الموضوع: اللمعات
عرض مشاركة واحدة
قديم 02-01-2011
  #6
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: اللمعات

اللـمعة التاسعة

لايسع كل واحد أن يرى نقائص وحدة الوجود الدقيقة ولا هو بـحاجة اليها، لذا لا حاجة لـه لقراءة هذه اللـمعة.

باسمه سبـحانه

} وَاِنْ مِنْ شَيءٍ اِلاّ يُسَبـح بـحـمدِهِ{ (الاسراء:44)

السلام عليكم ورحـمة الله وبركاته

اخي العزيز الوفي الـمـخلص الـخالص!

ان سبب عدم ارسالي رسالة مستقلة الى اخينا ((عبدالـمـجيد))(1) هو ان رسائلي التي ابعثها اليكم تفي بالغرض، فان ((عبدالـمـجيد)) اخ قدير وطالب مـجد بعد ((خلوصي))(2)، وانا اذكره باسمه في دعائي كل صباح ومساء مع ((خلوصي)) واحياناً قبلـه. هذا وان ((صبري)) ثم ((حقي افندي)) يستفيدان من رسائلي، فلا ارى داعياً لأبعث إليهما رسائل مستقلة. فلقد أنعم الله عليك وجعلك اخاً كبيراً مباركاً لـهما، فراسل ((عبدالـمـجيد)) بدلاً مني، وطمئنه لئلا يقلق، فانا افكر فيه بعد ((خلوصي)).

سؤالكم الاول

وهو سؤال خاص يعود الى امضاء احد اجدادكم باسم ((السيد مـحـمد)) (أي من آل البيت).

اخي!

انني لا املك الاجابة عن هذا السؤال جواباً مبنياً على العلـم والتـحقيق والكشف، ولكن كنت اقول لاصحابي: ان ((خلوصي)) لا يشبه الاتراك الـحاليين، ولا الاكراد، فاني ارى فيه خاصية اخرى، وكانوا يصدّقونني. فكنا نقول: ان ظهور عراقة وأصالة في ((خلوصي)) دليل على نيلـه عطاء الـحق، بـمضمون القاعدة:

(( داد حق راقابليت شرط نيست ))(1)

واعلـم قطعاً ان للرسول الاكرم e نوعين من الآل:

الاول: آلـه النَسَبي.

والاخر: آلـه من حيث شخصه الـمعنوي النوراني، أي من حيث الرسالة.

فأنت داخل قطعاً في هذا الآل الثاني، فضلاً عن دخولك في الآل الأول حسب قناعتي بلا دليل. فان إمضاء جدّك باسم ((السيد)) ليس عبثاً ولا جزافاً.

خلاصة سؤالكم الثاني:

أخي العزيز!

ان مـحي الدين بن عربي(2) قد قال: (ان مـخلوقية الروح عبارة عن انكشافها). انك يا أخي بسؤالك هذا تضطرني الى ان اناقش وانا الضعيف العاجز خارقة الـحقيقة وداهية علـم الاسرار مـحي الدين بن عربي. ولكن لـما كنت سأخوض في البـحث معتـمداً على نصوص القرآن الكريـم فسوف استطيع ان احلق اعلى من ذلك الصقر وأسمى منه وإن كنت ذبابة!

أخي:

اعلـم ان مـحي الدين بن عربي لا يـخدع ولكن ينـخدع، فهو مهتد، ولكنه لا يكون هاديا لغيره في كل ما كتبه، فما رآه صدق وصواب ولكن ليس هو الـحقيقة.

ولقد وضحت ((الكلـمة التاسعة والعشرون)) في مبـحث الروح، الـحقيقة التي يدور عليها سؤالكم.

نعم! ان الروح من حيث الـماهية قانون أمري. ولكن اُلبست وجوداً خارجياً، فهي ناموس ذو حياة، وقانون ذو وجود خارجي.

فالشيـخ مـحي الدين قد نظر الى الروح من حيث ماهيتها فحسب، ويرى الاشياء خيالا حسب مشرب وحدة الوجود.

ولـما كان الشيـخ قد انتهج مسلكاً مستقلاً وكان صاحب مشرب مهم ولـه كشفيات ومشاهدات خارقة فانه يلـجأ باضطرار الى تأويلات ضعيفة وتكلـّف وتـمـحلّ ليطبق بعض الآيات الكريـمة حسب مشربه ومشهوداته، مـما يـخدش صراحة الآية الكريـمة ويـجرحها.

ولقد بينا في رسائل اخرى الـمنهج القرآني ومنهج أهل السنة السنية القويـم.

فالشيـخ ابن عربي لـه مقام خاص لذاته، وهو من الـمقبولين، إلا أنه بكشفياته التي لاضوابط لـها خرق الـحدود وتـجاوزها وخالف جـمهور الـمـحققين العلـماء في كثير من الـمسائل.

ولأجل هذا تكاد تقتصر طريقته الـخاصة به لفترة قصيرة جداً في ((صدر الدين القونوي))(1) ويندر أن يستفاد من آثاره استفادة ذات استقامة، مع كونه شيـخاً عظيـماً عالي القدر وقطباً خارقاً فريد زمانه. بل لا يبحث كثير من العلـماء الـمـحققين والاصفياء على قراءة آثاره القيـمة، بل قسم منهم يـمنعون قراءتها.

ان بيان الفرق الاساس بين مشرب الشيـخ مـحي الدين بن عربي واهل التـحقيق من العلـماء، وبيان منابعهما ومصادرهما يـحتاج الى دراسة عميقة وبـحث دقيق ونظر واسع رفيع.

نعم! ان الفرق دقيق جداً وعميق جداً الى درجة كبيرة، والـمصدر رفيع وسام الى حد كبير، بـحيث لـم يؤاخذ الشيـخ ابن عربي على خطئه، وانـما ظل مقبولا لدى العلـماء. اذ لو كان الفرق والـمصدر مشهودين واضحين علـماً وفكراً وكشفاً لكان سقوطاً مريعاً للشيـخ وخطأ جسيـما لـه.

ولكن لـما كان الفرق عميقا جداً، فاننا نـحاول أن نبين خطأ الشيـخ في تلك الـمسألة فحسب ونوضح ذلك الفرق وتلك الـمنابع في مثال باختصار شديد:

فمثلا: الشمس تشاهد في مرآة. فهذه الـمرآة هي مظروف الشمس، وموصوفها. بـمعنى ان الشمس توجد فيها من جهة، ومن جهة اخرى تزين الـمرآة حتى تكون صفتها اللامعة وصبغتها الساطعة.

فان كانت تلك الـمرآة، مرآة آلة تصوير فانها ستنقل صورة الشمس على ورقة حساسة بصورة ثابتة. ففي هذه الـحالة فالشمس الـمشهود في الـمرآة وماهيتها الـمرتسمة على الورقة وصفاتها، وتزيينها الـمرآة – حتى غدت كأنها صفتها – هي غير الشمس الـحقيقية. فهي ليست شمسا، بل هي دخول تـجلي الشمس في وجود آخر.

اما وجود الشمس الـمشهودة في الـمرآة فهو وان لـم يكن عين وجود الشمس الـموجودة في الـخارج الا انه قد ظن انه عين وجودها لارتباطه بها واشارته اليها.

فبناء على هذا الـمثال:

فان القول بأن: ((ليس في الـمرآة غير الشمس الـحقيقية)) يـمكن ان يكون صوابا باعتبار الـمرآة ظرفا وان الـمقصود من الشمس التي فيها وجودها الـخارجي. ولكن اذا قيل ان صورة الشمس الـمنبسطة على الـمرآة – التي اخذت حكم صفة الـمرآة – والصورة التي انتقلت الى الورقة الـحساسة انها الشمس، فهذا خطأ، أي ان عبارة ((ليس في الـمرآة غير الشمس)) تكون عبارة خطأ، ذلك لان هناك صورة الشمس التي تظهر على الـمرآة وهناك الصورة الـمرتسمة خلفها على الورق الـحساس، فكل منها لـها وجود خاص بها.

فمع أن ذينك الوجودين هما من تـجلي الشمس الا انهما ليسا الشمس نفسها.

وكذا فان ذهن الانسان وخيالـه شبيهان بـمثال الـمرآة هذا. وذلك:

ان الـمعلومات الـموجودة في مرآة فكر الانسان لـها وجهان ايضاً: فهي بوجه علـم، وبوجه آخر معلوم.

فاذا اعتبرنا الذهن ظرفاً لذلك الـمعلوم، اصبـح ذلك الـموجود الـمعلوم معلوما ذهنيا. فوجوده شيء آخر.

وان اعتبرنا الذهن موصوفا بذلك الشيء الذي حل فيه اصبـح صفة للذهن، وذلك الشيء يكون عندئذ علـما، ولـه وجود خارجي. وحتى لو كان لذلك الـمعلوم وجود وجوهر فسيكون وجوداً خارجياً عرضياً.

فبناء على هذين التـمثيلين:

الكون مرآة، وماهية كل موجود مرآة ايضا. هذه الـمرايا معرضة الى الإيـجاد الإلـهي بالقدرة الأزلية.

فكل موجود – من جهة – يصبـح مرآة لاسم من اسماء الله يبين نقشاً من نقوشه. فالذين هم على مشرب الشيـخ ابن عربي قد كشفوا العالـم من حيث الـمرآتية والظرفية والـموجود الـمثالي في الـمرآة – من زاوية النفي – ومن حيث منعكس صورة ذلك الشيء في الـمرآة هو عينه. وقالوا: لاموجود إلا هو، دون ان يفكروا بالـمراتب الاخرى، فأخطأوا حتى بلغ بهم الامر ان ينكروا القاعدة الاساسية الـمعروفة: (حقائق الاشياء ثابتة).

اما اهل الـحقيقة فانهم يرون بسر الوراثة النبوية وبصراحة القرآن الكريـم وآياته البينات:

ان النقوش التي توجد في مرايا الـموجودات بقدرة الله وارادته انـما هي من آثاره سبـحانه وتعالى. فكل موجود انـما هو منه تعالى وهو الذي يوجده، وليس كل موجود هو، حتى يقال: لا موجود إلا هو. اذ للاشياء وجود، وهو وجود ثابت الى حد ما، وان كان هذا الوجود وجوداً ضعيفاً كأنه وهمي وخيالي بالنسبة الى وجوده تعالى، إلا انه موجود بايـجاد القدير الأزلي وإرادته وقدرته.

ان للشمس الـمشهودة في الـمرآة وجودا مثالياً عدا وجودها الـخارجي الـحقيقي.

ولـها وجود خارجي عرضي آخر يلون الـمرآة بزينته اذ تنبسط عليها صورته.

ولـها وجود خارجي عرضي ايضاً، وهو وجود ثابت الى حد ما وهو الصورة الـمنتقشة على الورقة الـحساسة خلف الـمرآة.

فكما ان للشمس وجودات هكذا في الـمثال كذلك الامر في مرآة الكون ومرايا ماهية الاشياء. فان نقوش الـمصنوعات الظاهرة بتـجليات الاسماء الإلـهية الـحسنى الـحاصلة بالإرادة الإلـهية واختيارها وقدرتها، لـها وجود حادث غير وجود الواجب الوجود. وقد منـح بالقدرة الالـهية ثباتا لـهذا الوجود ولكن لو انقطع الارتباط فنيت الاشياء وانعدمت مباشرة. فكل شيء مـحتاج لبقائه في كل آن الى ابقاء خالقه لـه، فان حقائق الاشياء وان كانت ثابتة ولكن ثابتة باثباته سبـحانه لـها وتثبيته اياها.

وهكذا فان قول الشيـخ ابن عربي: ((ان الروح ليست مـخلوقة وانـما هي حقيقة آتية من عالـم الامر وصفة الارادة)) مـخالف لظاهر نصوص كثيرة، كما قد التبس عليه الامر في ضوء التـحقيقات الـمذكورة آنفاً وانـخدع اذ لـم يشاهد الـموجودات الضعيفة.

فلا يـمكن ان تكون مظاهر (الـخلاق والرزاق) من الاسماء الإلـهية الـحسنى مظاهر وهمية خيالية. فما دامت تلك الاسماء ذات حقيقة، فان مظاهرها ايضاً لـها حقائق خارجية.

سؤالكم الثالث:

تطلبون فيه درساً يكون مفتاحاً لعلـم ((الـجفر)).

الـجواب: اننا يا اخي لسنا في هذه الـخدمة القرآنية بارادتنا ولا بتدبيرنا للامور. بل ان اختياراً – وهو خير لنا – فوق اختيارنا وخارج ارادتنا يهيـمن على اعمالنا واختيارنا.

اعلـم ان علـم الـجفر يُشغل الانسان عن وظيفته الـحقيقية ويصرفه عنها، لـما فيه من ذوق وولع. حتى كانت تـحل لي أسرار تـخص القرآن بذلك الـمفتاح لـمرات عدة، ولكن ما ان اتوجه اليها بشوق وذوق توصد الابواب دوني. فوجدت في هذا الأمر حكمتين:

الاولى: احتـمال الوقوع في موضع ينافي الادب اللائق بالقاعدة الاساسية ((لا يعلـم الغيب الاّ الله)).

الثانية: ان العمل على ارشاد الامة الى حقائق الايـمان والقرآن بوساطة البراهين الدامغة، لـه من الفضائل والـمزايا يفوق مائة درجة على العمل بارشادهم بالعلوم الـخفية كعلـم الـجفر. حيث ان الـحـجـج القاطعة والدلائل الثابتة لا تدع مـجالا للإساءة في تلك الوظيفة السامية. بينـما علـم الـجفر وامثالـه من العلوم الـخفية غير الـمنضبطة بقواعد مـحكمة، قد يساء استعمالـه بولوج الـماكرين فيه. علـماً انه متى ما احتاج الامر اليه لـخدمة الـحقائق، فان الله سبـحانه يـحسن نبذة منه حسب الـحاجة.

واعلـم ان أيسر مفتاح من بين مفاتيـح علـم الـجفر، وانقاها، بل أجـملـها وأحسنها هو انواع التوافقات الناشئة من اسم ((البديع)) والتي اظهرت شعاعاً من نورها في توافق لفظ الـجلالة في القرآن الكريـم وزيـّنت الآثار التي نقوم بنشرها. علـماً انه وُضّح شيء منها في عدة مواضع من رسالة الكرامة الغوثية. نذكر منها:

ان التوافق اذا ما أظهر شيئاً في عدة جهات، فهو اشارة بدرجة الدلالة، علـماً أنه قد يكون توافق واحد احياناً مع بعض القرائن بـمثابة دليل ويـحل مـحلـه.

وعلى كل حال، يكفي هذا القدر من الاجابة عن سؤالك في الوقت الـحاضر. ومتى ما كانت الـحاجة جادة اليه ستُبلـّغون به.

سؤالكم الرابع:

أي سؤال امام الـجامع ((عمر أفندي)) وليس سؤالكم، وهو:

ان طبيباً شقياً يدّعي انه كان لعيسى عليه السلام والد، وزعم انه يستشهد لنفسه بآية كريـمة بتأويل جنوني(1).

ان ذلك العاجز قد سعى سابقاً لإحداث خط بـحروف مقطعة، بل سعى سعياً حثيثاً في الأمر. فعلـمت حينذاك أن ذلك الرجل قد استشعر من اطوار الزنادقة وتصرفاتهم انهم سيـحاولون رفع الـحروف الإسلامية وازالتها. وكأنه اراد ان يصدّ ذلك التيار الـجارف، ولكن دون جدوى.

وقد شعر الآن في هذه الـمسألة، وفي مسألة الثانية، بهجوم الزنادقة العنيف على الاسس الإسلامية. واظن انه يـحاول فتـح طريق للـمصالـحة والسلام، بـمثل هذه التأويلات السخيفة التي لا معنى لـها.

انه لا والد لعيسى عليه السلام، كما تبينه يقيناً الآية الكريـمة: } ان مثل عيسى عند الله كمثل آدم{ (آل عمران:59) وامثالـها من النصوص القاطعة. لذا لا يؤبه بكلام من يـحاول تغيير هذه الـحقيقة الرصينة الراسخة، بل لا يقام لقولـه وزن ولايستـحق الاهتـمام به اصلاً، حيث يعدّ مـخالفة قانون في التناسل غير مـمكناً فيتشبث بتأويلات واهية.

لاشك انه لا قانونٍ دون شذوذ منه، ودون نوادر لـه، ودون افراد خارجة عنه، وليست هناك قاعدة كلية لـم تـخصص بافراد خارقة.

وانه لا يـمكن ألاّ يُشَّذ فرد – ايا كان – من قانون، ولا يـخرج منه، منذ زمن آدم عليه السلام.

فأولاً: ان هذا القانون، قانون التناسل قد خُرق باعتبار الـمبدأ، بـمبادىء مائتي الف نوع من انواع الـحيوانات وختـم بها. أي أن آباء تلك الـحيوانات الاولين، وهم بـمثابة أوادم لـها، قد خرقوا قانون التناسل. أي ان مائتي الف أب من اولئك الأباء لـم يأتوا الى الوجود من أب وأم. بل اُعطي لـهم وجودٌ خارج ذلك القانون.

ثم اننا نشاهد بابصارنا في كل ربيع، أن القسم الاعظم من مائة الف نوع من الكائنات الـحية ومـما لا تعد ولا تـحصى من افرادها، تـخلق خارج ذلك القانون، قانون التناسل، تـخلق على وجوه الاوراق وعلى الـمواد الـمتعفنة.

تُرى ان قانوناً يـخرق بشواذ، بهذه الكثرة الكاثرة، في مبدئه، بل في كل سنة. ثم يأتي احدهم ولا يتـمكن أن يسع عقلـه شذوذ فرد واحد لذلك القانون خلال الف وتسعمائة سنة، فيتشبث بتأويلات تافهة تـجاه النصوص القرآنية القاطعة.. اقول ترى كم يكون مرتكباً حـماقة وبلاهة! قس ذلك بنفسك. علـماً ان الاشياء التي يطلق عليها اولئك الشقاة اسم ((القوانين الطبيعية)) انـما هي قوانين عادة الله التي هي تـجلٍ كلي للامر الالـهي والارادة الالـهية، بـحيث يغيّر سبـحانه وتعالى عاداته تلك لبعض الـحكَم؛ مظهراً هيـمنة ارادته واختياره على كل شيء وعلى كل قانون. فيـخرق العادة في بعض الافراد الـخارقين، وقولـه تعالى: } ان مثل عيسى عند الله كمثل آدم{ (آل عمران:59) يبيّن هذه الـحقيقة.

السؤال الثاني لعمر افندي فيـما يـخص ذلك الطبيب.

لقد تصرف ذلك الطبيب في تلك الـمسألة تصرف معتوه، وارتكب حـماقة بلـهاء بـحيث لا يستـحق إلقاء السمع لـه، ولا الاهتـمام به فضلاً عن الاجابة عن سؤالـه. اذ يريد هذا البائس ان يوجد الوسط بين الكفر والايـمان.

فأنا اقول جواباً عن استفسار عمر أفندي، وليس جواباً للكلام التافه لذلك الطبيب.

ان العلة في الاوامر والنواهي الشرعية هي الامر الإلـهي ونهيه. اما الـمصالـح والـحكم فهي مرجـحات يـمكن ان تكون اسباباً لـمتعلقات الامر الإلـهي ونهيه من زاوية اسمَ الله الـحكيـم..

فمثلاً: يقصر الـمسافر الصلاة. وهذا القصر لـه علة وحكمة، فالعلة هي السفر والـحكمة هي الـمشقة. فاذا وجد السفر تقصر الصلاة وان لـم تكن مشقة. ولكن لو وُجدت مائة مشقة في البيت فلا تقصر الصلاة دون سفرٍ. اذ وجوداً الـمشقة احياناً في عامة السفر كافية لتكون حكمةً لقصر الصلاة وكافية ايضاً لتـجعل علـّة للقصر.

فبناءً على هذه القاعدة الشرعية لا تتغير الاحكام الشرعية بـحسب الـحكم، بل بـحسب العلل الـحقيقية.

فان لـحـم الـخنزير – كما ذكره ذلك الطبيب – فيه ضرر، حسب قاعدة ((من أكل لـحـم الـخنزير يتصف بصفاته))(1) ففيه مالا يعلـمه ذلك الطبيب من اضرار وامراض. فذلك الـحيوان لا يشبه سائر الـحيوانات الاهلية النافعة التي لا ضرر لـها. بل اكل لـحـمه يورث اضراراً اكثر من نفعه.

علاوة على الشحـم القوي الـموجود في لـحـمه لـه اضرار طبيه كثيرة في غير بلاد الافرنـج الباردة. بل تـحقق ان لـه اضراراً كثيرة معنوية وحقيقية.

فمثل هذه الـحكَم، اصبـح حكمةً لتـحريـمه ولتعلق النهي الالـهي به، ولا يلزم ان تكون الـحكمة في كل فرد وفي كل وقت. ولا تتبدل العلة بتبدل تلك الـحكمة. وان لـم تتبدل العلة لا يتبدل الـحكم. فليُعلـم حسب هذه القاعدة مدى ما يتفوه به ذلك الطبيب البائس من كلام بعيد عن روح الشريعة.

لذا لايُعبأ بكلامه باسم الشريعة. فان للـخالق سبـحانه حيوانات لا يعقلون كثيرون في صور فلاسفة!.

























ذيل السؤال الوارد حول ابن عربي

سؤال:

ان ابن عربي يعد مسألة وحدة الوجود أرفع مرتبة ايـمانية، حتى ان قسماً من اولياء عظام من اهل العشق اتبعوه في مسلكه.

بيد انك تقول: ان هذا الـمسلك ليس هو من أرفع الـمراتب الإيـمانية، ولا هو بـمسلك حقيقي، وانـما هو مشرب اهل السكر والاستغراق واصحاب الشوق والعشق.

فان كان الامر هكذا كما تقول، فبين لنا باختصار: ما اعلى مرتبة من مراتب التوحيد التي بينتها وراثة النبوة وصراحة القرآن الكريـم؟.

الـجواب: ان عاجزاً مسكيناً مثلي، لا قيـمة لـه ولا أهمية، أنـّى لـه ان يقتـحـم غمار هذه الـمراتب السامية الرفيعة ويـجري فيها مـحاكمات عقلية بعقلـه القاصر، انـما هو امر فوق الـحد بـمائة مرة.. ولكني سأذكر فيها ذكرا مـختصرا جدا نكتتين فقط وردتا من فيض القرآن الكريـم الى القلب، فلعل فيهما فائدة ونفعاً.

النكتة الاولى:

ان هناك اسباباً عدة للانـجذاب نـحو مشرب وحدة الوجود. سأبين باختصار شديد سببين منها:

السبب الاول: انهم لـم يستطيعوا ان يستوعبوا في اذهانهم خلاقية الربوبية في اعظم مراتبها، وكذا لـم يستطيعوا ان يـمكـّنوا في قلوبهم تـمكينا تاما انه سبـحانه بأحديته مالك بالذات لزمام كل شيء في قبضة ربوبيته، وان كل شيء يـخلق بقدرته واختياره وارادته سبـحانه. فلأنهم لـم يستطيعوا ادراك ذلك فقد رأوا انفسهم مضطرين امام القول: كل شيء هو ((تعالى))، او: لا شيء موجود، او: ان الـموجود خيال، او: من التظاهر أو من الـجلوات.

السبب الثاني: ان صفة العشق لاتريد الفراق اصلا. وتفر منه بشدة، وترتعد فرائص العاشق من الافتراق، ويرهب من التنائي رهبته من جهنـم، وينفر من الزوال نفرة شديدة، ويـحب الوصال حبه لروحه ونفسه، ويرغب بشوق لاحد لـه – كشوقه للـجنة – للقرب الإلـهي، لذا يرى ان التشبث بتـجلى الأقربية الإلـهية في كل شيء، يـجعل الفراق والتنائي كأنهما معدومان، فيظن اللقاء والوصال دائمين بقولـه: لا موجود إلا هو.ولانهم يتصورون بسكر العشق وبـمقتضى شوق البقاء واللقاء والوصال، ان في وحدة الوجود مشرباً حالياً في منتهى الذوق، لذا يـجدون ملـجأهم في مسألة وحدة الوجود لأجل التـخلص من فراقات رهيبة.

أي ان منشأ السبب الاول:

هو عدم بلوغ العقل قسماً من حقائق الايـمان الواسعة للغاية والسامية جداً، وعدم استطاعته الاحاطة بها، مع عدم انكشاف العقل انكشافا تاماً من حيث الايـمان.

أما منشأ السبب الثاني:

فهو انكشاف القلب انكشافاً فوق الـمعتاد، بتأثير العشق وانبساطه انبساطاً خارقاً للعادة.

أما مرتبة التوحيد العظمى التي يراها بصراحة القرآن الاولياء العظام اعنى الاصفياء الذين هم اهل الصحو واهل وراثة النبوة، فانها مرتبة رفيعة عالية جداً، اذ تفيد الـمرتبة العظمى للربوبية والـخلاقية الإلـهية، وتبين ان جـميع الاسماء الـحسنى هي أسماء حقيقية، وهي تـحافظ على الاسس من دون اخلال بـموازنة أحكام الربوبية، لأن اهلـها يقولون:

ان الله سبـحانه باحديته الذاتية وتنزهه عن الـمكان قد أحاط – من دون وساطة – بكل شيء علـما وشخّصه بعلـمه ورجـحه وخصّصه بارادته واوجده وابقاه بقدرته. فانه سبـحانه يوجد جـميع الكون ويـخلقه ويدبر أموره كايـجاده لشيء واحد وارادته اياه، فكما انه يـخلق الزهرة بسهولة فانه يـخلق الربيع العظيـم بالسهولة نفسها. فلا يـمنع شيء شيئاً قط، فلا يـجزؤ في توجهه سبـحانه. فهو موجود بتصرفه وبقدرته وبعلـمه في كل مكان في كل آن. فلا انقسام ولا توزع في تصرفه سبـحانه.

ولقد وضحنا هذا الامر واثبتناه في الكلـمة السادسة عشرة، وفي الـمقصد الثاني من الـموقف الثاني من الكلـمة الثانية والثلاثين.

سأورد هنا مثالا ينطوي على نقص كثير (ولامشاحة في الامثال) وذلك لفهم شيء من الفرق بين الـمشربين:

لنفرض ان هناك طاووساً خارقاً لا مثيل لـه، وهو في غاية الكبر، ومنتهى الزينة وانه يتـمكن الطيران من الشرق الى الغرب في لـمـحة بصر، ولـه القدرة على بسط جناحيه الـمـمتدين من الشمال الى الـجنوب، وقبضهما في آن واحد، وعليه مئات ألوف النقوش البديعة حتى ان على كل ريش من جناحيه ابداعاً واتقاناً في منتهى الـجـمال والروعة.

ولنفرض الآن هناك شخصان يتفرجان على هذا الطاووس العجيب، ويريدان التـحليق بـجناحي العقل والقلب الى الـمراتب العالية الرفيعة لـهذا الطير وبلوغ زينته الـخارقة.

فطفق الأول يتأمل في وضع هذا الطاووس وهيكلـه ونقوش خوارق القدرة في كل ريشة منه، فيغمره العشق والشوق والـمـحبة تـجاه هذا الطير فيترك شيئاً من التفكير العميق الى جانب مستـمسكاً بالعشق، ولكنه يرى أن تلك النقوش الـمـحبوبة تتـحول وتتبدل يوما بعد يوم، وان تلك الـمـحبوبات التي يوليها الـحب والشغف تغيب وتزول كل يوم.

فكان ينبغي لـه ان يقول: ان هذه النقوش الـمتقنة انـما هي لنقاش مالك للـخلاقية الكلية مع احديته الذاتية، ولـه الربوبية الـمطلقة مع وحدانيته الـحقيقية. الا انه لـم يتـمكن من ان يستوعب هذا ويدركه، فبدأ يسلي نفسه ويقول بدلا من ذلك الاعتقاد:

((ان روح هذا الطاووس روح سامية عالية بـحيث ان صانعه فيه، أو قد أصبـح هو نفسه! وان تلك الروح العالية متـحدة مع جسد الطاووس، ولأن جسده مـمتزج مع صورته الظاهرة، فان كمال تلك الروح وعلو ذلك الـجسد هما اللذان يظهران هذه الـجلوات على هذه الصورة البديعة، حتى يظهر في كل دقيقة نقشاً جديداً وحسناً مـجدداً، فليس هذا ايـجاد باختيار حقيقي، بل هو جلوة وتظاهر)).

أما الشخص الاخر فيقول: ((ان هذه النقوش الـموزونة الـمنظمة الـمتقنة تقتضي يقينا ارادة واختياراً وقصداً ومشيئة، فلا يـمكن ان تكون جلوة بلا ارادة ولاتظاهرا بلا اختيار)).

نعم! ان ماهية الطاووس جـميلة ورائعة، ولكن ماهيته ليست فاعلة قطعاً وانـما منفعلة، ولا يـمكن ان تتـحد مع فاعلـه مطلقاً. وان روحه عالية سامية ولكن ليست موجدة ولا متصرفة، وانـما مظهر ومدار ليس الا. لأنه يشاهد في كل ريش منه اتقان قد تـم بـحكمة مطلقة بالبداهة، ونقش زينة نقشها بالقدرة الـمطلقة.

وهذا لا يـمكن ان يكون دون ارادة واختيار قطعاً.

فهذه الـمصنوعات البديعة التي تبين كمال الـحكمة في كمال القدرة، وكمال الربوبية والرحـمة في كمال الاختيار، لا يـمكن ان تكون هذه الـمصنوعات نتيـجة جلوة أو ماشابهها.

ان الكاتب الذي كتب سطور هذا السجل الـمذهب لا يـمكن أن يكون في السجل نفسه، ولا يـمكن ان يتـحد معه. وليس لذلك السجل الاّ تـماس بطرف قلـم ذلك الكاتب. لذا فان زينة جـمال ذلك الطاووس الـمثالي الذي هو يـمثل الكائنات، ليس إلا رسالة من قلـم خالق ذلك الطاووس.

فالآن تأمل في طاووس الكائنات واقرأ تلك الرسالة، وقل لكاتبها:

ماشاء الله..

تبارك الله..

سبـحان الله..

فالذي يظن الرسالة كاتبها أو يتـخيل الكاتب في الرسالة نفسها، أو يتوهم الرسالة خيالا لاشك انه قد ستر عقلـه بستار العشق ولـم يبصر الصورةالـحقيقية للـحقيقة.

ان أهم جهة من انواع العشق التي تسبب الانسلاك الى مشرب وحدة الوجود هي عشق الدنيا، اذ حينـما يتـحول عشق الدنيا الذي هو عشق مـجازي الى عشق حقيقي ينقلب الى وحدة الوجود.

ان شخصاً اذا أحب انساناً مـحبة مـجازية، ما ان يشاهد فناءه لا يستطيع ان يـمكـّن هذا الزوال في قلبه، تراه يـمنـح معشوقه عشقاً حقيقياً، فيتشبث بـحقيقة ليسلي بها نفسه، وذلك باضفاء البقاء على مـحبوبه بعشق حقيقي فيقول:

أنه مرآة جـمال الـمعبود والـمـحبوب الـحقيقي.

كذلك الامر فيـمن احب الدنيا العظيـمة وجعل الكون برمته معشوقه، فحينـما تتـحول هذه الـمـحبة الـمـجازية الى مـحبة حقيقة بسياط الزوال والفراق التي تنزل بالـمـحبوب، يلتـجىء ذلك العاشق الى وحدة الوجود انقاذاً لـمـحبوبه العظيـم من الزوال والفراق.

فان كان ذا ايـمان رفيع راسخ يكون لـه هذا الـمشرب مرتبة ذات قيـمة نورانية مقبولـة كما هي لدى ابن عربي وأمثالـه، وإلا فلربـما يسقط في ورطات وينغمس في الـماديات ويغرق في الاسباب.

أما وحدة الشهود فلا ضرر فيها، وهي مشرب عال لأهل الصحو.

اللهم أرنا الـحق حقاً وارزقنا اتباعه

} سُبـحانَكَ لاَ عِلـم لَنَا إِلاّ ما عَلـمتَنا اِنَّكَ اَنْتَ الْعَليـم الـحكيـم{

(البقرة:32)
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس