عرض مشاركة واحدة
قديم 09-06-2008
  #55
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي

الرَّحِيمُ جَلَّ جَلالُه


"هذا الاسم معناه : المنعم بدقائق النعم مثل الضروريات ‏للإنسان، والكماليات للوجود.‏


فمن رحمته بنا: سخَّر الماء والهواء، والشمس والقمر، ‏والنجوم ، ثم يسَّر لنا السبيل ووهب العقل، وهو خير دليل. ‏وأنبت الأرض بأنواع الحبوب والغذاء، ثم أخرج مرعى ‏الحيوانات، لأنه أرحم الراحمين، ثم رحمنا بالفم الذي يذوق ، ‏والمعدة التي تهضم، والأنف الذي يميز الطَّيب من الخبيث.‏


ورحمنا بالأرجل التي تحملنا، والأيدي التي تدافع عنا، والعين ‏التي تبصر، والأذن التي تسمع، والفكر الذي يدبِّر، ثم أكرم ‏الإنسان بأنواع الفواكه التي تشرح الصدر بلونها وطعمها.‏


ورحمنا بالدَّواء الذي يغيثنا من شدَّة المرض، ومنحنا الشعور ‏الذي ينذر الألم والراحة، ومكَّننا من المال الذي به جلب ‏السعادة.‏


فإذا أراد العبد نيل الرِّضا من الله، والتَّنعُّم بالوصال في ظلِّ حماه، ‏عطف قلبه فشعر بألم المتألِّم، وأخذته الرحمة على الجائع، وعطف ‏على العاصي، ولو كان خصماً له، لأنه يشعر بأنه يوهي في مهاوي ‏الضَّلال، ومآله إلى الوبال فنصحه ووعظه ‏(1) .‏


وعطف على المتخاصمين فبل وسعه في الصلح والإصلاح، ‏ورحم الجاهلين؛ فبيَّن لهم طريق النَّجاح، فلا يرى محتاجاً إلا ‏ويرق لحاله، ويواسيه بماله، ولا يرى عاصياً إلا ويلاطفه ‏بالنصيحة، ويسأل الله له التوبة، وعدم الفضيحة. ولا يرى ‏يائساً من الرحمة إلا طمأنه، لسانه لسان رحمة، وأخلاقه ‏أخلاق رحمة، ومعاملته معاملة رحمة، وهذا هو الذي نال ‏قسطاً وافراً من الخلق الإلهي في الرحمة.‏ورد في الحديث الصحيح: (من لا يرحم لا يُرحم)‏ (2) ‏.‏


وصاحب الخُلُق الحسن ينال ثواب الصائم القائم ‏.‏ (3) " اهـ4/229

اقتباس:=================== الحاشية ===================


(1) ‎ ‎‏: وما هذا كله إلا لأنه تخلَّق بخلق "الرحيم" حيث إذ التخلُّق به يكون بإغاثة المساكين، ‏وإغاثة الملهوفين، والرفق بعباد الله أجمعين، طائعهم، وعاصيهم، دانيهم، وقاصيهم، ‏وكون ذلك شكراً لما أسداه من نعمه، وما أوصله من كرمه، وتعرض لنفحات كرمه.‏

(2) ‎ ‎‏: قوله صلى الله عليه وسلم: ( من لا يَرحم لا يُرحم ). رواه الإمام أحمد في مسنده ، ‏والبخاري ومسلم، وأبو داود، والترمذي عن أبي هريرة. ورواه ايضاً الشيخان ‏بسندهما عن جرير بن عبد الله . ‏ انظر: الجامع الصغير للسيوطي الحديث رقم 9090.‏

(3) ‎ ‎‏: حديث "إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم ولا يتم لرجل حسن ‏خلقه حتى يتم عقله فعند ذلك تم إيمانه وأطاع ربه وعصى عدوه إبليس" قال الحافظ ‏العراقي في نخريج أحاديث الإحياء : أخرجه ابن المجبر من رواية عمرو بن شعيب عن ‏أبيه عن جده به، والحديث عند الترمذي مختصر دون قوله "ولا يتم" من حديث ‏عائشة وصححه. ‏

‏ وقد جاء في حسن الخلق والحث على الرحمة أحاديث كثيرة منها: ما ورد عند الطبراني ‏بلفظ: ( إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجة القائم بالليل، الظامئ بالهواجر). وفي ‏رواية له أيضا: ( إن العبد ليبلغ بحسن خلقه عظيم درجات الآخرة وشرف المنازل ‏وإنه لضعيف العبادة). وروى الإمام أحمد والطبراني مرفوعا: (إن المسلم المسدد ليدرك ‏درجة الصوام القوام بآيات الله بحسن خلقه وكرم ضريبته) والضريبة الطبيعة وزنا ‏ومعنى. وروى الطبراني مرفوعا: (عن جبريل عليه السلام عن الله تعالى قال: (إن هذا ‏دين ارتضيته لنفسي، ولن يصلح له إلا السخاء وحسن الخلق فأكرموه بهما ما ‏صحبتموه). وروى الطبراني مرفوعا: (أوحى الله تعالى إلى إبراهيم عليه الصلاة ‏والسلام: يا خليلي حسن خلقك ولو مع الكفار تدخل الجنة مع الأبرار، وإن كلمتي ‏سبقت لمن حسن خلقه أن أظله تحت عرشي، وأن أسقيه من حضيرة قدسي، وأن ‏أدنيه من جواري). وروى الطبراني والبزار: (أن أم حبيبة قالت: يا رسول الله: المرأة ‏‏يكون لها زوجان ثم تموت فتدخل الجنة هي وزوجاها لأيهما تكون للأول أو ‏الآخر؟ قال: تخير أحسنهما خلقا كان معها في الدنيا يكون معها في الجنة، يا أم حبيبة ‏ذهب حسن الخلق بخير الدنيا والآخرة). والأحاديث في ذلك كثيرة. والله تعالى أعلم.‏

‏ ويحتاج العامل بهذا الخلق إلى السلوك على يد شيخ ناصح حتى تلطف كثائفه ويخرجه ‏من درجات الجفاء إلى درجات حسن الخلق، ومن لم يسلك على يد شيخ لازمه غالبا ‏سوء الخلق إلا أن تحفه العناية من الأزل، فمثل هذا لا يحتاج إلى شيخ في ذلك إن شاء ‏الله.‏

‏ ورد أن الإمام الشافعي رضى الله عنه كان مشهورا بحسن الخلق، فعمل الحسدة على ‏إغضابه، فلم يقدروا فبرطلوا الخياط مرة أن يعمل له الكم اليمين ضيقا جدا لا يخرج ‏يده منه إلا بعسر ويعمل اليسار كالخرج، فلما رآه الإمام قال له: جزاك الله خيرا، ‏الذي ضيقت كمي اليمين لأجل الكتابة ولم تحوجني إلى تشميره، ووسعت اليسار ‏لأحمل فيه الكتب، مع أنه كان يقول رضى الله عنه: " من استغضب فلم يغضب فهو ‏حمار، ومن استرضى فلم يرضَ فهو شيطان" ، فيحمل قوله هذا على غضبه لله تعالى، ‏ويحمل عدم غضبه على غضبه لحظ نفسه، فالكمل على الأخلاق الإلهية والله تعالى ‏يغضب لغيره ولا يغضب لنفسه، فلو انتقم تعالى لنفسه لأهلك الخلق كلهم في لمحة ‏فافهم.‏

وورد أيضاً أنهم صبوا مرة على الجنيد غسالة سمك وهو خارج لصلاة الجمعة ‏فعمته من جمته إلى ذيله، فضحك وقال: من استحق النار فصولح بالماء لا ينبغي له ‏الغضب، ثم عاد إلى البيت واستعار ثوب زوجته فصلى فيه.‏

‏ وكان السلف الصالح رضى الله عنهم كلهم يقولون: الدرجات هي الخلق الحسن، فمن ‏زاد عليك في الخلق زاد عليك في الدرجات، وكانوا إذا آذاهم إنسان يعتذرون إليه ‏ويقولون: نحن الظالمون عليك، ولو أنا أطعناك فيما طلبته منا ما آذيتنا فاللوم علينا لا ‏عليك وكانوا إذا بلغهم عن امرأة أو عبد سوء خلق تزوجوها أو اشتروا العبد وصبروا ‏على سوء خلقهما، وكذلك كانوا يشترون الحمارة أو البغلة الحرون فيركبونها ولا ‏يضربونها يروضون نفوسهم في الصبر عليها. فالواجب على كل مؤمن أن يروض ‏نفسه ليصبر على تحمل أذى الناس والدواب ولا يخرج إلى طبع المجانين، فإن حكم ‏هؤلاء الذين ذكرناهم حكم المجانين بلا شك، فاعلم أن من أعظم حسن الخلق صبرك ‏على من تقدر على تنفيذ غضبك فيه ثم تتركه كزوجتك.‏

‏ كان سيدي علي الخواص شيخ الإمام الشعراني رضي الله عنهما وعن الصالحين ونفعنا ‏بهم في الدارين كان يقول: لي مع ابنة عمى سبع وخمسون سنة ما أظن أننا بتنا ليلة ‏واحدة صلحاء إلى يومنا هذا. وكذلك من أعظم حسن الخلق أن يكون الإنسان نفّاعا ‏للناس ومع ذلك يذمونه وينقصونه فلا يمنعه ذلك من النفع لهم،. فالعبد لا يعامل إلا ‏‏ الله وأما الخلق فمفاليس ليس معهم شيء يأخذه منهم يوم القيامة، فهذا من أعظم ‏أخلاق الرجال فاعلم ذلك واعمل عليه وفقنا الله لما فيه ‏رضاه." اهـ



(يتبع إن شاء الله تعالى .... )
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس