عرض مشاركة واحدة
قديم 04-18-2009
  #2
هيثم السليمان
عضو شرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: دير الزور _ العشارة
المشاركات: 1,367
معدل تقييم المستوى: 17
هيثم السليمان is on a distinguished road
افتراضي رد: العلامة عبد الله بن صديق الغماري

سادساً- ابتلاء العلماء العاملين:


إن الابتلاء سنة من سنن الله في الدعوات، فكما يبتلى الأنبياء والرسل يبتلى كذلك من سار على منهاجهم المستقيم، واقتفى أثرهم، وتمسك بسنتهم.
فلم يسلم الشيخ الحافظ العلامة والمحدث البحاثة عبد الله بن الصديق من جور الرئيس جمال عبد الناصر، فهو كذلك ممن اكتوى بنار بلائه "الأحمر" الذي صبه على خيرة العلماء العاملين زبدة هذه الأمة أمثال الشهيد الإمام سيد قطب والشيخ عبد القادر عودة رحمهم الله، علماء كانوا يسعون إلى تطبيق أحكام الله وعدله في الأرض! نعم قضى الشيخ الحافظ العلامة في الزنزانة 11 سنة حُسوماً من 15 دجنبر 1959 إلى 26 دجنبر 1969! وكان على وشك الإعدام لولا أن تداركه لطف الله! وهذا البلاء تابعه حتى في مدينة طنجة فاعتقل هو وشقيقه الشيخ العلامة سيدي عبد العزيز في سجن مالباطا لأنهما اجتهدا فصاما على الشرق! عجبا، فالبلاء مُدرِكه شرَّق أو غرَّب! وصدق مولانا وسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم..فما يزال البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة) من حديث رواه الإمام أحمد وابن حبان والحاكم والترمذي والنسائي وابن ماجه.

سابعاً- نشاطه الخارجي:


كتب الشيخ الحافظ العلامة في مجلة "الإسلام" بمنهجية متميزة جال فيها مع الحديث النبوي رواية ودراية، ومع فقه السنة من خلال الفتاوى في قضايا تحتك بالناس، ومشاكلهم، واهتماماتهم الدينية. وكانت له على صفحاتها ردود ومناقشات علمية مثيرة حتى عرف بمحدث المجلة!
وكانت له أيضاً إسهامات في المجلات الآتية: "الإرشاد"، و"هدي الإسلام"، و"الرابطة الإسلامية"، و"الشرق العربي"، و"الوسيلة"، و"المسلم"، و"نور الإسلام" التي تصدرها مشيخة الأزهر برئاسة العلامة الشيخ محمد الخضر التونسي.
هذا إضافة إلى صلاته الوثيقة ونشاطاته المكثفة مع العديد من الجمعيات التي كان يحاضر ويشارك في ندواتها وملتقياتها العلمية:
-جماعة الإخوان المسلمين، وكانت بينه وبين مرشدها الشهيد الإمام حسن البنا ووالده الشيخ أحمد عبد الرحمن صادقة متينة.
-جماعة أنصار السلف الصالح (تقلد رئاستها).
-جماعة أنصار الحج (عمل وكيلا لها).
-جمعية العشيرة المحمدية (كان عضوا بارزا فيها).
-جمعية الهداية الإسلامية.
-جمعية نشر الفضائل والآداب الإسلامية
-جماعة الرابطة الإسلامية.
-جماعة النساء المسلمات.
-جمعية زينب الغزالي النسوية.

ثامناً- مكانته العلمية:


أضف إلى ذلك أنه نال احترام وثناء وتقدير كبار العلماء أمثال شيخ الأزهر العلامة محمود شلتوت والشيخ علامة الديار المصرية ومفتيها الأكبر محمد بخيت، والقاضي الشيخ العباس بناني من كبار علماء القرويين، والعلامة الشيخ عبد الفتاح أبو غدة، والشيخ محمود شويل إمام المسجد النبوي بالمدينة المنورة...
لكنه رحمه الله ما اغتر قط بهذه المكانة العلمية السامقة، وذلك الثناء والتقدير، وما كان من عشاق الشهرة، ولا من خطاب السيادة والمشيخة، ولا من اللاصقين بالكراسي والمناصب.. هو كريم الشيم، نبيل، سمح، شريف الطبع، نقي السريرة، خافض الجناح.. فيه أخلاق الفتوة الصوفية، يحمد الله على السراء، ويصبر على الضراء.. فيه ورع حتى في علمه.. فيه إخلاص وصدق وحياء.. إنه –بحق- أبو تراب: وصف يطلقه عليه في محبة وإكبار شقيقه الشيخ العلامة سيدي عبد الحي.. لذا اجتمعت عليه القلوب، وصفت له، فأُوتي محابَّها وجلالها حتى أصبح لكل عين حبيبا!
وجال الشيخ الحافظ العلامة رحمه الله بلاد الله شرقا وغربا.. حج عدة مرات، أولها وهو صبي يحبو، فحُج به.. وزار دول الخليج العربي، والأردن، والسودان، وبلدان الغرب الإسلامي.. وذهب إلى أوروبا، وسافر مرتين إلى الولايات المتحدة الأمريكية حيث أقام فترة في بيت الملاكم الشهير على كلاي بشيكاغو.

تاسعاً- وحان وقت الرحيل:


عاد الشيخ الحافظ الجليل إلى وطنه إلى طنجة المحروسة في 10 يناير 1971 بعد غياب دام 40 سنة، وكان يوماً مشهوداً.
وبدأ مرحلة جديدة من حياته بين قومه.. فذاق الحلو والمر، واليسر والعسر.. وصنف، ودرس، وخطب.. فأثار حركة علمية مباركة لم يسبق لها مثيل..
واعترته علة، فتبلغت به، فثقل..
وفي يوم 12 فبراير 1993م أفضى إلى ربه.. فودعه آلاف المواطنين في جنازة رهيبة تأخذ بالأفئدة، وصلِ عليه ظهرا بالمسجد الأعظم، ودفن بالزاوية الصديقية بجوار والديه.. تغمده الله تعالى برحمته ورضوانه وبوأه فسيح جنانه.. آمين.

عاشراً- مسك الختام:


خلاصة المرام في هذا المقام: فهذه لمحات سريعة، وزورة خاطفة ونثارات عن حياة الشيخ العلامة والمحدث الفهامة والفقيه البحاثة الحافظ أبي الفضل سيدي عبد الله بن محمد بن الصديق الغماري.. الذي وهب كل حياته لخدمة العلم وطلابه، وللقيام لله بالقسط، فقد كان رحمه الله بالحق ظاهر ولا يخاف في الله لومة لائم.
لمحات لم تف بحق شخصية هذا الإمام العلامة الذي شيد المباني بالحجج البينات والأدلة الراجحة.. وقر العيون بجواهر البيان.. وأوضح البيان بنفحات مسكية عنبرية ربانية أزالت اللبس والغبش، وبينت حقائق الأمور، ودفعت الجهل والشك والارتياب...
حقاً كانت هذه المعلمة كنزا ثمينا بين قومه وهم عنه غافلون! وحق لنا أن نفخر به:
أولئك آبائي فجئني بمثلهم = إذا جمعتنا يا جرير المجاميع

هكذا وقد فقدنا كثيرًا كثيرًا من العلوم النافعة والفوائد الجمة التي ذهبت بذهاب أهلها ورزئينا بغياب جمهرة من علمائنا الجلة رحمهم الله تعالى وأمطر عليه شآبيب الرحمة والرضوان.
وقد عشنا لحظات مع علم من أعلام هذه الأمة ودعامة من دعامتها المتينة، وبذكر الصالحين تتنزل الحرمات.
ختم الله لنا بالسعادة التي ختم بها لأوليائه وأصفيائه ومحبيه وجمعنا الله بهم على حوض الحبيب المصطفى والنبي المجتبى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ومتعنا جميعا بالنظر إلى وجه الله تعالى الكريم في يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

وصل اللهم وسلم وبارك وأنعم وتفضل وتكرم على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرًا إلى يوم الدين.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات
هيثم السليمان غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس