عرض مشاركة واحدة
قديم 11-29-2012
  #2
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: رحلتي إلى القدس

رحلتي إلى القدس (2): دخول القدس القديمة والأقصى

كانت صلاة الظهر قد انتهت في المسجد الأقصى وبالتالي لم نتمكن من أدائها. كنت أحرص على الوصول إلى المسجد بأسرع وقت ممكن لأنه من المكروه أداء صلاة النافلة بين صلاتي العصر والمغرب. أحد المقاصد الرئيسية لزيارتنا كان ببساطة الصلاة في المسجد الأقصى، ولم يكن من اللائق دخول الحرم القدسي الشريف دون التمكن من أداء صلاة تحية المسجد التي تؤدى عند دخول المسجد.

مشينا في الشوارع المزدحمة في القدس الشرقية متجهين نحو المدينة القديمة. كان هناك العديد من النساء والأطفال يتجولون للتسوق للعيد، وبإمكانك أن تشعر بجو العيد بين المقدسيين. كانت الشوارع مليئة بالألوان والباعة على جانب الطريق يعرضون كل شيء من اللحوم المشوية إلى الفطائر الرقيقة. كان الأطفال يشترون البالونات والمحلات مليئة بالزبائن. وفي طريقنا خلال الحارات، بدأت جدران المدينة القديمة تظهر عن بعد لتمنحنا شعوراً من الراحة من صخب الشوارع. هناك شيء يدعوك للسكينة وأنت تتنقل ببصرك على قطعة من التاريخ. أثارت رؤية جدران المدينة القديمة عواطفي بسبب قدسية المكان وماضيها الغني، والآن أصبحنا على بعد أمتار قليلة من إضافة حاضرنا إلى هذه الرواية الجميلة من الإيمان.

دخلنا من خلال باب الساهرة وفوجئنا على الفور بطابع القدس القديمة. لقد داخلني شعور كأنني أمشي بواسطة مركبة زمنية عائداً في الزمان إلى الوراء. أرصفة الطرق القديمة وجدران المدينة الضخمة السميكة مع القوائم المعمارية المفصلة ومسحة من القِدم تجعلك تشعر كأنك تسافر عبر زمن مختلف. أول ما يخطر ببالك هو الشخصيات الربانية التي مشت على نفس الطريق الذي أمشي عليه حالياً – الأنبياء المقدسون و النبي عيسى عليه السلام والخليفة عمر بن الخطاب وصحابة النبي صلى الله عليه وسلم وصلاح الدين الأيوبي والإمام الغزالي وأبو مدين والغنوصيين والقديسين والقائمة لا تنتهي. كنا نعرف أنه كان علينا ببساطة أن نمشي بشكل مستقيم وفي نهاية المطاف سنصل إلى أحد المداخل الرئيسية لحرم المسجد الأقصى، ولكن في طريقنا لم نقاوم شعورنا كمستكشفين نلاحظ كل التفاصيل على الطريق أمامنا، بما في ذلك أسماء الشوارع، والأبنية القديمة، والإشارات، وحتى المحلات التجارية. أذكر أنه ذات مرة قال الحبيب علي الجفري، حفظه الله، عن سوق الحميدية في دمشق عندما مررنا خلاله في وقت متأخر من الليل بأنه “حتى السوق له روح” لقد شعرت بنفس الشيء تماماً حول القدس القديمة رغم أننا لم نصل بعد إلى المسجد الأقصى.

عندما اقتربنا من مدخل باب الغوانمة إلى الحرم القدسي الشريف، كان واضحاً بشكل صارخ بأن عدد الناس المحيطين بنا كان يقل تدريجياً. أمامنا بحوالي 50 قدم تقريباً، لاحظت وجود ثلاثة رجال من الشرطة يرتدون العتاد الأسود ما بدا وكأنه سترات واقية. خلال لحظة، اتضح لي أنهم كانوا هناك للتحقق ممن يدخل، لذا نظرت حولي وقلت لزوجتي أن تجهز جوازات السفر لإبرازها. عندما اقتربنا أكثر، لاحظت بنادقهم ولم أستطع أن أمنع نفسي من التحديق مما استرعى انتباه أحد ضباط الشرطة. نهض أحدهم فوراً ووقف بين الجدار وحاجز التفتيش المعدني. سألنا من أين نحن وقلت لهم من انكلترا. كل ما سمعته كان “انكلترا؟” تلاها مباشرة “يرجى إبراز جوازات سفركم.” ابتسمت لأن هذه التجربة عادية جداً بالنسبة لنا في العالم العربي – حيث لا يكتفي المسؤولون أبداً بالإجابات ويريدون معرفة المزيد من المعلومات لمعرفة من نكون حقاً وإذا كنا نخبرهم بالحقيقة. في هذه الرحلة بالذات، سمعت كل الأسئلة المتوقعة “ما الجواز الآخر الذي تحمله؟” إلى “من يكون والديك؟”، لكن هذا الضابط كان راضياً برؤية التأشيرة والجواز وسألنا إذا كنا مسلمين (كنت أرتدي الكوفية وزوجتي ترتدي الحجاب). أجبناه بالإيجاب، فصاح على يمينه قائلاً: “يا أوقاف تعال!” بينما قام زميله بتوجيهنا نحو المدخل بابتسامة قائلاً: “أهلاً وسهلاً”. كان ذلك غريباً لأنك ترى ضابط شرطة يهودي اسرائيلي يبتسم لك ويخبرك بالتوجه بعبارة بالعربية، إلا إذا كان بالطبع عربي مسلم أو يهودي عربي، ولكن مع ذلك لم يتناسب هذا الأمر مع الصورة المطبوعة في ذهني من خلال وسائل الإعلام. لكنني تعلمت طوال الفترة المتبقية من زيارتنا بأنه ليس كل اليهود الاسرائيليين سواء، ولن يكون من الإنصاف وصفهم جميعاً على أنهم نفس الشيء. من الواضح أنه يوجد هناك من لديه خوف من الاسلام وكراهية جمة للعرب والمسلمين، ولكن هناك أيضاً أولئك الذين لديهم اهتمام حقيقي برفاه الفلسطينيين والظلم الذي يقع عليهم من حكومتهم. سأكتب المزيد عن هذا في إصدارات لاحقة.

ظهر رجل متوسط العمر وسألنا نفس الأسئلة. كان ممثلاً عن الأوقاف الاسلامية التي تدير حرم المسجد الأقصى رسمياً وتتمركز عند المدخل لضمان دخول المسلمين فقط. ابتسم ورحب بنا بحرارة وأشار إلى الاتجاه الذي كان علينا أن نسلكه للوصول إلى المصليين الرئيسيين في الحرم. كانت تلك لحظة غير عادية بالنسبة لي، فقد كانت انجازاً تاريخياً لي، أحمد الله كثيراً لمنحه إياي هذه الفرصة للوصول إلى حرم الأقصى الشريف. قال القائد الروحاني العلامة الشيخ ابن عطاء الله، رحمه الله، في كتابه الحكم: ” لا تفرح بالطاعة لأنها برزت منك، وافرح بها لأنها برزت من الله إليك.” لقد تعلمت من شيخيي أن بركات الله سبحانه وتعالى هي رسائل حب يرسلها إليك وبإمكانك أن تزيد من حبه لك وتتقرب إليه. وعند مدخل المسجد الأقصى، كانت لحظة شعرت فيها بحجم رسالة الحب هذه والتي زادت من امتناني القلبي بقول الحمد لله.

نظرت حولي في رهبة ودهشة على الأرض، والأشجار، والمباني، والجدران، والأرضيات، وكل شيء….هذا هو الأقصى….كان قلبي في حالة من الطمأنينة وشعرت كأنني لا أستطيع أن أنظر كفاية، لكنني كنت مغموراً بشعور من التواضع بين يدي خالقي. في حين أن مكة المكرمة والمدينة المنورة هما في قلب شبه الجزيرة العربية والأكثر شهرة بين المساجد الثلاثة المقدسة، لكن المسجد الأقصى له تاريخ مثير للجدل وأصبح مسيساً في الآونة الأخيرة في العالم العربي. هذا الحرم الثالث الذي نصحنا النبي صلى الله عليه وسلم بزيارته قد أصبح في المرتبة الثانية تقريباً في قضية الاحتلال الاسرائيلي للأقصى. وهكذا، فقد وصلت هنا بالرغم من كل شيء مما جعل من هذه اللحظة مميزة فعلاً. فكم من المسلمين العرب لم يستطيعوا الوصول إلى هنا وربما لن يتمكنوا بسبب سياسة الدول! وها نحن هنا، مع ابنتنا ذات الـ 18 شهراً، نمشي على أرض ثالث حرم قدسي في الاسلام. أدعو الله بأن نتمكن يوماً ما من إعادة اكتشاف الروح الحقيقية للتعايش بين الأديان التي تجسد معنى القدس بحيث يحكم السلام بدل السياسة في هذه المدينة المقدسة.

وبينما مشينا أكثر في تلك الأراضي، بدأت أقدر الحجم الضخم للحرم القدسي الشريف وذكّرت نفسي بأنه بالرغم من أننا كنا نمشي في مكان مفتوح (يشبه إلى حد كبير حديقة جميلة) إلا أننا مازلنا ضمن الحرم الذي يستوجب الأدب معه كمكان مقدس. كنا نمشي عبر الحائط الغربي للحرم باتجاه الحائط الجنوبي (تجاه القبلة) عندما ظهرت قبة الصخرة فجأة فوق الجزء العلوي من أشجار الحرم. إنه مشهد رائع من الجمال لا مثيل له ويلمسك في قلبك. توقفت للحظة لأنظر إلى ما يمكن رؤيته من القبة بلونها الذهبي الأخاذ الذي يتلألأ بأشعة الشمس. تقف الكلمات عاجزة تماماً عن وصف هذه اللحظة.

في الجزء الثالث، سأكتب عن جولتنا في الحرم وعن تجربة الصلاة هناك والأماكن الأخرى الهامة المختلفة التي تقع داخل الحرم الشريف.

*هناك التباس حقيقي حول الأسماء المستخدمة للأقصى وعن ما تمثله. وفيما يلي صورة جوية مع الأسماء الصحيحة لإزالة أي لبس أو سوء فهم.
















الصور المصغرة للصور المرفقة
اضغط على الصورة لعرض أكبر
الاســـم:	al-aqsa1.jpg‏
المشاهدات:	826
الحجـــم:	98.1 كيلوبايت
الرقم:	3306   اضغط على الصورة لعرض أكبر
الاســـم:	img_2340.jpg‏
المشاهدات:	803
الحجـــم:	49.7 كيلوبايت
الرقم:	3307   اضغط على الصورة لعرض أكبر
الاســـم:	img_14681.jpg‏
المشاهدات:	818
الحجـــم:	49.6 كيلوبايت
الرقم:	3308   اضغط على الصورة لعرض أكبر
الاســـم:	img_15811.jpg‏
المشاهدات:	730
الحجـــم:	49.4 كيلوبايت
الرقم:	3309   اضغط على الصورة لعرض أكبر
الاســـم:	photo-30-10-2012-18-39-26.jpg‏
المشاهدات:	815
الحجـــم:	64.8 كيلوبايت
الرقم:	3310  

__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس