شيخه العلامة السيد أبي بكر العدني بن عبدالله العيدروس باعلوي (ت 914هـ): «وكان متمسكاً بالكتاب والسنة، حتى إنه كثيراً ما يقولُ، إذا جرى ذكرُ التفضيل بين الصحابة رضي الله عنهم: والله العظيمِ، لو بعث الله والدي الشيخَ عبدالله، وأستاذيَ الشيخَ سعداً، وذكَرا لي: أنّ سيدنا عليًّا أفضلُ عند الله من سيدنا أبي بكر، رضي الله عنهما، ما رجعتُ عن معتقد أهل السنةِ والجماعة، من أن: أبا بكرٍ، وعُمر، وعُثمانَ، أفضَلُ من عليٍّ، رضي الله عنهم أجمعين»، ونقل هذه العبارة عن الشيخ بحرق السيدُ العلامة المؤرخ عبدالقادر بن شيخ العيدروس (ت 1038هـ) في كتابه الشهير الذائع الصيت «النور السافر في أخبار القرن العاشر»(23).







قال الإمام عبدالله بن علوي الحداد باعلوي (ت 1132هـ) في خاتمة «النصائح الدينية»، في (عقيدة أهل السنة والجماعة): «وأن يعتقد فضل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وترتيبهم، وأنهم عدول خيار أمناء، لا يجوز سبهم، ولا القدح في أحد منهم. وأن الخليفة الحق بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبوبكر الصديق، ثم عمر الفاروق، ثم عثمان الشهيد، ثم علي المرتضى، رضي الله تعالى عنهم، وعن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أجمعين»(24).
وقال العلامة الجليل السيد علي بن حسن العطاس باعلوي (ت 1172هـ) في كتابه العظيم النفع «القرطاس شرح راتب الإمام عمر العطاس»، في شرح (الذكر السادس) وهو جملة: «بسم الله تحصنا بالله، بسم الله توكلنا بالله»: «الفائدة الثانية عشرة: قال الشيخ صالح بن الصديق النمازي في كتابه «الأنوار الساطعة في شرح العقائد النافعة»: قال محمد بن قتيبة: أجمع أهل الحديث على ستة أشياء، وهي:
1- ماشاء الله كان ومالم يشأ لم يكن.
2- وعلى أنه خالق الخير والشر.
3- وعلى أن القرآن كلام الله غير مخلوق.
4- وعلى أن الله يرى يوم القيامة.
5- وعلى تقديم الشيخين أبي بكر وعمر في الفضل على سائر الصحابة.
6- وعلى الإيمان بعذاب القبر ونعيمِه.

لا يفترقون في شيء من هذه الأصول، ومن فارقهم في شيء منها نابذوه، وبدعوه، وهجروه»، انتهى ما ذكره النمازي»، انتهى من «القرطاس»(25).



السيد أبوبكر بن شهاب الدين باعلوي


ومن المباحث المهمة، هذا المبحثُ في تقريرِ معتقد أهل السنة والجماعة، الذي دبجه يراع السيد الجليل، العلامة أبي بكر بن عبدالرحمن بن شهاب الدين باعلوي في كتابه «نوافح الورد الجوري شرح عقيدة الباجوري»، قال رحمه الله: «ثم أفضل الناس بعد الأنبياء عليهم السلام عند أهل السنة: الخلفاء الراشدون الأربعة، اتفاقا، وأفضَلُ الخلفاءِ عندَ جمهورِ أهل السُّنةِ، تبعاً لجمهُور من قبلَهم من السلفِ: أبوبكرٍ، ثم عُمَر، رضي الله عنهما، ولما نُقلَ عن سيدنا علي كرم الله وجهه، أنه قال: «خَيرُ هذِه الأمّةِ بعْد نبيّها أبوبكرٍ ثُم عُمَر». ثم الأفضل بعدهما على قول الجمهورِ: عثمانُ ثم علي كرم الله وجهه. وذهب قومٌ إلىٰ التوقف بين علي وعثمان، وهو مختار الإمام مالك رحمه الله. وجمعٌ إلىٰ تفضيل عليٍّ على عثمانَ، رضي الله عنهما، منهم أبوالطفيل من الصحابة، وهو قول أهل الكوفة، ونقل عن الإمام الأعظم أبي حنيفة من تبع التابعين، وهو أحد قولي مالك، وبه جزم الإمام اليافعي وغيره.
وأما ما نقله ابن عبدالبر من أن سَلمانَ، وأبا ذرٍّ، والمقدادَ، وخباباً، وجابراً، وأبا سعيدٍ الخدريَّ، وزيد بن أرقمَ، نصُّوا على أن عليًّا، كرم الله وجهه، أفضَلُ من غيره على الإطلاق، فقالوا: لم يثبُتْ بسندٍ صَحيحٍ. قال العلماءُ: «ولا يشكل الحكم في التفضيل المذكور بالذرية الشريفة، لأنه لا من حيث البضعية المكرمة»(26). أما باعتبار البضعية؛ فلا يفضل أحد على ذريته صلى الله عليه وسلمكائنا من كان اتفاقاً، والله أعلم.
وقال المحدث الدهلوي رحمه الله في «عقيدته»: «ولا نعني الأفضلية من جميع الوجوه، حتى يعم النسب والشجاعة والقوة والعلم وأمثالها، من التي كانت في علي بن أبي طالب مثلا، بل هي بمعنى عظم نفعه في الإسلام، فأميرا أمة النبي صلى الله عليه وسلم ووزيراه أبوبكر وعمر أفضل باعتبار الهمة البالغة في غشاعة الحق بعده، دون اعتبار النسب والعلم والشجاعة وغيرها، مما كان في غيرهما أكثر وأوفر منهما بإقرارهما، وبهذا يحصل التوفيق بين الروايات المختلفة، والأدلة المتباينة»، انتهى.
ووقفَ بعضُهم عن القَول بالتَّفْضيل، وقال: لكلٍّ فضلٌ، ولا ندري من فَضّله الله على غيره، وليس أمراً يؤخَذُ فيه بالقياسِ والرأي، فوجبَ الإمسَاكُ عن الخوضِ فيه، انتهى. قال بعض أكابر الصوفية: وما بهذا القول من بأس، لأن تفويض ما لا يعلم حقيقته إلا الله إلىٰ علمه تعالى غير متنكر، ولهذا جزم الباقلاني وإمام الحرمين بأن التفضيل ظنّيٌ، وأنه في الظاهر فقط. على أن هذه المسألة ـ أعني مسألة تفصيل التفضيل ـ ليست من الأصول التي يضل فيها المخالف عند جمهور أهل السنة، لكن المسألة التي يضل فيها: مسألة الخلافة، فمن طعن في حقية خِلافَةِ واحدٍ من الأربعةِ؛ فهو أضلُّ من حمارِ أهْله»(27)، انتهى.

هذا كلام العلامة أبي بكر ابن شهاب الدين باعلوي، وهو كما يرى القارئ الكريم، ينضح علماً ومعرفة وتحقيقاً، فيا ترى، هل اطلع عليه أولئك الذين يرمونه بالتشيع والرفض، ويوغرون عليه صدور العامة!(28). لقد ألف ابن شهاب كتابه «النوافح» أولَ وصوله إلىٰ حيدرآباد، ليبيِّنَ معتقَده، وبراءته من عقائد الرافضة، وبهذا ينقطع الشكُّ الحائم حولَ سلامة معتقده، باليقينِ الثابت من كلامه هُو، رحمه الله.



أقوالهم في تعظيم أفراد الصحابة:


منها قول قطب الدعوة الإرشاد، الإمام عبدالله بن علوي الحداد باعلوي (ت 1132هـ) في كتابه «النفائس العلوية»، في جواب رفعه إليه أحد الزيدية أيام غزوا حضرموت في القرن الحادي عشر، تحت قيادة سيل الليل الصفي أحمد بن الحسن الزيدي، وكان السؤال يتضمن الاستفهام عن موقف الإمام الحداد ممن قاتلوا الإمام علياً رضي الله عنه. فكان الجواب: «اعلم أن الذين باشر علي رضي الله عنهم قتالهم بنفسه في خلافته، بعد أن خرجوا عليه، ثلاث طوائف». الى أن قال: «وكلهم بغاة عندنا، ومنازعون، وخارجون بغير حق صريح، وصواب واضح. نعم، من خرج منهم وله في خروجه شبهة، فأمره أخف ممن خرج ينازعه في الأمر ويطلبه لنفسه. والله أعلم بنياتهم وسرائرهم، وسلامتنا في السكوت عنهم ﴿تلك أمة قد خلت﴾. وقال علماؤنا في شأن الزبير ومن مَعه، ومعاوية ومن معه: إنهم اجتهدوا فأخطأوا، فلهم عذر، وعلى كل حال، فغاية من خرج على الإمام المرتضى من أهل التوحيد المقميمن للصلاة، المؤتين للزكاة، أن يكون عاصياً، والعاصي عندنا لا يجوز لعنه بعينه»(29).







ومنها قول إمام الدعوة في عصره، السيد العلامة أحمد بن عمر بن سميط (ت 1257هـ) في «مجموع مواعظه وكلامه»، وهو من المواعظ التي وردت في أول ذلك المجموع: «.. ولقد أنصف سيدنا عمر بن عبدالعزيز، حين سئل: من أفضل، أنت أم معاوية؟ فقال: التراب الذي دخل في منخر فرس معاوية وقت الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من عمر وآل عمر»(30).
وقال بمثل هذه المقولة، شيخ تريم، ورئيس علمائها، السيد العلامة عبدالله بن عمر الشاطري باعلوي (ت 1361هـ)، ففي «نفحات النسيم الحاجري»، وهو مجموع مواعظه، جمعه ابن أخته السيد العلامة عبدالرحمن بن حامد السري باعلوي: «وقال رضي الله عنه، في شوال سنة 1359هـ، أيام قراءتنا عنده في فن التجويد، بعد أن تكلم وأطال مع طلبة العلم من جهة ما جرى بين الصحابة، رضوان الله عليهم أجمعين، وحذر وأنذر، وكان أن يقوم قائماً بعد أن كان قاعداً من فرط تحذيره من الوقوع فيهم، والخوض فيما جرى بينهم، ومن كلامه: «يا أولادي، احفظوا عني هذه المقالة: من أراد أن ينفع الله به وينتفع، ويكون متمسكاً بالطريقة الني نحن عليها معشر العلويين، ويكون من المحبوبين، فعليه ترك الخوض في الصحابة، ولا يجادل من خاض». ثم قال: «أيش تكون! ذرة بين جبال!!.
وما جرى بين الصحاب نسكت عنه وأجر الاجتهاد نثبت
قيل لابن المبارك: هل عمر بن عبدالعزيز أفضل أم معاوية؟ فقال: التراب الذي على منخر خيل معاوية، أفضل من عمر بن عبدالعزيز. وإن كان الحق المجمع عليه مع سيدنا علي، كرم الله وجهه، فلا ينبغي لأحد يخوض في هذا الكلام، إلا من سخف عقله»، الى آخر ما قال رضي الله عنه»(31)، انتهى.



تيقظ علماء السادة آل باعلوي لما عليه عامةُ الشيعة
وخصُوصاً الرافضة من الخطأ


تقدم في الحديث عن السيد المهاجر، نقولٌ فاخرة، كان من ضمنها عبارات تثبت تيقّظَ أكابر السادة آل باعلوي الى ما عليه الشيعة لاسيما الرافضة منهم من الخطأ والابتداع في الدين، ونزيد على ما تقدم نصوصاً أخرى مهمة في الباب، ليكون القارئ على بصيرة.
قال العلامة الجليل الشيخ علي بن أبي بكر باعلوي (ت 895هـ) في كتابه النافع «معارج الهداية»: «فصل: واحذر يا أخي من البدع وأهلها ، وانبذها واهجر أهلها ، وأعرض عن مجالسة أربابها. واعلم أن أصول البدع في الأصول كما ذكره العلماء يرجع إلى سبعة:
الأوّل: المعتزلة؛ القائلون بأن العباد خالقو أعمالهم ، وينفون الرؤية ويوجبون الثواب والعقاب وهم عشرون فرقة.
والثاني: الشيعة؛ المفرطة في حب سيدنا عليّ كرم الله وجهه ، وهم اثنان وعشرون فرقة.
والثالث: الخوارج؛ المفرطة في بغض عليّ رضي الله عنه المكفرة له ولمن أذنب ذنباً كبيراً ، وهم عشرون فرقة.
والرابع: المرجئة؛ القائلة بأنه لا يضر مع الإيمان معصية ولا ينفع مع الكفر طاعة ، وهم خمس فرق.
والخامس: النجارية؛ الموافقة لأهل السنة في خلق الأفعال ، وللمعتزلة في نفي الصفات وحدوث الكلام ، وهم ثلاث فرق.
السادس: الجبرية؛ القائلة بسلب الاختيار عن العباد ، وهم فرقة واحدة.
السابع: المشبهة؛ الذين يشبهون الحق بالخلق في الجسمية والحلول ، وهم فرقة واحدة أيضاً. فتلك اثنان وسبعون كلهم في النار ، والفرقة الناجية هم أهل السنة البيضاء المحمدية والطريقة النقية»(32).

ومن رسالة بعث بها الإمام عبدالله الحداد باعلوي (ت 1132هـ) لأخيه السيد حامد، وكان في أرض الهند: «فإنه قد بلغنا ما كثر في أرض الهند من مضلات الفتن، وما ترادف بها من البلايا والمحن، وما قد حصل بين أهلها من الخلاف والشتات وعدم الانتظام، وهذا بلاء عظيم. وأفحش منه وأشنع وأقطع، ما بلغنا من ظهور من تظاهر ببغض الشيخين، الصديق والفاروق رضي الله عنهما، وتدين بالرفض المذموم شرعاً وعقلاً، فإنا لله وإنا إليه راجعون. وهذه هي المصيبة العظمى، والداهية الدهياء»(33).







وقال أبوبكر بن شهاب الدين باعلوي (ت 1341هـ) في كتابه «رشفة الصادي»: «ولم يكن من أهل البيت الشريف من هو على رأي الشيعة في الانتقاد على الصحابة إلا قليل، بالنسبة لأهل السنة منهم، كبعض أشراف اليمن، وبقايا في طهران والهند، ونبذ في العراق، وفقهم الله للصواب»(34)، انتهى.

وقال العلامة السيد علوي بن طاهر الحداد باعلوي (ت 1382هـ) في رسالته النافعة «إثمد البصائر»، وهي ناقصة لم تكتمل، حرر فيها الكلام على مذهب السيد المهاجر، ثم قال ما نصه: «عاشراً: قد تبينَ بما عددنا من أسماءِ الأكابر، ممن تقدم على عَصر الإمام العريضي ومن عاصره: أن مذهب الإمامية لم يكن يوماً ما مذهباً قوميا لهم، وأنهم نبذوا ترّهات الإمامية على اختلاف فرقهم نبذاً، وقاطعوهم مقاطعةً تامةً، لأنهم عرفوا مقاصدهم وما يرمون إليه. ونحن إذا طالعنا أخبار تلك الفرق ـ مع بعدنا عنهم زمناً وفكراً ـ نفهَمُ أغراضَهم، فكيف بسلَفنا وهم أذكى وأسرح، وقد بلغهم الخبر اليقين عنهم!. وما دعاةُ الفرقِ الإمامية إلا قومٌ سياسيّون، يطلبونَ الحطامَ من أتباعِهم، ويترجَّون الإمارة والغنى وجلالةَ القدر إذا ما ترأسُوا، وما هم بأهلِ دينٍ ولا حِذقٍ ولا نظرٍ بعيد، ومما يدلُّ على ذلك: ما نقلَ من خرافاتهم في الأئمّة وعقائدِهم الغريبة في صفاتِ الله ... يأتون إلى العوام والغوغَاء في قرَى العراق ومدنها ويعدُونهم بخروج إمامٍ يسمونه لهم، ويَغرُّونهم، ويمنُّونهم، ويفتحون لهم أبواباً من الأطماعِ والمواعيد، فيميلُ أولئك لهم، ويبذلونَ لهم صدقاتٍ ومعونةً من أموالهم، فيتمتّع برغدها أولئك الدعاةُ الكاذبون»(35)، إلى آخر ما أطال به، رحمه الله.







ثم قال في موضع آخر تحت عنوان (احترامنا للأئمة): «لا يذهبن الظن بمن قرأ ما تقدم أن كلامنا يمس نفس الأئمة الاثني عشر رضي الله عنهم وغيرهم من أئمة أهل البيت، بل هم أهلنا وسلفنا، ولهم علينا حق الرحم، وما يجب لهم من البر والإجلال لمكانهم ومقامهم، وما مَنَّ الله به عليهم، كما قال إمام الفريقين وشيخ الطريقين ومسند القطرين، شيخنا الحبيب عيدروس بن عمر الحبشي الحسيني العلوي (ت 1314هـ) في «عقد يواقيته»: وقد عوض الله الحسنين رضي الله عنهما في الدنيا بما أصيبا، بأن جعل الله من ذريتهما طاهرين مطهرين، ظاهرين ظهور الشمس بالنفع في القرب والبعد، من أخيار العلماء العاملين المعمدين، والمشايخ المحققين الدالين على طرق رب العالمين، الجم الغفير الذين شهرتهم تغني عن ذكرهم وذكر محاسنهم، ولا يرى شبههم في عَصْر من الأعصار»(36)، إلخ.

تأسف أكابر آل باعلوي لما آل إليه حال بعضهم:









ننقل في هذا الصدد عبارة للعلامة السيد الشهم الجليل مصطفى بن أحمد المحضار باعلوي (ت 1374هـ)، وهي بالدارجة الحضرمية، وردت ضمن رسالة بعث بها من بلدة القويرة بوادي دوعن الأيمن، الى بلدة مشطة في مسفلة حضرموت، شرقيّ تريم، مؤرخة في رجب سنة 1351هـ، ينعي فيها الفتن التي حدثت بين الحضارم في جاوة في تلك الآونة، قال فيها: «وعسى ردة للإسلام والمسلمين، وللعلويين أجمعين، فقد ابتلوا بكثر الكلام، وما تكبته الأقلام، وسطّروا الهرُوج، وضادّوهم العلُوج، ولو سكتُوا عنها، هَزُل سمَنها. ولما كثّروا كلامها، طالَ سنامها، وانتشر خراطها، وامتد صراطها. ولو أنها خارّة مارة، لكنْ ليس بفَتح بابها، وكثر سبابها، فلا تلدُ الكلمةُ إلا كَلام، ولا الكلامُ إلا ملام. وكُثر التشدّق يضيِّع الأحلام. وبصرهم وجاوَتهم، ومذهبهم، كلهم، العَيف الخام، العامة وهّبت في السّادة، والسادة وهَّبتْ في الصَّحابة، وكله تأديب، وهذه بتلك، يؤدب هذا بهذا، وهذا بهذا، لما يرجع كل لحقه، وحق أبوه وجده»(37)، انتهى.

__________________
اللهم يا من جعلت الصلاة على النبي قربة من القربات نتقرب اليك
بكل صلاة صليت عليه من اول النشأة الى ما لا نهاية الكمالات
admin غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس