عرض مشاركة واحدة
قديم 03-23-2011
  #2
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: المثنوي العربي النوري - نقطة من نور معرفة الله

المثنوي العربي النوري - ص: 428
اولها: منهج الصوفية، المؤسس على تزكية النفس والسلوك الاشراقي.
ثانيها: منهج علماء الكلام المبني على "الحدوث والامكان" في اثبات واجب الوجود.
ومع ان هذين الأصلين قد تشعبا من القرآن الكريم، ألاّ أن البشر قد افرغهما في صور شتى، لذا اصبحا منهجين طويلين، وذوي مشاكل فلم يبقيا مصانين من الاوهام والشكوك.
ثالثها: مسلك الفلاسفة المشوب بالشكوك والشبهات والاوهام.
رابعها واولاها: طريق القرآن الكريم الذي يعلنه ببلاغته المعجزة، وبجزالته الساطعة، فلا يوازيه طريق في الاستقامة والشمول، فهو اقصر طريق الى الله، واقربه الى الله، واشمله لبني الانسان.
ولبلوغ عرش هذا الاصل هناك اربع وسائل: الالهام، التعليم، التزكية، التدبر.
هذا وان للقرآن الكريم في معرفة الله سبحانه، واثبات وحدانيته طريقين:
الاول: دليل العناية والغاية.
ان جميع الآيات الكريمة التي تعدّ منافع الاشياء، وتذكر حِكَمها، هي نسّاجة لهذا الدليل، ومظاهر لتجلي هذا البرهان.
وزبدة هذا الدليل هي: اتقان الصنع في النظام الاكمل في الكائنات، وما فيها من رعاية المصالح والحكم، اذ النظام المندمج في الكائنات، وما فيه من رعاية المصالح والحكم، يدل على قصد الخالق الحكيم وحكمته المعجزة، وينفي نفياً قاطعاً وهم المصادفة والاتفاق الاعمى. لأن الاتقان لا يكون دون اختيار. فكل علم من العلوم الكونية شاهد صدق على النظام، ويشير الى المصالح والثمرات المتدلية كالعناقيد في اغصان الموجودات، ويلوح في الوقت نفسه الى الحكم والفوائد المستترة في ثنايا انقلاب الاحوال وتغيّر الاطوار.
فان شئت فانظر الى علم الحيوان والنبات. فقد ثبت فيهما ان الانواع التي يزيد عددها على مئتي الف نوع، كل له اصل معين، وجدّ اكبر - مثلما الانسان له اصل


المثنوي العربي النوري - ص: 429
وهو آدم عليه السلام - وكل فرد من هذه الانواع الوفيرة كأنه ماكنة بديعة عجيبة تبهر الافهام. فلا يمكن ان تكون القوانين الموهومة الاعتبارية والاسباب الطبيعية العمياء الجاهلة، موجدة لهذه السلاسل العجيبة من الافراد والانواع. اي ان كل فرد، وكل نوع، يعلن بذاته أنه صادر مباشرةً من يد القدرة الالهية الحكيمة.
ويذكّرنا القرآن الكريم بهذا الدليل، في قوله تعالى:
(فارجع البصر هل ترى من فطور) (الملك: 3) بل يبينه على افضل واكمل وجه، اذ كما أنه يأمرنا بالتفكر في المخلوقات فانه يقرّر في الاذهان هذا الدليل - دليل العناية - بتعداده الفوائد والنعم، ومن بعد ذلك الاحالة الى العقل في خواتيم الآيات وفواصلها. فينبه العقل ويحرك الوجدان في امثال هذه الآيات:
(.. أو لا يعلمون) (.. أفلا تتذكرون) (.. فاعتبروا..) .
الدليل القرآني الثاني: هو دليل الاختراع. وخلاصته:
ان الله تعالى اعطى لكل فرد، ولكل نوع، وجوداً خاصاً، هو منشأ آثاره المخصوصة، ومنبع كمالاته اللائقة، اذ لانوع يتسلسل من الازل. لأنه من الممكنات ولبطلان التسلسل. وان الحقائق لا تنقلب بل ثابتة، والانواع المتوسطة لا تدوم سلاسلها، أما تحول الاصناف فهو غير انقلاب الحقائق، اذ ما يسمّونه من تغير صور المادة ما هو الاّ حادث، لأن حدوث بعضها مشهود، وبعضها الآخر يثبت بالضرورة العقلية. فالقوى والصور من حيث انها عرضية لاتشكل التباين الجوهري الموجود في الانواع. فلا يكون العرض جوهراً. ففصائل الانواع اذاً وميزات عموم الاعراض وخواصها قد ابدع واخترع من العدم البحت، اما التناسل في السلسلة فهو من الشرائط الاعتبارية الاعتيادية. فيا عجباً كيف تستوعب اذهان الضلالة أزلية المادة - وهي تنافي الازلية قطعاً - بينما تعجز تلك الاذهان عن ادراك ازلية الخالق الجليل التي هي من ألزم صفاته الضرورية؟
ثم كيف وجدت الذرات المتناهية في الصغر قوةً وثباتاً بحيث تقاوم اوامر القدرة الالهية، وتبقى ازلية، بينما الكون بعظمته منقاد الى تلك الاوامر انقياد طاعة وخضوع؟ وكيف يسند الابداع والايجاد - وهما من خواص القدرة الالهية - الى أعجز شئ وأهونه وهو الاسباب؟.


المثنوي العربي النوري - ص: 430
فالقرآن الكريم يرسخ هذا الدليل في آياته التي تبحث عن الخلق والايجاد، ويقرر: ان لا مؤثر الاّ الله وحده. فالاسباب لا تأثير لها تأثيراً حقيقيا، وانما هي ستائر امام عزة القدرة وعظمتها، لئلا يرى العقل مباشرة يد القدرة بالامور الخسيسة بنظره الظاهر، اذ ان لكل شئ جهتين:
احداهما: جهة الملك: وهي كالوجه الملون المطلي للمرآة، ترده الاضداد، وتصبح حقيرة، عظيمة، قبيحة، شريرة.. الخ. فالاسباب في هذا الوجه موجودة لأجل اظهار العظمة والعزة.
والجهة الثانية: جهة الملكوت: وهي كالوجه الشفاف للمرآة. هذه الجهة جميلة في كل شئ، اذ لا تأثير للاسباب فيها، فالوحدانية تقتضي هذا. وحيث ان كلاً من الحياة والروح والنور والوجود قد خرج من يد القدرة الالهية دون وساطة فالوجهان شفافان جميلان، اي: جميل ملكاً وملكوتاً.البرهان الرابع: هو وجدان الانسان المسمى بالفطرة الشاعرة.
اولاها: ان الفطرة لا تكذب، ففي البذرة ميلان للنمو، اذا قال: سأنبت، سأثمر، فهو صادق. وفي البيضة ميلان للحياة، اذا قال: سأكون فرخاً، فيكون باذن الله، وهو صادق. واذا قال ميلان التجمد في غَرفة من ماء: سأحتل مكاناً أوسع، فلا يستطيع الحديد - رغم صلابته - ان يكذّبه، بل صدقُ قوله يفتت الحديد. فهذه الميول انما هي تجليات الاوامر التكوينية الصادرة من الارادة الالهية.
النكتة الثانية: لا تقتصر حواس الانسان الظاهرة والباطنة على الحواس الخمسة المعروفة؛ حاسة السمع والذوق والبصر.. الخ، وانما له نوافذ كثيرة مطلة الى عالم الغيب، فله حواس كثيرة غير معلومة. فحاسة السَوق وحاسة الشوق لديه حواس لا تكذب ولا تزل.
النكتة الثالثة: لا يمكن ان يكون شئ موهوم مبدءاً لحقيقة خارجية. فنقطة الاستناد والاستمداد حقيقتان ضروريتان مغروزتان في الفطرة والوجدان، حيث أن الانسان مكرم وهو صفوة المخلوقات، فلولاهما لتردى الانسان الى اسفل سافلين، بينما الحكمة والنظام والكمال في الكائنات يردّ هذا الاحتمال.


المثنوي العربي النوري - ص: 431
النكتة الرابعة: ان الوجدان لا ينسى الخالق مهما عطّل العقلُ نفسه وأهمل عمله، بل حتى لو أنكر نفسه فالوجدان يبصر الخالق ويراه، ويتأمل فيه ويتوجه اليه. والحدس - الذي هو سرعة انتقال في الفهم - يحرّكه دائما. وكذا الالهام - الذي هو الحدس المضاعف - ينوّره دوماً. والعشق الالهي يسوقه ويدفعه دوماً الى معرفة الله تعالى، ذلك العشق المنبعث من تضاعف الشوق المتولد من تضاعف الرغبة الناشئة من تضاعف الميلان المغروز في الفطرة. فالانجذاب والجذبة المغروز في الفطرة ليس الاّ من جاذب حقيقي.
وبعد ما تبين لك هذه النكات، أمعن في الوجدان لترى كيف انه برهان مودع في نفس كل انسان يثبت التوحيد، ولتشاهد ايضاً ان قلب الانسان مثلما ينشر الحياة الى ارجاء الجسد فالعقدة الحياتية فيه وهي معرفة الله تنشر الحياة الى آمال الانسان وميوله المتشعبة في مواهبه واستعداداته غير المحدودة، كل بما يلائمه، فتقطر فيها اللذة والنشوة وتزيدها قيمة واهمية، بل تبسطها وتصقلها.. فهذه هي نقطة الاستمداد.
والمعرفة الالهية نفسها هي نقطة استناد للانسان امام تقلبات الحياة ودوّاماتها وامام تزاحم المصائب والنكبات وتواليها عليه، اذ الانسان ان لم يعتقد بالخالق الحكيم الذي كل امره نظام وحكمة، واسند الامور والحوادث الى المصادفات العمياء، وركن الى ما يملكه من قوة هزيلة لا تقاوم شيئاً من المصائب، فانه سينهار حتماً من فزعه وخوفه من هول ما يحيط به من بلايا، وسيشعر بحالات اليمة تذكّره بعذاب جهنم. وهذا ما لايتفق وكمال روح الانسان المكرم، اذ يستلزم سقوطه الى هاوية الذل والمهانة، مما ينافي النظام المتقن القائم في الكون كله، اي ان هاتين النقطتين: نقطة الاستمداد والاستناد ضروريتان لروح الانسان. فالخالق الكريم ينشر نور معرفته ويبثها في وجدان كل انسان من هاتين النافذتين - نقطة الاستمداد ونقطة الاستناد - فمهما اطبق العقل جفنه ومهما اغمض عينه.. فعيون الوجدان مفتحة دائماً.
وهكذا فشهادة هذه البراهين الاربعة العظيمة القاطعة تدلنا على: ان الخالق الجليل كما انه واجب الوجود، ازلي، واحد، أحد، فرد، صمد، عليم، قدير، مريد، سميع، بصير، متكلم، حي، قيوم، فهو متصف كذلك بجميع الاوصاف الجلالية والجمالية، لأن ما في المخلوقات من فيض الكمال انما هو مقتبس من ظل تجلي كمال


المثنوي العربي النوري - ص: 432
خالقه الجليل، فبالضرورة يوجد في الخالق سبحانه من الحسن والجمال والكمال ما هو أعلى بدرجات غير متناهية وبمراتب مطلقة من عموم ما في الكائنات من الحسن والكمال والجمال. ثم ان الخالق سبحانه منزّه عن كل النقائص، لأن النقائص انما تنشأ عن افتقار استعداد ماهيات الماديات وقابلياتها، وهو سبحانه وتعالى منزّه عن الماديات مقدس متعال عن لوازم واوصاف نشأت عن امكان ماهيات الكائنات.
(ليس كمثله شئ وهو السميع البصير) (الشورى: 11)
فسبحان من اختفى لشدة ظهوره.
سبحان من استتر لعدم ضده.
سبحان من احتجب بالاسباب لعزته.سؤال: ما ترى في "وحدة الوجود"؟
الجواب: انه استغراق في التوحيد، وتوحيد ذوقي لا ينحصر في نظر العقل والفكر؛ اذ ان شدة الإستغراق في التوحيد - بعد توحيد الربوبيةوتوحيد الألوهية - يُفضي الى وحدة القدرة، اي: لا مؤثرفي الكون الاّ الله. ثم يؤدي هذا الى وحدة الادارة، وهذا يسوق الى "وحدة الشهود" ثم الى "وحدة الوجود". ومن بعدها رؤية وجود واحد ثم الى رؤية موجود واحد... فشطحات علماء الصوفية التي هي من قبيل المتشابهات لا تقام دليلاً على هذا المذهب. فالذي لم تتخلص روحهُ من تأثير الاسباب ولم تتجرد من دائرتها اذا ما تكلم عن وحدة الوجود يتجاوز حدّه. والذين يتكلمون به انما حصروا نظرهم في "واجب الوجود" حصراً بحيث تجرّدوا عن الممكنات فاصبحوا لا يرون الاّ وجوداً واحداً بل موجوداً واحداً.. نعم، ان رؤية النتيجة ضمن الدليل، أي رؤية الصانع الجليل ضمن موجودات العالم شئ ذوقي ولا يمكن بلوغها الاّ باستغراق ذوقي. فادراك حقيقة جريان التجليات الألهية في جداول الاكوان، وسريان الفيوضات الألهية في ملكوتية الاشياء، ورؤية تجلي الاسماء والصفات في مرايا الموجودات.. اقول: ان ادراك هذه الحقائق أمرٌ ذوقي. الاّ ان أصحاب مذهب وحدة الوجود لضيق الالفاظ عبّروا عن هذه الحقيقة بالألوهية


المثنوي العربي النوري - ص: 433
السارية والحياة السارية في الموجودات، وحينما حصر أهل الفكر والعقل هذه الحقائق الذوقية في مقاييس فكرية وعقلية جعلوها مصدر كثير من الأوهام والافكار الباطلة.
ثم ان ما لدى الفلاسفة الماديين ومن وهنت عقيدتهم من المفكرين من مذهب "وحدة الوجود" وما لدى الأولياء منه بوناً شاسعاً وفروقاً كثيرة بل انهما متضادان ونقيضان. فهناك خمسة فروق بينهما:
الفرق الاول: ان علماء الصوفية قد حصروا نظرهم في "واجب الوجود" واستغرقوا في التأمل فيه بكل قواهم حتى أنكروا وجود الكائنات ولم يعودوا يرون في الوجود الاّ هو. اما الآخرون (الفلاسفة الماديون وضعفاء الايمان) فقد صرفوا كل تفكيرهم ونظرهم في المادة حتى ابتعدوا عن أدراك الألوهية بل أوْلَوا المادة أهمية عظيمة حتى جعلتهم لا يرون من الوجود الاّ المادة بل تمادوا في الضلالة بحيث مزجوا الالوهية في المادة بل استغنوا عنها لشدة حصرهم النظر في الكائنات.
الفرق الثاني: ان ما لدى الصوفية من وحدة الوجود تتضمن وحدة الشهود في حين مالدى الآخرين يتضمن وحدة الموجود.
الفرق الثالث: ان مسلك الاولياء مسلك ذوقي بينما مسلك الآخرين مسلك عقلي.
الفرق الرابع: يحصر الأولياء نظرهم في الحق تعالى ثم ينظرون نظراً تبعياً ثانوياً الى المخلوقات بينما الآخرون يحصرون نظرهم أولاً وبالذات في المخلوقات.
الفرق الخامس: ان الاولياء عبّاد الله ومحبوه بينما الفلاسفة يعبدون أنفسهم وهواهم، فاين الثرى من الثريا.. واين الضياء الساطع من الظلمة الدامسة.
تنوير:
لو افترض - مثلاً - ان الكرة الأرضية قد تشكلت من قطع زجاجية صغيرة جداً ومختلفة الالوان، فلا شك ان كل قطعة ستستفيض من نور الشمس حسب تركيبها وجرمها ولونها وشكلها.
فهذا الفيض الخيالي ليس الشمس بذاتها ولا ضياؤها بعينه.


المثنوي العربي النوري - ص: 434
فلو نطقت ألوان الازهار الزاهية المتجددة والتي هي تجليات ضياء الشمس وانعكاسات ألوانه السبعة، لقال كل لون منها:
ان الشمس مثلي. او ان الشمس تخصّني انا.
آن خيالاتى كه دام اولياست عكس مهروبان بستان خداست 1
ولكن مشرب أهل وحدة الشهود هو: الصحو والتمييز والانتباه، بينما مشرب اهل وحدة الوجود هو: الفناء والسكر. والمشرب الصافي هو مشرب الصحو والتمييز.
(تفكروا في آلاء الله ولا تفكروا في ذاته فانكم لن تقدروا) 2
حقيقة المرء ليس المرء يدركُهــــَا فكيف كيفيـة الجبــار ذي القدم
هو الذي ابدع الاشياءَ وأنشأها فكيف يُدركهُ مستحدثُ النَّسَمِ 3
***
هذا ولم يدرج هنا القسم الثاني - الذي يخص بقاء الروح - من رسالة "نقطة" حيث أوفته حق الايفاء الكلمة التاسعة والعشرون والكلمة العاشرة "الحشر". فنحيل القارى الكريم اليهما. اما القسم الثالث الذي هو عبارة عن اربعة عشر درساً فقد نشر مستقلاً تحت عنوان "المدخل الى النور".
سعيد النورسي
____________________
1 اى: "ان الخيالات التي هي شِباكُ الاولياء انما هي مرآة عاكسة تعكس الوجوه النيرة في حديقة الله" والبيت لجلال الدين الرومي في مثنويه ج1 / 3 .
2 حديث حسن : اخرجه الطبراني في الاوسط 6456 واللالكائي في السنة 1 / 119 /1-2 والبيهقي في الشعب 1 / 75 ( الاحاديث الصحيحة 1788 وله شواهد اخرى حسنة). وانظر المجمع 1 / 81 وحلية الاولياء 6 / 66 - 67 وصحيح الجامع الصغير 2972و 2973
3 ينسب الى الامام علي كرّم الله وجهه - ديوان الامام علي ص 185 - بيروت.
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس