الموضوع: بلوغ المامول
عرض مشاركة واحدة
قديم 09-02-2008
  #8
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي

الفصل الثالث ] أدلة الإجماع :
أما أدلة الإجماع فقد انعقد على استحسان الاحتفال بالمولد . فقد ذكر العلماء أن أول من فعل المولد هو الملك المظفر صاحب إربل* وكان يحضر المولد الأكابر من العلماء وغيرهم .

* هو السلطان المعظم مظفر الدين أبو سعيد كوكبري بن علي التركماني الأصل كان شهما شجاعا ، قال الحافظ الذهبي في سير أعلامالنبلاء (22/336) : كان متواضعا خيرا سنيا يحب الفقهاء والمحدثين . توفي سنة 630 رحمه الله تعالى .

وقد استحسنه غير واحد من الأئمة المجتهدين ، فيقول الإمام المجتهد أبو شامة المقدسي في كتابه "الباعث على إنكار البدع والحوداث" : ومن أحسن ما ابتدع في زماننا ما يفعل في اليوم الموافق ليوم مولده صلى الله عليه وآله وسلم من الصدقات والمعروف وإظهار الزينة والسرور فإن في ذلك - مع ما فيه من الإحسان للفقراء - إشعارا بمحبته صلى الله عليه وآله وسلم . اه
ولم نجد من اعترض على الاحتفال بالمولد النبوي الشريف من معاصري الملك المعظم أو أبي شامة المقدسي ، وقد توفي سنة 665 ه رحمه الله تعالى . فكان إجماعا سكوتيا على مشروعية الاحتفال بالمولد واستحسان العلماء له . وقد صح عن عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال : "ما رآه المسلمون حسنا فهو حسن عند الله" . صححه الحاكم في المستدرك (3/7 وأقره الذهبي . وانظر المقاصد الحسنة (ص367) وهو موقوف لكن له حكم الرفع لأنه ليس مما للرأي فيه مجال والله تعالى أعلم .

شبهات وردود
الردود على الشبهات

وبعد الانتهاء من إيراد الأدلة على مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي الشريف نود ذكر ما أثير حول ذلك من شبهات والجواب عنها فنقول:
الشبهة الأولى والرد عليها:
إن لتاج الدين عمر بن علي اللخمي السكندري الفاكهاني المتوفى سنة (734ه) رحمه الله تعالى رسالة في الاعتراض على المولد، فحواها الاعتراض على ما يدخله من الجناية فقط.
فالاعتراض ليس على المشروعية بل على ما قد يشوبه من مخالفات، وهي لا تختص به بل تقع في غيره أيضاً، ثم إن الفاكهاني المذكور تأخر عمن استحسنوه وأقروه كما تقدم، فكان كلامه كالمخالف لما اتفق عليه المسلمون، ففيه نظر من هذه الجهة أيضاً كما يعلم من علم الأصول.
وقد أورد الحافظ السيوطي رسالة الفاكهاني رحمهما الله تعالى في »حسن المقصد في عمل المولد« وتعقبه ولم يبق له شبهة. (انظر الحاوي للفتاوي1/193).
الشبهة الثانية والرد عليها:
قولهم: إن المولد بدعة وفي الحديث: »وكل بدعة ضلالة« ولم يفعله أحد من السلف، فالجواب عنه من وجوه:
الأول: المحدثات قسمان: ما وافق الشرع، وما خالف الشرع، فالأول يدور بين الإباحة والندب والوجوب، والثاني يدور بين الكراهة والحرمة. وتقسيم المحدثات إلى هذين القسمين هو الصواب المؤيد بالواقع، وبه صرحت عبارات كثير من أئمة الدين كالشافعي والعز بن عبدالسلام وأبي شامة المقدسي والنووي وغيرهم، وانظر »تهذيب الأسماء واللغات« للإمام النووي (2/22) و»فتح المغيث« للسخاوي (2/229).
والعلماء متفقون على ذلك، ولكنهم قد يختلفون في التسمية فقط، فقد تسمى البدعة الحسنة: بالمصلحة المرسلة، وأشار إلى هذا الشاطبي في الاعتصام.


الثاني: البدعة في الاصطلاح هي ما خالفت أصلاً اتفق عليه، وقال السبكي وغيره: ما أطلقت على الحادث الذي لا أصل له في الشرع.
والبدعة المحدثة، التي جاءت على غير مثال سابق، ولم تخالف أصلاً قد ذكرها القرآن الكريم في قوله سبحانه وتعالى: ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها [الحديد 27] أي إن الله سبحانه وتعالى ما ألزمهم بها إلا بعد ما ألزموا بها أنفسهم علماً بأنها في الأصل مرضية من الله، ولكن الله رفع الوجوب فبقي الندب، فحينما ألزموا بها أنفسهم لزمتهم.
ومعنى فما رعوها حق رعايتها أي لم يصبروا على الرهبانية المحمودة، وهي الانقطاع لله تعالى مع الاهتمام بأمر المسلمين. هذا ما فعله بنو إسرائيل في أول أمرهم ثم بعد ذلك فصلوا نية العزم على إعلاءكلمة الله عن الغيرة على حرمات الله لذا ذمهم المولى سبحانه بأنهم ما رعوهاحق رعايتها، ومن هنا نخلص إلى أن كل ما ابتدع على غير مثال سابق لا بد أن يحاط بالعناية والدقة التامة في عدم مخالفة الشرع.
وبسط ذلك المبحث تجده في كتابي »البدعة الحسنة أصل من أصول التشريع«.
وقال العلامة إسماعيل حقي في تفسيره روح البيان (9/384): عند تفسير قوله تعالى: ورهبانية ابتدعوها : فأقرهم تعالى عليها ولم يعب عليهم فعلها، إنما عاب عليهم عدم رعايتهم لها في دوام العمل فقط وخلع عليها اسم البدعة في حقهم، بخلاف هذه الأمة خلع على مااستحسنوه اسم السنة الحسنة تشريفاً لهم كما قال عليه الصلاة والسلام: »من سنَّ سنّة حسنة...« وقال بعض الكبار : جميع ما ابتدع من السنة الحسنة على طريق القربة إلى الله تعالى داخل في الشريعة التي جاءت بها الرسل.اه.
وأكد هذا المعنى السيد عبد الله بن محمد بن الصديق الغماري في كتابه: »إتقان الصنعة في تحقيق معنى البدعة« (ص16)،فقال: »فإنّ الآية لم تعب أولئك الناس على ابتداع الرهبانية، لأنهم قصدوا بها رضوان الله، بل عابَتْهم على أنهم لم يرعوها حق رعايتها، وهذا يفيد مشروعية البدعة الحسنة كما هو ظاهر«.


ثم استدل رحمه الله تعالى بما رواه الطبراني في المعجم الأوسط (مجمع الزوائد 3/139): عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: إن الله فرض عليكم صوم رمضان ولم يفرض عليكم قيامه، إنما قيامه شيء أحدثتموه فدوموا عليه، فإنَّ ناساً من بني إسرائيل ابتدعوا بدعة فعابهم الله بتركها فقال: ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها.
قال الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد (3/139): فيه زكريا بن أبي مريم، ضعفه النسائي وغيره. اه.
قال العلامة المحدث السيد عبد الله بن الصديق: زكريا ابن أبي مريم ذكره ابن حبان في الثقات، وقال النسائي: ليس بالقوي. وقال الدارقطني: يعتبر به(1) . وما استنبطه أبو أمامة رضي الله عنه صحيح.اه.
قلت: وأصل البدعة الحسنة مبني على السنة التقريرية، لأن السنة التقريرية عمل قام به غير النبي صلى الله عليه وسلم أي الصحابة الكرام رضوان الله عليهم في وقت التنزيل، فأقرَّهم النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك دون تصريح بنفي أو إثبات، وقد طفحت السنة بذلك كما هو في حديث التيمم، وحديث صلاة العصر في بني قريظة، وقراءة سورة الإخلاص. وأما بعد انقطاع الوحي وانتقال الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى أصبح فعل الصحابي بدعة حسنة، بدليل قول عمر رضي الله عنه في صلاة التراويح: نعمت البدعة هذه. وبهذا لا يصح لمعترض بحال أن يستدل بقوله صلى الله عليه وسلم: »عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي« لأن السنة في هذا الحديث تعني المنهج في التعامل مع أصول الكتاب والسنة كما تعامل النبي صلى الله عليه وسلم وليس ثمة معنى غير هذا، إذ لو فُسِّر بغير هذا لفُهم أن الصحابة يؤصِّلون سنّةً، وهذا متعذر قطعاً، فليس ثمة إلا ما ذكرنا، والله أعلم.
الشبهة الثالثة والرد عليها:
قولهم: لا دليل على فعل المولد، فالجواب عليه: إن عدم الدليل، ليس بدليل والاعتماد على المجهول مردود
_________________
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس