عرض مشاركة واحدة
قديم 10-15-2012
  #3
عبدالرزاق
عضو شرف
 الصورة الرمزية عبدالرزاق
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 329
معدل تقييم المستوى: 14
عبدالرزاق is on a distinguished road
افتراضي رد: اتباع المتشابه بين القدرية والحلولية والجهوية


المبحث الثاني:الحلولية
ممن ضل بسبب الأخذ بالنصوص على ظاهرها ما يسمى بالحلولية فكانوا يعتقدون أن الله تعالى يحل في مخلوقاته السفلية والعلوية وقد استدلوا على هذه العقيدة بالنصوص التالية:
قول الله تعالى ((ما يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍإِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَمَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا)) فالثلاثة شيء مجتمع محسوس والرابع معهم إذاً فهي معيّة حسّية .وقوله تعالى ((وهو معكم إذ تبيتون مالايرضى من القول)) وقوله تعالى((وهو معكم أينما كنتم ))قالوا وكل هذا يدل على أنها معية حقيقية ،أي حسية.
وقوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}فيحمل على الحقيقة وهي المعية الحسية لأن الأصل في الكلام الحقيقة.
قوله تعالى {وناديناه من جانب الطور الأيمن} وقوله تعالى {فلما أتاها نُودِيَ من شَاطِئِ الوادِ الأَيْمَنِ في البُقعَةِ المُبَارَكِةِ مِنْ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَى إِنِّي أَنا الله ربُّ العالمين} قالوا ظاهر الآية إثبات وجود ذات الله في الأرض في وادي طوى عند الشجرة.
.!! وقوله سبحانه وتعالى: { ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ}ق:16
فقالوا:حبل الوريد محسوس في جسم الإنسان وقربه قرب حسي فالله كذلك يقول أنه أقرب منه فهو قرب حسي وإن لم نشاهده قالوا لأننا نصدق الله تعالى فيما أخبر.!!
وقوله تبارك وتعالى: { وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لاتُبْصِرُونَ}
قالوا:فالله يخبرنا أنه أقرب إلى الميت منا ووجودنا عند الميت محسوس فهذا يعني أنه قرب حسي ولكن المانع من رؤيتنا لله تعالى هو عدم إبصارنا له عند تواجده ،وعدم إمكان رؤيته بيننا لا يدل على عدم وجوده بيننا ،كما أن أهل الملةيؤمنون بوجود الملائكة بيننا وإن كنا لانراهم.!!!

واستدلوا بالأحاديث الدالة على ماذهبوا إليه من ضلالة فمنها:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد((رواه مسلم وقوله صلى الله عليه وسلم ((اربعوا على أنفسكم إنكم لاتدعون أصماًولاغائباً إن الذي تدعون أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته )) فظاهر الحديث يدل على القرب الحسي لأن عنق الراحلة شيء حسي والله أقرب منه .واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم في المصلي (إن ربه بينه وبين القبلة فلا يبزقن أحدكم قبل قبلته ، ولكن عن يساره أو تحت قدميه)) خرجه البخاري برقم (450)
كل هذه النصوص جعلت الحلولية يعتقدون بحلول الله في الأماكن والجهات مع مخلوقاته.

الرد عليهم:هذه النصوص لايجوز أخذها على ظاهرهاللأدلة النقلية والعقلية الدالة على ذلك:منها :أولاً:استحالة حلول الله تعالى في مخلوقاته لأنه نقص ينزه الله تعالى عنه.
ثانياً: أن هذه النصوص من المتشابه ولا يجوز الأخذ بالمتشابه في تقرير العقائد القطعية ،وقد تقررقطعاً أن الله تعالى منزه عن كل نقص ،وأن الله تعالى له الكمال المطلق ،وأنه لا يشبهه شيء من مخلوقاته كما قال تعالى ((ليس كمثله شيء وهو السميع البصير )) وقال تعالى ((هل تعلم له سميا) أي يساميه في ذاته وصفاته وقال تعالى ((ولم يكن له كفوا أحد((
وإذاقيل بحلول الله تعالى في خلقه فهذا يعني أنه محدود والمحدود جسم له أبعاد بلا ريب،أو أنه وصف يتصف به جسم من الأجسام وهو ما يسمى بالعرض وعلى كلا الاحتمالين فإنه يؤدي إلى أن الخالق سبحانه وتعالى يشبه مخلوقاته ولو بوجه من الوجوه .!وهذا نقص عظيم ومناقض للنّصوص المبيّنة لكون الله تعالى ليس له ند ،ولا مثيل ،ولا سمي يساميه في ذاته وصفاته ،ولا كفأ له سبحانه جل شأنه.
ثالثاً:نعلم قطعاً أن الله تعالى موجود قبل خلق هذا العالم وأنه قديم أزلي وأن من أخص خصائصه أنه لايتغير ولايتبدل ،لأنه إما أن يتغير من نقص إلى كمال ،أو من كمال إلى نقص والنقص لايجوز على الله تعالى قطعاً وحلوله في مخلوقاته يدل على أنه يتغير سبحانه وتعالى عن ذلك.
رابعاً:أن تأويل هذه النصوص ممكن بلاريب فلا يجوز التمسك بمعناها الظاهر،بل لها تأويل يليق بالله تعالى وهو سائغ في لغة العرب.
فهو مع خلقه بعلمه وحفظه لهم وليس المقصود معية حسية.
واما المقصود بقوله تعالى ((فلولا إذابلغت الحلقوم ،وأنتم حينئذ تنظرون ،ونحن أقرب إليه منكم ولكن لاتبصرون ))فهو قرب ملائكته وهو قرب حسي لقبض الروح وليس هو قرب الله تعالى كما قد يتبادر لبعض الأذهان.
واما قول الله تعالى { ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ}ق:16]
قال ابن جرير في تفسير هذه الآية : وقد اختلف أهل العربية في معنى قوله( ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ) فقال بعضهم: معناه: نحن أملك به، وأقرب إليه في المقدرة عليه.
وقال آخرون: بل معنى ذلك( ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ) بالعلم بما توسوس به نفسه.انتهى فهو قرب بعلمه لابذاته.
وقال الإمام الرازي:والوريد العرق الذي هو مجرى الدم يجري فيه ويصل إلى كل جزء من أجزاء البدن والله أقرب من ذلك بعلمه ، لأن العرق تحجبه أجزاء اللحم ويخفى عنه ، وعلم الله تعالى لا يحجب عنه شيء.
وقال الإمام ابن جماعة :إذا ثبت تنزيه الرب تعالى عن الحيز والجهة والقرب الحسي والبعد العرفي وجب تأويل ذلك على ما يليق بجلاله وهو قرب علمه ورحمته ولطفه ويؤيده قوله تعالى ((إن رحمت الله قريب من المحسنين)) أو قرب المنزلة عنده كما يقال السلطان قريب من فلان إذا كانت له عنده منزلة رفيعة ،والسيدقريب من غلمانه إذا كان يتنازل معهم في مخاطبتهم وملاطفتهم وليس المراد ههنا قرب مسافة ولا مكان وإذا كان ذلك مستعملاً في لسان العرب والعرف وجب حمله عليه لاستحالةظاهر المسافة في حق الرب تعالى.انتهى وهذه النصوص قد سيقت في بعض مواردها مقرونةبالعلم فعلم أن المعية معية العلم لا المعية الحقيقية بالحس.قال الله تعالى ((ألم تر أن الله يعلم ما في السموات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم،ولاخمسة إلا هو سادسهم ..))المجادلة آية 7 .فإن الآية تتكلم عن العلم فيجب حمل المعية هنا على العلم فهو معنا بعلمه لابذاته ،وعليه تحمل النصوص الأخرى حسب الإمكان ،فإن لم يمكن حمل الأخرى على العلم فتأول بما يناسب موردها.
وقد يقول قائل :إن أمكن تأويل بعض ما استدلوا به من نصوص على الحلول في الأمكنة فلا يمكن تأويل كل ما استدلوا بها إلا بتعسف .!
فنقول:كل نص لايمكن تأويله فإنه يقطع بأنه ليس معناه حلول الله في مخلوقاته ثم نترك ما لايمكن تفسيره إلى الله تعالى ونترك الخوض في المتشابهات لأنه أسلم وأفضل ولأن الأدلةالقاطعة قد دلت أن الله موجود قبل كل شيء ولا يتغير ولا يتبدل ولا يشابه خلقه ولذافلا يتصف بالجسمية ولا يحصره شيء سبحانه وتعالى ولا يحويه مكان ولا غيره.
وقد اعترض على الحلولية بأنه يلزم من قولهم بالحلول في المخلوقات أن يخالط سبحانه وتعالى النجاسات .!
ولكن قد يمكن للحلولية أن يحتجوا بأنه ليس فيما ذهبوا إليه من أدلة ذكر للنجاسات بل هو منزه سبحانه عن ذلك ولذا فالمسلمون يؤمنون بوجود الملائكة معنا ونحن لا نراهم ،ولا يعني ذلك أنهم يخالطون النجاسات فكما أن معية الملائكة الحسية لا يلزم منها مخالطة النجاسة فكذلك معية الله الحسية بذاته لا يلزم منها مخالطة النجاسة سبحانه وتعالى عن ذلك.!
كذلك قد يحتج بعضهم بأنه إذا جاز أن يحل فوق العرش فيجوز أن يحل في أي مكان من مخلوقاته ؟!وجواب هذه الشبهة :أن هذا القول لا يرد على أهل السنة بل يرد على الكرّامية ونحوهم ممن يعتقد أن الله في جهة ومكان .وسيأتي الرد على هؤلاء قريباً إن شاء الله.
وجواب أهل السنة الذي لايمكن أن يدفعه الحلولية:بجوابين:الأول : هو أن في اعتقاد المعية الحقيقية الحسية تجسيم صريح ،وهوضلال مبين لأنه تشبيه للخالق بالمخلوق ،وخلط بين صفات القديم والحادث .
الثاني:أن دعوى حلول الله في مخلوقاته حلولاً يليق بجلاله كما يقول الحلولية يفيد أن الله متغير وأن وجود المخلوقات أثر على خالقها فتغير من حال إلى حال فلا فرق بين الخالق والمخلوق مادام أنه يتغير كما يقول الحلولية لأن كل متغيرحادث فصار القديم كالحادث في صفاته وخصائصه.فأي شناعة أعظم من قوم لا يفرقون بين القديم والحادث فاختلطت عليهم خصائص الخالق بالمخلوق.
__________________
رفيقك علم الله فلابد ان لا تنسى رفيقك
عبدالرزاق غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس