عرض مشاركة واحدة
قديم 11-05-2013
  #2
admin
مدير عام
 الصورة الرمزية admin
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: uae
المشاركات: 717
معدل تقييم المستوى: 10
admin تم تعطيل التقييم
افتراضي رد: حوار فقهي مطول مع سماحة مفتي محافظة حلب الدكتور ابراهيم سلقيني حفظه الله ورعاه

السؤال الحادي والثلاثون: ما حكم وضع المرأة قليلاً من الزينة والعطر, إذا أرادت الخروج من البيت ؟


الجواب: الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد:


فالله تعالى يقول: { وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى }. والتبرُّج هو إظهار الزينة والمحاسن, وهو حرام بالإجماع أمام الأجانب, وذلك لقوله تعالى: { وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى }. وقال تعالى: { وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون }.
حتى القواعد من النساء وهنَّ العجائز ممن لا رغبة للرجال فيهن, نزل فيهن قوله تعالى: { وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاء اللاَّتِي لاَ يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيم }.
والمرأة إذا استعطرت وخرجت ليجد الناس ريحها, فهي زانية كما جاء في الحديث الشريف: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( أَيُّمَا امْرَأَةٍ اسْتَعْطَرَتْ ثُمَّ مَرَّتْ عَلَى الْقَوْمِ لِيَجِدُوا رِيحَهَا فَهِيَ زَانِيَةٌ ) رواه الإمام أحمد والنسائي وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
والسؤال الذي يطرح على مثل هؤلاء النسوة: ما الغاية من وضع الزينة والعطر خارج منزلها؟ أما تخشى هذه المرأة أن تفتن الرجال والله تعالى يقول: { إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيق }.
وبناء عليه:
فيحرم على المرأة أن تخرج من بيتها بالزينة ـ المكياج ـ إلا إذا كان مستوراً وبدون رائحة, أما إذا تزينت بزينة لها رائحة أو استعطرت وخرجت فهي آثمة حتى ترجع إلى بيتها. هذا, والله تعالى أعلم.


السؤال الثاني والثلاثون: ما حكم قص المرأة شعرها, أو لبس الشعر المستعار (الباروكة) ؟


الجواب: الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد:


فقص شعر المرأة ما دون الأُذُن جائز شرعاً, ولكن يحرم عليها أن تقص شعرها كقصة الرجال, لأنها تكون متشبِّهة بالرجال وفي الحديث: عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ: ( لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمُتَشَبِّهَاتِ بِالرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ, وَالْمُتَشَبِّهِينَ بِالنِّسَاءِ مِنْ الرِّجَالِ ) رواه الترمذي.
وإذا قصَّت المرأة شعرها وجب عليها دفنه, لأن ما حرُم النظر إليه متَّصلاً حرُم النظر إليه منفصلاً, هذا بالإضافة إلى وجوب ستره.
كما يجب على المرأة التي تقص شعر النساء, ألا تقص شعر النساء المتبرجات, لأنه لون من ألوان الإفساد في الأرض والتعاون على الإثم. هذا, والله تعالى أعلم.
أما لبس الشعر المستعار (الباروكة):
فهو داخل تحت قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لعن الله الواصلة والمستوصلة ) رواه البخاري.
وروى الإمام البخاري عن سعيد بن المسيب رضي الله عنه قال: قدم معاوية المدينة آخر قدمة, فخطبنا, فأخرج كبَّة من شعر, قال: ما كنت أرى أحداً يفعل هذا غير اليهود, إن النبي صلى الله عليه وسلم سماه الزور, يعني الواصلة في الشعر ). وروى مسلم عن سعيد بن المسيب رضي الله عنه أنه قال: إن معاوية قال ذات يوم: إنكم قد أحدثتم زيّ سوء, وإن نبي الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الزور. قال: وجاء رجل بعصا على رأسها خرقة, قال معاوية: ألا وهو الزور. قال قتادة: يعني ما يكثر به النساء أشعارهن من الخرق.

وبناء على ذلك:

1. إذا كانت (الباروكة) من شعر طبيعي أو يشبه الطبيعي بحيث يظن الناظر إليه أنه طبيعي فلا يجوز، لما فيه من الزور. وإن كان يفترق عن الشعر الطبيعي للنظرة الأولى فلا مانع منه إن شاء الله تعالى، لأنه زينة وليس زوراً.
2. ثم إن كانت ملصوقة لصقاً فالواجب عند الاغتسال أو الوضوء رفعها عن الرأس ليصل الماء إليه، وإذا زرع الشعر زرعاً طبيعياً ينبت بعده فلا مانع منه عند الحاجة الماسّة، ويعد كالشعر الطبيعي في عدم وجوب رفعه عند الوضوء والاغتسال.
3. يحرم وضع الباروكة على الرأس إذا كانت من شعر آدمي, أما إذا كانت بشعر غير آدمي كالصوف والوبر وشعر الماعز فمباح, بحيث لا يخدع الناظر إليه, وإلا حرم. فإذا وضع شعراً غير شعر الآدمي, والناظر إليه يعرفه ليس شعراً طبيعياً جاز, ولكن لا بد من حمله أثناء الوضوء والغسل. هذا, والله تعالى أعلم.


السؤال الثالث والثلاثون: ما حكم خروج المرأة وهي تضع على رأسها شعراً مستعاراً بدل الحجاب ؟


الجواب: الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد:


فهذا الشعر المستعار الذي تضعه المرأة على رأسها هو من الوصل المحرم بالحديث الصحيح الذي أخرجه الإمام البخاري رحمه الله تعالى عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ وَالْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ ) رواه البخاري. وتتأكد حرمة هذا عندما تخرج به إلى الشارع, لأنه من التبرج المحرم بنص القرآن العظيم بقوله تعالى: { وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى }. هذا, والله تعالى أعلم.


السؤال الرابع والثلاثون: ما حكم إتيان الزوج زوجته في الدبر, أو أثناء الحيض ؟


الجواب: الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد:


فإتيان الزوج زوجته في الدبر: كبيرة من الكبائر يجب على فاعله أن يتوب إلى الله عز وجل, وأن يستغفر الله عز وجل, وألا يعود إلى مثل هذا مرة ثانية, فدائرة الحلال تكفينا, والخروج منها من سوء الأدب مع الله عز وجل. وقد ورد تحريم هذا الفعل في كثير من الأحاديث الشريفة, منها:

ما رواه أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( مَلْعُونٌ مَنْ أَتَى امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا ).
وما رواه ابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا يَنْظُرُ الله عَزَّ وَجَلَّ إِلَى رَجُلٍ جَامَعَ امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا ).

وما رواه أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( مَنْ أَتَى حَائِضًا أَوْ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا أَوْ كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ ).
وروى الإمام أحمد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده, أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الذي يأتي امرأته في دبرها: ( هي اللوطية الصغرى ).

وإتيان المرأة في دبرها لا يؤثر على صحة عقد الزواج عليها, وبالتالي لا تحتاج إلى تجديد عقد.

وبناء على ذلك:

1ـ لا يحتاج إلى تجديد عقد, ولا تعتبر الزوجة طالقاً بهذا الفعل.
2ـ على الفاعل التوبة والاستغفار والصدقة بما تيسر. هذا, والله تعالى أعلم.
أما إتيان الحائض: فذهب الحنفية إلى أن وطء الحائض كبيرة من الكبائر إن كان الزوج فعل ذلك عامداً مختاراً عالماً بالحرمة, لا جاهلاً أو مكرهاً أو ناسياً, فمن جامع زوجته وهي حائض أو نفساء جاهلاً أو ناسياً فعليه بالتوبة لله عز وجل, ويستحب أن يتصدق بدينار أو نصفه من الذهب ـ ومقدار الدينار /5/غرامات ـ يوزعه على الفقراء أي: مصرفه مصرف الزكاة.
وقال الشافعية رضي الله عنهم: وطء الحائض كبيرة من الكبائر إذا فعل ذلك عامداً عالماً بالتحريم, ويُكْفَرُ مستحل ذلك, بخلاف الجاهل والناسي والمكره, لقوله صلى الله عليه وسلم: ( إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ) أخرجه ابن ماجه. هذا, والله تعالى أعلم.


السؤال الخامس والثلاثون: ما حكم قراءة الحائض للقرآن الكريم ؟

الجواب: الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد:


فإنه لا يجوز للمرأة الحائض أو النفساء أن تقرأ القرآن العظيم لا بصوت مرتفع ولا بصوت منخفض حتى تطهر وتغتسل, وكذلك لا يجوز لها أن تمس القرآن, ولكن يجوز لها أن تذكر الله تعالى, وتصلي على النبي صلى الله عليه وسلم, وتسبِّح, وتهلِّل.
وإن كان من الذكر بعض الآيات القرآنية, فإنها تذكرها بقصد الذكر لا بقصد تلاوة القرآن, وكذلك يجوز لها أن تسمع القرآن الكريم دون مسِّه.
وذهب المالكية إلى أن الحائض يجوز لها أن تقرأ القرآن في حال استرسال الدم مطلقاً, أما إذا انقطع حيضها فلا تجوز لها القراءة حتى تغتسل. هذا, والله تعالى أعلم.


السؤال السادس والثلاثون: ما حكم طواف الحائض حول الكعبة ؟


الجواب: الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد:

فلا يجوز للحائض أن تدخل إلى المسجد الحرام، ولا إلى أيّ مسجد آخر، ولا أن تمكث فيه، وأجاز لها بعض الفقهاء المرور فقط إن أُمِن تلويثه, وكانت مضطرةً للعبور ولا طريق آخر تعبر منه.
وعليه فليس لها الدخول للمسجد الحرام للطواف ولا للسعي، بإحرام أو بدونه، مع العلم أن الطهارة من الحدث واجبة للطواف عند بعض الفقهاء، وركن له عند أكثر الفقهاء. هذا, والله تعالى أعلم.


السؤال السابع والثلاثون: ما حكم اللعب بالورق, والنرد, والشطرنج ؟


الجواب: الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد:


فإنه من العجيب أن يضيع العبد وقته سُدى وبدون فائدة, وهل يجد المسلم وقتاً لا واجب فيه عليه؟ هل لاعب الورق أتقن تلاوة القرآن العظيم؟ هل تعلم أمور دينه فيما يجب عليه؟ هل هو واصلٌ رحمه؟ هل هو ممن يحضر مجالس العلم؟
الوقت أغلى شيء على الإنسان المسلم العاقل, لأن العبد يقرأ قول الله تعالى: { قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ } واللغو هو إضاعة الوقت والعمل والقول بلا فائدة, فما هي الفائدة المرجوّة من اللعب بالورق لدنيا العبد أو لبرزخه أو لآخرته؟ ماذا يقدم نفعاً من خلال اللعب بالورق لنفسه أو لزوجه أو لأولاده أو لمجتمعه؟ إذا فقد أحدنا مبلغاً من المال يحزن, ولكن إذا ضيَّع الوقت الذي هو رأسماله لا يحزن! أليس شأن هذا الإنسان عجيباً؟
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( لا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ, وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ, وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ؟ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ؟ وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلاهُ؟ ) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح. فما العبد قائل لربه يوم القيامة؟
وإن كثيراً من الشباب اليوم يضيعون وقتهم باللعب بورق الشدة, فلا هم أصلحوا دنيا ولا ديناً. هذا أولاً.
ثانياً: إذا كان اللعب بورق الشدة على رهان فهو مقامرة محرمة, ويصبح عندها اللعب بالورق حراماً بالاتفاق, لتحريم الميسر بنص القرآن الكريم.
وأما إذا كان بدون رهان, وكان هذا اللعب سبباً لترك طاعة أو لفعل معصية فهو حرام كذلك. وإلا فهو مكروه كراهة تحريم لأنه عبث وضياع للوقت بدون فائدة. هذا, والله تعالى أعلم.
وأما حكم اللعب بالنرد والشطرنج:
فقد اتفق الفقهاء على أن اللعب بالشطرنج حرام إذا كان على عوض, لأنه من المقامرة والميسر, والله تعالى يقول: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }. وكذلك يكون حراماً إذا كان سبباً لترك فرض أو واجب, ويكون حراماً إذا كان فيه ضرر أو كذب أو شيء محرم.
أما إذا لم يكن فيه شيء من ذلك, فقد اختلف الفقهاء في حكمه:
فعند المالكية والحنابلة وبعض الشافعية هو حرام, واستدلوا على تحريمه بقول سيدنا علي رضي الله عنه عندما مرَّ بقوم يلعبون الشطرنج فقال: ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون, لأن يمس جمراً حتى يطفأ خير له من أن يمسها. رواه البيهقي في السنن الكبرى.
وعند الحنفية والشافعية هو مكروه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( كُلُّ شَيْءٍ لَيْسَ مِنْ ذِكْرِ الله عَزَّ وَجَلَّ فَهُوَ لَهُوٌ أَوْ سَهْوٌ إِلا أَرْبَعَ خِصَالٍ: مَشْيُ الرَّجُلِ بَيْنَ الْغَرَضَيْنِ، وَتَأْدِيبُهُ فَرَسَهُ، ومُلاعَبَةُ أَهْلِهِ، وَتَعَلُّمُ السِّبَاحَةِ ) رواه الطبراني.
وعند بعض الشافعية مباح لما فيه من شحذ الخواطر, وتزكية الأفهام.
أما بالنسبة للَّعب بالطاولة: فعند جمهور الفقهاء حرام, لما ورد عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ( مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدَشِيرِ فَكَأَنَّمَا صَبَغَ يَدَهُ فِي لَحْمِ خِنْزِيرٍ وَدَمِهِ ) رواه مسلم.
وعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: ( مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدِ فَقَدْ عَصَى الله وَرَسُولَهُ ) رواه أبو داود. والنرد والنردشير: هو الطاولة.
ويقاس على اللعب بالطاولة كل ما يعتمد على التخمين والحظ.

وبناء على ذلك:

أولاً: اللعب بالشطرنج حرام إذا كان على عوض, وإذا كان بغير عوض فبعضهم حرَّمه, وبعضهم قال بكراهته, وبعضهم قال بإباحته. والمسلم يأخذ بالأحوط لدينه في حال الخلاف.
ثانياً: اللعب بالطاولة حرام, وهو كبيرة من الكبائر.
ثالثاً: لا أدري هل يوجد عند المسلم وقت فراغ ليضيِّع وقته, وخاصة في هذا العصر الذي كثُر فيه الفسق وضاع فيه الناس, لقلة الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر. هذا, والله تعالى أعلم.


السؤال الثامن والثلاثون: ما حكم المشاركة في مسابقة من سيربح المليون وأمثالها ؟


الجواب: الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد:


فالمشاركة في هذه المسابقة حرام شرعاً, لأنها من القمار المحرم المبني على غُنْم وغُرْم, والقمار محرَّم شرعاً بإجماع المسلمين, فأيُّ مشاركة في مثل هذه المسابقات تكون من باب التعاون على الإثم والعدوان المنهي عنه بقوله تعالى: { ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب }.
بل مشاهدة هذه البرامج تحرم شرعاً, لأن ما حرم فعله حرمت المشاركة فيه بأي نوع من أنواع المشاركة, ولو بالنظر, فإن النظر إلى المحرم حرام إلا ما كان من غير قصد, والغاية من بثِّ هذه البرامج النظر إليها, فإذا هجرها المسلمون نظراً هجروها من باب أولى وأولى مشاركة.
نسأل الله تعالى أن يجعلنا من الذين يتعاونون على البر والتقوى لا على الإثم والعدوان. هذا, والله تعالى أعلم.


السؤال التاسع والثلاثون: ما حكم حلق اللحية ؟


الجواب: الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد:

فقد ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والحنابلة وبعض الشافعية إلى أن حلق اللحية منهي عنه لأنه مناقض للأمر النبوي, فقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( خالفوا المشركين وفروا اللحى وأحفوا الشوارب ), ولقوله صلى الله عليه وسلم: ( جزوا الشوارب وأرخوا اللحى, خالفوا المجوس ) رواه مسلم. هذا, والله تعالى أعلم.


السؤال الأربعون: ما حكم صبغ اللحية أو الشعر باللون الأسود ؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد:


فقد اتفق الفقهاء على أن تغيير الشيب بالخضاب مستحب للمرأة كما هو مستحب للرجال, لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( غيِّروا الشيب ولا تشبَّهوا باليهود ) رواه الترمذي. وفي رواية أحمد بزيادة: ( والنصارى ). ولقوله صلى الله عليه وسلم: ( إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم ) رواه الشيخان.
ويستحب صبغ الشعر بالحناء والكتم, لقوله صلى الله عليه وسلم: ( إن أحسن ما غيَّرتم به الشيب الحناء والكتم ) رواه النسائي.
وأما الصبغ بالسواد فيكره تحريماً عند الحنفية والمالكية والحنابلة في غير الحرب, لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( يكون قوم في آخر الزمان يخضبون بالسواد لا يريحون رائحة الجنة ) رواه أبو داود والنسائي. ولما رواه الإمام أحمد وابن ماجه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: جاء أبو بكر بأبيه أبي قحافة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة يحمله حتى وضعه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: لو أقررت الشيخ في بيته لأتيناه, مكرمةً لأبي بكر, فأسلم ولحيته ورأسه كالثغامة بياضاً, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( غيّروهما وجنّبوه السواد ).
وهذا الحكم سواء للرجل والمرأة.
وأما في الحرب فهو جائز إجماعاً, وهناك قول للحنفية بالجواز ولو في غير الحرب, وهو مذهب أبي يوسف.
وقال الشافعية بتحريم الاختضاب بالسواد لغير المجاهدين. هذا, والله تعالى أعلم.


السؤال الحادي والأربعون: ما حكم سب الصحابة الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم ؟


الجواب: الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد:
فإذا كان سبُّ المسلم معصية وكبيرة من الكبائر, كما قال الإمام النووي رحمه الله تعالى, وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْر ٌ) رواه البخاري ومسلم. فكيف بسب الصحابة رضي الله عنهم؟ وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا تَسُبُّوا أَصْحَابِي, فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَباً مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلا نَصِيفَهُ ) رواه البخاري ومسلم, والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( الله الله فِي أَصْحَابِي, الله الله فِي أَصْحَابِي, لا تَتَّخِذُوهُمْ غَرَضاً بَعْدِي, فَمَنْ أَحَبَّهُمْ فَبِحُبِّي أَحَبَّهُمْ, وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ فَبِبُغْضِي أَبْغَضَهُمْ, وَمَنْ آذَاهُمْ فَقَدْ آذَانِي, وَمَنْ آذَانِي فَقَدْ آذَى الله, وَمَنْ آذَى الله يُوشِكُ أَنْ يَأْخُذَهُ ) رواه الترمذي وأحمد.
نسأل الله تعالى أن لا يحرمنا الأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم, وآل بيته وأصحابه, وعامة المسلمين. آمين. هذا, والله تعالى أعلم.


السؤال الثاني والأربعون: ما ردُّكم على من ينكر قتل المرتد, ورجم الزاني المحصن, وقطع يد السارق, بحجة أن حكم الاثنيين الأوليين غير مذكور في القرآن الكريم ؟


الجواب: الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد:


فإن حدَّ الردّة ثابت بقوله صلى الله عليه وسلم: ( مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ ) رواه البخاري, وبقوله صلى الله عليه وسلم: ( لا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلا بِإِحْدَى ثَلاثٍ: الثَّيِّبُ الزَّانِي, وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ, وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ ) رواه البخاري ومسلم. والله عز وجل يقول: { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا }. ويقول جلَّت قدرته: { مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ الله َ}.
أما بالنسبة لحدِّ الزاني المحصَن, فقد اتفق الفقهاء على أن حدَّه الرجم حتى الموت, رجلاً كان أو امرأة, ويقول ابن قدامة: وأجمع عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, وقد ثبت في أخبار تشبه التواتر أن النبي صلى الله عليه وسلم رجم.
وقد البخاري ومسلم أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: ( إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم بِالْحَقِّ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ, فَكَانَ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ آيَةُ الرَّجْمِ, فَقَرَأْنَاهَا وَعَقَلْنَاهَا وَوَعَيْنَاهَا, رَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ, فَأَخْشَى إِنْ طَالَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ: وَاللَّهِ مَا نَجِدُ آيَةَ الرَّجْمِ فِي كِتَابِ اللَّهِ, فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أَنْزَلَهَا اللَّهُ, وَالرَّجْمُ فِي كِتَابِ اللَّهِ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى إِذَا أُحْصِنَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ إِذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ أَوْ كَانَ الْحَبَلُ أَوْ الاعْتِرَافُ ).
وروى الإمام أحمد أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: ( إِيَّاكُمْ أَنْ تَهْلِكُوا عَنْ آيَةِ الرَّجْمِ, وَأَنْ يَقُولَ قَائِلٌ: لا نَجِدُ حَدَّيْنِ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى, فَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَجَمَ وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ ).
وأما بالنسبة لحدِّ السارق فقد ثبت بالقرآن بقوله تعالى: { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيم }. هذا, والله تعالى أعلم.


السؤال الثالث والأربعون: مشكلة الغلاء, ما سببها؟ وما علاجها؟ وبماذا تنصحون التجار ؟


الجواب: الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد:


فسبب هذه المصيبة أراه واضحاً ومجسَّداً في القرآن العظيم, يقول الله تعالى: { وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُون}.
وضَّح لنا ربنا في هذه الآية الكريمة بأنه أسبغ علينا نعمتين من أعظم نعمه علينا ألا وهما نعمة الرزق والأمن, كما قال تعالى: { لإِيلاَفِ قُرَيْش * إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاء وَالصَّيْف * فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْت * الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْف }, هو الذي أطعمنا من جوع وأمننا من خوف, ولكن جحود النعمة يعرضها للزوال, كما أن الشكر عليها يعقلها ويجلب النعمة المفقودة, كما قال تعالى: { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيد }, فالشكر لله على النعم يديمها ويزيدها, أما جحودها فيعرِّضها للزوال, ويعرِّض المنعَم عليه للعقاب وخيبة الأمل, ولسوء الخاتمة والعياذ بالله إذا بقي مصراً على ذلك, فَقَيْدُ النعمة شكرها, ورحم الله من قال:

إذا كنت في نعمةٍ فارْعَها = فإن المعاصي تزيل النِّعم
وحافظ عليها بشكر الإله = فإن الإله شديد النِّقَم

لقد كنا في أمن, ومقومات الحياة متوفرة بحمد الله عز وجل, وكما قال عليه الصلاة والسلام: ( مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ, مُعَافًى فِي جَسَدِهِ, عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ, فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا ) رواه الترمذي وقال: حديث حسن غريب. غير أننا رأينا من يستخدم تلك النعم ويستغل نعمة الأمن في معصية الله, فانتشر في المجتمع الربا, والزنا, والرشوة, وتطفيف الكيل والميزان, وشهادة الزور, وتبرّج النساء, والأيمان الكاذبة, وأكل الأموال العامة, والسرقة, والقمار, والميسر, وشرب الخمر..... إضافة إلى هذا عدم التراحم بيننا, فالكبير لا يرحم الصغير, والأب لا يرحم الولد, والولد لا يرحم الوالد, والغني لا يرحم الفقير, والقوي لا يرحم الضعيف, والحاكم لا يرحم المحكوم, والمحكوم لا يرحم الحاكم, وتكاد أن تكون الرحمة قد نُزعت.
فما نتيجة هذه الأمور؟
بيَّنها ربنا عز وجل بهذه الآية الكريمة بقوله: { فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ }, وإذا قلنا لماذا هذا الغلاء ولماذا هذا الخوف الذي صُبَّ علينا؟ جاء الجواب من الله تعالى: { بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُون }, وذلك ليتحقق قوله تعالى: { وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى }.
وهذا المبدأ والقانون على المسلمين, لأن سنن الله في خلقه مختلفة, فسنته مع الكافر غير سنته مع المؤمن, ربما أعطى الكافر فوق ما يريد من هذه الحياة الدنيا, لأن سنة الله مع الكافر هكذا, ألم يقل مولانا عز وجل: { وَلَوْلاَ أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِّن فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُون * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُون * وَزُخْرُفًا وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِين }, أما سنته مع المؤمنين فأن يعجّل لهم العقوبة لعلهم يرجعون إلى الله تعالى.
فهذا البلاء ما نزل إلا بسببنا نحن, وصدق الله القائل: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِير}, وصدق إذ يقول: { مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ }.


فماذا يجب علينا:


أولاً: علينا أن نجدِّد إيماننا, وأن نرجع إلى رشدنا لنعلم أين يكمن رزقنا, فهل هو بيد الخالق أم بيد المخلوقات؟ يقول تعالى: { إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِين }. ويقول جلَّت قدرته: { وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُون }. ويقول جل في علاه: {وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِين}. فرزقنا بيد خالقنا فلنلتفت إليه, ألا نعتقد أنه لا يضر ولا ينفع, ولا يعطي ولا يمنع, ولا يخفض ولا يرفع إلا الله؟ فمن عرف الله أنه هو الرازق التفت إليه لا إلى غيره.


ثانياً: أن نعلم بأن رزقنا مقسوم, كما جاء في الحديث: ( إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يُرْسَلُ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ بِكَتْبِ رِزْقِهِ وَأَجَلِهِ وَعَمَلِهِ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ ). وهذا الرزق المقسوم سيأتينا على ضعفنا, ولو اجتمعت الإنس والجن على منع لقمة واحدة مقدَّرة لنا فإنهم لا يستطيعون, وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: ( وإن روح القدس نفث في روعي، وأخبرني أنها لا تموت نفس حتى تستوفي أقصى رزقها، وإن أبطأ عنها، فيا أيها الناس! اتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحملن أحدكم استبطاء رزقه أن يخرج إلى ما حرم الله عليه, فإنه لا يدرك ما عند الله إلا بطاعته ) رواه ابن أبي شيبة وعبد الرزاق واللفظ له.

ثالثاً: أن نتوب إلى الله تعالى من الظلم الذي تفشى فينا بكل صوره, وأن نقرَّ بذلك ونعيد الحقوق لأصحابها, فإذا عرفنا بأن الله مالكنا وأمرنا بيده توجّهنا إليه, واعترفنا بظلمنا, وأعدنا الحقوق لأصحابها, خرجنا من المحنة بإذن الله بسلامة, وعلينا أن نتذكر قصة سيدنا يونس عليه الصلاة والسلام الذي وقع في الضيق فتوجّه إلى الله تعالى, واعترف بتقصيره, فنجَّاه الله تعالى, ووعد الله كل مؤمن بمثل هذا إذا فعل كما فعل سيدنا يونس عليه السلام, قال تعالى: { وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِين * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِين }.

رابعاً: أن نعلم علم اليقين بأن لله في كل فتنة ومصيبة ومحنة حكمةٌ ماضيةٌ ورحمةٌ كامنة, ورحم الله تعالى ابن عطاء الله السكندري إذ يقول: ( من ظن انفكاك لطفه عن قدره فذلك لقصور نظره ).
من فوائد هذه المحن أنها تجعلنا على باب مولانا, وهي من النعم الخفية التي جاءت في ثوب مصيبة, قال تعالى: { وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً }, فهذه المحن من النعم الباطنة المجسّدة بقوله صلى الله عليه وسلم: ( عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ, وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلا لِلْمُؤْمِنِ, إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ, وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ) رواه مسلم.


كيفية معالجة داء الغلاء:


أولاً: الاقتصاد في العيش والإنفاق. وذلك لقول الله عز وجل: { وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِين }. ولقوله تعالى: { وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا }. ولمدحه تبارك وتعالى عباده بقوله عنهم: { وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا }.
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول كما روى البخاري: ( إِنَّ الله كَرِهَ لَكُمْ ثَلاثًا: قِيلَ وَقَالَ, وَإِضَاعَةَ الْمَالِ, وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ ). وجاء في الحديث: ( ما خاب من استخار, ولا ندم من استشار, ولا عال من اقتصد ) رواه الطبراني في الأوسط.
لقد أصبح الإسرافُ رائدَنا, إسراف في الطعام والشراب واللباس, إسراف في الحفلات, إسراف في الماء والكهرباء والهاتف, وكل هذا مساهم في رفع الأسعار.
قيل للعارف بالله إبراهيم بن أدهم رحمه الله تعالى: إن اللحم قد غلا, فقال: أرخصوه بالترك.
ويقول صدِّيق هذه الأمة رضي الله عنه: ( إني لأبغض أهل بيت ينفقون رزق أيام في يوم واحد ).
والله ما تنفقه في غير ضرورة رياءً وسمعةً وشهرةً ليكفي أسراً فقيرة لا يعلم عددها إلا الله تعالى, ولكن انفتحت شهيتنا على الإسراف واليوم نحصد نتائج هذا الإسراف.

ثانياً: الإكثار من الاستغفار, فإن كثرة الاستغفار تزيد في الرزق, وذلك لقوله تعالى: { وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى }. ومن لوازم المتاع الحسن الرزق الوفير.
أين استغفارنا وتوبتنا؟ الآمر ضامن, أين نحن من الأمر؟
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( مَنْ لَزِمَ الاسْتِغْفَارَ جَعَلَ الله لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا, وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا, وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ) رواه أبو داود.
فهل نستغفر استغفاراً حقيقياً؟ وهل نتوب توبة صادقة؟ هل نقر بظلمنا لأنفسنا ولغيرنا؟ أصاب الناس قحط في عهد عمر رضي الله عنه فصعد عمر المنبر فاستسقى فلم يزد على الاستغفار حتى نزل, فقالوا له: ما سمعناك يا أمير المؤمنين استسقيت. فقال: لقد طلبت الغيث بمفاتيح السماء التي بها يستنزل المطر. ثم قرأ هذه الآية: { اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا }. وقوله: { وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِين }.
لقد أصبح استغفارنا يحتاج إلى استغفار, ويقول ابن عباس رضي الله عنهما: المستغفر من الذنب وهو مقيم عليه كالمستهزئ بربه عز وجل [رواه الديلمي في مسند الفردوس].

ثالثاً: عدم الاحتكار. اسمع أيها المحتكر ماذا يقول لك رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( مَنْ احْتَكَرَ فَهُوَ خَاطِئٌ ) رواه مسلم. ويقول صلى الله عليه وسلم: ( مَنْ احْتَكَرَ طَعَامًا أَرْبَعِينَ لَيْلَةً فَقَدْ بَرِئَ مِنَ اللهِ تَعَالَى وَبَرِئَ اللهُ تَعَالَى مِنْهُ ) رواه أحمد والحاكم. ويقول أيضاً: ( المحتكر ملعون ) رواه الحاكم.
ويقول أيضاً: ( مَنْ احْتَكَرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ طَعَاماً ضَرَبَهُ اللهُ بِالْجُذَامِ وَالإِفْلَاسِ ) رواه ابن ماجه.
فالاحتكار كبيرة من الكبائر, والاحتكار ظلم, والله تبارك وتعالى يقول: { وَلاَ تَحْسَبَنَّ الله غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَار } فالاحتكار حرام.
يا أيها المحتكر ما أنت قائل لربك يوم القيامة؟ تحتكر ليكثر مالك ولو مات الناس, تحتكر لتكدس أموالك في البنوك الربوية وأنت ترى ما حلَّ بالمجتمع, هل نزعت الرحمة من قلبك؟ أم أصبح الدينار والدرهم معبودك؟ باحتكارك زادت الأسعار وصرت ملعوناً ـ لا قدر الله ـ وهل تعلم ما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( المحتكر ملعون )؟ يعني مطرود من رحمة الله, فإياك والاحتكار رحمة بك قبل أن تكون رحمة بالآخرين.

رابعاً: أن نأخذ بوصية ربنا عز وجل حيث يقول: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ الله مَعَ الصَّابِرِين }. استعينوا على الغلاء بالصبر والصلاة, وخاصة صلاة الليل, قوموا بالأسحار, صلوا بالليل والناس نيام, وقولوا يا الله يا رحمن يا رحيم, يا من لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء, يا من يبارك في القليل, أغننا بحلالك عن حرامك, وبطاعتك عن معصيتك, وبفضلك عمن سواك.
استعينوا على الغلاء بالصبر والصلاة في جوف الليل, وناجوه بالأسحار وأنتم في حالة السجود بين يدي الله تعالى, قال صلى الله عليه وسلم: ( أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ ) [رواه مسلم], وقال صلى الله عليه وسلم: ( أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الرَّبُّ مِنْ الْعَبْدِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ الآخِرِ, فَإِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَذْكُرُ اللهَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ فَكُن ْ) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
وقولوا: يا رب لقد بلغنا عن نبيك سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ يَقُولُ؟ مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ؟ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ ) رواه البخاري ومسلم. سلوه ونسأله جميعاً, فرزقنا بيده, وهو القابض الباسط الرزاق المسعِّر.

وأخيراً: لنعترف بظلمنا, ولنعد الحقوق لأصحابها, ثم لنتوجه إلى مولانا الأوحد, ونناجيه كما ناجاه سيدنا يونس عليه السلام عندما كان في ضيق ما بعده ضيق, عندما كان في بطن الحوت, في ظلمة البحر وظلمة الليل, فتوجَّه إلى مولانا الأوحد قائلاً: { لاَّ إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِين }. توجه إلى مولاه وأقرَّ واعترف, فما كانت النتيجة؟ { فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِين }.
فهذا داؤنا وهذا دواؤنا, ونسأله تعالى أن يوِّفقنا للعودة إليه إذ يقول: { وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا }. اللهم أكرمنا بذلك, ونرجوه تعالى أن يرفع البلاء والغلاء والحروب والكروب عن أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. آمين. هذا, والله تعالى أعلم.
السؤال الرابع والأربعون: كيف يكون الاحتكار والغش في البيع؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد:
فالاحتكار: هو شراء طعام ونحوِه, وحبسُه إلى الغلاء, أو هو اشتراء القوت وقت الغلاء وإمساكه وبيعه بأكثر من ثمنه للتضييق.

وشروط الاحتكار:

1ـ أن يكون تملكه للسلعة بطريق الشراء.
2ـ أن يكون الشراء وقت الغلاء للتجارة انتظاراً لزيادة الغلاء.
3ـ أن يكون حبس المادة المحتكرة لمدة, واختلفوا في تقديرها, فمنهم من قال إنها أربعون يوماً, لقوله صلى الله عليه وسلم: ( مَنْ احْتَكَرَ طَعَامًا أَرْبَعِينَ لَيْلَةً فَقَدْ بَرِئَ مِنَ اللهِ تَعَالَى وَبَرِئَ اللهُ تَعَالَى مِنْهُ ) رواه أحمد والحاكم. ومنهم من قال إنها شهر.
والاحتكار حرام بالقيود التي ذكرناها, وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( المحتكر ملعون ) رواه الحاكم, ولقوله صلى الله عليه وسلم: ( مَنْ احْتَكَرَ فَهُوَ خَاطِئٌ ) رواه مسلم. هذا, والله تعالى أعلم.
أما الغش في البيع, فهو حرام باتفاق الفقهاء سواء كان بالقول أم بالفعل, وسواء أكان بكتمان العيب في المعقود عليه أو الثمن, أم بالكذب والخديعة, وسواء أكان في المعاملات أم في غيرها.
وقد ورد تحريم الغش في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلاً, فَقَالَ: ( مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ )؟ قَالَ: أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ, قَالَ: ( أَفَلا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ؟ مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي ).
ومن صور الغش التطفيف في الكيل والميزان, والله تعالى توعَّد المطففين بقوله تعالى: { وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِين * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُون * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُون }. ومنها الغش في المرابحة والوضيعة وهكذا. هذا, والله تعالى أعلم.

السؤال الخامس والأربعون: هل يجوز تحديد جنس المولود: ذكراً أو أنثى؟

الجواب: الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد:


فإنه من الواجب على الإنسان المؤمن أن يرضى بقضاء الله وقدره وأن يستقبل قضاء الله تعالى وقدره بالرضا, وذلك من خلال قول الله عز وجل: { وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُون }, ومن خلال قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس ) رواه الترمذي, لأنه ربما أن يُعطى الإنسان ما يريد, ويكون هذا سبباً في شقائه لا قدر الله تعالى, فالخيرة فيما يختاره الباري جلَّت قدرته, والمؤمن هو الذي يرضى بقضاء الله تعالى وقدره.
والله سبحانه وتعالى ذمَّ أهل الجاهلية الذين لا صلة لهم مع الله تعالى بقوله: { وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ }.
فالله تعالى هو الوهاب, وهِبَتُه بحكمة من خلال ما يعلم ما يصلح العبد أو يفسده, أليس هو القائل:{ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ }؟
لذلك فالرضا عنوان كمال الإيمان, ولا حرج بأن يرغب المرء في الولد ذكراً كان أو أنثى, ولكن في نهاية المطاف يترك العبدُ مرادَه لمرادِ الله تعالى, لأنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن. هذا أولاً.
ثانياً: لا بأس بالتحكُّم في جنس المولود عن طريق النظام الغذائي, وتوقيت الجماع بتحري وقت الإباضة أو الغسول الكيميائي.
ثالثاً: لا يجوز كشف العورة من أجل هذا الغرض, كما لا يجوز التدخل الطبي لهذا الغرض, ولكن مَن تعذر عليه الإنجاب بالطريق الطبيعي, وقام بإجراء عملية طفل الأنبوب ضمن الشروط الشرعية, ومن خلال ذلك استطاع التحكم بجنس المولود تبعاً لذلك, فلا مانع من ذلك إن شاء الله تعالى. وإلا حرم هذا الفعل. ونسأل الله تعالى الرضا بالقضاء والقدر. هذا, والله تعالى أعلم... وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ،

والحمد لله رب العالمين .



نشكر فضيلة العلامة الفقيه العالم الجليل سليل العلم والفضل الشيخ الدكتور إبراهيم محمد سلقيني حفظه الله تعالى ورعاه ، على تفضله بالإجابة على هذه الأسئلة الفقهية والحياتية ، سائلين المولى عز وجل ، أن يبارك في عمره وعلمه وصحته وهمته ، وأن ينفع به المسلمين ... والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته .


أجرى هذا اللقاء الشيخ فياض العبسو
28 جمادى الآخرة سنة 1429هـ / الموافق لـ 2 / 7 / 2008م



http://alkeltawia.com/site2/pkg09/in...dpages&cat=165
__________________
اللهم يا من جعلت الصلاة على النبي قربة من القربات نتقرب اليك
بكل صلاة صليت عليه من اول النشأة الى ما لا نهاية الكمالات
admin غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس