عرض مشاركة واحدة
قديم 04-22-2009
  #8
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: في ذكر من انتمى إلى الصوفية وليس منهم

" وفرقة أخرى: جاوزوا هؤلاء ولم يلتفتوا إلى ما يفيض عليهم من الأنوار في الطريق ولا إلى ما تيسر لهم من العطايا الجزيلة ولم يعرجوا على الفرح بها والالتفات إليها جادين في السير حتى قاربوا فوصلوا إلى حدّ القربة إلى الله تعالى، فظنوا أنهم قد وصلوا إلى الله فوقفوا وغلطوا فإن لله تعالى سبعين حجاباً من نور لا يصل السالك إلى حجاب من تلك الحجب في الطريق إلا ويظن أنه قد وصل.

وإليه الإشارة بقول إبراهيم عليه السلام إذ قال الله تعالى إخباراً عنه: {فَلَمَّا جَنَّ عَليهِ اللَّيلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَذَا رَبِّـي} وليس المعنى به هذه الأجسام المضيئة فإنه كان يراها في الصغر ويعلم أنها ليست آلهة وهي كثيرة وليست واحداً، والجهال يعلمون أن الكوكب ليس بإله فمثل إبراهيم عليه السلام لا يغرّه الكوكب الذي لا يغرّ السوادية. ولكن المراد به أنه نور من الأنوار التي هي من حجب الله عز وجل وهي على طريق السالكين، ولا يتصوّر الوصول إلى الله تعالى إلا بالوصول إلى هذه الحجب، وهي حجب من نور بعضها أكبر من بعض وأصغر النيرات الكوكب فاستعير له لفظه وأعظمها الشمس وبـينهما رتبة القمر، فلم يزل إبراهيم عليه السلام لما رأى ملكوت السموات حيث قال تعالى: {وَكَذَلِكَ نُري إبْراهيمَ مَلَكُوتَ السَّمَواتِ والأرْضِ} يصل إلى نور بعد نور ويتخيل إليه في أوّل ما كان يلقاه أنه قد وصل، ثم كان يكشف له أن وراءه أمراً فيترقى إليه ويقول: قد وصلت فيكشف له ما وراءه حتى وصل إلى الحجاب الأقرب الذي لا وصول إلا بعده، فقال: {هذَا أكْبَرُ} فلما ظهر له أنه مع عظمه غير خال عن الهوى في حضيض النقص والانحطاط عن ذروة الكمال {قال لا أحب الآفلين} إلى أن قال: {إنِّي وَجَّهْتُ وَجْهي للَّذي فَطَرَ السَّمواتِ والأرْضَ}

وسالك هذه الطريق قد يغتر في الوقوف على بعض هذه الحجب وقد يغتتر بالحجاب الأول، وأوّل الحجب بـين الله وبـين العبد هو نفسه فإنه أيضاً أمر رباني وهو نور من أنوار الله تعالى؛ أعني سر القلب الذي تتجلى فيه حقيقة الحق كله حتى أنه ليتسع لجملة العالم ويحيط به وتتجلى فيه صورة الكل، وعند ذلك يشرق نوره إشراقاً عظيماً إذ يظهر فيه الوجود كله على ما هو عليه وهو في أوّل الأمر محجوب بمشكاة هي كالساتر له فإذا تجلى نوره وانكشف جمال القلب بعد إشراق نور الله عليه ربما التفت صاحب القلب إلى القلب فيرى من جماله الفائق ما يدهشه، وربما يسبق لسانه في هذه الدهشة فيقول: أنا الحق فإن لم يتضح له ما وراء ذلك اغتر به ووقف عليه وهلك، وكان قد اغتر بكوكب صغير من أنوار الحضرة الإلهية ولم يصل بعد إلى القمر فضلاً عن الشمس فهو مغرور وهذا محل الالتباس، إذ المتجلي يلتبس بالمتجلى فيه كما يلتبس لون ما يتراءى في المرآة بالمرآة فيظن أنه لون المرآة، وكما يلتبس ما في الزجاج بالزجاج كما قيل:




رقّ الزجاج ورقّتِ الخمرُ = فتشابها فتشاكل الأمر
فكأنما خمرٌ ولا قدحٌ = وكأنما قدحٌ ولا خمر



وبهذه العين نظر النصارى إلى المسيح فرأوا إشراق نور الله قد تلألأ فيه فغلطوا فيه كمن يرى كوكباً في مرآة أو في ماء فيظن أن الكوكب في المرآة أو في الماء فيمدّ يده إليه ليأخذه وهو مغرور،

وأنواع الغرور في طريق السلوك إلى الله تعالى لا تحصى في مجلدات ولا تستقصى إلا بعد شرح جميع علوم المكاشفة، وذلك مما لا رخصة في ذكره، ولعل القدر الذي ذكرناه أيضاً كان الأولى تركه إذ السالك لهذا الطريق لا يحتاج إلى أن يسمعه من غيره، والذي لم يسلكه لاينتفع بسماعه بل ربما يستضر به إذ يورثه ذلك دهشة من حيث يسمع ما لا يفهم، ولكن فيه فائدة وهو إخراجه من الغرور الذي هو فيه بل ربما يصدّق بأنّ الأمر أعظم مما يظنه ومما يتخيله بذهنه المختصر وخياله القاصر وجدله المزخرف ويصدّق أيضاً بما يحكى له من المكاشفات التي أخبر عنها أولياء الله، ومن عظم غروره ربما أصر مكذباً بما يسمعه الآن كما يكذب بما سمعه من قبل." اهـ (إحياء علوم الدين للغزالي - كتاب ذم الغرور)



__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس