عرض مشاركة واحدة
قديم 09-06-2008
  #60
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي

فلا تدعوا على الملك ولكن ارجعوا إلى السنة المحمدية ‏وتوبوا إلى الله.‏


والنقطة الجوهرية التي يحارب فيها العباد سيدهم هي نقطة ‏الملك؛ ولذلك إذا نفخ في الصور وانطوى الخلائق في القبور، ‏ينادي الحقُّ سبحانه وتعالى:‏‎ { لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ }؟ فيجيب ‏نفسه بنفسه:‏‎{ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} ‏ (1)‏ ‏.‏


وإن العارف بالله تعالى يسمع بآذان روحه هذا النداء ‏فيسلم كل ما يملك الآن لله، وعند ذلك يسمعه الحق ‏‏"الملك":‏‎ { لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ}‏... .‏


وإن كل منازع في الملك فهو مخذول مغرور، فما خلقنا ‏لننازع"الملك" في ملكه، وإنما خلقنا لنعرف كرمه ولطفه ‏ووداده وحنانه.‏


وإن "الملك" معناه : ظهور كلمة "كن" التي ينفعل لسرها ‏الوجود، وما من شخص إلا وأمدَّه الله من سرِّ كلمة"كن" ‏بقدر ما قسم له؛ فالروح التي فيك من سرِّها، ، والسمع ‏والبصر من باهر أمرها، والسكون والحركة من عين إمدادها، ‏وتسخير الأكوان من وسعة فيضها، فسواء صرفك في نفسك ‏وفي الآفاق فاعتبره من الخلاَّق، فارجع إليه الأمانة بانشراح ، ‏فهو الملك المنعم الفتَّاح... .‏


واعلم أن سرَّ وصول الأولياء أنهم شهدوا أن أرواحهم ‏وأشباحهم وأموالهم وأولادهم مملوكة لله ليس لهم في أنفسهم ‏أو في الآفاق فتيلاً ولا نقيرا، وعند ذلك يظهر لهم تجلي ‏‏"الملك" وهم العبيد فيمنحهم وافر المزيد (2) ‏. ‏


روي أن بعض العارفين وقف بين يدي الحق في مشهد ‏روحاني، فقال له الحقُّ: ما هو برهانك على حبك لي؟.‏
فقال: يا سيدي! ها هي روحي أقدِّمها للجناب برضاء ‏وانشراح.‏
فقال له الحق: إن روحك مني، وما زالت في ملكي، فهات ‏من عندك شيء!.‏
فقال : يا سيدي! لا أملك شيئاً، لأنك أنت الملك المطلق.‏
فقال له: الآن تستحقُّ تجلِّي "الملك" فهو الذي منح الحب، ‏وملك القلب، وهو الذي وفَّق وهدى، وإليه المرجع ‏والمصير... .‏


فإذا قدَّمت له عبادة فاحذر أن تعتقد أنك تملكها، فهو ‏يملكك ويملكها، وبيده القبول والرد، وعنوان القبول: أن ‏تقول له: إنها منك، وإليك، وأنت الغني عني، وعنها (3)‏.‏" اهـ.4/256


اقتباس:===================== الحاشية =====================

(1) ‎ ‎‏: سورة غافر – الآية 16.‏


(2) ‎ ‎‏: وما ذلك إلا لأنهم تخلَّقوا بأخلاق "الملك" الذي من جملة أخلاقه : أن يملك نفسه ‏وهواه ، وذلك بأن يتحرر من رقِّ الطمع ويتحلى بحلية الورع، وبأن يكون أيضاً مالكاً ‏للأحوال، غنياً بالله الكبير المتعال. قال بعضهم : من عرف أنه الملك الحق الذي تنتهي ‏إليه الآمال، جعل همته وقفاً عليه فلم يتوجه في أموره إلا إليه، استسلاماً لحكمه، ‏واستغناء به عن غيره، ومن عرف أنه سبحانه المتوحد بالملك، أنف أن يتذلل لمخلوق، ‏لأن المعرفة بمالكه يوجب التجرد والانحياش إليه ، والتعزز به عما سواه، والاكتفاء بما ‏في ملكه وسلطانه.‏


(3) ‎ ‎‏: وهذا هو حال الكمَّل من العارفين المحقِّقين وعباد الله الصالحين الذين تحلَّوا بأوصاف ‏العبودية المحضة، فإنهم لا يرون أنفسهم شيئاً، ولا لهم من الأعمال شيء، كما قال ‏سيدي ابن عطاء في حكمه الجليلة العجيبة: "إذا أراد أن يظهر فضله عليك ، خلق ‏ونسب إليك" . قال سيدي ابن عجيبة في شرحه لهذه الحكمة:" أي إذا أراد الله ‏سبحانه أن يظهر فضله وإحسانه عليك _ أيها المريد _ خلق العمل الصالح فيك ونسبه ‏إليك على ألسنة العبيد؛ بأن يطلق ألسنتهم بأنك مطيع . فينبغي لك أن تشهد هذا ‏الفضل العظيم ، وتستحي من مولاك الكريم ، لتتأدب بقول سهل بن عبد الله رضي ‏الله عنه : إذا عمل العبد حسنة وقال: يا رب أنت بفضلك استعملت، وأنت أعنت، ‏وأنت سهلت. شكر الله تعالى له ذلك، وقال له: يا عبدي بل أنت أطعت، وأنت ‏تقربت، وإذا نظر إلى نفسه وقال: أنا عملت، وأنا أطعت، وأنا تقربت. أعرض الله ‏تعالى عنه، وقال: يا عبدي، أنا وفقت، وأنا أعنت، وأنا سهلت. وإذا عمل سيئة وقال: ‏يا رب، أنت قدرت، وأنت قضيت، وأنت حكمت. غضب المولى عليه، وقال له: يا ‏عبدي بل أنت أسأت وأنت جهلت، وأنت عصيت. وإذا قال: يا رب، أنا ظلمت، ‏وأنا أسأت، وأنا جهلت. أقبل المولى عليه، وقال: يا عبدي ، أنا قضيت، وأنا ‏قدرت، وقد غفرت وحلمت وسترت.‏" اهـ


(يتبع إن شاء الله تعالى..... )
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس