عرض مشاركة واحدة
قديم 04-02-2009
  #3
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,194
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: النصيحة الكافية

الفرع الثاني : الغيبة

وأما الغيبة، فهي ذكرك أخاك بما فيه مما يكره لو سمعه، وفي الحديث، أنها أشد من ثلاثين زنية في الإسلام، وفي الكتاب العزيز ذمها وتشبيهها بأكل لحم الميتة.
وأعظمها ما يترتب عليه حكم، كأن تكون بقذف ونحوه، ثم ما يترتب عليه ثلم، كالأفعال المخلة بالمروءة، والدين، ثم ما يكون صفة للشخص، كالعرج، والعور، ونحوه مما لا يكتفي في تعريفه بدونه، ثم ما يكون راجعا لمتعلقاته، كبيته، وكلبه، ودابته، ونسبه وثوبه، إلى غير ذلك.
وتباح في الرواية، والشهادة تعديلا وتجريحا، وفي المشاورة تحذيرا وتحرزا، وفي الاستفتاء، والخصومات، والتكلم في حق المجاهر بالبدع والكبائر، فيما جاهر به.
وقال عليه الصلاة والسلام في المشاورة له في النكاح: ( أبو الجهم ضراب ومعاوية صعلوك ) ولم ينكر على هند لما استفت في أبي سفيان وتكلمت عنده أن أبا سفيان رجل شحيح، وقال عليه السلام: ( من ألقى جلباب الحياء من وجهه فلا غيبة فيه ) فهؤلاء تباح غيبتهم إلا إن ذكرهم اشتغالا بعيبهم، فليتق المؤمن من ذلك، فإنه نقص، وإن لم يكن حراما، وقال عليه السلام: ( طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس ) ومن أقبح الغيبة ذكر عيب أخيك بإظهار الشفقة عليه، فيحصل المقصود من غير تهريج، فيقال: مسكين فلان، لقد أساءني حاله، وغمني ما هو عليه، إلى غير ذلك.
وذكر رجلين ما اطلعا عليه من رجل ليس بغيبة، وكذا ذكر غير معين، ولا محصور بأهل بلد وقرية، ووجه الخلاص من الغيبة: بذكر قبحها، وذكر عيبك، وأن المغتاب عاجز عن إصلاح نفسه، كعجزك.
وقال عليه السلام: ( من تتبع عورة أخيه تتبع الله عورته فيفضحه، ولو في جوف بيته ) وجاء: (لا تظهر الشماتة بأخيك فيعافيه الله ويبتليك ) . وقال بعض العلماء: ( الغيبة صاعقة الدين وهي بساتين الملوك، ومراتع النساء، ومزبلة المتقين، وفاكهة القراء، وإدام كلاب الناس ) وقال إبراهيم بن أدهم، رضي الله عنه: ( صحبت أكثر رجال الله بجبل لبنان، وكانوا يقولون: يا إبراهيم إن رجعت إلى أبناء الدنيا فأعلمهم أن من يكثر الأكل لا يجد للطاعة لذة، ومن يكثر النوم لا يجد للعمر بركة، ومن يكثر الكلام بفضول أو غيبة، فلا يخرج من الدنيا على السلامة ) .
وقول الرجل لصاحبه عند نهيه عن الغيبة: ما قلت إلا ما فيه، كفر، أو قريب من الكفر إن اعتقد حليته، بعد العلم بتحريمه، والله أعلم.
الفرع الثالث : الفضيحة

وأما الفضيحة فأربعة أنواع: سعاية، وبهتان، ونميمة، وإفشاء سر.
فالسعاية: النقل للظلمة على وجه الإذابة، وقد بحث عن فاعلها فلم يوجد قط إلا ولد زنى. وسعى رجل بمال يتيم إلى ابن عباد الأندلسي، فأجابه: المال ثمره الله، والولد أصلحه الله، والنمام لعنه الله.
والبهتان: ذكر ما في المرء المسلم، في وجهه حتى يبهت إذا لم يجد مخلصا. وما ليس فيه مما يوجب ذلك، هو البهتان العظيم، وقد تقدم.
والنميمة: نقل الحديث للغير على وجه الإفساد، وقد قال عليه السلام: ( لا يدخل الجنة قتات ) وهو النمام، يعني لا يدخلها في أول السابقين، وحديث: إن هذين يعذبان مشهور.
وإفشاء السر: ضابطه: كل ما حدثت به مما تظن إفرادك به، ولا يجوز لك إفشاؤه. وقد قال صلى الله عليه وسلم: ( المجالس بالأمانات ) .


وقال عليه السلام: ( إذا حدثك الرجل ثم التفت فهي أمانة ) وقال عليه السلام: ( المستشار مؤتمن وهو بالخيار ما لم يتكلم ) وهذا فيما لا تعلق الحق الغير به، فإذا شوور على غصب مال، وقتل نفس، أو الزنا بأهله، وجب تحذيره، بقدر الإمكان، ما لم يؤد إلى ضرر أعظم.
وتباح النميمة لتفريق كلمة الكفار والفساق.
ويحرم ذكر حال الزوجة في فراشها، إذ هي أمانة عند الزوج، وقد عظم النبي صلى الله عليه وسلم أمر ذلك. وسئل ابن عمر عن سبب أمر وقع بينه وبين زوجته فقال: قبيح بالرجل أن يفشي سر أهله، ثم سئل عن سبب طلاقها فقال: لا يحل الكلام فيمن هي أجنبية عني.
وقد سمى الله النمام فاسقا فقال: ( إِن جاءَكُم فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنوا ) فلا يحل لمسلم نقل السماع عنه لفسقه، إلا بعد التثبت والتبين، ويقال: من نقل لك، نقل عنك، ومن قال لك قال فيك.
الفرع الرابع : الباطل

وأما الباطل: فكل شيء ليس من الحق، ولا يهدي إليه، قال الله سبحانه: ( فَماذا بَعدَ الحَقِ إِلاّ الضَّلَال ) .
ومن الباطل: السحر، والطلسمات، والعزائم، والأشكال، والموالد، والخط والفأل، والقرعة.
قيل: والمنطق والجدل، والكلام، والموسيقى، يريد إذا لم يكن الأربعة مقصودة لرد باطل أو إثبات حق، فلا يحل الكلام لمسلم في ذلك، تعلما، وتعليما، إلا لذلك. ولا بأس في ذلك بحثا ونظرا، من غير تعمد لمن كمل عقله وعلمه، وفرغت نفسه عن الهوى.
وفي الصحيح: ( إِذا ذُكر القدر فأمسكوا ) واتفق مالك والشافعي وأحمد وسيفان وأبو يوسف على تحريم الكلام في علم الكلام. وقال بعض شيوخنا: ليس في التوحيد مشكل إلا الكلام والرؤية والقدرة الاكتسابية، وكل ذلك يعتقد فيه الحق ولا يتعرض لما وراء ذلك من الشبه فلم يتكلف السلف رضي الله عنهم الكلام في التلاوة والمتلو، ولا في الاسم والمسمى، ولم يتكلفوا تأويل الصفات السمعية المعارض ظاهرها للمعقول بل يعتقدون كمال التنزيه، وفي التشبيه، ويقولون فيها ما قال مالك في الاستواء إذ قال: ( الاستواء معقول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة )، وقد سئل الحسن رضي الله عنه عن الله فقال: إن سألت عن ذاته فليس كمثله شيء، وإن سألت عن صفاته فهو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، وإن سألت عن أسمائه فهو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم، وإن سألت عن أفعاله فكل يوم هو في شأن.
وقال الباجي عن شيخه السمناني: إن القول بأن النظر أول الواجبات مسألة من الاعتزال بقيت في المذهب على من اعتقدها نقلها ابن أبي جمرة وقال بعض العلماء: ن أردت السلامة في اعتقادك، فلا تتبع الشبه، ولا تطلب الكيفيات في أمور الآخرة.
ومن القبيح ما يقع للعوام، وينبغي للطالب، بل يجب عليه التحرز منه، ألفاظ منها: قولهم: إذا كان في السماء من يحميه، ما في الأرض من يؤذيه. وقولهم، عند وقوع نازلة، أو اعتراض عارض: أي شيء عملت تحت الله، وهذا مع كونه مشعرا بالجهة، مؤذن باعتقاد نسبة الظلم إلى الله تعالى.
وقولهم: يا حليما، لا يتعجل.
وإطلاق أشياء في أسماء الحق تعالى، مما لم يسم نفسه بها في كتابه، أو على لسان نبيه، وإن كان ذلك ثابتا معناه له تعالى، فالصحيح، أنه لا يجوز أن يسمى، إلا بما سمى به نفسه وإن كان مشتقا من أسمائه، ولا خلاف في منع غير المشتق، حتى قال بعضهم: إنه لا يجوز إطلاق الصفة في حقه تعالى، وإن كانت الصفات ثابتة له، إذ لم يطلقها على نفسه.
ومن ذلك، نسبة بعض الألفاظ المعجمة المجهولة المعنى، إلى أنها أسماؤه تعالى، حتى ربما فضلها بعض الجهال على المعربة لما يشاهد من خاصيتها، وقد سئل مالك عنها فقال: وما يدريك لعلها كفر، نقله المازري وكان بعض المسلمين يعزم على جان بحضرة بعض النصارى، وكان يضحك منه، فسأله عن ذلك، فقال: عجبا منك تسب ربك ونبيك، وأنت تظن أنك في شغل من ذلك.


ومن ذلك ما وقع لبعض الصوفية، من قولهم: أنا هو، وهو أنا، مما يوهم الاتحاد، والحلول، وهذا لا يجوز اتباعهم فيه، ولا يجوز لأحد أن يسلم لقائله حالة سماعه وإن ساغ له تأويله بعد وقوعه، وانقراضه، بما يوافق الحق، مع إقامة رسم الشرع فيه، وإن صح له اعتقاد قائله مسلما ونحوه وقد قتل الحلاج بإجماع أهل زمانه إلا أبا العباس بن سريج، فإنه قال: لا أدري ما أقول، وأخرج بسببه جماعة عن بلدانهم، ولم يكن ذلك قادحا فيهم، ولا في مخرجهم، ولا المنكر عليهم.
وقد وقع كثير من هذا النوع، كابن الفارض، وابن العربي، والششتري، وابن سعبين، مع إمامتهم، في العلم، وظهورهم بالديانة، فليتق المؤمن ذلك، مشفقا على دينه، فارّاً من موارد الغلط، راجعا لأصول الاعتقاد، قائما مع الحق بالكلام في القول لا في القائل وقائلا في مثل أولئك القوم: ما كان من قولهم موافقا للكتاب والسنة، فأنا أعتقده، ومالا فأنا أكل علمه إلى أربابه منزها قلبي عن اعتقاد ظاهره، وإياهم كذلك وقد نص على ذلك الشيخ ولي الدين العراقي في أجوبة المكيين فانظره.
ومن ذلك، قول: ياهو، في استغاثته بالله وندائه، لما في ذلك من الإيهام والتسوي، وعلل أخرى ذكرها النحاة، وغيرهم.
ومن ذلك إطلاق: شيء، وعين، وثابت، وحق، وذات، وغير ذلك من الأسماء المقتضية لإثبات الذات أو الصفات الخارجة عن الأسماء الحسنى التي لا تشعر بالأدب والافتقار، وإنما يجوز إطلاق هذه في باب التعليم.
كما أنه لا يجوز: ياهو، إلا إلى رجل استغرق في التعظيم، حتى لم يبق من رسومه غير الإشارة، ولم يجد حاله إلا في الإبهام، وهذا محكوم عليه، فيسلم له، كما نص عليه أئمة هذا الشأن، والله أعلم وبه التوفيق.
ومن ذلك قول الرجل لمن يعذله، ويلومه على تفريطه: ما وفقت لذلك، وهذه كلمة حق أريد بها باطل، وهو كقول الكفار ( لَو شاءَ اللَهُ ما أَشرَكنا ) يريدون الاحتجاج لأنفسهم بالقدر، فلو قالوا على جهة الأدب لكان حسنا، إذ لو شاء الله لهداهم أجمعين، وإنما كانوا في ذلك مذمومين، لقصدهم نقض الحكم بنفي الأسباب، رجوعا للقدر. وليس وصفة تعالى بالحكيم، بأولى من وصفه بالقدير، ولا بالعكس، فالقيام مع جهة تعطيل للأخرى.
ومن ذلك قول الرجل لمن يسأله عن حاله السيئ كيف هو؟ أن يقول: كيف قدر الله فينسب القبيح إلى الله مولاه، من غير احتشام، ويتسخط قضاءه، إذ يرد ذلك إليه، بإشعار الغبن، حتى كأن الله لم يقدر، إلا ذلك.
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس