الموضوع: بلوغ المامول
عرض مشاركة واحدة
قديم 09-02-2008
  #2
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي

في الآية طلب قص أنباء الرسل لما في ذلك من تثبيت الفؤاد ، وسيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أفضل الرسل ، والمولد النبوي الشريف يشتمل على أنباء النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ففي ذكره تثبيت لأفئدة المؤمنين ، فهو حث على تكرار ذكر المولد والعناية به .
وقد قلت في هذا المعنى :
كلا نقص عليك من أنبائهم == مما نثبت قلبك الذكارا
فسواه أولى في ثبات فؤاده == وثناه أولى أن يكون شعار

[ الدليل الثالث ] : قوله تعالى حكاية عن عيسى بن مريم عليهما السلام : (( ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين )) (المائدة : 114)
قال الشيخ إسماعيل حقي في روح البيان (2/446) عند هذه الآية : "أي يكون يوم نزولها عيدا نعظمه ، وإنما أسند ذلك إلى المائدة لأن شرف اليوم مستفاد من شرفها" انتهى .
وآية أخرى تعضد ذلك وتقويه وهي قوله تعالى على لسان سيدنا عيسى عليه السلام (( والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا )) (مريم : 33) هذه الآية والتي قبلها وغيرهما من آيات* حافلة بالإشارات إلى ميلاد المسيح عليه السلام ، ومدحه ومزاياه التي من الله بها عليه ، وهي بمجموعها شاهدة وداعية إلى الاحتفال بهذا الحدث العظيم .
وما كان ميلاد محمد صلى الله عليه وآله وسلم بأقل شأنا من ميلاد عيسى عليه السلام ، بل ميلاد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أعظم منه ، لأنه صلى الله عليه وآله وسلم أكبر نعمة ، فيكون ميلاده أيضا أكبر وأعظم .
واقرأ قوله تعالى (( ولقد أرسلنا موسى بآياتنا أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور وذكرهم بأيام الله )) (إبراهيم : 5) وقوله تعالى (( واتل عليهم نبأ إبراهيم )) (الشعراء : 69) والمراد هو ذكرهم وذكر ما أنعم الله به عليهم ، وذكر ما جاؤوا به من الهدى والنور والتشريع والحكم والمواعظ والمعجزات ، مما يلفت القلوب

والعقول إلى فضل الله على عباده ، ليلتفتوا بذلك إلى حق الله عليهم ، لعلهم يرجون رحمته ويخافون عذابه ، ويدعونه رغبا ورهبا ، وذلك من أنباء الرسل منذ ولادتهم إلى أن يتوفاهم الله في جميع أحوالهم ، هدى للناس يثبت الله به القلوب ، وينير العقول ، ويسمو بالأرواح ، ويصقل البصائر ، ويزكي المشاعر ، ويسلس قياد الأنفس الجامحة ، فترد إلى طاعة الله وإلى الوله بحبه ، والعكوف عليه والتمسك به ، والتعلق بمراضيه ، والنفرة من غضبه ، وكل ذلك وأكثر منه مما تفيده الذكرى والتذكير بنعم الله ، والاحتفال بها ، ومن ثم حسنت دعوة الناس إليها ، وتوعيتهم وتحريضهم على اتباع أصحابها ، ومحاكاة مثلها السامية ، وإنما يكون تشويق النفوس ، إلى المقاصد السنية والغايات الشريفة والمقامات المنيفة بذكر من به تكون الأسوة الحسنة ، وليس ثمة أقوى تأثيرا في الحس من ذكر سيرة من عرفه الناس وأحبوه ، وانتصبت صورته بأذهانهم بمحل الإجلال والإكبار ، فإذا سمعوا أخباره وتليت عليه أنباؤه ، وجليت لهم مظاهر العظمة في سيرته ، ومواطن الإعجاب من أقواله وأفعاله ، وتطلعوا إلى الاقتداء به والمحاكاة له برغبة ملحة ، وأشواق كبيرة ، وكم أصاب المسلمين من الخسران المبين حينما طرحوا ذكر أمجادهم وسيرهم الحافلة ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، والغريب أنهم طرحوا تعاطي ذكر أمجاد رسولنا المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ، والقرآن الكريم يكرر ذكر سير الأكابر ، ولقد عني بذكرهم من يوم أن كانوا أجنة في بطون الأرحام إلى أن توفاهم الله .
وبذلك يستدل بصحة استحباب الاحتفال بمولده صلى الله عليه وآله وسلم .

[ الدليل الرابع ] : وفي كتاب الله عز وجل بيان لقصة ميلاد عيسى عليه سلام الله ، وميلاد يحيى بن زكريا عليهما السلام ، وقد نطقت آيات كثيرة بالإشارة إلى ميلاد مريم عليها السلام ، وما سبق ذلك الميلاد من دعاء الأم الرؤوم ، وما صحبه من تخوف واعتذار ، وما صحب مولدها عليها السلام من إكرام الله لها حيث كفلها زكريا ، وحيث الرزق المتجدد المتعدد الأنواع ، وحيث يتبارى أشراف القوم فيمن يكفل مريم ، واقترعوا من أجل ذلك ، هذا كله في سورة آل عمران

من الآية (34) إلى الآية (44) ، وقد أتى ضمن هذه الآيات آيات تتكلم عن نبي الله يحيى بن نبي الله زكريا عليهما السلام ، محتفية به متحدثة بالإجلال والتكريم ، وقد تحدثت آيات أخر في سور آل عمران والمائدة ومريم عن ميلاد عبد الله ورسوله عيسى بن مريم عليهما السلام .
أقول أليس في هذا كله مما يستأنس به لجواز ذكر النعمة بمولده صلى الله عليه وآله وسلم ؟! وهو بكل تأكيد أفضل خلق الله على الإطلاق ؟

[ الدليل الخامس ] : قال تعالى (( لتؤمنوا بالله ورسوله ، وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلا )) (الفتح : 9)
ذهب المفسرون في تفسير هذه الآية مذهبين :
1) المذهب الأول : من وحد الضمائر .
2) المذهب الثاني : من فرق بينهما .
وخلاصة المذهب الأول أن الضمائر الواردة في الآية الكريمة تعود كلها إلى الله تعالى ، أو إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم .
وهو رأي جماعة من المفسرين نقله عنهم الإمام النووي ، فمن ذهب إلى أنها تعود إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال :
1) إنه عليه الصلاة والسلام أقرب مذكور في الآية .
2) لا يجوز التفريق بين الضمائر إلا لضرورة .
3) معنى "تسبحوه" أي تنزهوه عن النقائص وتدعوا له .
والمذهب الثاني : وهو مذهب المفرقين بين الضمائر : فقالوا إن الضمير في "تسبحوه" يعود إلى الله تعالى ، والضمير في "تعزروه وتوقروه" يعود إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وإن ما أسند إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم من تعظيمه وتوقيره هو موصل إلى تسبيح الله عز وجل ، وهذا الأسلوب أساليب العرب من باب اللف والنشر .
[ الدليل السادس ] : قال الله تعالى (( لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين )) (آل عمران : 164)
قال الإمام الفخر الرازي رحمه الله تعالى : "إن بعثة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إحسان إلى كل العالمين ، ولقد شرف الله به العرب ونقلهم ببركة مقدمه صلى الله عليه وآله وسلم من رعاة الشاء والغنم إلى رعاة الشعوب والأمم ، ورفعهم من عُبية الجاهلية إلى مقام السيادة والريادة كما قال تعالى (( وإنه لذكر لك ولقومك ))
فقد أفردهم بالفخر على سائر الأمم وذلك لأن الافتخار بإبراهيم عليه السلام كان مشتركا بين اليهود والنصارى والعرب ثم إن اليهود والنصارى كانوا يفتخرون بموسى وعيسى عليهما السلام وبالتوراة والإنجيل .
فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وآله وسلم وأنزل القرآن صار شرف العرب بذلك زائدا على شرف جميع الأمم" انتهى بتصرف .
وإن الناظر بعين الصدق إلى هذا النص الشريف يجد أن الاحتفاء بالمصطفى صلى الله عليه وآله وسلم والابتهاج به لو لم يرد به دليل غير هذه الآية لكفى ، لأن المنة لا تكافأ بعطاء ، فيعتبر شكرها والاحتفاء بها والثناء عليها خيرا عائدا على فاعله كما هو الحال في الصلاة والسلام عليه ، فهو ابتهاج وتعظيم وتوقير وتعزير لا يزيد في عمله صلى الله عليه وآله وسلم ولا في قدره صلاة المسلمين عليه لأن صلاة الله قد كفت حيث إنه يترقى بصلاة ربه من مقام إلى مقام في كل لحظة فتنتفع أمته بذلك .

[ الدليل السابع ] : قوله سبحانه وتعالى (( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ))
وهذا دليل واضح الدلالة في توقيره وتعظيمه في كل وقت وحين لأن حبه صلى الله عليه وآله وسلم وولاءه أصل الدين وأساسه ، فكل العبادات تسوق إليه وتطبع القلوب على حبه وهذا مقام شريف واحتفاء عزيز ، وما الاحتفال بالمولد إلا تطبيع
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس