عرض مشاركة واحدة
قديم 05-28-2009
  #2
هيثم السليمان
عضو شرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: دير الزور _ العشارة
المشاركات: 1,367
معدل تقييم المستوى: 17
هيثم السليمان is on a distinguished road
افتراضي رد: الشيخ عبد الكريم الرفاعي رحمه الله تعالى

أخلاقه في الدعوة والتربية :
لم يكن منطلق الشيخ عبد الكريم في نشر دعوة الإسلام وتربية الناس عليها إلا جملة من الأخلاق التي تحلى بها طوال حياته ، ومن أبرزها التواضع والحب والاعتدال .
أما التواضع ونكران الذات فقد كان الشيخ مضرب المثل فيه ، سواء كان ذلك مع أقرانه من العلماء أو مع طلابه الكثيرين ، إذا جلس مع إخوانه العلماء يؤثر الاستماع إليهم والاستفادة منهم ، وإذا جلس مع طلابه عاملهم كأبنائه بل ربما يقدمهم على أولاده لا يبخل عليهم بعلم ولا توجيه ولادعاء , ويسعى في قضاء حوائجهم ما أمكنه ذلك .
وأما الحب فهو الوقود الذي كان يدفع به إلى ساحة الدعوة وتحمُّل مشاقها وأعبائها ، كان يحب دعوته لأنها دعوة الله عز وجل ، وكان يحب الناس ويحرص على هدايتهم وإخراجهم من الظلمات إلى النور متأسياً في ذلك برسول الله صلى الله عليه وسلم ،وما أكثر ما ورد في دروسه العامة والخاصة موضوع الحب ,ولا زلت أذكر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان يكرره على أسماعنا بين الفينة والفينة ( أي عرى الإيمان أوثق ؟ ) ثم يقول عليه الصلاة والسلام بعد إجابات متعددة ( الحب في الله والبغض في الله ) , ولعمري لا يمكن لصاحب دعوة أن ينجح في دعوته إذا كان أنانياً مبغضا للناس من حوله ، ولا يمكن أن تنجح جماعة في دعوة إذا كان أفرادها يتعالى بعضهم على بعض ويبغض بعضهم بعضاً .
وأما الاعتدال فهي سمة هذا الدين , وسمة رسول هذا الدين عليه أفضل الصلاة والسلام ، ألم يقل ربنا في محكم كتابه ( وكذلك جعلناكم أمة وسطاً ) ورسولنا المصطفى صلى الله عليه وسلم قال ( إن المنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى ) والمنبَتُّ هو الشديد المتعنت الذي يرهق نفسه ودابته في قطع الطريق إلى غايته ، وما أظن الاعتدال إلا ثمرة من ثمار العلم المتوازن والتأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم .
نشاطه الاجتماعي :
في غمرة ما كان يقوم به الشيخ من أمور الدعوة والتربية والتعليم , وما كان يأخذ منه هذا العمل من جهد ووقت ، لم ينسَ ما كان يعاني منه الكثير من أفراد مجتمعه , وخاصة في الأحياء الشعبية من الفقر والمرض والحاجة , فدعا إلى تأسيس الجمعيات الخيرية التي تعتني بشؤون الفقراء والمرضى والأرامل والأيتام المحتاجين عملا بقول الله عز وجل ( وتعاونوا على البر والتقوى ) وبقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ( واللهُ في عون العبد مادام العبد في عون أخيه ) , وبذلك يقترن القول بالعمل , وينشأ المجتمع المسلم المتكافل الذي إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى .
وكان من ثمار هذا التوجه إنشاء( جمعية البر والإحسان) في حي قبر عاتكة ، وجمعية (إغاثة الفقير) في حي باب سريجة ، ولما ظهرت آثار هاتين الجمعيتين وكثرت أعباؤهما أسس الشيخ مع لفيف من العلماء وأهل الخير الصالحين جمعية ثالثة يشمل نشاطها مدينة دمشق بأسرها وهي جمعية النهضة الإسلامية ، التي تقوم برعاية الفقراء والمحتاجين من أي حي كانوا وسد حاجة المرضى والعاجزين ومكافحة التسول والتشرد لتظهر عاصمة بلاد الشام بالمظهر الكريم الذي يليق بها ، وكان الشيخ يختار لهذه الجمعيات الأعضاء و الإداريين ممن تتوفر فيهم الثقة العظيمة ، والسمعة الطيبة ، والعاطفة الإيمانية النبيلة ، الذين يعطون ولا يأخذون , ويبذلون ولا يطلبون إلا رضا الله عز وجل .
خاض الشيخ غمار هذه الأعمال كلها بصبر المؤمنين الصادقين ، وعزيمة الغيورين المخلصين ، ودأب الجادين المصلحين ، على الرغم مما واجه من مصاعب ، وما وقف في طريقه من عقبات كان يقابلها بمزيد من المصابرة والإخلاص والصدق مع الله عز وجل واللجوء إليه في كل أمر ، واستعمال ما وهبه الله من عقل وحكمة وخبرة , وكان يعلم أن ما يقوم به من عمل إنما هو مسؤولية العلماء الذين ورثوا مهمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام , وأعظم بها من مهمة ، وأكرم به من مقام يصطفي الله له خاصة خلقه مصداقاً لقوله عز وجل ( الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس ) .
استمر الشيخ على القيام بأعمال الدعوة والتعليم والتربية والعناية بالمجتمع سنين طوالا ربما قاربت الثلاثين عاما حتى إذا ما ثبت غرسه ، وأينعت ثماره ، حان موعد الرحيل إلى قيوم السموات والأرض , فأصيب الشيخ بشلل نصفي أقعده عن العمل ستة أشهر ، وقبيل وفاته بعشرة أيام أصيب بغيبوبة لم يُفق منها إلا لحظة ملاقاة الله عز وجل وهو يقول (الله ) , وصفوة طلابه يقرؤون عند رأسه قول الله تبارك وتعالى من سورة يس ( إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون ، هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون ،لهم فيها فاكهة ولهم ما يدعون ، سلام قولا من رب رحيم ) وكان ذلك في عام 1973م .
رحم الله الشيخ عبد الكريم وجزاه عن أهله وطلابه ومجتمعه خير الجزاء ، وأجزل له العطاء ، وجمعنا به في مستقر رحمته تحت لواء سيد المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم .
هيثم السليمان غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس