عرض مشاركة واحدة
قديم 03-09-2009
  #5
أبو أنور
يارب لطفك الخفي
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 3,299
معدل تقييم المستوى: 19
أبو أنور is on a distinguished road
افتراضي رد: ألف دلالة ودلالة في الصلاة على نور الوحي والرسالة

ويمكن تجميع هذه الخصائص في ثلاث:

أما الخاصية الأولى، فتشريع ولاية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم على المؤمنين جميعا وولاية آله وذريته على سائر الأمة بالتبعية مع بيان أن أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم هن أمهات للمؤمنين في الاحترام والتعظيم، وإبطال التبني وإلحاق الأولاد بغير آبائهم ولو كان ذلك من النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال تعالى: (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض..).

وقال تعالى في موضع آخر من السورة معليا من جناب النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء عليما).

فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم أولى بالمؤمنين من أنفسهم فضلا عن آبائهم في نفوذ حكمه فيهم ووجوب طاعته عليهم لأنه في مهمة عليا ربانية ومقدسة يختم فيها كل الرسالات السماوية السابقة، ولأنه لا يدعوهم إلا إلى العقل والحكمة، ولا يأمرهم إلا بما ينجيهم، وأنفسهم إنما تدعوهم إلى الهوى والفتنة فتأمرهم بما يرديهم.
ولهذا قال تعالى في نفس السورة: (يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا).

فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم يتصرف في المؤمنين تصرف الآباء بل الملوك بل أعظم، بفضل هذا السبب الرباني.

فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:
ما من مؤمن إلا وأنا أولى الناس به في الدنيا والآخرة، واقرؤوا إن شئتم: (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم)، فأيما مؤمن ترك مالا فليرثه عصبته من كانوا، فإن ترك دينا أو ضياعا فليأتني فأنا مولاه.

قال شيخنا حفظه الله في الجواهر واللآلئ:
معناه أنه صلى الله عليه وآله وسلم أحق بهم من أنفسهم في كل شيء من أمور دينهم ودنياهم، وأنه أرأف بهم وأعطف عليهم، ولذلك كان حكمه أنفذ وطاعته أوجب. والحديث يدل على أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يتكفل بديون المديونين والقيام بالضائعين الذين لا مال لهم ولا ممول هـ.

الخاصية الثانية، شرف أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فلا يحل انتهاك حرمتهن بأي وجه من الوجوه، ولا الدنو من جنابهن بأي نوع نقص أو انتقاص، لأن حق النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أمته أعظم من حق الوالد على ولده، وهو قبل ذلك وبعده حي في قبره ومضجعه.

ولهذا نزههن الله سبحانه عن أن يكون حكمهن حكم غيرهن من النساء مزية لهن وتخصيصا وإجلالا لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم فقال تعالى: (يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما)، وقد تبين من سيرتهن أن قول الله تعالى: منكن، للبيان، إذ أحسن كلهن واخترن جميعا الله ورسوله والدار الآخرة.

فعن عائشة رضي الله عنها قال: لما أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بتخيير أزواجه بدأ بي، فقال:
يا عائشة، إني ذاكر لك أمرا فلا عليك أن لا تستعجلي حتى تستأمري أبويك.
قال: وقد علم أن أبواي لم يكونا ليأمراني بفراقه، قالت: ثم قال:
إن الله قال: (يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما).
قلت: في أي هذا أستأمر أبوي؟ فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة، وفعل أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم مثل ما فعلت.

وقال تعالى متهددا على ما قد أعاذهن منه: (يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيرا)، فذكر الأفعال المسندة إليهن اعتبارا بلفظ من للتنبيه على غلط من جعل صحبة الأشراف دافعة للعقاب على الإسراف، وللإعلام بأن هذه الصحبة قد تكون سببا لمضاعفة العقاب، فعلى قدر علو المقام يكون الملام.

وقال تعالى: (ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين وأعتدنا لها رزقا كريما)، فكما جعل سبحانه حد الحر ضعفي ما للعبد جعل سبحانه عقابهن مضاعفا وأجرهن مرتين، لمكانهن من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

وقال تعالى: (يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن)، ومعلوم أننا إذا تقصينا أمة النساء جماعة جماعة لم توجد فيهن جماعة تساوي جماعة نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الفضل لما خصهن الله به من قربة بقرب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونزول الوحي الذي بينه وبين الله في بيوتهن.

وقال تعالى مبينا أمر التقوى وتفاصيله: (فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله).

فظهر فضلهن من خلال سيرتهن وذلك ببعدهن التام عن الرذائل واتصافهن بالتقوى، فبين سبحانه أن ذلك إنما هو لتشريف أهل النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال تعالى: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا)، فكلما كان الإنسان من أهل البيت أقرب وبالنبي صلى الله عليه وآله وسلم أخص وألزم كان بهذه الإرادة الإلهية الربانية أحق وأجدر.

ودخل بذلك ذرية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من باب أولى، لأنهم من صلبه ونسله الشريف.

فعن عمر بن أبي سلمة رضي الله عنهما ربيب النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: لما نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) في بيت أم سلمة، فدعا صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة وحسنا وحسينا فجللهم بكساء وعلي خلف ظهره فجلله بكساء ثم قال:
اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.
قالت أم سلمة: وأنا معهم يا نبي الله؟، قال:
أنت على مكانك، وأنت على خير.

قال شيخنا حفظه الله في الجواهر واللآلئ:
وإن كانت الآية الكريمة نزلت في شأن نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما يدل عليه سياق الآية الكريمة، ولكن هؤلاء المجللين عليهم يدخلون فيها بالأولى هـ.

ولهذا ورد في أحاديث صحيحة في بعض صيغ الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذكر أزواج النبي وذريته بدل التنصيص على مصطلح الآل، فنقول مثلا:
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى أزواجه وذريته كما صليت على سيدنا إبراهيم..

وقال تعالى منبها لهن على أن بيوتهن مهابط الوحي ومعادن الأسرار: (واذكرن في بيوتكن من آيات الله والحكمة إن الله كان لطيفا خبيرا).

ولما كان النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وكان المراد الأعظم في سائر آيات سورة الأحزاب بيان ما شرفه الله به من ذلك، بين سبحانه بعض ما خصه من أمر التوسعة في النكاح، فقال تعالى:
(يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك).

ولما كان المقصود من هذه السورة بيان مناقبه صلى الله عليه وآله وسلم وما خصه الله به مما قد يطعن فيه المنافقون من كونه أولى من كل أحد بنفسه وماله، بين سبحانه أنه مع ذلك لا يرضى إلا بالأكمل فبين أنه كان يعجل المهور ويوفي الأجور فقال تعالى: (التي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك).

ولما بين سبحانه شرف أزواجه من جهة النسب لما علم واشتهر أن نسبه صلى الله عليه وآله وسلم من جهة الرجال والنساء أشرف بحيث لم يختلف في ذلك اثنان من العرب، بين جل جلاله شرفهن من جهة الأعمال فقال تعالى: (التي هاجرن معك وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي).

ولما ذكر تعالى وصف النبوة لأنه مدار الإكرام من الخلق والمحبة من الخلائق تشريفا له به وتعليقا للحكم بالوصف، لأنه لو قال: لك، كان ربما وقع في بعض الأوهام أنه غير خاص به صلى الله عليه وآله وسلم، كرره تعالى بيانا لمزيد شرفه في سياق رافع لما ربما يتوهم من أنه يجب عليه القبول فقال عز من قائل: (إن أراد النبي أن يستنكحها).

ولما كان ربما فهم أن غيره صلى الله عليه وآله وسلم يشاركه في هذا المعنى، قال تعالى مبينا لخصوصيته واصفا لمصدر: أحللنا، مفخما للأمر بهاء المبالغة ملتفتا إلى الخطاب لأنه معين للمراد رافع للارتياب: (خالصة لك من دون المؤمنين).

وختم هذه الآيات فبين أن أزواجه لا تحل بعده، فهن كمن عدتهن ثابتة لا تنقضي أبدا، أو كمن زوجها غائب عنها وهو حي، ولأنه صلى الله عليه وآله وسلم حي في قبره ومضجعه الشريف، فقال تعالى مخاطبا المؤمنين: (وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما).

الخاصية الثالثة، ذكر غزوتي الخندق وقريظة، من أجل تأكيد ضرورة الإخلاص في التوجه إلى الخالق من غير مراعاة بوجه ما للخلائق، إلا ما كان من مراعاة وتعظيم سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم لأنه الواسطة بيننا وبين الله تعالى.

قال تعالى في الآيات الأخيرة من سورة الأحزاب واصفا حالة الكافرين بالرسالة المحمدية في الجحيم، وقد اختاروا محاربة النبي في الدنيا إلى جانب كبرائهم وساداتهم مراعاة للمنصب والجاه: (يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا).

ومن ثم قرر تعالى في نفس السورة: (ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه) أي حتى يتمكن من أن ينزع بكل قلب إلى جهة غير الجهة التي نزع إليها القلب الآخر، فإما أن نكون في ولاية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أو لا نكون، قاطعا بذلك رب العزة طريق النفاق والشقاق.

ولهذا تخلل في سرد وقائع هاتين الغزوتين العظيمتين بيان أصل عظيم بموجبه قضى الله سبحانه لنبيه أن يكون أسوة حسنة لكل مؤمن فقال تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا).

فقد كان المنافقون لعنهم الله يساوون أنفسهم برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو أعلى الناس قدرا، ويجب على كل مسلم أن يفدي ظفره الشريف ولو بعينه فضلا عن أن يسوي نفسه بنفسه، وينبغي أن يكون المسلم معه في كل أمر يكون فيه لا يتخلف عنه.

وجاء تأكيد هذا الأصل العظيم في آية أخرى من سورة الأحزاب فقال تعالى بعد بيانه لخصال المغفور لهم التي لخصها الله في الإسلام والإيمان والقنوت والصدق والصبر والخشوع والتصدق والصوم والحفاظ على الفرج والذكر بكثرة: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا).

فبعدما بين الله سبحانه في آيات سابقة أن النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأنه للمؤمنين أسوة حسنة تسبب عن ذلك ما تقديره: وما كان لمؤمن ولا مؤمنة أن يكون لهما ولي غير النبي صلى الله عليه وآله وسلم. فقرن سبحانه بين قضائه وقضاء رسوله عليه الصلاة والسلام إجلالا لمقام سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

كما قرن سبحانه أيضا في آية أخرى من سورة الأحزاب بين طاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم فقال عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما).

فمهما بلغ كمال العبد واجتمعت له الفضائل والمكرمات فإنه لن يخرج بذلك عن ولاية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عليه.

وكما نزه الله نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم لقربهن منه وحسن صحبتهن له، نزه أيضا في سورة الأحزاب المؤمنين الذين جاهدوا إلى جانب النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ووقفوا وقفة صمود وبطولة في وجه الأحزاب الظالمة رغم ما ابتلاهم الله من كثرة عدوهم المزلزلة لنفوسهم وقالوا: (هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله).

وقال الله في حقهم: (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا)، مبينا تعالى أنهم ما وصلوا إلى ما وصلوا إليه لولا ولاية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عليهم التي تفانوا لتحقيقها في نفوسهم.

وقال تعالى في حقهم أيضا مخاطبا إياهم في سياق التكريم والتشريف والتعظيم:
(يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة وأصيلا هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيما تحيتهم يوم يلقونه سلام وأعد لهم أجرا كريما).

وفي سياق السورة كلها نجد أن الله سبحانه يخاطب أو يصف سيدنا محمدا صلى الله عليه وآله وسلم بالنبي، وهو وصف يشي بالارتفاع والعلو والمكانة العظمى التي حظي بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

على أن من تدبر عند قراءته لسورة الأحزاب ما رتبه الله من آياتها البينات من أولها إلى آخرها فسيعلم أن الآية الكريمة: (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما)، هي قلبها النابض، وهي محور السورة بكاملها.

يتبع..
أبو أنور غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس