عرض مشاركة واحدة
قديم 12-06-2012
  #95
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,194
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: لواقح الأنوار القدسية في العهود المحمدية للشعراني



"(أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن يكون معظم محبتنا للصوم من حيث كون الله تعالى قال {الصوم لي}، لا من حيثية أخرى كطلب ثواب أو تكفير خطيئة ونحو ذلك، فإن من عمل لله تعالى كفاه هم الدنيا والآخرة وأعطاه ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، فضلا عن الثواب وتكفيرا الخطايا، وغيرهما من الأغراض النفسانية في الدنيا والآخرة، ولم يبلغنا عن الله تعالى أنه قال في شيء من العبادات إنه له خالصا إلا الصوم، فلولا مزيد خصوصية ما أضافه إليه.


وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول: معنى قوله تعالى {الصوم لي} يعني من حيث إنه صفة صمدانية ليس فيه أكل ولا شرب ولذلك أمر الصائم أن لا يرفث ولا يفسق، ولا يقول الهجر من الكلام أدبا مع الصفة الصمدانية التي تلبس بنظير اسمها.


وقال سفيان بن عيينة في معنى قوله تعالى: {كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به}. قال: إذا كان يوم القيامة يحاسب الله تعالى عبده ويؤدي ما عليه من المظالم من سائر عمله، حتى لا يبقى إلا الصوم فيحمل الله تعالى ما بقي عليه من المظالم ويدخله بالصوم الجنة وهو كلام غريب.


ومن فوائد الصوم أن يسد مجاري الشيطان من بدن الصائم ويصير عليه كالجنة فلا يجد الشيطان من بدنه مسلكا يدخل إلى قلبه منه من العام إلى العام، ومن الاثنين إلى الخميس أو من الخميس إلى الاثنين، أو من الأيام البيض إلى الأيام البيض، أو من الشهر الحرام إلى الشهر الحرام، أو من عاشوراء إلى عاشوراء، أو من يوم عرفة إلى يوم عرفة، كل صوم يكون جنة منه إلى نظيره من الصوم الذي بعده كل جنس بما يقابله، فللاثنين دائرة وللخميس دائرة، وللأيام البيض دائرة، وللشهر الحرام إلى مثله دائرة، وليوم عرفة إلى مثله دائرة، وليوم عاشوراء إلى مثله دائرة، ولكل دائرة حفظ من أمور خاصة، بها فلا يصل إبليس إلى العبد ليوسوس له بها كنظيره من الصلاة والزكاة والحج والوضوء والركوع والسجود، فلكل منهما ذنوب تكفر بها، فلا يكفر عمل ما يكفر غيره من الأعمال، ويؤيد ما قلناه خبر مسلم مرفوعا: الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر.


وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول: إنما كان صوم رمضان شهرا كاملا إما تسعا وعشرين أو ثلاثين، لأن أصل مشروعيته كان كفارة للأكلة التي أكلها آدم عليه السلام من الشجرة، فأمره الله تعالى بصومه كفارة لها. وقد ورد أنها مكثت في بطنه شهرا حتى ذهبت فضلاتها، وورد الشهر يكون ثلاثين ويكون تسعا وعشرين فافهم.


واعلم أن فائدة الصوم لا تحصل إلا بالجوع الزائد على الجوع الواقع عادة في غير رمضان فمن لم يزد في الجوع في رمضان فحكمه كحكم المفطر، سواء في عدم سد مجاري الشيطان لا سيما إن تنوع في المآكل والمشارب وأنواع الفواكه وتعشى عشاء زائدا عن الحاجة، ثم تعتم بالكنافة أو الحلاوة أو الجبن المقلي ثم تسحر آخر الليل كذلك، فإن مثل هذا ينفتح من بدنه للشيطان مواضع زائدة عن أيام الإفطار فتكثر مجاري الشيطان التي يدخل منها إلى هلاكه في مثل هذا الشهر العظيم، الذي فيه ليلة القدر خير من ألف شهر، وهي مدة أعمار الناس الغالبة وهي ثلاث وثمانون سنة، فلو زنت عبادة العبد طول هذا العمر مع أعماله في ليلة القدر لكانت ليلة القدر أرجح من سائر أعماله الخالصة الدائمة التي لا يتخللها فتور فكيف بالأعمال التي دخلها الرياء وتخللها معاص وسيئات وغفلات وشهوات. ومن نظر بعين البصيرة وجد جميع صوم الأيام التي قبل ليلة القدر كالاستعداد والتطهير للقلب حتى يتأهل لرؤية ربه عز وجل في تلك الليلة وأظن غالب كبراء الزمان فضلا عن غيرهم غارقين فيما ذكرناه فيمضي عليهم شهر رمضان، وقد زاد قلبهم ظلمة بأكل الشهوات والنوم. وقد كان المؤمن في الزمن الماضي لا يخرج من صوم رمضان إلا وهو يكاشف الناس بما في سرائرهم لشدة الصفاء الذي حصل عنده من توالي الطاعات وعد المخالفات.


وسمعت الشيخ إبراهيم عصفور المجذوب رضي الله عنه يقول: والله إن صوم هؤلاء المسلمين باطل لأكلهم عند الإفطار اللحم والحلاوات والشهوات، وما عندي صوم إلا صوم القوم الذين يفطرون على زيت أو خل ونحو ذلك، وكان الناس لا يهتدون لمعاني إشاراته لكونه مجذوبا وكنت أنا أفهم معاني كلامه وإشاراته وتوبيخاته كأنه يقول المسلمون لا ينبغي لهم في رمضان إلا الجوع الشديد.


وسمعت أخي أفضل الدين رحمه الله تعالى يقول: من أدب المؤمن إذا أفطر عنده الصائمون أن لا يشبعهم الشبع العادي وإنما يشبعهم شبع السنة، وقد قال صلى الله عليه وسلم حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه. قال أهل اللغة: واللقيمات جمع لقمة من الثلاث إلى التسعة، فمتى أخرج الإنسان لمن أفطر عنده أكثر من تسع لقيمات فقد أساء في حقه، ولا بقي له أجر إفطاره بما حصل له من تعدي السنة، وهذا الأمر لا يفعله إلا من خرج عن حكم الطبع ومعاملة المخلوقين إلى قضاء الشريعة، ومعاملة الله وحده حتى صار يشفق على دين أخيه المسلم أكثر مما يشفق هو على نفسه، وعلامات خروجك من حكم الطبع أن لا تتأثر من ذمه فيك بين الأعداء إن لم تشبعه، لأن حكم يتعدى السنة مع العارف كحكم الطفل على حد سواء والطفل لا يجاب إلى كل ما اشتهت نفسه: وكان سيدي إبراهيم المتبولي رضي الله عنه يخرج للصائمين أقل من عادتهم في الإفطار فاشتكوا النقيب له فقال إن شكوتم منه في الدنيا فسوف تشكرونه في الآخرة, ومن وصية سيدي علي الخواص رحمه الله: إياك أن تخرج للضيف في رمضان كشيخ العرب أو غيره فوق رغيف خوفا أن يتكدر منك إن لم تشبعه، فإنه لو كشف له عن صنيعك معه لقبل رجليك، وقال جزاك الله عني خيرا الذي لم تعطي نفسي الخبيثة حظها من شهواتها، وسعيت في كمال صومها.

فاسلك يا أخي على يد شيخ حتى يخرجك عن حكم الطبيعة وتصير تعامل الخلق بالرحمة والشفقة، وإلا فمن لازمك الخوف من عتاب المخلوقين. وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول: أولياء الله أشفق على العباد من أنفسهم لأنهم يمنعونهم من الشهوات التي تنقص مقامهم وهم لا يفعلون بأنفسهم ذلك أبدا ما أمكنهم وراثة محمدية. فاعلم ذلك واعمل له، والله يتولى هداك: {وهو يتولى الصالحين}.


روى النسائي والبيهقي عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: <<أتاكم شهر رمضان شهر مبارك فرض الله تعالى عليكم صيامه تفتح فيه أبواب السماء وتغلق فيه أبواب الجحيم وتغل فيه مردة الشياطين، لله تعالى فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم الخير كله>>.


وفي رواية لمسلم: فتحت أبواب الرحمة وسلسلت الشياطين ومردة الجن.


وفي رواية لابن خزيمة وابن ماجه وغيرهما: <<إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن>>.


وفي رواية لابن خزيمة: الشياطين مردة الجن بغير واو، ومعنى صفدت: أي شدت بالأغلال. قال الحليمي: وتصفيد الشياطين في شهر رمضان يحتمل أن يكون المراد به أيامه خاصة، وأراد الشياطين الذين يسترقون السمع، ألا تراه قال مردة الشياطين لأن شهر رمضان كان وقتا لنزول الرحمة والقرآن إلى السماء الدنيا، وكانت الحراسة قد وقعت بالشهب كما قال تعالى: {وحفظا من كل شيطان رجيم إلا من استرق السمع}. نزيد التصفيد في شهر رمضان مبالغة في الحفظ. والله تعالى أعلم.


قال: ويحتمل أن المراد أيامه ولياليه ويكون المعنى أن الشياطين لا يخلصون فيه إلى إفساد الناس كما يخلصون في غيره لاشتغال المسلمين بالصيام الذي فيه قمع الشهوات بقراءة القرآن وغيره من سائر العبادات.


وروى ابن ماجه بإسناد حسن مرفوعا: <<إن هذا الشهر قد حضركم وفيه ليلة خير من ألف شهر من حرمها فقد حرم الخير كله ولا يحرم خيرها إلا محروم>>.


وروى أبو الشيخ والبيهقي بإسناد فيه ضعف مرفوعا: <<يقول الله عز وجل كل ليلة من ليالي رمضان: ينادي من السماء ثلاث مرات: هل من سائل فأعطيه سؤله، هل من تائب فأتوب عليه، هل من مستغفر فأغفر له>>.


وروى البزار وغيره مرفوعا: <<إن لله تبارك وتعالى في كل يوم وليلة في رمضان دعوة مستجابة>>.


وروى البيهقي وقال الحافظ المنذري حديث حسن مرفوعا: <<ينادي مناد من السماء كل ليلة - يعني من شهر رمضان - إلى انفجار الفجر، يا باغي الخير تمم وأبشر، ويا باغي الشر أقصر وأبصر، هل من مستغفر فيغفر له، هل من تائب يتاب عليه، هل من داع يستجاب له، هل من سائل يعطى سؤله>>.


وروى النسائي مرفوعا: <<إن الله تعالى فرض عليكم صيام رمضان، وسننت لكم قيامه، فمن صامه وقامه إيمانا واحتسابا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه>>.


وذكر مالك في الموطأ قال: سمعت من أثق به من أهل العلم يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أري أعمار الأمم قبله، فكأنه تقاصر أعمار أمته أن لا يبلغوا من العمل مثل الذي بلغ غيرهم فأعطاه الله ليلة القدر خير من ألف شهر.


وروى الشيخان مرفوعا: <<من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر>>. وفي رواية لمسلم عن أبي هريرة: <<من يقم ليلة القدر فوافقها أراه قال: إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه>>.


وروى الإمام أحمد وغيره عن عبادة بن الصامت قال: قلنا يا رسول الله أخبرنا عن ليلة القدر قال: هي في شهر رمضان في العشر الأواخر ليلة إحدى وعشرين أو ثلاث وعشرين أو سبع وعشرين، أو تسع وعشرين، أو آخر ليلة من رمضان، من قامها إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. والله تعالى أعلم." اهـ



__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس