عرض مشاركة واحدة
قديم 05-25-2009
  #2
أبو أنور
يارب لطفك الخفي
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 3,299
معدل تقييم المستوى: 19
أبو أنور is on a distinguished road
افتراضي رد: الذكر باسم الصدر" آه"

ب- الأدلّة العقليةّ أمّا فيما يتعلّق بالأدلّة العقليّة والتّفسيرات المنطقيّة فنرد ما يلي :

بسم الله الرَّحمان الرَّحيم

الصوفيّة و أذكارهم نقلا وعقلا والذكر باسم الصدر" آه"

1) إسم الصّدر آه ينطقه كلُّ إنسان مكروبٍ، أو نشوانٍٍ، أو مُتَحَيِّرٍ ، لِيُعَبِّرَ به على الحالة التي هُوَ فِيها ويتَّفِقُ في ذلك كُلُّ الخَلْقِ منْ بَنِي البَشَرِ كافرًا أو مؤمنا، وهو اسم قَهْرِيٌّ يُلْهِمُهُ الخالِقُ لكلِّ خَلْقِهِ لكيْ تُقْضَى الحاجةُ مِنْ ذلك، فَيُفْهَمُ الحَيْران، و يُفَرَّجُ عَنِ المَكْرُوبِ، والبَاكِي يُتَنَفَّسُ عَنْهُ بِصِيَاحِهِ وبُكائِهِ .

2) الحضرة متنفّس الصّوفيّة وتعبيرٌ عن قمّة فرحهم وشوقهم بمحبّتهم لله ورسوله صلّى الله عليه وسلم. إذ المحبّة تقتضي تفاعلا وتناغما مع المحبوب. فكبت هذا الشّعور يتولّد عنه إحباط وربما في بعض الأحيان يكون فيه نهاية المحبّ. و كم من عاشق مات شهيدا (ومن الحبّ ما قتل) . فخذ مثلا عشّاق كرة القدم، ترى حالهم عند تسجيل فريقهم معبّرين عن فرحتهم بالصّياح والهتاف اللامحدود، حتّى أنّ بعضهم يغمى عليه من شدّة الفرح و منهم من لم يتحمّل قوّة العشق و لذة الانتصار فيسقط ميّتا ...؟ أمّا عشّاق الغناء والطّرب فحدّث ولا حرج. فقد يتمنّى العاشق أو العاشقة منهم نظرة أو كلمة أوحتّى إشارة يرى فيها سؤله ومناه فتنتهي ربما بحتفه. ألم يحدث في تشييع جنازة بعض المطربين أن انتحر الكثير برمي أنفسهن من بنايات شاهقة ....؟ نسأل الله اللطف والعافية في القلوب والعقول ...وهذا حديث عن الجانب التّفاعلي الفيزيائي لما يحدث للعبد عند قمّة الفرح في بعض الأحيان.

ولكن المحبّة الشّرعيّة والشّوق إلى الله الكريم العظيم تحدّثت عنها مواقف المحبّة الالاهية .

وخير ما نتحدّث به هنا عن الحديث الذي ذكره شيخنا السيد محمد المداني رضي الله عنه في بعض رسائله إثر سؤال بعثه إليه بعض مريديه في كتاب ’شرح المعاني في رسائل الشيخ المداني لتفسيره للحديث : " من عشِقَ فعَفَّ فماتَ ماتَ شَهيدًا " . ما يلي : "...و الحاصل أنّ من عشق وكان نزيها في عشقه وكاتما له فإنّه يموت شهيدا ينزله الله منزلا مباركا وهو خير المنزلين. أمّا من كان عشقه في دعارة و فساد، حفظ الله الجميع، فإذا أقلع عن ذنبه وتاب إلى الله ورجع إليه فإنّ الله يقبل التّوبة عن عباده ويحبّ التّوابين و يحبّ المتطهّرين. وإذا لم يتب من ذلك فإنّ أمره مفوّض لربّه". ثم يواصل ويقول في الخاتمة :"أمّا فهم الحديث بطريق الإشارة حسبما يفهمه الخاصّة من الأمّة المحمديّة فهو: الذي يعشق الحضرة الإلاهيّة و يتقوّى حبّه فيها فيعفّ ويترك ما نهاه الله عنه ويتقرّب إلى الله بما فرض عليه ثم يتقرّب إليه بالنّوافل حتّى يصير محبوبا عند الله، فيكون له الحقّ سمعا وبصرا ويدا ورجلا. ويكون مجاب الدّعوة ويكون كاتما ما يفيض عليه من العلوم الأحديّة ولا يبوح بسرّه الذي يتجلّى الله به عليه (*)فإذا مات بعد ذلك كان شهيدا، وكان مغفورا له يتمتّع بدخول النّعيم و بالنّظر إلى وجه الله الكريم. اللهم اجعلنا من عبادك المقرّبين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون . آمين . *:ولذلك قيل هل أحدّث بكل ماأسمع منك يا رسول الله . قال نعم إلاّ بحديث لم يبلغ عقول القوم فيكون على بعضهم فتنة". انتهى كلامه رضي الله عنه.

ولله المنّة والفضل أنّ الصّوفيّة فرحهم شرعيّ وغايتهم التّوحيد الخالص لله سبحانه ، فهذا الشّعور إن لم يُوظَّف إيجابيًّا والتّمتّع بسرّ فحوى هته المحبّة ويُعبّرُ عنه بهذا الشّكل من الحضور مع الله فإنّه يُؤثّر سلبا على العلاقة القويّة بين الحبيب والمحبوب . يقول الشّاعر رحمه الله تعالى :

" إذا اشتدّ الهوى في قلبِ صبٍّ *** تُنَفِّسُ كُرْبةَ العُشَّاقِ آهُ "

3) أوقات الفراغ لدى عامّة النّاس تُقَضَّى في المقاهي والنّوادي لإدراكهم أنّ الإنسان لا بدّ أن يُغيّر الأجواء ليأخذ نفسا جديدا.أمّا الصّوفيّة فناديهم وأوقات فراغهم: اجتماعاتهم، وفي هذا النّادي يفعلون ما بوسعهم في هوايتهم، ويُنَفِّسُون عن بواطنهم. فإذا تصفّحت َمجالسهم تجدُه يبتدىءُ بالقرآن، تلاوة بعد تلاوة، بتجويدٍ رائع وأداء جميل. ثمّ يقع الإنشاد بأصوات رنّانة، و بمحتوى وبمضمون يُخبِرُ عن ذات الله وصفاته سبحانه وتعالى وينبئك عن شمائل الحبيب محمد صلّى الله عليه و سلّم . والحديثَ عن جنّة المعارف وجنّة الزّخارف، وما أعدّه الله لعباده المخلصين، المصطفيْن الأخيار، فتراهم نشاوى بما ذُكِرَ، وتراهم يتفاعلون مع ما يسمعون، ويتمايلون ويتواجدون، حتّى تأتيَ لحظةُ العشق مع المحبوب سبحانه، وساعة المناجاة فَيَقُومُونَ يذكرون اللهَ بقلوبهم، وبكلّ ما أ ُوتوا من حضورٍ واستغراق.

ثم لنستمع للإمام علي رضي الله عنه كيف يصف أصحاب النّبيء صلّى الله عليه وسلم، قال أبو أرأكة:" صلّيت مع عليّ صلاة الفجر، فلمّا انفتل عن يمينه مكث كأنّ عليه كآبة ،حتّى إذا كانت الشّمس على حائط المسجد قيد رمح صلّى ركعتين ،ثم ّقلب يده فقال : و الله لقد رأيت أصحاب محمد صلّى الله عليه وسلم ،فما أرى اليوم شيئا يشبههم ،لقد كانوا يصبحون صفرا شعثا غبرا ،بين أيديهم كأمثال رُكَب المُعْزَى ،قد باتوا لله سجّدا وقياما، يتلون كتاب الله يتراوحون بين جباههم و أقدامهم ،فإذا أصبحوا فذكروا الله مادوا (أي تحرّكوا) كما يميد الشجر في يوم الرّيح ،و هملت أعينهم حتّى تنبل و الله ثيابهم". ذكره ابن كثير في البداية و النّهاية.

فلا ملامة إن عبّر الصّوفيّة عن شعورهم في ناديهم كما يفعل رُوّاد النّوادي في هواياتهم المتعدّدة.

فنحن معشر الصّوفيّة نشترك مع إخواننا المؤمنين في كلّ الفرائض ونُؤدّيها على الوجه الأكمل، من صلاة وصيام، وزكاة وحجّ. يقول سيّدي المداني قدّس الله سرّه : " إذا جالستَ العلماء فلا تجلس معهم إلاّ بنصوص صحيحة، و إذا جالست الزّهّاد فاجلس معهم على بساط المجاهدة ، و إذا جالست أهل الله فسلّم لهم تُحضى بالعلم المكنون"

وما زاد على هذه الفرائض والأركان فهي من سبيل النّوافل والفضائل، لقوله سبحانه في الحديث القدسي "ولا زال يتقرّب إليّ بالنّوافل حتّى أُحبّه". وقد اعتبرها البعض من قبيل ملء الفراغ وتعميره بما ترتاح إليه النّفس البشريّة، فالنّفس تملّ فلا بدّ من تغيير نوع الطّاعة. فقد جاء في الحديث :" لمّا علِم اللهُ منكم المَللَ لَوّنَ لكم الطّاعات".

فنجتمع مع بعضنا ويكون ذلك بديلا للبقاء في نواد أخرى، والمراوحة بين الفينة والأخرى اعتمادا على قوله صلّى الله عليه و سلّم :" روّحوا القلوب ساعة بعد ساعة، إنّ القلوبَ إذا كلّت عمِيَت" .

وعلاوة على هذا كلّه يجد أبناء الصّوفيّة وشبابُها أين يُقضّون فترة مراهقتهم (وما أدراك ما هته الفترة) في الذكر والإنشاد لتُستَغلَّ هته الفُتُوّةُ في محبّة الله ورسوله عليه الصّلاة و السّلام. مع العلم أنّ المجتمع الحديث قد فرض علينا أنماطا من اللقاءات، ثمّ يليها حديثا عمّا جرى بين الشّباب من تلك الملتقيات نسأل الله الحفظ لنا ولأبنائنا. فيجد الشّاب والابن الصّوفي نفسَه صاحب بديل، وصاحب أجواء من الإنشاد والتّرفيه، والمراوحة النّبيلة والهادفة التي تؤسّس فيه ولاء صادقا لدين الله. فتراه لا يفكّر في استبدال هذا الجوّ المفعم بالمحبّة الخالصة والتّناغم المملوء بالاحترام والتّبجيل، لأنّ اجتماعات الصّوفيّة يستوي فيها الشّاب و الكهل، والصّغير والكبير، و الغنيّ والفقير، فتراهم متحابّين في الله. وما أروع طريقة السّلام بينهم بتقبيل الأيادي، وهي عبارة عن عربون محبّة واحترام. فمن المفارقات العجيبة أن يُقبّل الغنيّ يد الفقير، والأستاذ الجامعي يدَ أخيه في الله الطّالب عنده بالجامعة أو التلميذ بالقسم، و الكلّ يفعل ذلك احتراما وقوّة إيمان وتفان في الإخاء والمحبّة . امتثالا لقوله عليه الصّلاة والسّلام : "مثلُ المؤمنين في تواددهم وتراحمهم وتعاطفهم، كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسّهر والحُمّى".

4) إنّ التّجربة الفيزيائيّة لآلة البخار تُوحي لنا بأمر يجب أن نقف عنده. فخذ مثلا آلة ضغط تعمل بالبخار ، و الخزّان (la chaudière à vapeur ) بداخله ماء يشتعل بدرجة حرارة مرتفعة ، فإن نحن أغلقنا منفسه ، يمكن بتأثير الضّغط أن ينفجر، و إن نحن استعملنا هذا البخار وأوصلناه بآلة استخرجنا منه طاقة تُستغل .

والحديث قياس، و كما قيل "من الحبّ ما قتل" و قيل أيضا " و الكلامُ كالسّهامِ قاطع أعناق النَّفس". و جمع أهل الله فيه من الكلام عن الحضرة الإلاهيّة، والحضرة المحمّديّة ما يُهيّمُ الفردَ ويجعله مشتاقا يتلوّى من نار المحبّة و الشّوق إلى الله عزّ وجلّ . فهذا الغليان ( المشابه لغليان الماء في الخزّان ) - إذا نحن لم نجد له منفّسا ليُستغلّ، ويسري نورُه في الباطن بوجود تسبيح خاص خارق للعادة وهو المعنّى بذكر إسم الصّدرآه (الذي لا يفقهه إلاّ القليل) - فلربّما وقع عكس ذلك من انفجار داخلي وربّما تلاه كبت طويل مستمر، الله أعلم بنهايته. وفي هذا المعنى : من الشّوق والحرقة ما يُفسّر سببه . جاء في كتاب ’ خلفاء حول الرسول ’ صلّى الله عليه وسلّم للكاتب خالد محمد خالد في سرده لسيرة الصّحابي الجليل سيّدنا أبي بكر رضي الله عنه و روته عنه ابنته السّيدة أسماء رضي الله عنها في حالة تعبّد أبيها ،قالت : " و كنتُ أشتَمُّ رائحةَ كبِدٍ تُشوَى " ...؟ من فرط وجده وحضوره مع الله الكريم.

5) في حالة البكاء والفرح تكثر دقّات القلب على ما هو عاديّ، ولا بد لهته الحالة الفيزيولوجيّة من تعديل آلي، بمعنى لا بد من قدر كاف من الأكسيجين ليدخل في الدّورة الدّمويّة. وهذا ما يُفسّر التّنفّس بقوّة وبسرعة لدى العدّاء عند جريه (فترى حاله كأنّه يذكر إسم الصّدر آه بدون كلفة و بصوت مرتفع) . فسبحان من ألهم هذا المخلوق هذا النّوع من التّنفّس لتستقيم حاله . ألم نقل في البداية أنّه إسم قهريّ ألهمه الله جميع خلقه ليُتنفّس عنهم عند الملمّات. و سل من ينكر هذا أن يأتيَ بإسم آخر ليتمّ تعديل هته الحالة الطّبيعيّة في البشر والحيوان وبقيّة المخلوقات؟

كذلك في حالات الفرح و التّرح، يخفُقُ القلبُ كثيرا، وخاصّة إذا ذُكر الحبيبُ واشتيق إليه، فلا بد إذا من تنفّس قويّ (بمعنى فيزيائي لا بد من مروحة (ventilateur ) تلَطِفُ وهجَ قلبِ المحبّ . وهذه المروحة هي الحضرة عند الصّوفيّة، و تُسمّى عند أهل المغرب بالعِمارة وهي الذكر باسم الصّدر آه . ليتمّ التّوازن الحراري ، وكأنّه تكييف ربّانيّ بين القلب ومحبوبه، فهو مكيّف معدَّل بالقدرة الرّبّانيّة، كلّما ازدادت حرارة اللقاء و العروج والمناجاة كلّما ازداد الذكر باسم الصّدر آه حتّى يكثر الأكسجين بالدّاخل، ويتسرّب ثاني غاز الكربون، ويجد القلبُ توازنه في حالات الفرح والتّرح ليُؤدّي الوظيفة التي أراده الله له. وممّا يُفسّر في بعض الأحيان الموتَ إثر سكتة قلبيّة على غرار فرح أو مصيبة مفاجئة أنّ دقّات القلب زادت على ما هو متوقّع و بصورة غير منتظرة ثمّ لم يتوفّر التّنفّس الكافي (هذا ما يفسّر قولنا للمغمى عليه حاول أن تتنفّس بقوّة) و بالتّالي لا تتوفّر الكمّية الكافية للأكسجين. فيا سبحان من خلق وقدّر وجعل لكل أمر قدرا. يقول الحقّ سبحانه في سورة طه . الآية 50: " قال ربّنا الذي أعطى كلَّ شيء خلقه ثمّ هدى".


- الخاتمة
وممّا تبيّن سلفا من أدلّة نقليّة وعقليّة، نجد أنّ اجتماعات الصّوفيّة موثّقة وذاتُ منحى شرعي وواقعي، ليستمرّ عطاؤهم ألا محدود وليتفانوا في ذكر ربّهم ما أوتوا إلى ذلك سبيلا ليصدق فيهم قول الله تعالى : " و الذاكرين اللهَ كثيرًا و الذاكرات أعدّ الله لهم مغفِرة وأجرا عظيما" سورة : الأحزاب. آية :35.

ولا غرابة إن سُمّوا بأهل الله الذاكرين، والغالب على حالهم ذكر الله ومدارسة القرآن والعناية به حفظا وتفسيرا. جاء عن رسول الله صلّى الله عليه و سلّم :"إنّ القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد" قيل وما جلاؤها يا رسول الله ؟ قال :"ذكر ُ الله وتلاوة القرآن". ومن ثمرات ذكر الله المتنوّع لدى الصّوفيّة حرصهم الشّديد على تطبيق الشّريعة، و الاستقامة ظاهرا وباطنا في خُلُقِهم. لذلك ترى أخلاقهم أخلاقا نبويّة، ومظاهر محمّديّة تدبّ على وجه الأرض، وتراهم في مواقع متعدّدة لنفع عباد الله من أئمّة، وخطباء، و وعّاظ، ومرشدين. وصدق من قال في حقّهم :"أفضل الدّعاة من تربّى في أحضان الصّوفيّة".....

نسأل الله دوام العافية، ونسأل الله القدير أن ينفعنا بما علّمنا، وأن يبارك لنا في التّصوّف وأهله وأن يرفعنا بذكرنا، وأن يمتّعنا بكل ما عند أهل الله من ذكرواجتماع. إنّه نعم المولى ونعم النّصير وصلّى الله على سيّد الأوّلين والآخرين سيّدنا محمد النبي الطّاهر البشير وعلى آله وسلم.

العبد الضعيف : أبو حازم الطاهري المداني غفر الله له ولإخوانه المؤمنين مارس 2005

التعديل الأخير تم بواسطة أبو أنور ; 05-25-2009 الساعة 11:30 PM
أبو أنور غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس