الموضوع: بلوغ المامول
عرض مشاركة واحدة
قديم 09-02-2008
  #7
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي

التساؤل الثالث :
ما السبب في نهي النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن اتخاذ بيته عيدا واتخاذ بيوت المؤمنين مقابر ، وما هي المناسبة لهذا الربط ، وما العيد الذي عناه ، وما المقابر التي عناها ، وإلى ماذا يرشد الحديث ؟
لقد تبين من الجواب المتقدم طرف من محصل هذا التساؤل ، وبقي بيان مناسبة الارتباط بين بيته صلى الله عليه وآله وسلم وبيوت المؤمنين .
لاشك أن المناسبة هي أن وجود روحه صلى الله عليه وآله وسلم غير مقتصرة على مسجده بل إن روحه حاضرة جوالة في بيوت المؤمنين وذلك لكثرة ذكرها ، إذ أن الرحمة متحصلة حيثما تعرض لها بالذكر وجدا أو تواجدا ، ودليله الحديث : ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ، ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده ) أخرجه مسلم في صحيحه 2699
والرحمة هنا هي روح سيد المرسلين وأرواح أولياء الله الصالحين * ، وقد ثبت عن الإمام الجليل سفيان بن عيينة أنه قال : "عند ذكر الصالحين تنزل الرحمة" أخرجه أبونعيم في حلية الأولياء 7/285 بسند حسن .
ولا يمنع النبي صلى الله عليه وآله وسلم البهجة حين رؤية مرقده أو زيارة مسجده بهذا الحديث ، وكأني به صلى الله عليه وآله وسلم يقول : "لا تقصروا الفرحة بي عند مجيئكم مسجدي بل افرحوا بي حيثما كنتم وحيثما حللتم ..." فكل موطن لا يظهر فيها الابتهاج والفرح برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم – والذي من أجلى مظاهره الصلاة والسلام عليه – إنما هو حسرة وندامة كما قال صلى الله عليه وآله وسلم ذلك في هديه الشريف : ( ما قعد قوم مقعدا لا يذكرون الله فيه ولا يصلون على النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا كان عليهم حسرة يوم القيامة وإن أدخلوا الجنة للثواب ) أخرجه ابن حبان في صحيحه 591 وإسناده صحيح وله شواهد أخرى .
فالعيد الذي عناه صلى الله عليه وآله وسلم هو الفرح والبهجة به حيثما وجد المؤمن ... والمقابر التي عناها هي عدم الابتهاج به وذلك من عدم الصلاة عليه

والتي يترتب عليها موت القلوب والأرواح وبقاؤها في سجن الأشباح ، لا تعرف للنور سبيلا ، وهذا معنى اللعن والطرد من رحمة الله ، فقد أخرج مسلم في صحيحه : ( مثل البيت الذي يذكر الله فيه والبيت الذي لا يذكر الله فيه مثل الحي والميت )
والحديث يرشد إلى الآتي :
1- الحض على الابتهاج بزيارته ومولده صلى الله عليه وآله وسلم وأنهما يتحدان في تأصيل الإيمان وتثبيت القلوب وتطبيعها على التوقير والتعظيم له صلى الله عليه وآله وسلم .
2- أن الصلاة عليه أعظم مظهر من مظاهر الابتهاج وهي متحققة في توقيره وتعظيمه والاحتفاء برفعة شأنه .
3- إظهار النبي صلى الله عليه وآله وسلم لقدره ، وأن قدره غير محصور في بقعة من البقاع أو مكان من الأمكنة بل هو ممتد في جميع مناحي الحياة ، للبر والفاجر ، للكافرين رحمة إيقاظ وتأجيل عذاب في الحياة الدنيا ، وللمؤمنين رحمة إرشاد وإمداد (( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين )) وقوله : (( وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا )) . فالبشارة هي النعمة التي حظي بها المؤمنون .
4- التيسير على المسلمين لزيارة قبره المكرم في أي وقت دون تحديد وقت معين .
5- توضيح النبي صلى الله عليه وآله وسلم للأمة بأن الصلاة عليه وزيارته عيد لا كالأعياد ، بل هو سيد الأعياد ، والسيد بابه مفتوح ، لا يفتح في وقت دون وقت .
6- تبيين مقام الصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم .
7- الحديث يدعو إلى استمرارية التعلق به صلى الله عليه وآله وسلم وأن التعلق لا يتوقف على الزمان والمكان بل هو في كل وقت وحين .
8- العيد مظهر من مظاهر الشكر لله سبحانه وتعالى

والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مظهر من مظاهر المنة ، والمنة تحتاج لحفاوة مطلقة وابتهاج مطلق وتوقير وتعظيم مستمر لأن المنة تكون بما يصدر منه إليك ، وأما الشكر فيما يصدر منك إليه تعالى . فالشكر مظهر من مظاهر المنة وهو بمنزلة الفرع من الأصل ... وصدق الله إذ يقول : (( لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ... ))

التساؤل الرابع :
هل يعني بالعيد إظهار زينة مخصوصة كما يعمل في الأعياد ، وهل يكتفى في الزيارة بالسلام والدعاء فقط ؟
لا شك أن الزينة مظهر اتفقت عليه الأعراف لكل ابتهاج كالفرحة بالزواج ، وقد حضت على إظهاره الشريعة الغراء لقوله صلى الله عليه وآله وسلم ( أعلنوا النكاح واضربوا عليه بالدفوف ) حديث صحيح أخرجه ابن حبان 4066 والحاكم 2/183 وصححاه .
ويسن فيه ضرب الدف والغناء المهذب ، ووضع مظاهر الزينة ، فما دامت هذه الأشياء معتبرة عرفا وشرعا فمن باب أولى أن تستعمل في الابتهاج بمنة الله العظمى وليس ثمة مسوغ في المنع بل التحذير من منعها لقوله سبحانه : (( قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق ... ))
فالنهي منصب إذن على نخصيص يوم معين والغفلة عن ذلك في سائر الأيام ، لأن توقيره وتعظيمه صلى الله عليه وآله وسلم والابتهاج به دين وأي دين .
ولا يكتفى عند الزيارة بالسلام والدعاء فقط دون الابتهاج والتوقير والتعظيم واستحضار قداسة المكان لأجل أن يتحقق رجاء العبد من المنان عند وقوفه بباب كعبة الإحسان صلى الله عليه وآله وسلم .

التساؤل الخامس :

هل في الحديث نهي للصحابة من توقير وتعظيم قبره ؟ وهل يأمرهم بالابتهاج في دورهم وينهاهم عن ذلك في مسجده ؟ وهل الاحتفال مقصور على البيوت دون المسجد ؟
ليس في الحديث نهي عن توقير وتعظيم قبره ، بل في الحديث أمر وحض على توقيره وتعظيمه صلى الله عليه وآله وسلم لما قررنا سلفا ، ويؤيده قول سبحانه (( وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلا )) فاعتبر الصلاة عليه بمنزلة التسبيح والتهليل بل هي أعظم لأنها ذكر الله وملائكته .
نعم ، يأمرهم بالابتهاج في دورهم ولم ينههم عن ذلك في مسجده إلا إذا اقتصر عليه دون سواه كما تقدم ، ولا يعني كونه أمر به في البيوت ، ومنعه في مسجده ، فالمنع منصب إذا خصص بيته قيدا للابتهاج دون سواه كما تقرر سابقا ، والله أعلم .
الحديث الآخر : ( اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد ) قال الخفاج في نسيم الرياض 3/513 : "أي كالوثن وهو الصنم من الحجارة ... أي بعد وضعي فيه ، وقيل : الفرق بين الوثن والصنم ... الأول ما كان نحتا من حجارة وغيرها ، والثاني ما كان صورة مجسمة ، وقيل : هما بمعنى ، فيطلقان عليهما" انتهى .

* قال الإمام الألوسي عند قوله سبحانه وتعالى (( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين )) قال : محمد صلى الله عليه وآله وسلم . وقال في تفسيره 3/24 عند قوله سبحانه (( والسابقات سبقا )) : أي أرواح الصالحين ممن تقضى بهم الحوائج ، وتنال بهم الرغائب
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس