عرض مشاركة واحدة
قديم 09-06-2008
  #84
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي

القَهَّارُ جَلَّ جَلاَلُهُ



"هو الذي قهر الكفار بظهور آياته.

وقهر المعاندين بظهور بيناته.

وقهر قلوب أحبابه على العكوف ببابه، فأنسوا بجنابه.

قهر الروح وهي نور؛ فسخَّرها للجسم وهوظلام.

قهر العناصر فألَّف بين الحار والبارد والرطب واليابس.

قهر العباد بالموت؛ قال تعالى: { وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِير} (1) .

قهر الملائكة بالسجود لآدم وهو من الطين.

قهر الإنسان بالجوع والأمراض حتى يذلَّ لرب العالمين.

قهر جميع الحقائق حتى تفرَّد بالعزة الشامخة (2) .

قهر الإنسان بالنوم رغم أنفه؛ فسلب منه كل حيثية، ولولا تجليه بالقهر ما خضعت النفوس (3) .


روي أن ملكاً من ملوك بني إسرائيل تجبَّر وتكبَّر، ومكَّنه الله في الأرض، وأمهله، وأبعد عنه الأمراض استدراجاً، ففي يوم استعرض جنوده وعظماء المملكة، واستعرض الجيش - وكان قوياً جداً - فخطر بباله أن له العزة دون غيره، وأنه المتصرف كيف يشاء!، فأمر الله مَلَكَ الموت أن يقبض روحه في تلك اللحظة، وهو في وسط جنوده، فجاء عزرائيل في صورة إنسان، وأمسك بزمام الدابَّة فأوقفها، فقال له المَلِكُ: أتعرفني؟.

قال: أعرفك... أنت نطفة قذرة، ونهايتك إلى الأرض، وأنت المغرور، الواقع في الزور، وأنا عزرائيل أمرت بقبض روحك الآن!.

فقال: أمهلني حتى أوصي.

فقال له: لا مهلة عندي. أنا خادم، ربي قد أمهلك طويلاً فلم تعتبر، وأعطاك كثيراً فلم تشكر، ورأيت منه ما رأيت فلم تنـزجر!!. وقبض روحه على ظهر الدابة، فسقط بين قومه جثَّةً هامدة، وأنفاسها خامدة، فانزعج الحاضرون، وتجلَّى "القهَّار" الذي يقول للشيء: كن فيكون.


واعلم... أن السرَّ الجليل في وصول العبد إلى المقامات العالية هو استمداده المعنوي من حضرة اسمه"القهار" فإذا تجلَّى له بنور هذا الاسم، قهر الله له العوالم، وسخَّر له الأعداء (4) .


والعبد المتخلِّق بهذا الاسم تهابه الملوك والعظماء، وتطيعه أملاك السماء، فيرى أن أعدى أعدائه نفسه التي بين جنبيه، فيقهرها، ويضيق خناقها، ويخالفها حتى تطيع الأوامر الإلهية، ثم يقهر خصمه العنيد وهو إبليس، فيحترس من وساوسه، ويضيق مجاريه الصيام، ثم يقهر شهوته البهيمية بالإعراض عن مخالطة النساء (5) ، فإن المرأة أعظم فتنة يصطاد بها إبليس الرجال (6) ، ثم يقهر الكفار، ويترك موالاتهم، ثم يقهر أهل الفسق ويهجرهم.


ولقد وضع العارفون علاجاً للتلاميذ وهو هذا الاسم، وهو أكبر سلاح لأن العبد إذا وصل إلى المعاني الروحانية، وتمكن في الرتب العلية، ربما تغتبر نفسه بأنه صار شيئاً مذكورا، فيدركه الله بنور هذا الاسم، فيقهر كل الخواطر والهواجس، ويسلم بفضل الله تعالى .



الدُّعـــــاءُ


"إلهي ... قهرت العوالم كلها من دان وعال، وتجليت بالعظمة، فعرفت كل حبيب موال، أمدني بدقيقة من دقائق اسمك القهار، حتى تنقاد لي نفسي، وينهزم أمامي الفجار، وامنحني صولة عليها، لأَصول بها على إبليس، وأنجو من الشهوات الحيوانية، واجعلني ملاحظاً لأنوار اسمك (القهار) حتى لا أغتر بأي عظيم في الوجود، فالكل عدم إذا انكشفت الأنوار، والملائكة تحت القهر حيارى، والملوك أمام الحساب سكارى، وما هم بسكارى، واحفظنا وسلِّمنا، واقهر كل من يعارضنا، إنك على كل شيء قدير. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ". " اهـ


اقتباس:=================== الحاشية ==============

(1) - : : سورة الأنعام – الآية 18.

(2) : وقهر العقول فمنعها عن الوصول إلى كنه حقيقته سبحانه، ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء.

(3) : وقال بعضهم: القاهر الذي قهر نفوس العباد، فحبسها على طاعته، والقهار الذي قهر قلوب الطالبين فآنسها بلطف مشاهدته. وقيل: القهار الذي يطلب منك الفناء عن رسومك، والبراءة من قدرك وعلومك. وقيل: القهار الذي طاحت عند صولته صولة المخلوقين، وبادت عند سطوته قوى الخلائق أجمعين، قال تعالى: لمن الملك اليوم لله الواحد القهار فأين الجبابرة والأكاسرة عند ظهور هذا الخطاب؟ وأين الأنبياء والمرسلون، والملائكة المقربون في هذا العتاب؟ ، وأين أهل الضلال والإلحاد، والتوحيد والإرشاد ؟ ، وأين آدم وذريته؟ ، وأين إبليس وشيعته ؟ وكأنهم بادوا وانقضوا . زهقت النفوس، وتبددت الأرواح، وتلفت الأجسام والأشباح، وتفرقت الأوصال، وبقي الموجود الذي لم يزل ولا يزال .

(4) : فحظ العبد من هذا الاسم أن يقهر عدويه؛ أولهما: النفس: كما قال سيدنا وحبيبنا وقرة أعيننا محمد صلى الله عليه وآله وسلم: ( أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك) وذلك بشهواتها وغضبها، فيداوي أمراضها بالرياضة من العبادة. وثانيها: أن يقهر من يريد إغواء الإنسان وهو الشيطان، وقرين السوء من جنده بما يوسوس للإنسان، ويلم به من خواطر السوء، ونوازعه، وبذلك ليكون الإنسان سيد نفسه، وتقوى لمَّةُ الملَك عنده، فيحب الخير ويعمل به، ويجانب الشر ومزالق خطواته.

(5) : فإذا قهر العبد شهوته وغضبه، وحرصه، ووهمه، وخياله، فقد قهر أعداءه، ولم يبق لأحد سبيل عليه، إذ غاية أعدائه أن يسعوا في إهلاك بدنه، وذلك إحياء لروحه، فإن من مات وقت الحياة الجسمانية، عاش عند الموت الجسماني، كما قال تعالى: ولا تحسبن الذي قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون صدق الله العظيم .

وأما كيف السبيل إلى قهر الشهوة والغضب؟ فتارة بالرياضة كما قال سبحانه وتعالى: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا} . وتارة بالجذب، وهو أكمل الطريقين كما قال عليه الصلاة والسلام: (جذبة من جذبات الحق توازي عمل الثقلين) .

(6) : روى الترمذي في سننه بسنده عن أُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ وَسَعِيدِ بنِ زَيْدِ بنِ عَمْرِو بنِ نُفَيْلٍ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَا تَرَكْتُ بَعْدِي في النّاسِ فِتْنَةً أَضَرّ عَلَى الرّجَالِ مِنَ النّسَاءِ". قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وذلك لأن الطباع كثيراً تميل إليهن وتقع في الحرام لأجلهن وتسعى للقتال والعداوة بسببهن، وأقل ذلك أن ترغبه في الدنيا، وأي فساد أضر من هذا؟ وإنما قال بعدي: لأن كونهن فتنة أضر ظهر بعده. قال الحافظ في الحديث: إن الفتنة بالنساء أشد من الفتنة بغيرهن، ويشهد له قوله تعالى: { زين للناس حب الشهوات من النساء} فجعلهن من عين الشهوات وبدأ بهن قبل بقية الأنواع إشارة إلى أنهن الأصل في ذلك، وقد قال بعض الحكماء: النساء شر كلهن وأشر ما فيهن عدم الاستغناء عنهن، ومع أنها ناقصة العقل والدين، تحمل الرجل على تعاطي ما فيه نقص العقل والدين كشغله عن طلب أمور الدين، وحمله على التهالك على طلب الدنيا وذلك أشد الفساد انتهى.قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وأخرجه البخاري في النكاح، ومسلم في آخر الدعوات، والنسائي في عشرة النساء، وابن ماجه في الفتن. وفي الباب عن أبي سعيد أخرجه مسلم عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها فسينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء".

(7) : قال العلامة محمد بن كمال الخطيب الحسني رحمه الله تعالى في معرض القول على اسمه تعالى القهار: لأن من ذكر اسم"القاهر" وعرف مننه على عبده الذي أمدَّه بقوته، فإنه لا يستكبر بنفسه، ولا يغتر بما آتاه الله من فضله، ونظر إلى ضعفاء العباد نظرته إلى نفسه، بضعفها وفقرها، فأعان ذوي الحاجة والضعف على خطته تعالى التي هدى إليها رسوله صلى الله عليه وآله وسلم حين قال له: { أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى وَوَجَدَكَ ضَالا فَهَدَى وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّث}. فهو لا يستكبر بما آتاه الله على من حرمه بل يكون لهم عوناً أداءً لحق الشكر والنعمة حقاً. وإن من أجهزة الإنسان ما يشتغل مقهوراً بمثل نبضات القلب غريزياً، ومنها قدرات يستطيع التصرف بها إرادياً، ضمن ما مكنه الله منه من سلطان، وما أعطاه القدرة عليه، وأذن له به، كقيامه وقعوده، وما يتم به كسبه لنفسه أو عليها من خير أو شر، وصلاح وفساد، فهذه القدرة يعرف الإنسان أنها منحة بجميع ما مكنه منه ربه وسخره له، فلا يطغى به،ولا يستكبر، ويستخدمه بمرضاة ربه على ما أحب الله من إصلاح في الأرض،وعون على البر والخير حتى يكون من أهل الرضوان الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه، جعلنا الله من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه. " اهـ




(يتبع إن شاء الله تعالى مع: اسمه الشريف الوَهَّابُ جَلَّ جَلاَلُهُ.... )
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس