عرض مشاركة واحدة
قديم 09-23-2008
  #86
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: الأنـــــوار الـقــد ســــــيــة في شرح اسماء الله الحسنى واسرارها الخفية

الرَّزَّاقُ جَلَّ جَلاَلُهُ



"هو الذي خلق الأرزاق، وساقها للمرزوقين، وهو الذي يسهلها لأهلها بحكمة خفية وأقدار أزلية تصريفها بيده، وتدبيرها بمشيئته.


قال تعالى: { إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِين } (1) .


وقال تعالى: { وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ وَلَكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاء إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ } (2) .


فإذا رأيت إنساناً فقيراً فاعلم بأن لله حكمةً فيه، وهي ما هو عليه، والذي يهمُّ الإنسان ويشغله أمر معاشه وأرزاقه، فنبَّه الحقُّ لذلك. بقوله:{ وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ } (3) . يعني: رزقكم في القضاء والقدر ليس بيد العبد جلبٌ له، أو بيده وسعة فيه.


وقد أقسم الحقُّ ليطمئنَّ العبد فقال: { فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ } (4) . فالنطق صفة ملازمةٌ للإنسان، كذلك الرزق حقيقةٌ ثابتة مع الإنسان، وقد يكون النطق في العبد فصيحاً، وقد يكون ضعيفاً، كذلك الرزق قد يكون واسعاً، وقد يكون ضيقاً.


والدليل على أن قسمة الأرزاق أزلية أننا نرى رجلاً نبيهاً عالماً، مفكراً، وهو فقير مع سعيه، ورجلاً جاهلاً غبياً والرزق يسعى إليه بدون تفكير منه أوتدبير (5) .


وربما حفر رجلٌ في الأرض ليأخذ منها تراباً لأي مصلحةٍ؛ فوجد كنـزاً دفيناً. ورُبَّ رجلٍ يقضي وقته في البحث عن الدفين أو الكنـز فلا ينال إلا التعب، ولو اجتمع العباد على أن يمنعوا رزقاً مقسوماً لأحدٍ ما أمكنهم ذلك، ولو اجتمعوا على أن يزيدوا ما ليس مقسوماً له لعجزوا.


قال تعالى: { إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ } (6) .


وإذا نظرت إلى تصريف الحقِّ تعالى، وقيامه لكلِّ مخلوق بإيصال الرزق إليه بالوسائل والأسباب، أوبالفضل من الوهاب، تجلَّى لك القادر الحكيم، الخبير، الذي يسوق للدُّود الرزق في ظلمات الأرض، ويرزق الوحش في القفار، ويرزق الطيور بالمقدار.


قال صلى الله عليه وآله وسلم: (لَوْ أَنَّكُمْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ. لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ. تَغْد و خِمَاصاً، وَتَرُوحُ بَطَانا) (7).


فالطيور تصبح جائعة، وتطير في الجو ليس لها مكان معلوم، أوغذاء مفهوم، فترجع إلى أوكارها، وقد ملأ الله بطونها غذاءً ومعها قوت لأبهائها وهي فرحة مسرورة.


فإذا أردت تيسير الرزق فلا تظنَّ أنها بقوتك أو مكرك، ولكنها بتيسير الله تعالى... .


واعلم أن الرزق كل ما ينتفع به من أكل وشرب وملبس، وليس الرزق كل ما تملك، فقد تكون حارساً على المال لغيرك، فتنبَّه وأنفق مما آتاك الله تعالى ليكون لك رزقاً دائماً في الآخرة.


والرزق قسمان: رزقٌ للأرواح والقلوب، وهو العلم النافع، والمعرفة بالله والذكر والفكر، وهو أشرف الأرزاق.


والثاني: رزق الأشباح والجسوم، وهو غذاء وملبس، وملاذٌّ محسوسة، وهي عند العارفين مطالب حيوانية.


ومتى أشرق على القلب نور اسمه"الرازق" سكن القلب للخلاق، فلا يطمع في مخلوق. ولا ينظر إلى أي كائن يرجو منه رزقاً أو مدداً.... ( 8 ) .


ومن أراد وسعة الرزق فليحافظ على الصلاة، ويأمر أهله بها، قال الله تعالى: { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى } (9) .


واعلم أن للرزاق مظاهر: فأعلاها مظاهر أرزاق الأرواح والقلوب، فمن نفع الناس بعلمه ونصحهم بالحسي، وغذى أرواحهم بالمعارف فهو خير مظهر للرزاق، وأعلى من فاز بذلك الأنبياء ثم الورثة. والثاني: مظهر لقوت الأشباح وهم أهل الكرم والرحمة، الذين يطعمون الطعام على حبه لا يريدون جزاءً ولا شكورا. وكن واثقاً مما في يد الله أعظم مما في يدك (10) .


قال الإمام أبو العزائم [ ] :




من ذاق راح الصفا يشهد ضيا الباقي= لم يصطبر نفساً من نار أشواقِ
من ذاق راح طريقي في بدايته=لم يلتفت لسوى معطٍ ورزَّاقِ




الدُّعــــــاءُ


" إلهي ....أنت الرزاق المتكفل بالعوالم، الواسع الرحيم، الذي يرزق المطيع والظالم، فارزق الضعيف بالإحسان، وربما جاع القوي وهو حيران، فالأرزاق بفضلك، والبلاء بعدلك. اللهم ...إنَّ لك موائد تنـزلها لأحبابك، تغذي بها الأرواح والقلوب، فأنزل علينا مائدة المعارف، وسلِّمنا من المخاوف، واجعلنا مظاهر توصل قوت الأرواح لعبادك، وأسباباً توصل قوت الأشباح لأحبابك، واحفظنا من الغرور بالأرزاق، واجعلنا مقبلين عليك بالأشواق، إنك على كل شيء قدير. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم"." اهـ




اقتباس:=================== الحاشية ==============

(1) - سورة الذاريات - الآية 58.
(2) : سورة الشورى - الآية 27.
(3) : سورة الذاريات - الآية 23.
(4) : سورة الذاريات - الآية 23.
(5) : وصدق الشاعر حيث قال: ولو كانت الأرزاق على قدر الحجى *** هلكن إذاً من جهلهنَّ البهائمُ

(6) : سورة آل عمران – الآية 37.

(7) : قال العجلوني في كشف الخفاء: " وللعسكري عن وهب بن منبه أنه قال سئل ابن عباس عن المتوكل فقال الذي يحرث ويبذر وبذره بين المدر. وله أيضا عن معاوية بن قرة أنه قال لقي عمر بن الخطاب ناساً من أهل اليمن فقال: ما أنتم؟ فقالوا متوكلون. فقال: كذبتم أنتم متأكلون!! إنما المتوكل رجل ألقى حبه في الأرض وتوكل على الله عزل وجل. وقد ألف في التوكل غير واحد كابن خزيمة وابن أبي الدنيا رضي الله عنهم.

ولهذا كان سيدي وحبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خير من تحقق بالتوكل على الله الوكيل، وسماه الله المتوكل - كما في صحيح البخاري - قال الله تعالى في الحديث القدسي:" أنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل". وأمره سبحانه بذلك فقال: { إذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين}، أي إذا عزمت بعد المشاورة في الأمر فتوكل على الله في إمضائه، وكن واثقاً بمعونته وتأييده، فهو الوكيل وهو الكفيل، يحب عباده الذين يتجهون إليه، ويعتمدون عليه، مع بذل الجهد واتخاذ الأسباب، لأن التوكل ليس كما يروجه أعداء هذا الدين أنه ترك الأسباب، وإنما هو العمل بالأسباب وتفويض النتائج لمسبب الأسباب، ألا ترى أن الله تعالى قال في سورة الكهف: {وآتيناه من كل شيء سبباً فأتبع سببا }، إذ التوكل إنما هو من عمل القلوب لا الجوارح فافهم، فهَّمني الله وإياك.

( 8 ) : والتعلق بهذا الاسم: استمداد الأرزاق منه؛ الحسية، والمعنوية، والثقة بضمانه، بترك الاضطراب، وعدم الوقوف مع الأسباب، ثقةً بمسبب الأسباب. قال بعضهم: العلم كله في كلمتين؛ لا تتكلف ما كفيت، ولا تضيع ما استكفيت.

والتخلق به: أن ترزق من كُلِّفت برزقه، وتجري رزقك على من قُدِرَ عليه رِزقُه من قريب أو بعيد.

والتحقق به: أن تفنى عن وجودك بشهود الرزاق الحقيقي، فتعطي ولا تبالي، فحينئذٍ تستمد منك الأرزاق الحسية والمعنوية لأنك حينئذ قطب الوجود، منك يستمد كل موجود. وفي الحقيقة ما ثَمَّ إلا واجب الوجود، وبالله التوفيق.

(9) : سورة طه - الآية 132.

(10) : عن أَبِي ذَرٍ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "الزّهَادَةُ فِي الدّنْيَا لَيْسَتْ بِتَحْرِيمِ الْحَلاَلِ وَلاَ إِضَاعَةِ المَالِ وَلَكِنْ الزّهَادَةَ في الدُنْيَا أَنْ لاَ تَكُونَ بِمَا فِي يَدَيْكَ أَوْثقَ مِمّا فِي يَدِ الله، وَأَنْ تَكُونَ فِي ثَوَابِ المُصِيبَةِ إِذَا أَنْتَ أُصِبْتَ بِهَا أَرْغَبُ فِيهَا لَوْ أَنّهَا أُبْقِيَتْ لَكَ". انظر: تحفة الأحوذي - كتاب الزهد عن رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم . 1538 ـ باب مَا جَاءَ في الزّهَادَةِ في الدّنْيَا .الحديث رقم:2378.

واعلم أن من آداب اسم تعالى (الرزاق) أن يعلم العبد أن ربه لا شريك له في رزقه، كما لا شريك له في خلقه، فهو يرجع إليه في جليل الرزق ودقيقه، وأن يرضى بقسمة الرزاق الوهاب، وأن يجعل يده خزانة لربه ، وأن يعرف حقيقة وصف (الرزاق) أنه لا يستحق هذا الوصف إلا الله سبحانه، فلا ينتظر الرزق إلا منه، ولا يتوكل إلا عليه." اهـ





(يتبع إن شاء الله تعالى مع: اسمه الشريف الفَتَّاحُ جَلَّ جَلالهُ.... )
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس