عرض مشاركة واحدة
قديم 03-15-2012
  #6
عبدالرزاق
عضو شرف
 الصورة الرمزية عبدالرزاق
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 329
معدل تقييم المستوى: 14
عبدالرزاق is on a distinguished road
افتراضي رد: عجائب القلب للغزالي من كتاب احياء علوم الدين

وقال أيوب بن يونس بن يزيد: بلغنا أنه يولد مع أبناء الإنس منأبناء الجن ثم ينشئون معهم. وروى جابر ابن عبد الله: أن آدم عليه السلام لما هبطإلى الأرض قال يا رب هذا الذي جعلت بيني وبينه عداوة إن لم تعني عليه ولا أقوىعليه، قال: لا يولد لك ولد إلا وكل به ملك، قال: يا رب زدني، قال: أجزي بالسيئةسيئة وبالحسنة عشراً إلى ما أريد، قال: رب زدني، قال: باب التوبة مفتوح ما دام فيالجسد الروح، قال إبليس: يا رب هذا العبد الذي كرمته على إن لا تعني عليه لا أقوىعليه? قال لا يولد له ولد إلا ولد لك ولد: قال: يا رب زدني، قال: تجري منهم مجرىالدم وتتخذون صدورهم بيوتاً، قال: رب زدني، قال: أجلب عليهم بخيلك ورجلك إلى قولهغروراً، وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم"خلق الله الجن ثلاثة أصناف: صنف حيات وعقارب وخشاش الأرض، وصنف كالريح فيالهواء، وصنف عليهم الثواب والعقاب. وخلق الله تعالى الإنس ثلاثة أصناف: صنفكالبهائم كما قال تعالى "لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بهاولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل" وصنف أجسامهم أجسام بنيآدم وأرواحهم أرواح الشياطين، وصنف في ظل الله تعالى يوم القيامة لا ظل إلاظله"، وقال وهيب بن الورد: بلغنا أن إبليس تمثل ليحيى بن زكريا عليهما السلاموقال: إني أريد أن أنصحك، قال: لا حاجة لي في نصحك ولكن أخبرني عن بني آدم قال: همعندنا ثلاثة أصناف: أما صنف منهم وهم أشد الأصناف علينا نقبل على أحدهم حتى نفتنهونتمكن منه فيفزع إلى الاستغفار والتوبة فيفسد علينا كل شيء أدركنا منه ثم نعودإليه فيعود فلا نحن نيأس منه ولا نحن ندرك منه حاجتنا فنحن منه في عناء. وأماالصنف الآخر فهم في أيدينا بمنزلة الكرة في أيدي صبيانكم نقلبهم كيف شئنا قد كفوناأنفسهم. وأما الصنف الثالث فهم مثلك معصمون لا نقدر منهم على شيء.
فإن قلت: فكيف يتمثل الشيطان لبعض الناس دون البعض، وإذا رأى صورةفهل هي صورته الحقيقية أو هو مثال يمثل له به? فإن كان على صورته الحقيقية فكيفيرى بصورة مختلفة? وكيف يرى في وقت واحد في مكانين وعلى صورتين حتى يراه شخصانبصورتين مختلفتين? فاعلم أن الملك والشيطان لهما صورتان هي حقيقة صورتهما ولا تدركحقيقة صورتهما بالمشاهدة إلا بأنوار النبوة، فما رأى النبي صلى الله عليه وسلمجبرائيل عليه السلام في صورته إلا مرتين وذلك أنه سأله أن يريه نفسه على صورتهفواعده بالبقيع وظهر له بحراء فسد الأفق من المشرق إلى المغرب ورآه مرة أخرى علىصورته ليلة المعراج عند سدرة المنتهى وإنما كان يراه في صورة الآدمي غالباً فكانيراه في صورة دحية الكلبي وكان رجلاً حسن الوجه. والأكثر أنه يكاشف أهل المكاشفةمن أرباب القلوب بمثال صورته فيتمثل الشيطان له في اليقظة، فيراه بعينه ويسمعكلامه بأذنه فيقوم ذلك مقام حقيقة صورته كما ينكشف في المنام لأكثر الصالحين.وإنما المكاشف في اليقظة هو الذي انتهى إلى رتبة لا يمنعه اشتغال الحواس بالدنياعن المكاشفة التي تكون في المنام فيرى في اليقظة ما يراه غيره في المنام، كما رويعن عمر بن عبد العزيز رجمه الله أن رجلاً سأل ربه أن يريه موضع الشيطان من قلب ابنآدم، فرأى في النوم جسد رجل شبه البلور يرى داخله من خارجه ورأى الشيطان في صورةضفدع قاعد على منكبه الأيسر بين منكبه وأذنه، له خرطوم طويل دقيق قد أدخله منمنكبه الأيسر إلى قلبه يوسوس إليه، فإذا ذكر الله تعالى خنس. ومثل هذا قد يشاهدبعينه في اليقظة، فقد رآه بعض المكاشفين في صورة كلب جاثم على جيفة يدعو الناسإليها، وكانت الجيفة مثال الدنيا. وهذا يجري مجرى مشاهدة صورته الحقيقية، فإنالقلب لا بد وأن تظهر فيه حقيقة من الوجه الذي يقابل عالم الملكوت وعند ذلك يشرقأثره على وجهه الذي يقابل عالم الملك والشهادة لأن أحدهما متصل بالآخر. وقد بيناأن القلب له وجهان: وجه إلى عالم الغيب وهو مدخل الإلهام والوحي، ووجه إلى عالمالشهادة. فالذي يظهر منه في الوجه الذي يلي عالم الشهادة لا يكون إلا صورة متخيلةلأن عالم الشهادة كله متخيلات، إلا أن الخيال تارة يحصل من النظر إلى ظاهر عالمالشهادة بالحس فيجوز أن لا تكون الصورة على وفق المعنى، حتى يرى شخصاً جميل الصورةوهو خبيث الباطن قبيح السر لأن عالم الشهادة عالم كثير التبليس. أما الصورة التيتحصل في الخيال من إشراق عالم الملكوت على باطن سر القلوب فلا تكون إلا محاكيةللصفة وموافقة لها، لأن الشيطان في صورة كلب وضفدع للصفة وموافقة لها، فلا جرم لايرى المعنى القبيح إلا بصورة قبيحة، فيرى الشيطان في صورة كلب وضفدع وخنزيروغيرها، ويرى الملك في صورة جميلة فتكون تلك الصورة عنوان المعاني ومحاكية لهابالصدق، ولذلك يدل القرد والخنزير في النوم على إنسان خبيث، وتدل الشاة على إنسانسليم الصدر وهكذا جميع أبواب الرؤيا والتعبير. وهذه أسرار عجيبة وهي من أسرارعجائب القلب ولا يليق ذكرها بعلم المعاملة. وإنما المقصود أن تصدق بأن الشيطانينكشف لأرباب القلوب وكذلك الملك، تارة بطريق التمثيل والمحاكاة كما يكون ذلك فيالنوم، وتارة بطريق الحقيقة. والأكثر هو التمثيل بصورة محاكية للمعنى - هو مثالالمعنى لا عين المعنى - إلا أنه يشاهد بالعين مشاهدة محققة وينفرد بمشاهدتهالمكاشف دون من حوله كالنائم.
بيان ما يؤاخذ به العبد من وساوس القلوب
وهمها وخواطرها وقصودها وما يعفى عنه ولا يؤاخذ به
اعلم أن هذا أمر غامض، وقد وردت فيه آيات وأخبار متعارضة يلتبسطريق الجمع بينها إلا على سماسرة العلماء بالشرع. فقد روي عن النبي صلى الله عليهوآله وسلم أنه قال "عفى عن أمتي ما حدثت به نفوسها ما لم تتكلم به أو تعمل بهوقال أبو هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم "إن الله تعالىيقول للحفظة: إذا هم عبدي بسيئة فلا تكتبوها فإن عملها فاكتبوها شيئة وإذا همبحسنة لم يعملها فاكتبوها حسنة فإن عملها فاكتبوها عشراً وقد خرجه البخاري ومسلمفي الصحيحين وهو دليل على العفو عن عمل القلب وهمه بالسيئة. وفي لفظ آخر "منهم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة ومن هم بحسنة فعملها كتبت له إلى سبعمائة ضعفومن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب عليه وإن عملها كتبت" وفي لفظ آخر،"وإذا تحدث بأن يعمل سيئة فأنا أغفرها له ما لم يعملها" وكل ذلك يدل علىالعفو فأما ما يدل على المؤاخذة فقوله سبحانه "إن تبدوا ما في أنفسكم أوتخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء" وقوله تعالى "ولاتقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولاً" فدلعلى أن عمل الفؤاد كعمل السمع والبصر فلا يعفى عنه وقوله تعالى "ولا تكتمواالشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه" وقوله تعالى "لا يؤاخذكم الله باللغوفي أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم" والحق عندنا في هذه المسألة لايوقف عليه ما لم تقع الإحاطة بتفصيل أعمال القلوب من مبدأ ظهورها إلى أن يظهرالعمل على الجوارح.
فنقول. أول ما يرد على القلب الخاطر، كما لو خطر له مثلاً صورةامرأة وأنها وراء ظهره في الطريق لو التفت إليها لرآها. والثاني هيجان الرغبة إلىالنظر وهو حركة الشهوة في الطبع وهذا يتولد من الخاطر الأول ونسميه ميل الطبعويسمى الأول حديث النفس. والثالث حكم القلب بأن هذا ينبغي أن يفعل أي ينبغي أنينظر إليها فإن الطبع إذا مال لم تنبعث الهمة والنية ما لم تندفع الصوارف، فإنه قديمنعه حياء أو خوف من الالتفات وعدم هذه الصوارف ربما يكون بتأمل وهو على كل حالحكم من جهة العقل، ويسمى هذا اعتقاداً وهو يتبع الخاطر والميل. الرابع تصميم العزمعلى الالتفات وجزم النية فيه وهذا نسميه هما بالفعل ونية وقصداً، وهذا الهم قديكون له مبدأ ضعيف ولكن إذا أصغى القلب إلى الخاطر الأول حتى طالت مجاذبته للنفستأكد هذا الهم وصار إرادة مجزومة فإذا انجزمت الإرادة فربما يندم بعد الجزم فيتركالعمل وربما يغفل بعارض فلا يعمل به ولا يلتفت إليه وربما يعوقه عائق فيتعذر عليهالعمل.
فههنا أربع أحوال للقلب قبل العمل بالجارحة: الخاطر وهو حديثالنفس، ثم الميل، ثم الاعتقاد، ثم الهم.
فنقول: أما الخاطر فلا يؤاخذ به لأنه لا يدخل تحت الاختيار وكذلكالميل وهيجان الشهوة لأنهما لا يدخلان أيضاً تحت الاختيار، وهما المرادان بقولهصلى الله عليه وسلم "عفى عن أمتي ما حدثت به نفوسها" فحديث النفس عبارةعن الخواطر التي تهجس في النفس ولا يتبعها عزم على الفعل، فأما الهم والعزم فلايسمى حديث النفس، بل حديث النفس كما روى عثمان بن مظعون حيث قال للنبي صلى اللهعليه وسلم: يا رسول الله نفسي تحدثني أن أطلق خولة، قال "مهلاً إن من سنتيالنكاح" قال: نفسي تحدثني أن أجب نفسي، قال: "مهلاً خصاء أمتي دءوبالصيام" قال: نفسي تحدثني أن أترهب، قال "مهلاً رهبانية أمتي الجهادوالحج" قال: نفسي تحدثني أن أترك اللحم، قال "مهلاً فإني أحبه ولو أصبتهلأكلته ولو سألت الله لأطعمنيه فهذه الخواطر التي ليس معها عزم على الفعل هي حديثالنفس، ولذلك شاور رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ لم يكن معه عزم وهم بالفعل.
وأما الثالث: وهو الاعتقاد وحكم القلب بأنه ينبغي أن يفعل فهذاتردد بين أن يكون اضطراراً أو اختياراً، والأحوال تختلف فيه فالاختياري منه يؤاخذبه والا ضطراري لا يؤاخذ به.
وأما الرابع وهو الهم بالفعل: فإنه مؤاخذ به إلا أنه إن لم يفعلنظر فإن كان قد تركه خوفاً من الله تعالى وندما على همه كتبت له حسنة لأن همه سيئةوامتناعه ومجاهدته نفسه حسنة، والهم على وفق الطبع مما يدل على تمام الغفلة عن اللهتعالى، والامتناع بالمجاهدة على خلاف الطبع يحتاج إلى قوة عظيمة فجده في مخالفةالطبع هو العمل لله تعالى والعمل لله تعالى أشد من جده في موافقة الشيطان بموافقةالطبع فكتب له حسنة لأنه رجح جده في الامتناع وهمه به على همه بالفعل، وإن تعوقالفعل بعائق أو تركه بعذر لا خوفاً من الله تعالى كتبت عليه سيئة، فإن همه فعل منالقلب اختياري.
والدليل على هذا التفصيل ما روي في الصحيح مفصلاً في لفظ الحديثقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "قالت الملائكة عليهم السلام رب ذاك عبدكيريد أن يعمل سيئة وهو أبصر به فقال: ارقبوه، فإن هو عملها فاكتبوها له بمثلها وإنتركها فاكتبوها له حسنة إنما تركها من جرائي وحيث قال: فإن لم يعملها: أراد بهتركها لله، فأما إذا عزم على فاحشة فتعذرت عليه بسبب أو غفلة فكيف تكتب له حسنة?وقد قال صلى الله عليه وسلم "إنما يحشر الناس على نياتهم" ونحن نعلم أنمن عزم ليلاً على أن يصبح ليقتل مسلماً أو يزني بامرأة فمات تلك الليلة مات مصراًويحشر على نيته وقد هم بسيئة ولم يعملها.
والدليل القاطع فيه ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال"إذا التقى المسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول في النار"، فقيل يا رسولالله هذا القاتل فما بال المقتول? قال "لأنه أراد قتل صاحبه" وهذا نص فيأنه صار بمجرد الإرادة من أهل النار مع أنه قتل مظلوماً فكيف يظن أن الله لا يؤاخذبالنية والهم? بل كل هم دخل تحت اختيار العبد فهو مؤاخذ به إلا أنه يكفره بحسنة،ونقض العزم بالندم حسنة فلذلك كتبت له حسنة، فأما فوت المراد بعائق فليس بحسنة.وأما الخواطر وحديث النفس وهيجان الرغبة فكل ذلك لا يدخل تحت اختيار فالمؤاخذة بهتكليف ما لا يطاق ولذلك لما نزل قوله تعالى "وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوهيحاسبكم به الله" جاء ناس من الصحابة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلموقالوا: كلفنا ما لا نطيق إن أحدنا ليحدث نفسه بما لا يحب أن يثبت في قلبه ثميحاسبه بذلك فقال صلى الله عليه وسلم: "لعلكم تقولون كما قالت اليهود سمعناوعصينا قولوا سمعنا وأطعنا فقالوا سمعنا وأطعنا" فأنزل الله الفرج بعد سنةبقوله "لا يكلف الله نفساً إلا وسعها" فظهر به أن كل ما لا يدخل تحتالوسع من أعمال القلب هو الذي لا يؤاخذ به. فهذا هو كشف الغطاء عن هذا الالتباس.وكل من يظن أن ما يجري على القلب يسمى حديث النفس ولم يفرق بين هذه الأقسامالثلاثة فلا بد وأن يغلط وكيف لا يؤاخذ بأعمال القلب من الكبر والعجب والرياءوالنفاق والحسد وجملة الخبائث من أعمال القلب? بل السمع والبصر والفؤاد كل أولئككان عنه مسئولا? أي ما يدخل تحت الاختيار. فلو وقع البصر بغير اختيار على غير ذيمحرم لم يؤاخذ به فإن أتبعها نظرة ثانية كان مؤاخذاً به لأنه مختار فكذا خواطرالقلب تجري هذا المجرى بل القلب أولى بمؤاخذته لأنه الأصل. قال رسول الله صلى اللهعليه وسلم "التقوى ههنا وأشار إلى القلب" وقال الله تعالى "لن ينالالله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم" وقال صلى الله عليه وسلم"الإثم حواز القلوب وقال "البر ما اطمأن إليه القلب وإن أفتوكوأفتوك" حتى إنا نقول إذا حكم القلب المفتى بإيجاب شيء وكان مخطئاً فيه صارمثاباً عليه بل من قد ظن أنه تطهر فعليه أن يصلي. فإن صلى ثم تذكر أنه لم يتوضأكان له ثواب بفعله. فإن تذكر ثم تركه كان معاقباً عليه. ومن وجد على فراشه امرأةفظن أنها زوجته لم يعص بوطئها وإن كانت أجنبية. فإن ظن أنها أجنبية ثم وطئها عصىبوطئها وإن كانت زوجته. وكل ذلك نظر إلى القلب دون الجوارح.
بيان أن الوسواس هل يتصور أن ينقطع بالكلية
عند الذكر أم لا?
اعلم أن العلماء المراقبين للقلوب الناظرين في صفاتها وعجائبهااختلفوا في هذه المسألة على خمس فرق: فقالت فرقة: الوسوسة تنقطع بذكر الله عز وجللأنه عليه السلام قال "فإذا ذكر الله خنس والخنس هو السكوت فكأنه يسكت.
وقالت فرقة: لا ينعدم أصله ولكن يجري في القلب ولا يكون له أثر لأنالقلب إذا صار مستوعباً بالذكر كان محجوباً عن التأثر بالوسوسة كالمشغول بهمه فإنهقد يتكلم ولا يفهم وإن كان الصوت يمر على سمعه.
وقالت فرقة: لا تسقط الوسوسة ولا أثرها أيضاً ولكن تسقط غلبتهافكأنه يوسوس من بعد وعلى ضعف.
وقالت فرقة: ينعدم عند الذكر في لحظة وينعدم الذكر في لحظه،ويتعاقبان في أزمنة متقاربة يظن لتقاربها أنها متساوقة وهي كالكرة التي عليها نقطمتفرقة فإنك إذا أدرتها بسرعة تواصلها بالحركة، واستدل هؤلاء بأن الخنس قد وردونحن نشاهد الوسوسة مع الذكر ولا وجه له إلا هذا.
وقالت فرقة: الوسوسة والذكر يتساوقان في الدوام على القلب تساوقاًلا ينقطع، وكما أن الإنسان قد يرى بعينيه شيئين في حالة واحدة فكذلك القلب قد يكونمجرى لشيئين فقد قال صلى الله عليه وسلم "ما من عبد إلا وله أربعة أعين:عينان في رأسه يبصر بهما أمر دنياه، وعينان في قلبه يبصر بهما أمر دينه وإلى هذاذهب المحاسبي. والصحيح عندنا أن كل هذه المذاهب صحيحة ولكن كلها قاصرة عن الإحاطةبأصناف الوسواس، وإنما نظر كل واحد منهم إلى صنف واحد من الوسواس فأخبر عنه.
والوسواس أصناف: الأول: أن يكون من جهة التلبيس بالحق، فإن الشيطانقد يلبس بالحق فيقول للإنسان تترك التنعم باللذات فإن العمر طويل والصبر عنالشهوات طول العمر ألمه عظيم، فعند هذا إذا ذكر العبد عظيم حق الله تعالى وعظيمثوابه وعقابه وقال لنفسه: الصبر عن الشهوات شديد ولكن الصبر على النار أشد منه،ولا بد من أحدهما فإذا ذكر العبد وعد الله تعالى ووعيده وجدد إيمانه ويقينه خنسالشيطان وهرب، إذا لا يستطيع أن يقول له النار أيسر من الصبر على المعاصي ولايمكنه أن يقول المعصية لا تفضي إلى النار، فإن إيمانه بكتاب الله عز وجل يدفعه عنذلك فينقطع وسواسه. وكذلك يوسوس إليه بالعجب بعمله فيقول: أي عبد يعرف الله كماتعرفه ويعبده كما تعبده? فما أعظم مكانك عند الله تعالى! فيتذكر العبد حينئذ أن معرفتهوقلبه وأعضاءه التي بها عمله وعلمه كل ذلك من خلق الله تعالى فمن أين يعجب به?فيخنس الشيطان إذ لا يمكنه أن يقول ليس هذا من الله فإن المعرفة والإيمان يدفعه.فهذا نوع من الوسواس ينقطع بالكلية عن العارفين المستبصرين بنور الإيمان والمعرفة.
الصنف الثاني: أن يكون وسواسه بتحريك الشهوة وهيجانها، وهذا ينقسمإلى ما يعلم العبد يقيناً أنه معصية وإلى ما يظنه بغالب الظن. فإن علمه يقيناً خنسالشيطان عن تهييج يؤثر في تحريك الشهوة ولم بخنس عن التهييج وإن كان مظنوناً،فربما يبقى مؤثراً بحيث يحتاج إلى مجاهدة في دفعه فتكون الوسوسة موجودة ولكنهامدفوعة غير غالبة.
الصنف الثالث: أن تكون وسوسة بمجرد الخواطر وتذكر الأحوال الغالبةوالتفكر في غير الصلاة مثلاً فإذا أقبل على الذكر تصور أن يندفع ساعة ويعود،ويندفع ويعود، فيتعاقب الذكر والوسوسة وبتصور أن يتساوقا جميعاً حتى يكون الفهم مشتملاًعلى فهم معنى القراءة وعلى تلك الخواطر كأنهما في موضعين من القلب. وبعيد جداً أنيندفع هذا الخنس بالكلية بحيث لا يخطر، ولكنه ليس محالاً إذا قال عليه السلام"من صلى ركعتين لم يحدث فيهما نفسه بشيء من أمر الدنيا غفر له ما تقدم منذنبه فلولا أنه متصور لما ذكره، إلا أنه لا يتصور ذلك إلا في قلب استولى عليه الحبحتى صار كالمستهتر، فإنا قد نرى المستوعب القلب بعدو تأذى به قد يتفكر بمقدارركعتين وركعات في مجادلة عدوه بحيث لا يخطر بباله غير حديث عدوه، وكذلك المستغرقفي الحب قد يتفكر في محادثة محبوبه بقلبه ويغوص في فكره بحيث لا يخطر بباله غيرحديث محبوبه، ولو كلمه غيره لم يسمع ولو اجتاز بين يد أحد لكان كأن لا يراه. وإذاتصور هذا في خوف من عدو وعند الحرص على مال وجاه فكيف لا يتصور من خوف النار الحرصعلى الجنة ولكن ذلك عزيز لضعف الإيمان بالله تعالى واليوم الآخر، وإذا تأملت جملةهذه الأقسام وأصناف الوسواس علمت أن لكل مذهب من المذاهب وجهاً في محل مخصوص.
وبالجملة فالخلاص من الشيطان في لحظة أو ساعة غير بعيد ولكن الخلاصمنه عمراً طويلاً بعيداً جداً، ومحال في الوجود ولو تخلص أحد من وساوس الشيطانبالخواطر وتهييج الرغبة لتخلص رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد روي: أنه نظر إلىعلم ثوبه في الصلاة فلما سلم رمى بذلك الثوب وقال "شغلني عن الصلاة"وقال "اذهبوا به إلى أبي جهم وائتوني بأنبجانيته وكان في يده خاتم من ذهبفنظر إليه وهو على المنبر ثم رمى به قال "نظرة إليه ونظرة إليكم وكان ذلكلوسوسة الشيطان بتحريك لذة النظر إلى خاتم الذهب وعلم الثوب - وكان ذلك قبل تحريمالذهب فلذلك لبسه ثم رمى به - فلا تنقطع وسوسة عروض الدنيا ونقدها إلا بالرميوالمفارقة، فما دام يملك شيئاً وراء حاجته ولو ديناراً واحداً لا يدعه الشيطان فيصلاته من الوسوسة في الفكر في ديناره، وأنه كيف يحفظه? وفيماذا ينفقه? وكيف يخفيهحتى لا يعلم به أحد وكيف يظهره حتى يتباهى به? إلى غير ذلك من الوساوس. فمن أنشبمخالبه في الدنيا وطمع في أن يتخلص من الشيطان كان كمن انغمس في العسل وظن أنالذباب لا يقع عليه فهو محال. فالدنيا باب عظيم لوسوسة الشيطان. وليس له باب واحدبل أبواب كثيرة. قال حكيم من الحكماء: الشيطان يأتي ابن آدم من قبل المعاصي، فإنامتنع أتاه من وجه النصيحة حتى يلقيه في بدعة، فإن أبى أمره بالتحرج والشدة حتىيحرم ما ليس بحرام، فإن أبى شككه في وضوئه وصلاته حتى يخرجه عن العلم، فإن أبى خففعليه أعمال البر حتى يراه الناس صابراً عفيفاً فتميل قلوبهم إليه فيعجب بنفسه وبهيهلكه، وعند ذلك يشتد إلحاحه فإنها آخر درجة ويعلم أنه لو جاوزها أفلت منه إلىالجنة.
بيان سرعة تقلب القلب وانقسام القلوب
في التغير والثبات
اعلم أن القلب كما ذكرناه تكتنفه الصفات التي ذكرناها وتنصب إليهالآثار والأحوال من الأبواب التي وصفناها، فكأنه هدف يصاب على الدوام من كل جانب،فإذا أصابه شيء يتأثر به أصابه من جانب آخر ما يضاده فتتغير صفته. فإن نزل بهالشيطان فدعاه إلى الهوى نزل به الملك وصرفه عنه، وإن جذبه شيطان إلى شر جذبهشيطان آخر إلى غيره. وإن جذبه مالك إلى خير جذبه آخر إلى غيره. فتارة يكونمتنازعاً بين ملكين، وتارة بين شيطانين، وتارة بين ملك وشيطان - ولا يكون قط مهملاً- وإليه الإشارة بقوله تعالى "ونقلب أفئدتهم وأبصارهم" ولاطلاع رسولالله صلى الله عليه وسلم على عجيب صنع الله تعالى في عجائب القلب وتقلبه كان يحلفبه فيقول "لا ومقلب القلوب وكان كثيراً ما يقول "يا مقلب القلوب ثبتقلبي على دينك" قالوا أو تخاف يا رسول الله? قال "وما يؤمنني والقلب بينإصبعين من أصابع الرحمن يقلبه كيف يشاء وفي لفظ آخر "إن شاء أن يقيمه أقامهوإن شاء أن يزيغه أزاغه".
وضرب له صلى الله عليه وسلم ثلاثة أمثلة: فقال "مثل القلب مثلالعصفور يتقلب في كل ساعة" وقال عليه السلام "مثل القلب في تقلبه كالقدرإذا استجمعت غليانا وقال "مثل القلب كمثل ريشة في أرض فلاة تقلبها الرياحظهراً لبطن" وهذه التقلبات وعجائب صنع الله تعالى في تقلبها من حيث لا تهدىإليه المعرفة لا يعرفها إلا المراقبون والمراعون لأحوالهم مع الله تعالى.
والقلوب في الثبات على الخير والشر والتردد بينهما، ثلاثة: قلب عمربالتقوى وزكا بالرياضة وطهر عن خبائث الأخلاق تنقدح فيه خواطر الخير من خزائنالغيب ومداخل الملكوت، فينصرف العقل إلى التفكر فيما خطر له ليعرف دقائق الخير فيهويطلع على أسرار فوائده فينكشف له بنور البصيرة وجهه، فيحكم بأنه لا بد من فعلهفيستحثه عليه ويدعوه إلى العمل به، وينظر الملك إلى القلب فيجده طيباً في جوهرهطاهراً بتقواه مستنيراً بضياء العقل معموراً بأنوار المعرفة فيراه صالحاً لأن يكونله مستقراً ومهبطاً، فعند ذلك يمد بجنود لا ترى ويهديه إلى خيرات أخرى حتى ينجرالخير إلى الخير وكذلك على الدوام، ولا يتناهى إمداده بالترغيب بالخير وتيسيرالأمر عليه. وإليه الإشارة بقوله تعالى "فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنىفسنيسره لليسرى" وفي مثل هذا القلب يشرق نور المصباح من مشكاة الربوبية حتىلا يخفي فيه الشرك الخفي الذي هو أخفى من دبيب النملة السوداء في الليلة الظلماء،فلا يخفى على هذا النور خافية ولا يروج عليه شيء من مكايد الشيطان، بل يقف الشيطانويوحي زخرف القول غروراً فلا يلتفت إليه وهذا القلب بعد طهارته من المهلكات يصيرعلى القرب معموراً بالمنجيات - التي سنذكرها - من الشكر والصبر والخوف والرجاءوالفقر والزهد والمحبة والرضا والشوق والتوكل والتفكر والمحاسبة وغير ذلك. وهوالقلب الذي أقبل الله عز وجل بوجهه عليه، وهو القلب المطمئن المراد بقوله تعالى"ألا بذكر الله تطمئن القلوب" وبقوله عز وجل "يا أيتها النفسالمطمئنة".
القلب الثاني: القلب المخذول المشحون بالهوى، المدنس بالأخلاقالمذمومة والخبائث، المفتوح فيه أبواب الشياطين، المسدود عنه أبواب الملائكة.ومبدأ الشر فيه أن ينقدح فيه خاطر من الهوى ويهجس فيه فينظر القلب إلى حاكم العقلليستفتي منه ويستكشف وجه الصواب فيه، فيكون العقل قد ألف خدمة الهوى وأنس بهواستمر على استنباط الحيل له وعلى مساعدة الهوى، فتستولي النفس وتساعد عليه فينشرحالصدر بالهوى وتنبسط فيه ظلماته لانحباس جند العقل عن مدافعته. فيقوى سلطانالشيطان لاتساع مكانه بسبب انتشار الهوى فيقبل عليه بالتزيين والغرور والأماني،ويوحي بذلك زخرفاً من القول غروراً فيضعف سلطان الإيمان بالوعد والوعيد، ويخبو نوراليقين لخوف الآخرة إذ يتصاعد عن الهوى دخان مظلم إلى القلب يملأ جوانبه حتى تنطفئأنواره، فيصير العقل كالعين التي ملأ الدخان أجفانها فلا يقدر على أن ينظر، وهكذاتفعل غلبة الشهوة بالقلب حتى لا يبقى للقلب إمكان التوقف والاستبصار، ولو بصرهواعظ وأسمعه ما هو الحق فيه عمى عن الفهم، وصم عن السمع، وهاجت الشهوة فيه، وسطاالشيطان، وتحركت الجوارح على وفق الهوى فظهرت المعصية إلى عالم الشهادة من عالمالغيب بقضاء من الله تعالى وقدره. وإلى مثل هذا القلب الإشارة بقوله تعالى"أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلاً. أم تحسب أن أكثرهم يسمعونأو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا" وبقوله عز وجل "لقد حقالقول على أكثرهم فهم لا يؤمنون" وبقوله "سواء عليهم أأنذرتهم أم لمتنذرهم لا يؤمنون" ورب قلب هذا حاله بالإضافة إلى بعض الشهوات كالذي يتورع عنبعض الأشياء ولكنه إذا رأى وجهاً حسناً لم يملك عينه وقلبه وطاش عقله وسقط مساكقلبه، أو كالذي لا يملك نفسه فيها فيه الجاه والرياسة والكبر، ولا يبقى معه مسكةللتثبت عند ظهور أسبابه، أو كالذي لا يملك نفسه عند الغضب مهما استحقر وذكر عيب منعيوبه، أو كالذي لا يملك نفسه عند القدرة على أخذ درهم أو دينار بل يتهالك عليهتهالك الواله المستهتر فينسى فيه المروءة والتقوى، فكل ذلك لتصاعد دخان الهوى إلىالقلب حتى يظلم وتنطفئ منه أنواره فينطفئ نور الحياء والمروءة والإيمان ويسعى فيتحصيل مراد الشيطان.
القلب الثالث: قلب تبدو فيه خواطر الهوى فتدعوه إلى الشر فيلحقهخاطر الإيمان فيدعوه إلى الخير، فتنبعث النفس بشهوتها إلى نصرة خاطر الشر فتقوىالشهوة وتحسن التمتع والتنعم، فينبعث العقل إلى خاطر الخير ويدفع في وجه الشهوةويقبح فعلها وينسبها إلى الجهل ويشبهها بالبهيمة والسبع في تهجمها على الشر وقلةاكتراثها بالعواقب فتميل النفس إلى نصح العقل فيحمل الشيطان حملة على العقل فيقويداعي الهوى ويقول ما هذا التحرج البارد ولم تمتنع عن هواك فتؤذي نفسك? وهل ترىأحداً من أهل عصرك يخالف هواه أو يترك غرضه? أفتترك لهم ملاذ الدنيا يتمتعون بهاوتحجر على نفسك حتى تبقى محروماً شقياً متعوباً يضحك عليك أهل الزمان? أفتريد أنيزيد منصبك على فلان وفلان قد فعلوا مثل ما اشتهيت ولم يتمنعوا? أما ترى العالمالفلاني ليس يحترز من مثل ذلك ولو كان ذلك شراً لامتنع عنه? فتميل النفس إلىالشيطان وتنقلب إليه؛ فيحمل الملك حملة على الشيطان ويقول هل لك إلا من اتبع لذةالحال ونسى العاقبة? أفتقنع بلذة يسيرة وتترك لذة الجنة ونعيمها أبد الآباد? أمتستثقل ألم الصبر عن شهوتك ولا تستثقل ألم النار? أتغتر بغفلة الناس عن أنفسهمواتباعهم هواهم ومساعدتهم الشيطان مع أن عذاب النار لا يخففه عنك معصية غيرك?أرأيت لو كنت في يوم صائف شديد الحر ووقف الناس كلهم في الشمس وكان لك بيت باردأكنت تساعد الناس أو تطلب لنفسك الخلاص? فكيف تخالف الناس خوفاً من حر الشمس ولاتخالفهم خوفاً من حر النار? فعند ذلك تمتثل النفس إلى قول الملك فلا يزال يترددبين الجندين متجاذباً بين الحزبين إلى أن يغلب على القلب ما هو أولى به فإن كانتالصفات التي في القلب الغالب عليها الصفات الشيطانية التي ذكرناها غلب الشيطانومال القلب إلى جنسه من أحزاب الشيطان معرضاً عن حزب الله تعالى وأوليائه،ومساعداً لحزب الشيطان وأعدائه، وجرى على جوارحه بسابق القدر ما هو سبب بعده عنالله تعالى، وإن كان الأغلب على القلب الصفات الملكية لم يصغ القلب إلى إغواءالشيطان وتحريضه إياه على العاجلة وتهوينه أمر الآخرة، بل مال إلى حزب الله تعالىوظهرت الطاعة بموجب ما سبق من القضاء على جوارحه، فقلب المؤمن بين إصبعين من أصابعالرحمن - أي بين تجاذب هذين الجندين وهو الغالب - أعني التقليب والانتقال من حزبإلى حزب، أما الثبات على الدوام مع حزب الملائكة أو مع حزب الشيطان فنادر منالجانبين وهذه الطاعات والمعاصي تظهر من خزائن الغيب إلى عالم الشهادة بواسطةخزانة القلب فإنه من خزائن الملكوت، وهي أيضاً إذا ظهرت كانت علامات تعرف أربابالقلوب سابق القضاء. فمن خلق للجنة يسرت له أبواب الطاعات ومن خلق للنار يسرت لهأسباب المعاصي وسلط عليه أقران السوء وألقي في قلبه حكم الشيطان، فإنه بأنواعالحكم يغر الحمقى بقوله: إن الله رحيم فلا تبال، وإن الناس كلهم ما يخافون اللهفلا تخالفهم، وإن العمر طويل فاصبر حتى تتوب غداً "يعدهم ويمنيهم وما يعدهمالشيطان إلا غروراً" يعدهم التوبة ويمنيهم المغفرة فيهلكهم بإذن الله تعالىبهذه الحيل وما يجري مجراها، فيوسع قلبه لقبول الغزور ويضيقه عن قبول الحق، وكلذلك بقضاء من الله وقدر "فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أنيضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً كأنما يصعد في السماء - إن ينصركم الله فلا غالب لكموإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده" فهو الهادي والمضل يفعل ما يشاءويحكم ما يريد لا راد لحكمه ولا معقب لقضائه. خلق الجنة وخلق لها أهلاً فاستعملهمبالطاعة، وخلق النار وخلق لها أهلا فاستعملهم بالمعاصي. وعرف الخلق علامة أهلالجنة وأهل النار فقال "إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم" ثمقال تعالى فيما روى عن نبيه صلى الله عليه وسلم "هؤلاء في الجنة ولا أباليوهؤلاء في النار ولا أبالي فتعالى الله الملك الحق لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون.
ولنقتصر على هذا القدر اليسير من ذكر عجائب القلب فإن استقصاء لايليق بعلم المعاملة، وإنما ذكرنا منه ما يحتاج إليه لمعرفة أغوار علوم المعاملةوأسرارها لينتفع بها من لا يقنع بالظواهر ولا يجتزئ بالقشر عن اللباب بل يتشوق إلىمعرفة دقائق حقائق الأسباب. وفيما ذكرناه كفاية له ومقنع إن شاء الله تعالى واللهولي التوفيق.
تم كتاب عجائب القلب ولله الحمد والمنة. ويتلوه كتاب رياضة النفسوتهذيب الأخلاق، والحمد لله وحده وصلى الله على كل عبد مصطفى.
__________________
رفيقك علم الله فلابد ان لا تنسى رفيقك
عبدالرزاق غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس