عرض مشاركة واحدة
قديم 11-05-2013
  #1
admin
مدير عام
 الصورة الرمزية admin
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: uae
المشاركات: 717
معدل تقييم المستوى: 10
admin تم تعطيل التقييم
افتراضي حوار فقهي مطول مع سماحة مفتي محافظة حلب الدكتور ابراهيم سلقيني حفظه الله ورعاه

حوار فقهي مطول مع سماحة مفتي محافظة حلب الدكتور ابراهيم سلقيني حفظه الله ورعاه






فضيلة الأستاذ الدكتور العلامة الشيخ الفقيه إبراهيم محمد سلقيني عميد كلية الشريعة بجامعة دمشق ، وكلية الدراسات العربية والإسلامية بدبي ، وأستاذ الفقه وأصوله فيهما ، سابقا ، ومفتي محافظة حلب بسورية حاليا ، حفظه الله تعالى ورعاه:


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، فأرجو أن تكونوا بخير وعافية ، كما أرجو من فضيلتكم التكرم بالإجابة على هذه الأسئلة ، بغية العلم والفائدة ، وجزاكم الله تعالى خيرا .


ـ بداية ... حبذا لو تعطونا نبذة عن سيرتكم الذاتية والعلمية والعملية .

بسم الله الرحمن الرحيم

ـ السيرة الذاتية لفضيلة الأستاذ الدكتور إبراهيم سلقيني ، حفظه الله ـ

هو فضيلة العلامة الفقيه الشيخ الدكتور إبراهيم محمد سلقيني مفتي محافظة حلب ، حفظه الله تعالى.
ولد في مدينة حلب عام 1934م.
ونشأ في أسرة ذات علم وفضل وأدب ... فوالده هو الشيخ الفقيه محمد سلقيني ، وجده هو الشيخ الصالح المربي إبراهيم سلقيني ، وهما من كبار علماء حلب ، رحمهما الله تعالى .
وإخوته: الشيخ الدكتور عبد الله محمد سلقيني ، والشيخ أحمد محمد سلقيني ، والمهندس عبد الرحمن سلقيني .
نشأ على حب العلم والعلماء ، ودرس وتعلم على يدي والده وأكابر علماء حلب في المدرسة الخسروية، وغيرها.
ونال أعلى الدرجات العلمية والتخصصية ، وهو صاحب مكانة مرموقة بين العلماء ، ومحل ثقة ومحبة لدى الناس .

أولاً: المؤهلات العلمية:
ـ الشهادة الثانوية الشرعية من الكلية الشرعية ( الخسروية ) بحلب .
ـ الشهادة العالية لكلية الشريعة والقانون بالجامعة الأزهرية.
ـ دبلوم التأهيل التربوي من كلية التربية بجامعة دمشق.
ـ دبلوم في الشريعة الإسلامية من كلية الشريعة والقانون بالجامعة الأزهرية بمرتبة جيد جداً.
ـ ماجستير في الشريعة الإسلامية من كلية الشريعة والقانون بالجامعة الأزهرية بمرتبة جيد جداً.
ـ دكتوراه في الشريعة الإسلامية من كلية الشريعة والقانون بالجامعة الأزهرية بمرتبة الشرف الأولى.

ثانياً: الوظائف العلمية:
ـ مدرس التربية الإسلامية في ثانويات حلب, وفي دار المعلمين والمعلمات بحلب.
ـ مدرس الفقه وأصوله في كلية الشريعة وفي كلية الحقوق بجامعة دمشق, وجامعة حلب.
ـ مدرس أصول الفقه الإسلامي في كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض, وفي كلية الدراسات الإسلامية والعربية بدبي, وفي الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.
ـ أستاذ زائر للتدريس في الدراسات العليا بكلية الشريعة بجامعة أم القرى بمكة المكرمة عام 1985.
ـ أستاذ مساعد في كلية الشريعة بجامعة دمشق.

ثالثاً: الوظائف الإدارية:
ـ مدير الثانوية الشرعية بحلب عام 1963م .
ـ عضو مجلس الشعب في الجمهورية العربية السورية (1972 ـ 1976م).
ـ رئيس قسم الفقه الإسلامي ومذاهبه في كلية الشريعة بجامعة دمشق.
ـ وكيل كلية الشريعة للشؤون العلمية في كلية الشريعة بجامعة دمشق.
ـ عميد كلية الشريعة بجامعة دمشق.

ـ عميد كلية الدراسات الإسلامية والعربية بدبي.
ـ مفتي محافظة حلب (منذ عام 2005م ، وحتى الآن).

رابعاً: أهم المؤلفات:

1ـ ألّف بعض الكتب ومنها مقرر الفقه للمدارس الثانوية الشرعية في الجمهورية العربية السورية.
2- ألف كتب التربية الإسلامية للصف الرابع دور المعلمين والمعلمات في الجمهورية العربية السورية.
3ـ ألّف كتاب (الفقه الإسلامي أحكام الطهارة والصلاة), المقرر في كلية الشريعة بجامعة دمشق.
4ـ ألف كتاب (الفقه الإسلامي أحكام الصوم, والزكاة, والحج) المقرر في كلية الشريعة بجامعة دمشق.
5ـ ألف كتاب التشريع الإسلامي لكلية البريد العربية التابعة لجامعة الدول العربية عام 1983م.
6ـ ألف كتاب (أصول الفقه الإسلامي) لطلبة السنة الرابعة في كلية الحقوق في جامعتي دمشق وحلب.
7ـ ألف كتاباً عن المرأة في الإسلام.
8ـ حقق بعض المخطوطات, ومنها كتاب: (تحقيق المراد في أن النهي يقتضي الفساد للحافظ العلائي), وقام المجمع العلمي بدمشق بطبعه ونشره.
9ـ شارك بوضع الخطة الدراسية ومفردات مقررات كلية الشريعة في جامعة دمشق حينما طبق النظام الفصلي فيها.
10ـ شارك في التدريس للدورة التي أقامتها وزارة التربية لمدرسي التربية الإسلامية في سوريا ووضع أملية لها.
11ـ كتب عدداً كبيراً من المقالات في مختلف المجلات والصحف العربية.
12- شارك في عدد من الندوات والمؤتمرات والمجامع الفقهية.

قال عنه فضيلة الشيخ المحقق محمد عوامة ، حفظه الله: فضيلة الأستاذ الدكتور الشيخ إبراهيم السلقيني، وهو مفتي حلب، وهو عالم ابن عالم ابن عالم، وله أثر عظيم طيب في حلب خاصة، وسوريا عامة .

هذه الترجمة مأخوذة من صاحبها مباشرة ، مع بعض التصرف .



السؤال الأول: ما تعريف الفقه وأصول الفقه, وما الفرق بينهما ؟

الجواب:
الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد:
فالفقه: هو العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسبة من أدلتها التفصيلية, هذا معناه عند الفقهاء, أما في اللغة: هو العلم بالشيء والفهم له, سواءً أكان دقيقاً أم جلياً.
أما أصول الفقه: هو علم يُتعرَّف منه كيفية استنباط الأحكام الشرعية الفرعية من أدلَّتها التفصيلية, وموضوع علم أصول الفقه: الأدلة الشرعية الكليّة, من حيث كيفيّة استنباط الأحكام الشرعية الفرعية منها, ومبادئه مأخوذة من العربية وبعض العلوم الشرعية, كعلم الكلام, والتفسير والحديث, وبعض العلوم العقلية.


وبوسعكم للاستزادة الرجوع إلى كتب الأصول. هذا, والله تعالى أعلم.


السؤال الثاني: ما قولكم في المذاهب الفقهية, وهل يجب على المسلم أن يلتزم بواحد منها ؟
الجواب:
الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد:
فإن المذاهب الفقهية قد أغنت الأمة الإسلامية بثروة فقهية ضخمة, انتظمت فيها كل الأحكام الكفيلة بحل مشكلات الناس, وقد خلَّفها لنا السلف الصالح, فجزاهم الله عنا خير الجزاء.
أما عن وجوب الالتزام بمذهب واحد, فقد قال جمهور الفقهاء: لا يجب تقليد إمام معين في كل المسائل والحوادث التي تعرض, بل يجوز أن يقلد أي مجتهد شاء, ولو التزم مذهباً معيناً لا يلزمه الاستمرار عليه, إذ لا واجب إلا ما أوجبه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. هذا, والله تعالى أعلم.


السؤال الثالث: ما سبب الاختلافات الفقهية بين العلماء ؟
الجواب:
الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد:
فإن اختلاف الفقهاء رحمةٌ ويسر بالأمة, وثروة تشريعية كبرى, محل اعتزاز وفخار, والاختلاف بينهم لا يؤدي إلى تناقض في الشرع, أو المصدر التشريعي, وليس اختلافاً في العقيدة معاذ الله تعالى, بل هو اختلاف في الفروع, وأهم أسباب الاختلاف بين الفقهاء:
1. اختلاف معاني الألفاظ العربية.
2. اختلاف الرواية.
3. اختلاف المصادر.
4. اختلاف القواعد الأصولية أحياناً.
5. الاجتهاد بالقياس.
6. التعارض والترجيح بين الأدلة.


السؤال الرابع: هل يتعدَّد الحق, أم أنه واحد لا يتعدَّد ؟
الجواب:
الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد:
فقد اتفق الأصوليون على أن الناظر في القضايا العقلية المحضة والمسائل الأصولية يجب أن يهتدي إلى الحق والصواب فيها, والحق فيها واحد لا يتعدد, والمصيب فيها واحدٌ, وإلا اجتمع النقيضان, فمن أصاب الحق فقد أصاب, ومن أخطأ فهو آثم.
ويلحق بذلك المسائل القطعيَّة المعلومة من الدين بالضرورة, كوجوب الصلوات الخمس, وصوم رمضان, والزكاة, والحج, وتحريم الزنا, والقتل والسرقة, مما علم قطعاً من دين الله, فالحق فيها واحد لا يتعدد.
أما المسائل الفقهية الظنية التي ليس فيها دليل قاطع فهي محل الاجتهاد, ولا إثم على المجتهد فيها.
وقال جمهور الفقهاء: كذلك الحق فيها واحد لا يتعدد, ويظهر هذا يوم القيامة, والمجتهد فيها إن أصاب الحق فله أجران, والمخطئ يكون معذوراً مأجوراً, وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: ( إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران, وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر ) رواه مسلم.
وهناك بعض الفقهاء قال في المسائل الفقهية الظنية: الحق قد يتعدد, واستدلوا على ذلك بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة, فأدرك بعضهم العصر في الطريق, فقال بعضهم: لا نصلي حتى نأتيها, وقال بعضهم: بل نصلي لم يرد منا ذلك, فذُكر للنبي صلى الله عليه وسلم فلم يعنف واحداً منهم ) رواه البخاري.


قال أصحاب هذا الرأي: إن الحق يتعدد, فلو كان أحد الفريقين مخطئاً لعيَّنه النبي صلى الله عليه وسلم.
وتجدر الملاحظة هنا: بأن صاحب الأجر الواحد المخطئ, هو من كان عالماً بالاجتهاد والسنن والقياس, أما الجاهل فهو مأزور لأنه مجترئ بغير علم, والله تعالى يقول: { وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُون }.
ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( القضاة ثلاثة: واحد في الجنة, واثنان في النار, فأما الذي في الجنة, فرجل عرف الحق فقضى به, ورجل عرف الحق فجار في الحكم, فهو في النار, ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار ) رواه أبو داود.


نسأل الله أن نكون واقفين عند حدودنا, ورحم الله عبداً عرف حده فوقف عنده. هذا, والله تعالى أعلم.


السؤال الخامس: ما ردُّكم على من يتَّهم الإمام أبا حنيفة النعمان رحمه الله تعالى, بالإرجاء ؟
الجواب:
الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد:
فإن الذي كان يتهم أبا حنيفة بالإرجاء هم المعتزلة والخوارج, لأن الإمام رحمه الله تعالى كان يخالفهم في القدر.
وكان المعتزلة يطلقون اسم المرجئة على كل من يرى أن صاحب الكبيرة ليس مخلَّداً في النار, وإنما يعذَّب بمقدار, وقد يعفو الله عنه.
ولذلك أطلق على أبي حنيفة وصاحبيه رضي الله عنهم مرجئة بهذا الاعتبار.
ويقول الشهرستاني في الملل والنحل: لقد كان يقال لأبي حنيفة وأصحابه مرجئة السنة. هذا, والله تعالى أعلم.


السؤال السادس: ما حكم إعادة صلاة الظهر بعد الجمعة ؟
الجواب:
الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد:
الأصل في إقامة الجمعة أن تكون في مسجد واحد, لتحقق الغرض من مشروعيتها, وهو إظهار اجتماع المسلمين والتعرف على أحوالهم واطلاعهم على ما يستجد من أحوالهم, ومعالجة قضاياهم الدينية والدنيوية في ضوء هدى الله وشرعه, فإذا تعذر اجتماعهم في مسجد واحد لضيق المسجد وكثرة عدد المجتمعين جاز التعدد.


فتشرع إقامة جمعة ثانية, فإذا احتاجوا إلى ثالثة للغرض السابق جاز أيضاً, وهكذا يجوز عند كل مقتضٍ للتعدد, فإن لم يكن هناك داع لتعدد الجمعة بأن كان المسجد الجامع يستوعب المصلين في هذا البلد, فإنه لا يجوز إحداث جمعة أخرى, لأن ذلك أدعى لتحقيق المقصود من مشروعيتها.
فإن حدث وأقام الناس جمعة أخرى مع عدم هذه الحاجة, نُظِرَ هل أقاموها بإذن الإمام أو نائبه ـ والممثلة اليوم بوزارة الأوقاف ـ أم لا؟


فإن أقاموها بإذنه, نُظر إلى الأسبق من الجمعتين, فتصح السابقة, وهي التي سبقت بتكبيرة الإحرام, ووجب على أصحاب الجمعة الثانية أن يعيدوها ظهراً, وإن جُهل السابق وجب على الجميع إعادة الظهر, وإن لم يأذن الإمام بذلك لم تصح منهم, ووجب عليهم إعادة الظهر, عدا جمعة الإمام التي أذن فيها. هذا, والله تعالى أعلم.


السؤال السابع: ما حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم جهراً, بعد الأذان على المنابر ؟
الجواب:
الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد:
فإن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مطلوبة منا شرعاً بعد الأذان, وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إِذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ, ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ, فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا, ثُمَّ سَلُوا اللهَ لِي الْوَسِيلَةَ, فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لا تَنْبَغِي إِلا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللهِ, وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا, هُوَ فَمَنْ سَأَلَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ ) رواه مسلم. والأمر في الحديث الشريف يشمل المؤذن والسامع.
ولم يقيِّد الشرع الشريف الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الأذان بالسر أو الجهر فيها, فلذلك لا حرج على من صلى على النبي صلى الله عليه وسلم سراً أو جهراً. هذا, والله تعالى أعلم.

السؤال الثامن: ما حكم دفع الزكاة لبناء مسجد أو مدرسة شرعية ؟

الجواب:

الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد:
فمصارف الزكاة بيَّنتها الآية الكريمة، وهي قوله تعالى: { إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ الله وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَالله عَلِيمٌ حَكِيمٌ } (التوبة:60)، وليس منها بناء المسجد، وقوله تعالى: { وَفِي سَبِيلِ الله }. لا يصرف إلا للجهاد في سبيل الله, ولهذا فلا يجوز بناء المسجد أو المدرسة الشرعية من مال الزكاة, لأنه لا تمليك فيها لأحد, ولكن من الصدقات العامة الزائدة عن الزكاة المفروضة, وللمتصدق أجر كبير. هذا, والله تعالى أعلم.


السؤال التاسع: هل يجوز اعتبار الدَّين من الزكاة ؟
الجواب:
الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد:
فلا يجوز للدائن أن يُسقط دَينَه عن مدينه الفقيرِ المعسرِ الذي ليس عنده ما يسدُّ به دينه ويحسبه من زكاة ماله, فإن فعل ذلك لم يجزئه عن الزكاة. وهذا عند جمهور الفقهاء.
ووجه المنع أن الزكاة حق الله تعالى, فلا يجوز للإنسان أن يصرفها إلى نفع نفسه أو إحياء ماله, واستيفاء دينه.
فإن دفع الدائن زكاة ماله إلى مدينه فردَّها المدين إليه سداداً لدينه, أو استقرض المدين ما يسدِّد به دينه, فدفعه إلى الدائن فردَّه إليه واحتسبه من الزكاة, جاز هذا الفعل عند جمهور الفقهاء ولكن بشروط:
1. أن لا يكون ذلك حيلة لإحياء حق نفسه.
2. أن لا يكون هناك تواطؤ بين الدائن والمدين.
3. أن لا يقصد الدائن في دفع الزكاة للمدين إحياء حق نفسه, وإلا ما أجزأته عن الزكاة. هذا, والله تعالى أعلم.


السؤال العاشر: هل يجوز إعطاء الابن البالغ الفقير من الزكاة ؟
الجواب:

الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد:
فهناك أصناف لا تدفع لهم زكاة المال, من جملتهم من انتسب إليه المزكي, أو انتسب إلى المزكي بالولادة, ويشمل ذلك أصوله وارثين كانوا أولاً, وكذا أولاده وأولاد أولاده, وإن نزلوا.
وبناء على ذلك:
فلا تدفع زكاة المال للابن الفقير ولو كان بالغاً. هذا, والله تعالى أعلم.


السؤال الحادي عشر: هل التحاميل الشرجية والنسائية تفطر الصائم ؟
الجواب:
الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد:
فمن المفطرات للصائم والتي توجب القضاء دون الكفارة كل داخل في الدبر, لأنه يصل إلى الجوف باختياره.
وبناء على ذلك:
فالتحاميل الشرجية والنسائية, تفطر الصائم, وتوجب القضاء دون الكفارة. هذا, والله تعالى أعلم.


السؤال الثاني عشر: هل بخاخ الربو, ووضع قرص ( النيتروغليسرين ) تحت اللسان للمرضى يفطر الصائم؟
الجواب:

الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد:
فطالما أن البخاخ لـه رذاذ يدخل الجوف فإنه يفطر الصائم, ويوجب القضاء بدون كفارة.
ويجب عليه أن يمسك بقية النهار, وإذا برئ من المرض عليه قضاء الأيام التي استخدم فيها البخاخ, وإذا لم يبرأ منه تماماً, وإنما يأتيه يوم دون يوم, وجب عليه القضاء عند الإمكان, فإن أمكنه القضاء ولم يقضِ وجبت عليه كفارة عن كل يوم إطعام مسكين.
وأما إذا استمر عذره حتى مات ولم يتمكن من القضاء فلا إثم عليه, ولا قضاء ولا كفارة, لأنه لم يحصل منه تفريط ولا تقصير في القضاء, ولأنه فرض لم يتمكن منه إلى الموت, فسقط حكمه كالحج إذا لم يستطع المسلم أداءه, والأحوط لدينه أن يطعم مسكيناً عن كل يوم.
وأما القرص تحت اللسان (النيتروغليسيرين) فإذا ابتلع منه شيئاً ووصل إلى الجوف, فإنه يفطر الصائم, وعليه القضاء دون الكفارة. وإلا فلا شيء عليه. هذا, والله تعالى أعلم.


السؤال الثالث عشر: ما أهم ما يفطر الصائم ، وما لا يفطره ؟

بيان ما يفطر الصائم وما لا يفطره:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث هدىً ورحمة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين .
يقول الله تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ( البقرة183 .
ويقول صلى الله عليه وسلم : " مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ رُخْصَةٍ وَلاَ مَرَضٍ لَمْ يَقْضه عَنْهُ صَوْمُ الدَّهْرِ كُلِّهِ وَإِنْ صَامَهُ " السنن ألأربعة والبخاري تعليقاً .
فرض الله سبحانه الصوم لما له من فوائد روحية وخلقية واجتماعية وصحية . فالصيام جُنَّة – أي وقاية بين الإنسان وبين ما يؤذي حياته الروحية والبدنية عاجلاً و آجلاً . فلله در الإسلام من دين حكيم، يجمع للناس في تشريعه بين مصالح الجسد، ومصالح الروح، بين خير الدنيا والآخرة.
ولهذا فإن الصيام الذي لا يحقق معناه الروحي ، فلا يشعر العبد بعظمة المعبود،ولا يوصل قلبه به،والذي لا يحقق معناه الإنساني، فلا يهذب نفساً،ولا يقوّم أخلاقاً، والذي لايحقق معناه الصحي، فلا يكون حمية أو علاجاً لإسراف في طعام، أو شراب مثلاً، إنه صورة الصيام لا حقيقته، والفرق كبير بين الصورة والحقيقة
وللأسف أن واقع كثير من المسلمين الاكتفاء بالصورة، والعيب في ذلك على المسيء في صيامه، لا في الصيام نفسه، قال صلى الله عليه وسلم : " رب صائم ليس من صيامه إلا الجوع والعطش ، ورب قائم ليس حظه من قيامه إلا السهر " . أحمد والنسائي .
وقال صلى الله عليه وسلم : " مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَعَرَفَ حُدَودَهُ وَتَحَفَّظَ مِمَّا كَانَ يَنْبَغِى أَنْ يَتَحَفَّظَ عنه كَفَّرَ مَا قَبْلَهُ " أحمد وابن حبان.

وأبين فيما يلي بعضاً من الأفعال التي تفطّر الصائم، والتي لا تفطّره :
المفطرات في كتاب الله عزوجل، وفي السنة الصحيحة ثلاثة، هي الأكل والشرب والجماع، فكل ما جاوز الحلق ، يُعدُّ مفطّراً، أما بالنسبة للأمور التالية :
1- قطرة العين لا تفطر الصائم ولو وجد طعمها في حلقه .
2- قطرة الأذن تفطر الصائم و عليه القضاء دون الكفارة .
3- قرص ( النيتروغليسرين ) الذي يوضع تحت اللسان لعلاج الذبحة الصدرية، إذا تلاشى في الفم ولم يبتلع منه شيئاً لا يفطر، وإلا أفطر وعليه القضاء دون الكفارة .
4- ما يدخل المهبل من إصبع طبيبة أو قابلة فاحصة بلا دواء ولا بلل لا يفطّر، وإذا وُجد دواء أو بلل أفطرت وعليها القضاء دون الكفارة .
5- ما يدخل الإحليل أي مجرى البول الظاهر من قسطرة أو منظار بلا مادة ظليلة أو دواء لا يفطر، وإلا أفطر الصائم، ووجب عليه القضاء دون الكفارة .
6- حفر السن أو قلع الضرس أو تنظيف الأسنان أو السواك وفرشاة الأسنان، إذا لم يدخل شيء من ذلك إلى حلقه لا يفطّر، وإلا أفطر وعليه القضاء دون الكفارة .
7- الحقن الجلدية أو العضلية أو الوريدية لا تفطر.
8- التبرع بالدم غير مفطّر .
9- غاز الأوكسجين غير مفطّر ، وغازات التخدير مفطّرة .
10- ما يدخل الجسم امتصاصاً من الجلد كالدهونات والمرخيات واللصاقات الجلدية المحملة بالمواد الدوائية أو الكيمائية غير مفطّرة .
11- أخذ عينة من الدم للفحص المخبري غير مفطّر .
12- إدخال قثطرة في الشرايين لتصوير أوعية القلب أو غيره من الأعضاء غير مفطّر، ولكن ما يتبع القثطرة من وجوب تناول سوائل، فهي مفطرة وعليه القضاء حينئذ دون كفارة .
13- المضمضة ، و بخاخ العلاج الموضعي للفم غير مفطر إذا تجنب الابتلاع، وإلا أفطر وعليه القضاء دون الكفارة .
14- عملية إدخال المنظار من خلال جدار البطن لفحص الأحشاء أو إجراء عملية جراحية عليها إذا دخل معه إلى الأحشاء دواء أو أي شيء يبقى في الأحشاء فقد أفطر وعليه القضاء دون الكفارة .
15- عملية إدخال المنظار أو اللولب إلى الرحم بدون مرهم أو دواء غير مفطر .
16- عملية أخذ عينة ( خزعة) من الكبد أو غيره من الأعضاء إذا لم يدخل دواء إلى الجوف فلا يفطر وإلا فقد أفطر وعليه القضاء دون الكفارة .
17- القيء غير المتعمد غير مفطّر، أما من تعمد القيء وكان ملء الفم فيفطر، وعليه القضاء دون الكفارة ، وكذلك إذا أعاد بصنعه ما غلبه من القيء وكان ملء الفم ،فيفطر وعليه القضاء .
18- ما يدخل الشرج من حقن شرجية أو تحاميل فإنها مفطرة وعليه القضاء دون الكفارة ،ويطلب أخذها بعد الإفطار إلا للضرورة فيفطر ويقضي .
19- العمليات الجراحية بالتخدير العام، إذا كان المريض قد بَيّتَ الصيام من الليل ودخل المخدر عن طريق الفم أو الأنف أو القُبُل أو الدُبُر أو الأذن، فهو مفطر وعليه القضاء دون الكفارة، وإذا كان عن طريق الجلد أو الوريد فلا يفطر.
20- منظار المعدة إذا دخل معه دواء فقد أفطر وعليه القضاء دون الكفارة، وإلا فلا .
21- بخاخ الربو مفطر للصائم وعليه القضاء دون الكفارة .
22- شرب الدخان بجميع وسائله وأنواعه مفطر . وأما التدخين السلبي وهو استنشاق دخان شخص آخر ؛ فإن كان بقصد فهو مفطر ، وإلا فلا يفطر .
23- الاستمناء بقصد في نهار رمضان مفطر .
هذا ، والله تعالى أعلم .


السؤال الرابع عشر: ما حكم الجمع بين طوافي الإفاضة والوداع, وطواف العمرة والوداع ، للحاج المفرد ؟

الجواب:
الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد:
فأما طواف الإفاضة فهو ركن من أركان الحج باتفاق الفقهاء, ولا يتم الحج إلا به, لقوله تعالى: { وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيق }.
وأما طواف الوداع لمن أراد الخروج من مكة المكرمة, فهو واجب عند جمهور الفقهاء عدا المالكية حيث قالوا: إنه مندوب, ومن شروط صحته أن يكون بعد طواف الإفاضة.
وبناء على ذلك:
فلا يجمع بين طواف الإفاضة وطواف الوداع عند جمهور الفقهاء, ومن تركه لزمه دم.
أما عند المالكية فإن طواف الإفاضة يجمع معه طواف الوداع, ويحصل له ثوابه إن نوى به, كتحية المسجد, تؤدي بالفرض .
أما بالنسبة للجمع بين طواف العمرة وطواف الوداع للحاج المفرد ، فالأرجح عند الحنفية وغيرهم ، أنه لا يجوز ، وأما عند المالكية ، فيجوز كذلك ، لأن طواف الوداع سنة عندهم ، هذا, والله تعالى أعلم.


السؤال الخامس عشر: ما حكم رمي الجمرات ، بعد الفجر ، وقبل الزوال ؟
الجواب:
الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد:
فرمي الجمار واجب, فإن تأخر عن وقته أو فات, وجب دم على الحاج.
وبناء على ذلك:
فمن ترك الرمي كلَّه في سائر الأيام إلى آخر أيام الرمي, وهو اليوم الرابع, فإنه يرميها فيه على الترتيب, وعليه دم.
وأما رمي الجمرات بعد الفجر ، وقبل الزوال ، فيجوز ، ولا حرج في ذلك ، هذا, والله تعالى أعلم.
السؤال السادس عشر: ما حكم أداء أكثر من عمرة في رحلة واحدة ؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد:
فإنه لا بأس بتكرار العمرة مراراً, لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما ) رواه البخاري.
وهذا عند جمهور الفقهاء ما عدا المالكية, الذين قالوا بكراهة تكرارها في السنة أكثر من مرة.
وربما أن يكون الإكثار من الطواف أولى من الإكثار من العمرة, لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكرر العمرة في السنة الواحدة, وما كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يعتمرون في السنة إلا مرة واحدة. هذا, والله تعالى أعلم.


السؤال السابع عشر: ما حكم أداء العمرة في أيام الحج ؟
الجواب:
الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد:
فإن العمرة في يوم عرفة, وفي يوم العيد, وفي يومي التشريق تكره تحريماً, لما أخرجه البيهقي عن السيدة عائشة رضي الله عنها, قالت: ( حلَّت العمرة في السنة كلِّها إلا في أربعة أيام, يوم عرفة, ويوم النحر, ويومان بعد ذلك ). لأن هذه الأيام أيام شغل بالحج, والعمرة فيها تشغلهم عن ذلك, وربما يقع الخلل فيه فتكره تحريماً. هذا, والله تعالى أعلم.


السؤال الثامن عشر: هل يجوز أن يؤدي عمرة ويهب ثوابها لمن شاء من الأحياء أو الأموات ؟
الجواب:
الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد:
فيجوز أن يجعل الإنسان ثواب ما أتى به من عبادة لغيره من الأحياء أو الأموات, سواء أكانت العبادة صلاة, أم صوماً, أم حجاً, أم عمرة, أم صدقة أم غير ذلك لظاهر الأدلة على ذلك, ومنها قوله تعالى: { وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيم }. وقوله تعالى: { وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ }.
وقد ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين, أحدهما عن ذاته الشريفة صلى الله عليه وسلم, والآخر عن أمته, روى ابن ماجه والبيهقي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه, أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ اشْتَرَى كَبْشَيْنِ عَظِيمَيْنِ سَمِينَيْنِ أَقْرَنَيْنِ أَمْلَحَيْنِ مَوْجُوءَيْنِ, فَذَبَحَ أَحَدَهُمَا عَنْ أُمَّتِهِ لِمَنْ شَهِدَ لِلَّهِ بِالتَّوْحِيدِ وَشَهِدَ لَهُ بِالْبَلاغِ, وَذَبَحَ الآخَرَ عَنْ مُحَمَّدٍ وَعَنْ آلِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم.
وعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ الْعَاصَ بْنَ وَائِلٍ أَوْصَى أَنْ يُعْتَقَ عَنْهُ مِائَةُ رَقَبَةٍ, فَأَعْتَقَ ابْنُهُ هِشَامٌ خَمْسِينَ رَقَبَةً, فَأَرَادَ ابْنُهُ عَمْرٌو أَنْ يُعْتِقَ عَنْهُ الْخَمْسِينَ الْبَاقِيَةَ, فَقَالَ: حَتَّى أَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم, فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله إِنَّ أَبِي أَوْصَى بِعَتْقِ مِائَةِ رَقَبَةٍ, وَإِنَّ هِشَامًا أَعْتَقَ عَنْهُ خَمْسِينَ, وَبَقِيَتْ عَلَيْهِ خَمْسُونَ رَقَبَةً أَفأُعْتِقُ عَنْهُ؟ فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: ( إِنَّهُ لَوْ كَانَ مُسْلِمًا فَأَعْتَقْتُمْ عَنْهُ أَوْ تَصَدَّقْتُمْ عَنْهُ أَوْ حَجَجْتُمْ عَنْهُ بَلَغَهُ ذَلِكَ ) أخرجه أبو داود وإسناده حسن. وغير ذلك من الأدلة.
أما قوله تعالى: { وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى }. فمعناه لا يجب للإنسان إلا ما سعى, أما الفضل الذي يأتيه من إخوانه فواصل بإذن الله تعالى إليه. هذا, والله تعالى أعلم.


السؤال التاسع عشر: ما حكم تلقين الميت بعد الدفن ؟
الجواب:
الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد:
فالتلقين للميت بعد دفنه مشروع عند أهل السنة والجماعة, لقوله صلى الله عليه وسلم: ( لقنوا موتاكم لا إله إلا الله ) أخرجه مسلم وأحمد. والحديث محمول على حقيقته, لأن الله تعالى يحييه في قبره حياة برزخية لا يعلم حقيقتها إلا الله تعالى.
وقد أخرج الطبراني في الكبير, عن أبي أمامة رضي الله عنه, أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالتلقين بعد الدفن, فيقول: ( يا فلانُ بن فلان, اذكر دينك الذي كنت عليه من شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله, وأن الجنة حق, والنار حق, وأن البعث حق, وأن الساعة آتية لا ريب فيها, وأن الله يبعث من في القبور, وأنك رضيت بالله رباً, وبالإسلام ديناً, وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً, وبالقرآن إماماً, وبالكعبة قبلة, وبالمؤمنين إخواناً ).
فلا ينهى عن التلقين بعد الدفن, لأنه لا ضرر فيه, بل فيه نفع, فإن الميت يستأنس بالذكر وبإخوانه إذا وقفوا على قبره بعد دفنه, كما جاء في مسند الإمام أحمد, وصحيح مسلم, في قصة عمرو بن العاص رضي الله عنه, لما حضرته الوفاة قال لولده: فإذا دفنتموني فشنوا عليَّ التراب شناً, ثم أقيموا حول قبري قدر ما تنحر جزورٌ ويقسم لحمها, حتى أستأنس بكم, وأنظر ماذا أراجع رسل ربي.

السؤال العشرون: ما حكم قراءة القرآن وإهداء الثواب للأموات ؟
الجواب:
أما قراءة القرآن وإهداء الثواب للأموات:
فقد أجمع العلماء على انتفاع الميت بالدعاء والاستغفار له والصدقة, وأداء الواجبات البدنية المالية كالحج.
وسأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن أمي ماتت, فينفعها إن تصدقت عنها, قال: (نعم) رواه أبو داود.
عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَبَّاسٍ أنَّهُ قَالَ: كَانَ الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ رَدِيفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم, فَجَاءَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْ خَثْعَمَ تَسْتَفْتِيهِ, فَجَعَلَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا وَتَنْظُرُ إِلَيْهِ, فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَصْرِفُ وَجْهَ الْفَضْلِ إِلَى الشِّقِّ الآخَرِ, قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي الْحَجِّ, أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى الرَّاحِلَةِ, أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ قَالَ: (نَعَمْ) وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ. رواه البخاري ومسلم.
قال ابن قدامة: وهذه أحاديث صحاح, وفيها دلالة على انتفاع الميت بسائر القُرَب.
وقال الحنفية والحنابلة والمتأخرون من المالكية والشافعية: إن ثواب قراءة القرآن الكريم يصل إلى الميت.
وقال السبكي: والذي دلَّ عليه الخبر بالاستنباط أن بعض القرآن إذا قُصِد به نفعُ الميت وتخفيفُ ما هو فيه نَفَعَه بإذن الله تعالى, إذْ ثبت أن الفاتحة لما قَصَدَ بها القارئ نفعَ الملدوغِ نفعَتْه, وأقره النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ( وما يدريك أنها رقية؟ ) رواه البخاري ومسلم. وإذا نفعت الحيَّ بالقصد, كان نفعُ الميتِ بها أولى.
وقال ابن الصلاح: ينبغي أن يقول: ( اللهم أوصل ثواب ما قرأنا لفلان ). فيجعله دعاء, ولا يختلف في ذلك القريب والبعيد, وينبغي الجزم بنفع هذا. هذا, والله تعالى أعلم.


السؤال الحادي والعشرون: ما حكم الجلوس للتعزية ؟
الجواب:
الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد:
فلا بأس بالجلوس للتعزية. قال في الفتاوى الظهيرية: لا بأس بها لأهل الميت في البيت أو المسجد, والناس يأتونهم ويعزونهم.
ودليل استحباب التعزية ما رواه الترمذي وابن ماجه عنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ( مَنْ عَزَّى مُصَابًا فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ ) قال الترمذي غريب. وروى ابن ماجه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: ( مَا مِنْ مُؤْمِنٍ يُعَزِّي أَخَاهُ بِمُصِيبَةٍ إِلَّا كَسَاهُ اللهُ سُبْحَانَهُ مِنْ حُلَلِ الْكَرَامَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ).
وبناء على ذلك:
فالجلوس للتعزية لا حرج فيه, ولم يرد حديث في النهي عنه. هذا, والله تعالى أعلم...


السؤال الثاني والعشرون: ما حكم بيع الأجل مع زيادة الربح, بيع التقسيط كذلك مع زيادة الربح, بيع المزاد العلني, بيع المرابحة ؟


الجواب: الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد:

فبالنسبة لبيع الأجل أو التقسيط مع زيادة الربح: أجاز جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة بيع الشيء في الحال لأجل أو بالتقسيط بأكثر من ثمنه النقدي إذا كان العقد مستقلاً.
وقد ذكر ابن قدامة في المغني: البيع بنسيئة - لأجل - ليس بمحرم اتفاقاً, ولا يكره.
فإذا تمَّ الاتفاق بين البائع والمشتري على شراء سلعة بمائة ليرة مثلاً لأجل معلوم, أو تدفع أقساطاً, مع أن سعرها النقدي تسعين ليرة مثلاً, جاز البيع, وإن ذُكر في المساومة السعران, سعر للنقد وسعر للتقسيط, ثم تمَّ البيع في نهاية المساومة نقداً أو تقسيطاً.
أما لو قال البائع للمشتري: بعتك هذه السلعة بمائة ليرة لأجل أو تقسيطاً, وبتسعين ليرة نقداً, فقال المشتري: قبلت, ولم يحدد لأجل أو نقداً, فهذا العقد باطل شرعاً.
وإذا قال البائع للمشتري: بعتك هذه السلعة بتسعين ليرة نقداً, فقال المشتري: قبلت, وقال بعد ذلك المشتري للبائع: سأدفع لك ثمنها بعد شهر مثلاً أو بالتقسيط, فقال له البائع: إذاً صار سعرها مئة ليرة, فهذا كذلك لا يجوز, وتكون شبهة الربا واضحة في هذه الحال, لأن العقد تم أولاً نقداً.
أما إذا ساومه على سعر السلعة نقداً أو تقسيطاً, ثم اتفقا بعد ذلك على النقد أو التقسيط فلا حرج فيه شرعاً, وليس فيه شبهة ربا, لأن الله تعالى يقول: { وأحل الله البيع وحرم الربا }, فالربا زيادة من جنس ما أعطاه مقابل الأجل, كبيع /100/ كغ من الحنطة في الحال, على أن يدفعها /120/ كغ بعد أجل, أو أقرضه ألف ليرة على أن يدفعها له ألفاً ومائة بعد أجل.
أما البيع: فالمشتري يأخذ سلعة ويدفع ثمنها, ولم يعط زيادة من جنس ما أخذ.
والربا يختلف عن البيع بالتقسيط كذلك: بأن المرابي كلما تأخر عن دفع الأقساط زاد عليه الربا. أما في البيع فصار السعر معلوماً لأجل, ولو تأخر المشتري عن دفع الثمن بالوعد المحدد, أو تأخر في دفع الأقساط, لا يحق للبائع أن يزيد عليه بسبب التأخير.
ولكنني أنصح البائع والمشتري: أن يبيع نقداً ويشتري نقداً, لا لوجود شبهة حرام, ولكن لكثرة الخلف في الوعد من قبل المشتري ولقلة الأمانة, ولكن إن ضمن البائع المشتري وعرفه بأنه ملتزم بوعوده وصاحب أمانة, فلا حرج في البيع مطلقاً. ورحم الله من قال: لا تبع نسيئة ولا ترد ربحاً. هذا, والله تعالى أعلم.


بيع المزاد العلني:


أما بيع المزاد العلني فجائز شرعاً, وصورته: أن يعرض البائع السلعة على جمهور الناس, فيزيد في السعر من يشاء, ثم يستقر البيع على الشخص الذي يعرض آخر سعر.
جاء في سنن أبي داود وأحمد عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلاً مِنْ الأَنْصَارِ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم, فَشَكَا إِلَيْهِ الْحَاجَةَ, فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (مَا عِنْدَكَ شَيْءٌ)؟ فَأَتَاهُ بِحِلْسٍ وَقَدَحٍ, وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (مَنْ يَشْتَرِي هَذَا)؟ فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا آخُذُهُمَا بِدِرْهَمٍ, قَالَ: (مَنْ يَزِيدُ عَلَى دِرْهَمٍ)؟ فَسَكَتَ الْقَوْمُ, فَقَالَ: (مَنْ يَزِيدُ عَلَى دِرْهَمٍ)؟ فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا آخُذُهُمَا بِدِرْهَمَيْنِ.
القَدَح: الوعاء الذي يشرب فيه. الحِلس: البساط أو الكساء الرقيق الذي يكون تحت برذعة البعير. هذا, والله تعالى أعلم.
بيع المرابحة:
أما بيع المرابحة: فعقد جائز شرعاً رخَّص في جوازه جماهير العلماء والتابعين وأئمة المذاهب, وذلك لقوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ}. ولقوله تعالى: { إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ }. والمرابحة بيع بالتراضي بين العاقدين.
وبيع المرابحة هو البيع بمثل الثمن الأول مع زيادة ربح,

ويشترط له شروط:

1. العلم بالثمن الأول.
2. العلم بالربح.
3. أن يكون رأس المال من المثليات.
4. ألا يترتب على المرابحة في أموال الربا وجود الربا.
5. أن يكون العقد الأول صحيحاً. هذا, والله تعالى أعلم.


السؤال الثالث والعشرون: ما حكم زيادة الأرباح في السلع والبضائع بشكل مرتفع ؟


الجواب: الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد:

فالأصل الذي تقدِّره القواعد الشرعية ترك الناس أحراراً في بيعهم وشرائهم, وذلك لقوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ }.
فليس هناك تحديد لنسبة معينة للربح يتقيد بها التجار في معاملاتهم, بل هو متروك لظروف التجارة العامة, وظروف التاجر والسلع, مع مراعاة الآداب الإسلامية في التعامل, والتي من جملتها: قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( الراحمون يرحمهم الرحمن ) رواه أبو داود, وقوله صلى الله عليه وسلم: ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) رواه البخاري, وقوله صلى الله عليه وسلم: ( رحم الله عبداً سمحاً إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى ) رواه البخاري, وقوله صلى الله عليه وسلم: ( وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس ) رواه الترمذي, وقوله صلى الله عليه وسلم: ( من سرَّه أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة فلينفس عن معسر أو يضع عنه ) رواه مسلم, وقوله صلى الله عليه وسلم: ( ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه ) رواه الترمذي.
ويقول سيدنا عمر رضي الله عنه: ( تعلَّمُن أن الطمع فقر وأن اليأس غنى ) رواه أحمد.

ورحم الله من قال:

حسبي بعلمي إن نفعْ *** ما الذل إلا في الطمعْ
مـن راقـب الله نـزعْ *** عن سوء ما كان صنعْ

لذلك أقول للأخوة التجار: تعاملوا مع خلق الله عز وجل من خلال هذه القواعد لتنالوا شرف قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء ) رواه الترمذي. هذا, والله تعالى أعلم.


السؤال الرابع والعشرون: ما حكم البيع والشراء عبر بطاقة الائتمان, والشبكة العالمية للاتصالات (الانترنت) ؟


الجواب: الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد:

فلا مانع من التعامل بالبطاقات الائتمانية في البنوك الإسلامية إن كانت البنوك تأخذ على التعامل بها مبلغا محدداً يساوي أجر المثل دون زيادة، أما إن كانت نسبة من المسحوبات أو مبلغا زائداً على أجر المثل، فلا يجوز، لشبهة الربا.
ثم إن اشترط البنك عليك أنك إن تأخرت في السداد يتم حساب فوائد على المبلغ فلا يحل لك التعامل مع وجود هذا الشرط، ولو تفاديته بسرعة السداد.
أما البطاقات الائتمانية التي تتعامل بها البنوك الربوية فلا يجوز التعامل بها لأنها لا تخلو من الربا المحرم، سواء كان في بلاد المسلمين أو غير ذلك. هذا, والله تعالى أعلم.
أما الشبكة العالمية للاتصالات (الانترنت):
فإن البيع عن طريق الشبكة العالمية للاتصالات بالمواد غير المحرمة شرعاً, مع تحقيق شروط البيع, جائز شرعاً, والأكثر أهمية في هذا الموضوع, أن لا يكون البيع والشراء بالأموال الربوية لاشتراط التقابض فيها. هذا, والله تعالى أعلم.


السؤال الخامس والعشرون: ما حكم زواج المسيار, والزواج بنية الطلاق, والزواج العرفي ؟


الجواب: الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد:

فزواج المسيار: مصطلح جديد لم ينتشر كثيراً بين المسلمين بعد، وأوضح صوره أن يتزوج إنسان امرأة زواجاً مستوفياً لشروطه الشرعية، ويشرط عليها أن لا ينفق عليها، ولا يبيت عندها إلا قليلاً، وأن لا تطالبه بالعدل بينها وبين زوجاته الأخريات إن كان له زوجات أخريات غيرها، وهذا الزواج عامةُ الفقهاء على صحته، وأن تلك الشروط كلها لاغية ولا تلزم أياً من الزوجين، فللزوجة بعد الزواج أن تطالبه بالعدل بينها وبين زوجاته الأخريات، ولها أن تطالبه بالنفقة الزوجية، وكلِّ حقوق الزوجة الشرعية. هذا, والله تعالى أعلم.
أما الزواج بنية الطلاق: فما دامت المدةُ لم تُحدَّدْ في عقد الزوج فهو زواج صحيح مع الكراهة إذا استوفى شروطه، ذلك أن الزواج بنية الطلاق يستمر حكماً إذا لم يطلق الزوج، وربما يستمر مدى الحياة، ثم إنَّ كل زوجة تعلم أن لزوجها أن يطلقها في أي وقت دون نية مسبقة، فلا قيمة لهذه النية المسبقة. هذا, والله تعالى أعلم.
أما الزواج العرفي: فالزواج العرفي هو الزواج المستكمل لشروطه وأركانه، من الشهود والإيجاب والقبول وموافقة الزوجين والولي، ولكنه غير مسجل رسمياً لدى السلطات المسؤولة في الدولة، وهو صحيح، ولكنه غير مستحسن لما قد ينتج عنه من ضياع للحقوق. هذا, والله تعالى أعلم.


السؤال السادس والعشرون: ما حكم طلاق الثلاث في مجلس واحد, وطلاق الغضبان والسكران, وطلاق الهازل والمكره ؟


الجواب: الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد:

فطلاق الثلاث في مجلس واحد: إذا طلق الرجل زوجته ثلاثاً بقوله: أنت طالق بالثلاث, بانت منه بينونة كبرى, فلا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره.
ولا يجوز بعد الطلاق الثلاث أن ينظر في أمر الولي في عقد الزواج هل كان عدلاً أو فاسقاً ليجعل فسقه ذريعة إلى عدم إيقاع الثلاث.
لأن الفقهاء أجمعوا على أن من اعتقد حل الشيء, كان عليه أن يعتقد ذلك سواء وافق غرضه أو خالفه, ومن اعتقد تحريمه كان عليه أن يعتقد ذلك في الحالين.
وهؤلاء الرجال المُطَلِّقون لا يفكرون في فساد النكاح بفسق الولي إلا عند الطلاق الثلاث, لا عند الاستمتاع والتوارث, يكونون في وقت يقلدون من يفسده, وفي وقت يقلدون من يصححه بحسب الغرض والهوى, ومثل هذا لا يجوز باتفاق الأمة. هذا, والله تعالى أعلم.
أما طلاق الغضبان: فإذا صدر اليمين في ساعة غضب شديد, أخرج الإنسان عن طوره, ولم يعِ ما يقول, واختلط عليه الأمر, وأُغلق عليه, فطلاقه لا يقع, لقوله صلى الله عليه وسلم: ( لا طلاق ولا عتاق في إغلاق ) أخرجه أحمد من حديث عائشة, وصححه الحاكم.
أما إذا كان يعي ما يقول فإن طلاقه واقع عند جمهور الفقهاء.
أما طلاق السكران: فذهب جمهور الفقهاء إلى أن طلاق السكران واقع, إذا كان متعدياً بسكره, كأن شرب الخمرة طائعاً باختياره, ولو غاب عقله, وذلك عقاباً له.
أما إذا كان غير متعدٍّ بسكره كما إذا سكر مُكرَهاً, أو شرب المسكر وهو لا يعلم, لم يقع طلاقه بالاتفاق, لفقدان العقل لديه ـ كالمجنون ـ دون تعدٍّ. هذا إذا غاب عقله أو اختلت تصرفاته, وإلا وقع طلاقه.
أما طلاق الهازل: فالهازل هو من قصد لفظ الطلاق إلا أنه لا يريد الفرقة ولا يقصدها, فهذا ـ أي الهازل ـ اتفق الفقهاء على وقوع طلاقه, وذلك لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: ( ثلاث جِدُّهن جِدٌّ, وهزلهن جِدٌّ: النكاح والطلاق والرجعة ) رواه الترمذي. ولأن الطلاق ذو خطر كبير باعتبار أن محله المرأة, وهي إنسان, والإنسان أكرم مخلوقات الله تعالى, فلا ينبغي أن يجري في أمره الهزل, ولأن الهازل قاصد للفظ الذي ربط الشارع به وقوع الطلاق, فيقع الطلاق بوجوده مطلقاً.
أما طلاق المكره: فطلاق المجبر أو المكره يقع ( كطلاق المختار غير المجبر ) عند بعض الفقهاء كالحنفية، ولا يقع عند المالكية والشافعية والحنابلة إذا استوفى الشروط التالية، وهي:
1ـ أن لا يقصد عند التلفظ بالطلاق طلاق زوجته،
2ـ وقدرة من أكرهه على إيقاع ما هدّده به، بكونه متغلّباً وذا سطوةٍ، إذ تهديدُ غير القادر لا اعتبار له،
3ـ وأن يكون ما هدّد به قتلاً أو إتلاف عضو، أو غيرهما ممّا يوجب غمّاً يعدم الرّضا،
4ـ وأن يكون المكرَه ممتنعاً عن الفعل المكرَهِ عليه لولا الإكراه،
5ـ وألاّ يكون للمكره بدٌّ عن الفعل المكره عليه، وغير ذلك مما بيَّنته كتب الفقه عندهم، فإذا انعدمت هذه الشروط أو بعضها وقع الطلاق. هذا, والله تعالى أعلم.


السؤال السابع والعشرون: هل يشترط الشهود في الطلاق ؟
الجواب:
الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد:
فلا يشترط لصحة الطلاق وجود الشهود أو قضاء القاضي, وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنما الطلاق لمن أخذ بالساق ) رواه ابن ماجه. هذا, والله تعالى أعلم.


السؤال الثامن والعشرون: ما حكم عدم جلوس المطلقة أو المتوفى عنها زوجها في العدة ؟


الجواب: الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد:


فالعدة تبدأ في الطلاق عقب الطلاق, وفي الوفاة عقب الوفاة, لأن سبب وجود العدة الطلاق أو الوفاة, فيعتبر ابتداؤها من وقت وجود السبب, فإن لم تعلم بالطلاق أو الوفاة حتى مضت العدة فقد انقضت عدتها.
وبناء على ذلك:
فإذا لم تجلس المطلقة أو المتوفى عنها زوجها في العدة حتى مضى زمن العدة, فلا قضاء للعدة عليها, لأن العدة لا تُقضى, ولكن عليها بالتوبة والاستغفار لأنها تركت واجباً من الواجبات الشرعية, هذا إذا تقصَّدت ترك الجلوس في العدة, أما إذا انقضى زمن العدة لعدم علمها بوفاة زوجها أو طلاقها فلا قضاء عليها ولا إثم عليها. هذا, والله تعالى أعلم.


السؤال التاسع والعشرون: ما حكم تولي المرأة منصب القضاء, والولاية العامة للدولة ؟


الجواب: الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد:


فالقضاء من الولاية العامة، وقد اتفق الفقهاء على منع المرأة منه، وقد استدلَّ الجمهور على عدم جواز تولية المرأة القضاء بقوله صلى الله عليه وسلم: ( لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ) أخرجه البخاري. لأن القاضي يحضر محافل الخصوم والرجال, ويحتاج فيه إلى كمال الرأي ومشاورة العلماء, والنساء لسن أهلاً لذلك, وقد نبَّه الله تعالى إلى نسيانهنَّ بقوله تبارك وتعالى: { أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى }.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: يجوز أن تلي النساء القضاءَ فيما يجوز أن تقبل شهادتهنَّ فيه وحدهنَّ أو مع الرجال, ولا يجوز في الحدود والقصاص. هذا, والله تعالى أعلم.


السؤال الثلاثون: ما حكم لبس المرأة حجاباً ملفتاً للنظر, كأن يكون لونه أحمر أو أخضر أو أصفر ؟


الجواب: الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد:
فالأفضل للمرأة أن تحافظ خارج بيتها بالنسبة للباس الخارجي على اللباس الأسود اللون، أو الكامد مطلقاً الذي لا يلفت الأنظار إليها، بعيداً عن الألوان الفاقعة التي تلفت الأنظار إليها، لأن الحجاب وضع للمساعدة على غض البصر عنها، لا للفت النظر إليها، وليس هناك لون معين محبَّذ، ولا لون معين محرَّم، سوى ما تقدم، وأما سائر الألوان التي ذكرتها, فلها لبسها تحت العباءة، ولها اختيار اللون الذي تحبه عند ذلك. هذا, والله تعالى أعلم.



التعديل الأخير تم بواسطة admin ; 11-05-2013 الساعة 12:37 AM
admin غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس